لتبليغ الإدارة عن موضوع أو رد مخالف يرجى الضغط على هذه الأيقونة الموجودة على يمين المشاركة لتطبيق قوانين المنتدى
|
نبض الأنظمة الرسمية للملكة العربية السعودية منتدى يعنى بجميع انظمة الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
20-07-2017, 02:19 PM | #1 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
أنواع الجرائم
بسم الله الرحمن الرحيم أنواع الجريمة تتفق الجرائم جميعاً فيأنها فعل محرم معاقب عليه، ولكنها تتنوع وتختلف إذا نظرنا إليها من غير هذه الوجهة. وعلى هذا يمكننا أن نقسم الجرائم أقساماً متنوعة تختلف باختلاف وجهة النظرإليها. - فإذا نظرنا إلى الجرائم من حيث جسامة العقوبة قسمناها إلى حدود، وقصاص أو دية، وتعازير. - وإذا نظرنا إليها من حيث قصد الجاني قسمناها إلى جرائم عمدية، وجرائم غير عمدية. - وإذا نظرنا إليها باعتبار وقت كشفها قسمناها إلىجرائم متلبس بها، وجرائم لا تلبس فيها. - وإذا نظرنا إليها من حيث طريقة ارتكابها قسمناها إلى جرائم إيجابية وجرائم سلبية، وإلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد،و جرائم مؤقتة وجرائم غير مؤقتة. - وإذا نظرنا إلى طبيعتها الخاصة قسمناها إلى جرائم ضد الجماعة وجرائم ضد الأفراد، وإلى جرائم عادية وجرائم سياسية. * * * الفصل الأول التقسيم المبني على جسامةالعقوبة الحدود - القصاص والدية - التعازير تنقسم الجرائم بحسب جسامة العقوبة المقررة عليها إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: جرائم الحدود: وهي جرائم المعاقب عليها بحد. والحد هو العقوبة المقدرة حقاً لله تعالى، ومعنى العقوبة المقدرة أنها محددة معينة فليس لها حد أدنى ولا حد أعلى، ومعنى أنها حق لله أنها لا تقبل الإسقاط لا منالأفراد ولا من الجماعة. وتعتبر العقوبة حقاً لله في الشريعة كلما استوجبتها المصلحة العامة، وهي دفع الفساد عن الناس وتحقيق الصيانة والسلامة لهم، وكل جريمةيرجع فسادها إلى العامة، وتعود منفعة عقوبتها عليهم، تعتبر العقوبة المقررة عليها حقاً لله تعالى؛ تأكيداً لتحصيل المنفعة، وتحقيقاً لدفع الفساد والمضرة، إذ اعتبارالعقوبة حقاً لله تؤدي إلى عدم إسقاط العقوبة بإسقاط الأفراد أو الجماعة لها. وجرائم الحدود معينة ومحدودة العدد، وهي سبع جرائم: (1) الزنا (2) القذف (3) الشرب (4) السرقة (5) الحرابة (6) الردة (7) البغي. ويسميها الفقهاء “الحدود” دون إضافة اللفظ جرائم إليها، وعقوباتها تسمى الحدود أيضاً ولكنها تميز با لجريمة التي فرضت عليها فيقال: حد السرقة، حد الشرب، ويقصد من ذلك عقوبة السرقة وعقوبة الشرب. القسم الثاني: جرائم القصاص والدية: وهي الجرائم التي تعاقب عليها بقصاص أو دية، وكل من القصاص والدية عقوبة مقدرة حقاً للأفراد، ومعنى أنها مقدرة أنها ذات حد واحد، فليس لها حد أعلى وحد أدنى تتراوح بينهما، ومعنى أنها حق للأفراد أن للمجني عليه أن يعفو عنها إذا شاء، فإذا عفا أسقط العفو العقوبة المعفو عنها. وجرائم القصاص والدية خمس: (1) القتل العمد (2) القتل شبه العمد (3) القتل الخطأ (4) الجناية على ما دون النفس عمداً (5) الجنايةعلى ما دون النفس خطأ. ومعنى الجناية على ما دون النفس: الاعتداء الذي لا يؤدي للموت كالجرح والضرب. ويتكلم الفقهاء عن هذا القسم عادة تحت عنوان الجنايات، متأثرين في ذلك بما تعارفوا عليه من إطلاق لفظ الجناية على هذه الأفعال ،ولكن بعض الفقهاء يتكلمون عن هذا القسم تحت عنوان الجراح ناظرين إلى أن الجراحة هي أكثر طرق الاعتداء، كما أن بعض الفقهاء يؤثرون لفظ الدماء عنواناً لهذا القسم. القسم الثالث: جرائم التعازير: هي الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من عقوبات التعزير، ومعنى التعزير التأديب، وقد جرت الشريعة على عدم تحديد عقوبة كل جريمة تعزيرية، واكتفت بتقرير مجموعة من العقوبات لهذه الجرائم تبدأ بأخف العقوبات وتنتهي بأشدها، وتركت للقاضي أن يختار العقوبة أو العقوبات في كل جريمة بما يلائم ظروف الجريمة وظروف المجرم، فالعقوبات في الجرائم التعزير غير مقدرة. وجرائم التعزيرغير محدودة كما هو الحال في جرائم الحدود أو جرائم القصاص والدية، وليس في الإمكان تحديدها. وقد نصت الشريعة على بعضها وهو ما يعتبر جريمة في كل وقت كالرباوخيانة الأمانة والسب والرشوة، وتركت لأولي الأمر النص على بعضها الآخر، وهو القسم الأكبر من الجرائم التعازير، ولكن الشريعة لم تترك لأولي الأمر الحرية في النص على هذه الجرائم بل أوجبت أن يكون التحريم بحسب ما تقتضيه حال الجماعة وتنظيمها والدفاع عن مصالحها ونظامها العام، وأن لا يكون مخالفاً لنصوص الشريعة ومبادئها العامة. وقد قصدت الشريعة من إعطاء أولي الأمر حق التشريع في هذه الحدود تمكينهم من تنظيم الجماعة وتوجيهها الوجهات الصحيحة، وتمكينهم من المحافظة على مصالح الجماعة والدفاع عنها ومعالجة الظروف الطارئة. والفرق بين الجريمة التي نصت عليها الشريعة والعمل الذي يحرمه أولو الأمر: أن ما نصت عليه الشريعة محرم دائماً فلا يصح أن يعتبر فعلاً مباحاً، أما ما يحرمه أولو الأمر اليوم فيجوز أن يباح غداً إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة. أهميةهذا التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى حدود، وقصاص أو دية، وتعازير، من عدةوجوه سنبينها فيما يلي: أولاً: من حيث العفو:جرائم الحدود لا يجوز فيها العفو مطلقاً، سواء من المجني عليه أو ولي الأمر أي الرئيس الأعلى للدولة، فإذا عفا أحدهما كان عفوه لغواً لا أثر له على الجريمة ولا على العقوبة. أما في جرائم القصاص فالعفو جائز من المجني عليه، فإذاعفا ترتب على العفو أثره، فللمجني عليه أن يعفو عن القصاص مقابل الدية، وله أن يعفوعن الدية أيضاً، فإذا عفا عن أحدهما أعفى منه الجاني. وليس لرئيس الدولة الأعلى أن يعفو عن العقوبة في جرائم القصاص بصفته هذه، لأن العفو عن هذا النوع من الجرائم مقرر للمجني عليه أو وليه، لكن إذا كان المجني عليه قاصراً ولم يكن له أولياء كان الرئيس الأعلى للدولة وليه، إذ القاعدة الشرعية أن السلطان ولي من لا ولي له، وفي هذه الحالة يجوز لرئيس الدولة العفو بصفته ولي المجني عليه، لا بأي صفة أخرى، وبشرط ألا يكون العفو مجاناً. وفي جرائم التعازير لولي الأمر - أي رئيس الدولة الأعلى - حق العفو عن الجريمة، وحق العفو عن العقوبة، فإذا عفا كان لعفوه أثره بشرط أن لايمس عفوه حقوق المجني عليه الشخصية. وليس للمجني عليه أن يعفو في التعازير إلا عما يمس حقوقه الشخصية المحضة. ولما كانت الجرائم تمس الجماعة فإن عفو المجني عليه من العقوبة أو الجريمة لا يكون نافذاً وإن أدى في الواقع إلى تخفيف العقوبة على الجاني، لأن للقاضي سلطة واسعة في جرائم التعازير من حيث تقدير الظروف المخففة،وتخفيف العقوبة. ولا شك أن عفو المجني عليه يعتبر ظرفاً مخففاً. ثانياً: من حيث سلطة القاضي:في جرائم الحدود إذا ثبتت الجريمة وجب على القاضي أن يحكم بعقوبتها المقررة لا ينقص منها شيئاً ولا يزيد عليها شيئاً،وليس له أن يستبدل بالعقوبة المقررة عقوبة أخرى، ولا أن يوقف تنفيذ العقوبة، فسلطة القاضي في جرائم الحدود قاصرة على النطق بالعقوبة المقررة للجريمة. وفي جرائم القصاص سلطة القاضي قاصرة على توقيع العقوبة المقررة إذا كانت الجريمة ثابتة قبل الجاني، فإذا كانت العقوبة القصاص وعفا المجني عليه عن القصاص أو تعذر الحكم به لسبب شرعي وجب على القاضي أن يحكم بالدية ما لم يعف المجني عليه عنها؛ فإذا عفا كان على القاضي أن يحكم بعقوبة تعزير. وله في التعازير - كما سنبين - سلطة واسعة. أما جرائم التعازير فللقاضي فيها سلطة واسعة في اختيار نوع العقوبة ومقدارها، فله أن يختار عقوبة شديدة أو خفيفة بحسب ظروف الجريمة والمجرم، وله أن ينزل بالعقوبة إلى أدنى درجاتها، وله أن يرتفع بها إلى حدها الأقصى، وله أن يأمربتنفيذ العقوبة أو إيقاف تنفيذها. ثالثاً: من حيث قبول الظروف المخففة:ليس للظروف المخففة أي أثر على جرائم الحدود والقصاص والدية، فالعقوبة المقررة لازمة مهما كانت ظروف الجاني. أما في جرائم التعازيرفا لظروف المخففة أثرها على نوع العقوبة ومقدارها، فا للقاضي أن يختار عقوبة خفيفة،وأن ينزل بها إلى أدنى حدودها، وله أن يوقف تنفيذها. رابعاً:من حيث إثبات الجريمة: تشترط الشريعة لإثبات جرائم الحدود والقصاص عدداً معيناً من الشهود، إذا لم يكن دليل إلا الشهادة، فجريمة الزنا لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود يشهدون الجريمة وقت وقوعها، وبقية جرائم الحدود والقصاص لا تثبت إلا بشهادة شاهدين على الأقل. أما جرائم التعازير فتثبت بشهادة شاهد واحد. ولا تعرف القوانين الوضعية هذا التقسيم، وإنما هي تقسم الجرائم غالباً إلى جنايات وجنح ومخالفات. * * * تقسيم الجرائم بحسب قصد الجاني الجرائم المقصودة - الجرائم غير المقصودة تنقسم الجرائم بحسب قصد الجاني إلى جرائم مقصودة وجرائم غيرمقصودة: (أ) الجرائم المقصودة:هي التي يتعمد الجاني فيها إتيان الفعل المحرم وهو عالم بأنه محرم، وهذا هو المعنى العام للعمد في الجرائم المقصودة أو الجرائم العمدية. وللعمد معنى خاص في القتل، وهو تعمد الفعل المحرم وتعمد نتيجته، فإن تعمد الجاني الفعل دون نتيجة كان الفعل قتلاً شبه عمد،وهو ما يسمى في القوانين الوضعية بـ “الضرب المفضي إلى الموت”. (ب) الجرائم غير المقصودة:هي التي لا ينتوي فيها الجاني إتيان الفعل المحرم ولكن يقع الفعل المحرم نتيجة خطأ منه، والخطأ على نوعين النوع الأول: هو ما يقصد فيه الجاني الفعل الذي أدى للجريمة ولا يقصد الجريمة ولكنه مع ذلك يخطئ:إما في نفس الفعل كمن يرمي حجراً ليتخلص منه فيصيب أحد المارة، أو يرمي صيداً فيخطئه ويصيب آدمياً. وإما أن يكون الخطأ في ظنه كمن يرمي ما يظنه اً فإذا هو إنسان، أو يرمي من يظنه جندياً من جنود الأعداء فإذا هو أحد الوطنيين. ففي هذه الحالات يقصد الجاني الفعل ولا يقصد الجريمة، ولكن خطأه في فعله أو ظنه يؤدي إلى وقوع الجريمة. النوع الثاني: هو ما لا يقصد فيه الجاني الفعل ولا الجريمة،ولكن يقع الفعل نتيجة لإهماله أو عدم احتياطه، كمن ينقلب وهو نائم على آخر بجواره فيقتله، وكمن يحفر بئراً في طريق ولا يتخذ احتياطاته لمنع سقوط المارة فيه. أهمية هذا التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى مقصودة وغير مقصودة من وجهين: أولهما: أن الجريمة المقصودة تدل على روح إجرامية لدى الجاني، أماغير المقصودة فليس فيها ما يدل على ميل الفاعل للإجرام، ومن ثم كانت عقوبة الجريمة المقصودة شديدة وعقوبة الجريمة غير المقصودة خفيفة. ثانيهما: يمتنع العقاب على الجريمة المقصودة إذا لم يتوفر ركن العمد، أما الجريمة غير المقصودة فيعاقب عليها لمجرد الإهمال أو عدم التثبت. وتعرف القوانين الوضعية هذا التقسيم، وهي تتفق مع الشريعة في موضوعه ونتائجه. * * * تقسيم الجرائم بحسب وقت كشفها جرائم متلبس بها - وجرائم لا تلبس فيها تنقسم الجرائم بحسب وقت كشفها إلى جرائم متلبس بها وجرائم لا تلبس فيها. الجريمة المتلبس بها:هي الجريمة التي تكشف وقت ارتكابها، أوعقب ذلك ببرهة يسيرة. وقد عرف قانون “تحقيق الجنايات المصري” التلبس في المادةالثامنة بأن مشاهدة الجاني متلبساً بالجناية هي رؤيته حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة، ويعتبر أيضاً أن الجاني شوهد متلبساً بالجناية إذا تبعه من وقعت عليه الجناية عقب وقوعها منه بزمن قريب، أو تبعته العامة مع ال، أو وجد في ذلك الزمن حاملاً لآلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقاً أو أشياء أخرى يستدل منها على أنه مرتكب الجناية أو مشارك في فعلها. والجريمة التي لا تلبس فيها: هي التي لاتكشف وقت ارتكابها، أو التي يمضي بين ارتكابها وكشفها زمن غير يسير. والمعروف لدى فقهاء الشريعة أن التلبس هو كشف الجريمة وقت ارتكابها، ولكن ليس في الشريعة مايمنع من اعتبار حالة التلبس طبقاً لوجهة "القانون المصري"، خصوصاً وأن المقصود من اعتبار هذه الحالة قائمة هو تسهيل الإجراءات لكشف الحقيقة. أهمية هذا التقسيم: تظهر أهمية هذا التقسيم في الشريعة من وجهين: معنى لفظ “الجناية” هنا يتفق مع معنى الجناية في الشريعة الإسلامية وهو الجريمة. أولهما: من حيث الإثبات: إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود وكان الدليل عليها هو شهادة الشهود؛ فيجب أن يكون الشهود قد شهدوا بأنفسهم الحادث وقت وقوعه، ورأوا الجاني وهويرتكب الجريمة، ويجيز الإمام مالك أن يكون الشهود سماعيين ينقلون عمن شهدواالحادث، ولا يجيز هذا باقي الأئمة ثانيهما: من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:إذ شوهد الجاني وهو يرتكب الجناية كان لأيشخص أن يمنعه بالقوة عن ارتكاب الجريمة، وأن يستعمل القوة اللازمة لمنعه، سواء كانت الجريمة اعتداء على حقوق الأفراد كالسرقة، أو اعتداء على حقوق الجماعة كشرب الخمروالزنا، وهذا ما يسمى بـ “حق الدفاع الشرعي العام”. [تقسيم الجرائم بحسب طريقة ارتكابها] جرائم إيجابية - وجرائم سلبية تنقسم الجرائم إلى إيجابية وسلبية: بحسب ما إذا كان الفعل قد ارتكب بطريق الإيجاب أو السلب، أو بحسب ما إذا كان الفعل مأموراً به أو منهياً عنه. والجريمة الإيجابية: تتكون من إتيان فعل منهي عنه كالسرقة والزنا والضرب. والجريمة السلبية: تتكون من الامتناع عن إتيان فعل مأمور به، كامتناع الشاهد عن أداء الشهادة والامتناع عن إخراج الزكاة. وأكثر الجرائم إيجابية وأقلها الجرائم السلبية.. الجريمة الإيجابية تقع بطريق السلب: ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن الجريمة الإيجابية قد تقع بطريق السلب، فإذا وقعت على هذا الوجه استحق فاعلها العقوبة، فمن حبس إنساناً ومنعه الطعام أو الشراب أو الدفء في الليالي الباردة حتى مات جوعاً أو عطشاً أو برداً فهو قاتل عمداً إن قصد بالمنع قتله، وذلك ما يراه مالك والشافعي وأحمد، أما أبو حنيفة فلا يرى الفعل قتلاً، لأن الهلاك حصل بالجوع والعطش والبرد ولم يحصل بالحبس، ولا صنع لأحد في الجوع والعطش والبرد، ولكن أبا يوسف ومحمداً يريان الفعل قتلاً عمداً، لأنه لا بقاء لآدمي إلا بالأكل والشرب والدفء. فالمنع عند استيلاء الجوع والعطش والبرد على الممنوع يكون إهلاكاً له. والأم التي تمنع ولدها الرضاع قاصدة قتله تعتبر قاتلة عمداً، ولو أنها لم تأت بعمل إيجابي. ومن منع فضل مائه مسافراً، عالماً بأنه لا يحل له منعه، وأنه يموت إن لم يسقه، اعتبر قاتلاً له عمداً وإن لم يَلِ قتله بيده، وهو رأي في مذهب مالك ويرى بعض فقهاء مذهب أحمد أنه قتل شبه عمد وإذا حضر نساء ولادة فقطعت إحداهن الحبل السُّري ولم تربطه بعد قطعه متعمدة الامتناع عن ربطه فمات الوليد بسبب ذلك فهي قاتلة له، ومن الممكن اعتبار بقية الحاضرات قاتلات إذا لم يرون أيضاً ربط الحبل السري، لأن القطع غير مهلك في ذاته، وإنما المهلك ترك الربط، ولما كن جميعاً قد تعمدن ترك الربط فالهلاك ينسب إليهن جميعاً متى يعتبر الممتنع مسئولاً؟: والظاهر من تتبع أمثلة الفقهاء أن الممتنع لا يعتبر مسئولاً عن كل جريمة ترتبت على امتناعه، وإنما يسأل فقط حيث يجب عليه شرعاً أو عرفاً أن لا يمتنع. وإذا كان هذا هو القاعدة فهناك اختلاف على ما يوجبه الشرع والعرف، ومن الطبيعي أن يكون هذا الخلاف ما دامت وجهات النظر مختلفة، فمثلاً: يرى بعض الحنابلة أن من أمكنه إنجاء آدمي من هلكة كماء ونار أو سبع فلم يفعل حتى هلك فلا مسئولية عليه، ويرى بعض الحنابلة أنه مسئول، وأساس هذا الخلاف هو: هل الإنجاء واجب أم غير واجب؟ ومن هذا القبيل المثل الذي ضربناه عن منع الماء. الشريعة والقوانين الوضعية: واتجاه فقهاء الشريعة في القتل بالترك هو نفس الاتجاه الذي سار عليه أغلب شراح القوانين الوضعية ابتداء من القرن التاسع عشر، أما قبل ذلك فقد كانت غالبية الشراح ترى أنه لا يمكن إحداث الجريمة بالترك، لأن الترك عدم ولا ينشأ عن العدم وجود، وكانت أقلية الشراح ترى أن الترك يصلح سبباً للجريمة كالفعل تماماً، لأن كليهما يرجع إلى إرادة الإنسان، وقد انتهت الغالبية إلى التسليم بأن الترك يصلح سبباً للجريمة، ولكنهم لم يأخذوا بهذا المبدأ على إطلاقه، وقيدوه بأن يكون الشخص مكلفاً في الأصل بالعمل، وأن يكون الامتناع أو الترك مخالفة لهذا التكليف، ويستوي عندهم أن يكون مصدر التكليف بالعمل القانون أو الاتفاق. ومن الأمثلة التي يضربها شراح القوانين على القتل بالترك: حبس شخص دون حق ومنع الطعام عنه بقصد قتله، وامتناع الأم عمداً عن إرضاع ولدها بقصد قتله. ويضربون مثلاً على الحالة التي لا مسئولية فيها: الامتناع عن إنقاذ مشرف على الغرق، أو إنسان أحاطت به النار، أو أقدم على افتراسه سبع. والأمثلة في الحالين تكاد تكون نفس الأمثلة التي يضربها فقهاء الشريعة الإسلامية. الفرق بين الشريعة والقانون: ويلاحظ أن اشتراط شراح القوانين أن يكون العمل واجباً بمقتضى القانون أو الاتفاق يساوي تماماً ما يشترطه فقهاء الشريعة من أن يكون العمل واجباً بمقتضى الشريعة، لأن الشريعة توجب الوفاء بالعقود والاتفاقات طبقاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، فمن كان عليه واجب طبقاً لاتفاق فهو واجب أيضاً طبقاً للشريعة ما دام لا يخرج على نصوصها أو روحها فالشريعة والقانون يتفقان تماماً في هذه النقطة. ولكن الشريعة تخالف القوانين الوضعية في أنها تجعل الجاني مسئولاً عن الترك والامتناع إذا كان العرف يوجب على الشخص أن يعمل ولا يمتنع، ولا شك أن الشريعة منطقية في هذا التوسع، لأن الشرائع والقوانين جميعاً بل واتفاقات الأفراد تفترض أن ما يفرضه العرف يجب اتباعه، ولا معنى لأن ينص في الاتفاقات على واجبات مقررة بمقتضى العرف ومتعارف عليها من الجميع، فإذا سئل الشخص عن واجب يفرضه اتفاق دولي فأولى به أن يسأل عن واجب يفرضه العرف ويعترف به الناس دون حاجة لاتفاق أو إثبات. وتمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بأنها عرفت هذه النظرية من القرن السابع، بينما لم تبدأ القوانين الوضعية بمعرفتها إلا في القرن التاسع عشر، فكأن القوانين لم تجئ إلا بما سبقتها إليه الشريعة. |
|
20-07-2017, 02:19 PM | #2 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
رد: أنواع الجرائم
تنقسم الجرائم في الشريعة بحسب كيفية ارتكاب الجاني لها إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد:
الجريمةالبسيطة: هي التي تتكون من فعل واحد كالسرقة والشرب، ويستوي أن تكون الجريمة مؤقتة أو مستمرة، وجرائم الحدود والقصاص أو الدية كلها جرائم بسيطة. وجريمة الاعتياد: هي التي تتكون من تكرر وقوع الفعل، أي أنالفعل بذاته لا يعتبر جريمة، ولكن الاعتياد على ارتكابه هو الجريمة. وجرائم الاعتياد توجد بين جرائم التعازير، ويستدل عليها من النص المحرم للفعل، فإن كاني شترط للعقاب اعتياد الفعل فالجريمة جريمة عادة، وإن كان يكتفي بمجرد وقوع الفعل فالجريمة بسيطة. والأصل أن التعزير يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات، وهذامتفق عليه، إلا أنهم اختلفوا في التعزير على فعل المكروه وترك المندوب، فرأى البعض أن لا عقاب على فعل مكروه أو ترك مندوب إطلاقاً ورأى البعض العقاب علىفعل المكروه وترك المندوب كلما دعت إلى ذلك المصلحة. والذين يرون العقاب على ترك المندوب وإتيان المكروه يشترطون أن يتكرر الترك أو الإتيان، فإذا لميتكرر فلا عقاب، وإذن فهم لا يجعلون العقاب على الفعل أو الترك في ذاته، وإنما يجعلون العقاب على التكرار الذي يدل على أن الجاني جعل الفعل أو الترك عادة وإلفاً له، ويعتبرون أن العادة قد تكونت إذا حصل الفعل أو الترك مرة ثانية، أي أن العادة عندهم تتكون من مرتين، وعلى هذا فكل مكروه أو مندوب عوقب عليه فهو من جرائم العادة. المكروه: هو ما طلب من المكلف الكف عنه طلباً غيرحتم، والمندوب: هو ما طلب فعله من المكلف طلباً غير حتم. يطلق بعض هذا الفريق عبارته بحيث توهم أن إتيان المكروه وترك المندوب يعاقب عليه بصفة مطلقة ولكنهم في الواقع لا يقصدون هذا؛ لأن القاعدة العامة في التعزير أنه مقيد بالمصلحة العامة، ولذلك أجيز لولي الأمر في جرائم التعزير العفو عن العقوبة، وعلى هذا تكون تلك العبارات المطلقة مقيدة بهذه القاعدة العامة.. أهمية هذا التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد من الوجوه الآتية: أولاً: من حيث مبدأ سريان التقادم: في الجرائم البسيطة تبدأ المدة المسقطة للدعوى من يوم ارتكاب الجريمة إن كانت مؤقتة،ومن يوم انتهاء الحالة المحرمة إن كانت غير مؤقتة. أما في جرائم العادة فالمدة المسقطة تبدأ من تاريخ وقوع الفعل الأخير المكون للعادة. ثانياً: من حيث الاختصاص: يكون الاختصاص في الجريمة البسيطة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة إذا كانت الجريمة مؤقتة، فإن كانت مستمرة أو متجددة فالاختصاص لكل محكمة استمر في دائرتها الفعل أو تجدد، فيكون الاختصاص في الجريمة العادة للمحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الأخير المكون للعادة ثالثاً: من حيث تطبيق قواعد التداخل: الحكم في جريمة عادة يمنع من محاكمة الجاني على الأفعال السابقة ولو لم تدخل في المحاكمة الأولى، لأن قواعد الشريعة لا تسمح بتعدد العقوبة على الجرائم التي من نوع واحد والتي لم يحكم فيها بعد، وتكتفي عقوبة واحدة عنها جميعاً طبقاً لقواعد التداخل. والقوانين الوضعية تصل إلى هذه النتيجة نفسها بتطبيق قاعدة قوة الشيءالمحكوم فيه. وإذا حوكم الجاني مرة فمن المنطق أن لا يحاكم مرة ثانية، إلا إذا وقع منه أكثر من فعل واحد من الأفعال التي تكون العادة، لأن العقوبة مقررة على الاعتياد على الفعل المحرم لا على الفعل ذاته، وهذا هو الرأي الذي تأخذ به محكمة النقص المصرية. __________ يرى بعض الشراح الفرنسيين أن يكون الاختصاص يكون للمحكمة التي يقيم الجاني في دائرتها إذا كان العمل المكون للعادة قد وقع وحده في دائرة محكمة غير التي وقع فيها الفعل الآخر، إذ لا يمكن أن يعتبر محلاً للجريمة إلا المكان الذي تقع فيه أفعال كافية لتكوين العادة، فإذا لم تتوفر بالعادة في مكان معين فإنها تتوفر في شخص الجاني ومن ثم ترفع عليه الدعوى في محل إقامته. الشريعة والقوانين الوضعية: تتفق الشريعة والقوانين الوضعية في تقسيم الجرائم إلى جرائم بسيطة وجرائم عادة، وتتفق معها في تعريف جريمة العادة وفي أن العقاب على الاعتياد، وفي مصر استقر الفقه والقضاء على أن العادة تتكون من وقوع الفعل أو الترك مرتين. الجرائم التي تتكون من أفعال متلاحقة: قد يرتكب الجاني عدة أفعال من نوع واحد تنفيذاً لغرض جنائي واحد؛ فيسرق أمتعة من مسكن على عدةدفعات، أو يضرب شخصاً ضربات متعددة، وحكم هذه الأفعال المتعددة المتلاحقة طبقاً للشريعة الإسلامية أنها جريمة واحدة ويعاقب عليها بعقوبة واحدة، فمن سرق منزلاً على دفعتين أو أكثر يعتبر مرتكباً لجريمة سرقة واحدة. ومن ضرب شخصاً أكثر من ضربة يعتبرمرتكباً لجريمة ضرب واحدة. الفرق بين الأفعال المتلاحقةوجريمة العادة والجريمة غير المؤقتة: تختلف الأفعال المتلاحقة عن جريمةالعادة في أن الأفعال المتعددة المكونة لجريمة العادة لا يعاقب على فعل واحد منه الأنه لا يكون الجريمة، أما في الأفعال المتلاحقة فيعاقب على أي فعل منها، لأنه يكون الجريمة دون حاجة لوقوع غيره، فمن انتوى أن يسرق بيتاً على عدة مرات ثم دخله فأخذ بعض الأمتعة على أن يعود ليأخذ بعضاً آخر ولكنه لم يعد يعتبر مرتكباً لجريمة السرقة، كما لو عاد وأخذ أمتعة في مرة أخرى أو أكثر. وتختلف الأفعال المتلاحقة عن الجريمة غير المؤقتة؛ لأن الجريمة المكونة من أفعال متلاحقة تتعدد فيها الأفعال،ولكن كل فعل منها منفصل عن الآخر، بينما الجريمة غير المؤقتة تتكون من فعل واحد أوامتناع يستمر حدوثه وقتاً طويلاً أو يتجدد حدوثه ذلك الوقت. العلة في اعتبار الأفعال المتلاحقة جريمة واحدة: تعتبرالأفعال المتلاحقة مكونة لجريمة واحدة على تعددها وانفصالها؛ لأن قواعد الشريعةالإسلامية لا تسمح بتعدد العقوبة على الجرائم التي من نوع واحد، وتكتفي بعقوبة واحدة عليها طبقاً لقاعدة التداخل، وهذا يقتضي من باب أولى اعتبار الأفعال المتلاحقة الصادرة تنفيذاً لغرض جنائي واحد جريمة واحدة، كما أن وقوع هذه الأفعال تنفيذاً لفكرة واحدة ولغرض جنائي واحد يجعل منها جريمة واحدة. * * * تقسيم الجرائم بحسب كيفية ارتكابها جرائم مؤقتة - وجرائم غير مؤقتة سكوت الفقهاء عن هذين النوعين من الجرائم: لم يذكر الفقهاء شيئاً عن تقسيم الجرائم إلى جرائم مؤقتة وجرائم غير مؤقتة، وعلة ذلك - كما يبدو لنا - أن الفقهاء يهتمون فقط بجرائم الحدودوجرائم القصاص والدية، لأنها جرائم ثابتة لا تتغير الأفعال المكونة لها، ولا تتغيرالعقوبات المقررة عليها، وهذه الجرائم كلها مؤقتة وليس فيها جريمة واحدة غير مؤقتة،فلم يكن هناك إذن ما يدعو للتفرقة بين الجريمة المؤقتة والجريمة غيرالمؤقتة. أما جرائم التعازير فبعضها مؤقت وبعضها غير مؤقت، ولكن الفقهاء جرواعلى إهمال بحث أحكام هذه الجرائم، لأن للسلطة التشريعية سلطاناً كبيراً فيها من حيثتحديد الأفعال المكونة لمعظمها، وتعيين العقوبة الواجبة عليها، وآراء السلطات التشريعية في جرائم التعازير تختلف باختلاف البلدان والعادات، فما قد تبيحه سلطة تشريعية في بلد ما قد تحرمه سلطة أخرى في بلد آخر، وما قد تعاقب عليه سلطة تشريعية من وجه قد تعاقب عليه سلطة أخرى من وجه آخر، ولهذا كله لم يهتم الفقهاء ببحث التعازير بحثاً مفصلاً كما اهتموا بجرائم الحدود، واكتفوا ببحث بعض الأحكام الهامةالثابتة التي لا تتغير بتغير البلاد والسلطات أما الآن وقد أصبحنا نحرص علىبيان أحكام الجرائم عامة سواء كانت تعازير أو غير تعازير، فليس ثمة ما يمنع منالتعرض لبحث الجرائم المؤقتة وغير المؤقتة. جرائم التعازيرمؤقتة وغير مؤقتة:والظاهر من تتبع جرائم التعازير أنها تنقسم بحسب الوقت الذي يستغرقه وقوعها إلى جرائم مؤقتة وجرائم غير مؤقتة. فالجرائم المؤقتة:هي التي تتكون من فعل أو امتناع يحدث في وقت محدود ولا يستغرق أكثر من الوقت اللازم لوقوع الفعل أو قيام حالة الامتناع، مثل جريمة السرقة فإنها تتم بمجرد وقوع الفعل أي أخذ الشيء خفية، ومثل جريمة الشرب فإنها تتم بمجرد شرب الخمر، ومثل جريمة كتمان الشهادة فإنها تتم بمجرد الامتناع عن أداء الشهادة. والجرائم غير المؤقتة: هي التي تتكون من فعل أو امتناع قابل للتجدد والاستمرار فيستغرق وقوعها كل الوقت الذي تتجدد فيه الجريمة أو تستمر، ولاتعتبر الجريمة منتهية إلا بانتهاء حالة التجدد أو الاستمرار. ومثال ذلك حبس شخص دون حق، والامتناع عن إخراج الزكاة، والامتناع عن تسليم طفل إلى حاضنه، والامتناع عن أداء الدين مع المقدرة عليه. مقياس التمييز بين الجريمة المؤقتة وغير المؤقتة: ونصوص التشريع هي وحدها التي تبين إن كانت الجريمة مؤقتة أم غير مؤقتة، لأن هذه النصوص تعرف الجريمة وتبين ركنها المادي فتميزها بذلك عن غيرها، فإن كان الفعل أو الامتناع يقع وينتهي بمجرد ارتكاب الفعل أو قيام حالة الامتناع فالجريمة مؤقتة، وإن كان الفعل أو الامتناع يكون حالة مستمرة الحدوث أو التجدد فالجريمة غير مؤقتة. وينبغي في هذا المقام أن نميز بين استمرار الجريمة واستمرار نتيجتها، فالسرقة تتم بأخذ الشيء خفية فهي جريمة مؤقتة،وبقاء المسروقات بعد ذلك تحت يد السارق ليس استمراراً للسرقة، وإنما هو استمرارلنتيجتها. وجريمة الشرب تتم بتناول الخمر فهي جريمة مؤقتة، فإذا سكر الشارب فإنسكره لا يعتبر استمراراً للجريمة، وإنما هو استمرار لنتيجتها، إذ السكر نتيجة للشرب. والضرب والجرح جريمة مؤقتة تتم بمجرد وقوع الضرب وحدوث الجرح، فإذا بقى المجني عليه تحت العلاج مدة ما فذلك ليس استمراراً للجريمة، وإنما هو أثر الجريمة ونتيجة لها. تقسيم الجرائم غير المؤقتة: تنقسم الجرائم غير المؤقتة إلى جرائم متجددة وجرائم مستمرة فالجرائم المتجددة: هي التي يتوقف فيها استمرار الجريمة على تدخل إرادة الجاني تدخلاً متكرراً مقصوداً، كالامتناع عن أداء الزكاة، أو عن تسليم المحضون لحاضنه، وكإحراز سلاح دون رخصة. ففي هذه الحالات يأتي الجاني الفعل أو يمتنع عنه، وتبقى جريمته قائمة ما بقى محرزاً للسلاح، أو ممتنعاً عن أداء الزكاة، أو تسليم الطفل. ولكن بقاء الجريمة يتوقف على إرادة الجاني الذي يرى أن يبقى محرزاً للسلاح دون ترخيص، أو تسليم الطفل الحاضنه. والجرائم المستمرة: هي التي لا يتوقف استمرار الجريمة فيها على تدخل إرادة الجاني، بل يستمر الفعل المكون للجريمة دون حاجة لتدخل إرادة الجاني، كحفر بئر في الطريق، وإقامة بناء في ملك الغير، أو خارجاً عن خط التنظيم. |
|
20-07-2017, 02:20 PM | #3 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
رد: أنواع الجرائم
أهمية تقسيم الجرائم إلى مؤقتة وغير مؤقتة: لهذا التقسيم أهمية من عدة وجوه نبسطها فيما يلي:
(أ) من حيث الاختصاص: فالمحكمة المختصة بمحاكمة الجاني على الجريمة المؤقتة هي المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل المكون للجريمة، لأن القضاء يتخصص بالزمان والمكان. أما المحكمة المختصة بمحاكمة الجاني على الجريمة غير المؤقتة فهي كل محكمة وقع في دائرتها الفعل المتجدد أو المستمر، ولما كان من الممكن أن يقع هذا الفعل في أمكنة متعددة فمعنى ذلك أن المحاكم المختصة بنظر الجريمة غير المؤقتة يصح أن تكون أكثر من محكمة واحدة. (ب) من حيث التقادم: ففي الجريمة المؤقتة تحسب المدة المسقطة للدعوى العمومية من وقت ارتكاب الجريمة، وفي الجريمة غير المؤقتة تحسب المدة من انتهاء حالة التجدد أو الاستمرار. (ت) من حيث تطبيق التشريعات الجديدة: لا تسري التشريعات الجديدة على ما يقع قبلها من الجرائم المؤقتة، ولكنها تسري على الجرائم غير المؤقتة التي بدأت قبل صدور التشريعات الجديدة، إذا ظلت حالة التجدد أو استمرار قائمة إلى ما بعد العمل بهذه التشريعات. (ث) من حيث قوة الشيء المقضي به: يعتبر الحكم في الجريمة المؤقتة صادراً عن الواقعة التي عرضت على المحكمة، فإذا كانت هناك وقائع أخرى سابقة لم تعرض على المحكمة، فلا يعتبر الحكم شاملاً لها ولو كانت من نوع الواقعة التي صدر عنها الحكم، وكذلك الحال في الوقائع التي حدثت بعد صدور الحكم. وإذا كانت الوقائع السابقة واللاحقة من نوع الواقعة المحكوم فيها، جاز رفع الدعوى من جديد عن الوقائع اللاحقة، وامتنع رفعها عن الوقائع السابقة. والعلة لهذه التفرقة أن قواعد التداخل تنطبق على الوقائع السابقة، وطبقاً لهذه القواعد لا يجوز رفع الدعوى عن وقائع سابقة إذا كانت مماثلة للواقعة التي حكم فيها، لأن العقوبة شرعت للتأديب والزجر، ووضعت على أنها تكفي لتحقيق هذين المعنيين، فلا حاجة إذن تعدد العقوبات، إلا إذا وقعت وقائع جديدة بعد توقيع العقوبة. أما في الجرائم الغير مؤقتة، فيعتبر الحكم شاملاً لجميع الوقائع السابقة على رفع الدعوى، ولو لم تعرض بعض هذه الوقائع على المحكمة؛ لأن كل الوقائع تكون جريمة واحدة، ومن ثم فلا يجوز رفع الدعوى من جديد عن الوقائع التي لم تعرض على المحكمة ما دام سابقة على صدور الحكم. أما الوقائع اللاحقة لصدور الحكم، فهذه يجوز رفع الدعوى من جديد عنها إذا كانت الجريمة من الجرائم المتجددة، ولا يجوز رفع الدعوى عنها إذا كانت من الجرائم المستمرة. بين الشريعة والقوانين الوضعية: تتفق الشريعة مع القوانين الوضعية فيما ذكرناه من تقسيم الجرائم إلى مؤقتة وغير مؤقتة، كما تتفق معها فيما يترتب على النقسيم، ولكن النظرية السائدة في القوانين الوضعية تقضي بأنه يمكن العقاب على الوقائع السابقة على الواقعة التي صدر الحكم فيها إذا كانت الجريمة مؤقتة؛ لأن الحكم ليس حجة إلا فيما يختص بالواقعة المحكوم فيها، وعلة الاختلاف أن الشريعة تأخذ بنظرية التداخل، وهي نظرية لم تعرفها القوانين الوضعية بعد، وإن كان بعض الشراح قد عرفوها ونادوا بها، كما سيتبين لنا عند الكلام على هذه النظرية. * * * تقسيم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة جرائم ضد الجماعة - وجرائم ضد الأفراد تنقسم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة إلى جرائم ضد الجماعة وجرائم ضد الأفراد: الجرائم التي تقع ضد الجماعة: هي التي شرعت عقوبتها لحفظ مصالح الجماعة، سواء وقعت الجريمة على فرد، أو على جماعة، أو على أمن الجماعة ونظامها. ويقول الفقهاء: إن عقوبة هذا النوع من الجرائم شرعت حقاً لله تعالى، ومعنى هذا الاصطلاح أنها شرعت لحماية الجماعة، ولكنهم يجعلون العقوبة حقاً لله، إشارة إلى عدم جواز العفو عنها، أو تخفيفها، أو إيقاف تنفيذها. والجرائم التي تقع ضد الأفراد: هي التي شرعت عقوبتها لحفظ مصالح الأفراد، ولو أن ما يمس مصلحة الأفراد هو في الوقت ذاته ماس بمصالح الجماعة. وتعتبر جرائم الحدود من الجرائم الماسة بمصلحة الجماعة، ولو أنها في الغالب تقع على أفراد معينين، وتمس مصالحهم مساساً شديداً، كالسرقة والقذف، وليس في اعتبارها ماسة بالجماعة إنكار لمساسها بالأفراد، وإنما هو تغليب لمصلحة الجماعة على مصلحة الأفراد، بحيث لو عفا الفرد لم يكن لعفوه أثر على الجريمة والعقوبة. وجرائم القصاص والدية من الجرائم التي تقع على الأفراد، وليس معنى ذلك أنها لا تمس الجماعة وإنما معناه تغليب حق الفرد على حق الجماعة، فللفرد أن يتنازل عن القصاص والدية، وهما العقوبتان المقررتان أصلاً للجريمة، وقد أعطى له حق التنازل لأن الجريمة تمسه مساساً مباشراً، فإذا تنازل عن العقوبة لم يترك الجاني، وإنما يعاقب بعقوبة تعزيرية، حفظاً لمصلحة الجماعة التي مست مساساً غير مباشر. وجرائم التعازير بعضها يمس مصلحة الجماعة، وبعضها يمس مصلحة الأفراد والجماعة، على المعنى الذي شرحناه سابقاً. تقسيم الجرائم بحسب طبيعتها الخاصة جرائم عادية - وجرائم سياسية، أي بغي التفرقة بين الجرائم العادية والجرائم السياسية: فرقت الشريعة من يوم وجودها بين الجرائم العادية وجرائم البغي؛ أي الجرائم السياسية، ولكن الشريعة راعت في هذه التفرقة مصلحة الجماعة وأمنها، والمحافظة على نظامها وكيانها، فلم تعتبر كل جريمة ارتكبت لغرض سياسي جريمة سياسية، وإن كانت قد اعتبرت بعض الجرائم العادية التي ترتكب في ظروف سياسية معينة جرائم سياسية. ولا تختلف الجريمة السياسية عن الجريمة العادية في طبيعتها، فكلاهما تتفق مع الأخرى في المحل والنوع والوسائل، وإنما يختلفان في البواعث التي تبعث عليهما. فالجريمة السياسية ترتكب لتحقيق أغراض سياسية، أو تدفع إليها بواعث سياسية، أما الجرائم العادية فالأصل فيها أن تكون بواعثها عادية، ولكن ليس ثمة ما يمنع من أن تدفع إليها بواعث سياسية، ومعنى هذا أن الجريمة العادية تختلط أحياناً بالجريمة السياسية، ولهذا كان للتفريق بين الجريمتين أهمية كبرى. متى توجد الجريمة السياسية: ولا توجد الجريمة السياسية في الظروف العادية، فكل جريمة وقعت في الأحوال العادية هي جريمة عادية مهما كان الغرض منها والدوافع إليها، فمن يقتل رئيس الدولة لغرض سياسي اعتبرت جريمة عادية، ولو كان القاتل نفسه من المشتغلين بالسياسة، ما دام أن القتل وقع في أحوال عادية، ولقد قتل عبد الرحمن بن ملجم علي بن أبي طالب خليفة المسلمين لتحقيق غرض سياسي، فاعتبر القتل عادياً بالرغم من أن القاتل من الخوارج، وهذا هو رأي عليّ نفسه، والرأي الذي أخذ به العلماء من بعده، والرأي الذي أخذ به العلماء من بعده، فإنه قال لولده الحسن: “أحسنوا إساره، فإن عشت فأنا وليّ دمي، وإن مت فضربة كضربتي”، ولو لم يكن القتل عادياً لما اعتبر نفسه ولى الدم إن شاء عفا وإن شاء اقتص، ولما طلب من الحسن أن يقتص بضربة كضربته. وإنما توجد الجريمة السياسية في الظروف غير العادية، وعلى وجه التحديد في حالة الثورة، وفي حالة الحرب الأهلية، فإذا ثار فريق من الرعية على الدولة وإذا قامت حرب بين الدولة وبين بعض رعاياها الخارجين عليها، أمكن أن توجد الجريمة السياسية إذا توفرت شروط معينة في الثوار أو المحاربين، فإذا لم تتوفر هذه الشروط، أو توفرت ولكن لم توجد حالة الثورة أو الحرب، فالجرائم التي تقع لا يمكن أن تكون جرائم سياسية، وإنما هي جرائم عادية. 77 - المجرمون السياسيون: تسمى الجريمة السياسية في اصطلاح الفقهاء “البغي”، ويسمى المجرمون السياسيون “البغاة” أو “الفئة الباغية”. والبغاة كما يعرفها الفقهاء: “هم القوم الذين يخرجون على الإمام بتأويل سائغ ولهم منعة وشوكة أو: “هم فرقة من المسلمين خالفت الإمام الأعظم أو نائبه لأحد شيئين: إما لمنع حق وجب عليه من زكاة، أو حكم عليها من أحكام الشريعة المتعلقة بالله أو بآدمي، أو الدخول تحت طاعته بالقول والمباشرة باليد لحاضر، والإشهاد على الدخول لمن غاب عنه، إن كان كل منهما من أهل الحل والعقد، واعتقاد ذلك ممن لا يعبأ به ولا يعرف فإنه حق؛ لخبر: “من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية”، أو خالفته لخلعه؛ أي إرادته خلعه أي (4) الأحكام المتعلقة بالله هي الأحكام المتعلقة بصيانة مصالح الجماعة، والأحكام المتعلقة بآدمي هي ما وضع لصيانة مصلحة الأفراد. (5) الرأي الغالب في المذاهب الأربعة أن الإمام لا ينعزل بالظلم والفسق وتعطيل الحقوق، ومن ثم فلا يجب الخروج عليه بقصد عزله وتولية غيره؛ لأن إباحة الخروج عليه تدعو إلى عدم الاستقرار وكثرة الفتن والثورات واضطراب أمور الناس. والأقلية ترى أن للأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجبه، وأنه ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، فإذا وجد من الإمام ما يوجب اختلال أحوال المسلمين، وانتكاس أمور الدين، كان للأمة خلعه كما كان له نصبه؛ لانتظام شئون الأمة وإعلائها، وإذا أدى خلعه إلى فتنة احتمل أدنى المضرتين. وهناك من يرى خلعه إذا لم يستلزم فتنة. وروى عن مالك أنه قال: من قام على إمام يريد إزالة ما بيده إن كان- أي المقوم عليه- مثل عمر بن عبد العزيز وجب على الناس الذب عنه والقيام معه، أما غيره فلا، دعه وما يراد منه ينتقم الله من ظالم بظالم. عزله، لحرمة ذلك عليهم وإن جار وإذا كان الفقهاء قد اصطلحوا على تسمية فريق الخارجين بالبغاة، فإنهم يسمون الفريق الآخر الذي لم يخرج عليه بأهل العدل. الشروط التي يجب توافرها في المجرمين والسياسيين أو البغاة: نستطيع أن نستخلص من تعريف البغاة ومما سبق الشروط التي يجب توافرها في المجرم وعمله ليعتبر مجرماً سياسياً أو باغياً: أولاً: الغرض من الجريمة: يشترط أن يكون الغرض من الجريمة إما عزل رئيس الدولة أو الهيئة التنفيذية، وإما الامتناع عن الطاعة، فإذا توفر الغرض على هذا الوجه مع توفر الشروط الأخرى كانت الجريمة سياسية والمجرم سياسياً. أما إذا كان الغرض من الجريمة إحداث أي تغيير يتنافى مع نصوص الشريعة، كإدخال نظام غير إسلامي يخالف النظام، أو تمكين دولة أجنبية من التسلط على البلاد، أو إضعاف قوة الدولة أمام غيرها من الدول، إذا كان الغرض من الجريمة شيئاً من هذا أو مثله، فإن الجريمة لا تكون بغياً - أي سياسية - وإنما هي إفساد في الأرض، ومحاربة لله ورسوله، وهي جريمة عادية قررت لها الشريعة عقوبة قاسية. |
|
20-07-2017, 02:20 PM | #4 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
رد: أنواع الجرائم
ثانياً: التأول:
يشترط في البغاة - أي المجرمين - أن يكونوا متأولين، أي أن يدعوا سبباً لخروجهم، ويدللوا على صحة ادعائهم، ولو كان الدليل في ذاته ضعيفاً، كادعاء الخارجين على الإمام عليّ بأنه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لمواطأته إياهم، وكتأول بعض مانع يالزكاة في عهد أبي بكر بأنهم لا يدفعون الزكاة إلا لمن كانت صلاته سكناً لهم، طبقاًلقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} إلى قوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْإِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103]، فإذا لم يدعوا سبباً للخروج، أوادعوا سبباً لا تقره الشريعة إطلاقاً، كأن طلبوا عزل رئيس الدولة دون أن ينسبوا إليه شيئاً، أو طلبوا عزله لأنه ليس من بلدهم، فهم قطاع طريق يسعون في الأرض بالفساد، ولهم عقوبتهم الخاصة، وليسوا بأي حال بغاة أو مجرمين سياسيين. ثالثاً: الشوكة:يشترط في الباغي - أيالمجرم السياسي - أن يكون ذا شوكة وقوة لا بنفسه بل بغيره ممن هم على رأيه، فإن لم يكن من أهل الشوكة على هذا الوصف فلا يعتبر مجرماً سياسياً ولو كان متأولاً. رابعاً: الثورة أو الحرب: ويشترط بعد ذلك كله أن تقع الجريمة فيثورة أو حرب أهلية اشتعلت لتنفيذ الغرض من الجريمة، فإن وقعت الجريمة في غير حالة الثورة أو الحرب الأهلية، فهي ليست بغياً؛ أي جريمة سياسية، وإنما هي جريمة عادية،يعاقب فاعلها بالعقوبة العادية المقررة لها. وتلك هي سنة عليّ بن أبي طالب في الخوارج، فلقد عرض قوم من الخوارج به، فنادوا وهو يخطب على منبره: لا حكم إلا الله، يعرضون به لأنه قبل التحكيم، فرد عليّ من على منبره قائلاً: كلمة حق أريد بها باطل،لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، لا نبدؤكم بقتال،ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، أي ما دمتم لم تثوروا علينا حقوق البغاة ومسئوليتهم قبل الثورة: للبغاة أن يدعوا إلى ما يعتقدون بالطريق السلمي المشروع، ولهم الحرية في أن يقولوا ما يشاءون في حدود نصوص الشريعة، وللعادلين أن يردوا عليهم ويبينوا لهم فساد آرائهم، فإذا خرج أحد من الفريقين في قوله أو دعوته على النصوص الشرعية عوقب على جريمته باعتبارها جريمة عادية، فإن كان قاذفاً حد، وإن كان ساباً عزر، وإن أرتكب احد البغاة أية جريمة عوقب عليها باعتبارها جريمةعادية. وللبغاة حق الاجتماع، فإذا تحيزوا أو اجتمعوا في مكان معين، فلا سلطان لأحد عليهم، ما داموا لم يمتنعوا عن حق، أو يخرجوا عن طاعة. وهذه أيضاً سنة علي بن أبي طالب في الخوارج، فقداعتزلت طائفة من الخوارج علياً عليه السلام بالنهروان، فولى عليهم عاملاً أقامواعلى طاعته زمناً وهو لهم موادع، إلى أن قتلوه، فأنفذ إليهم علي: أن سلموا القتلة،فأبوا، فقالوا: كلنا قتلة، فلما خرجوا عن الطاعة وجاهروا بالعصيان قاتلهم عليّ. ويشترط مالك والشافعي وأحمد أن يبدأ أهل البغي بالقتال حتى يقاتلوا أهل العدل وفي هذه الحال تستحل دماؤهم. أما أبو حنيفة فيكتفي بتجمعهم وامتناعهم ويرى في ذلكما يكفي لقتالهم حقوق البغاة ومسئوليتهم أثناء الثورة وما بعدها: فإذا اشتعلت الثورة أو قامت الحرب الأهلية كان على ولي الأمر أن يقصد من القتال ردع البغاة لا قتلهم وإفنائهم، وأن يقاتل من أقبل منهم، ويكف عمن أدبر وهرب، وأن لايجهز عن جريحهم، وأن لا يقتل أسيرهم أو من ألقوا سلاحهم منهم، وأن لا يصادرأموالهم، وأن لا يستولي على نساؤهم وأولادهم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: “منعت دار الإسلام ما فيه. فإذا انتهت حالة الحرب وانطفأت الثورة، وجب على ولي الأمر أن يرد على البغاة أموالهم التي في يد أهل العدل، وما تلف منها في غير قتال فهو مضمون على متلفه، وأما ما أتلفه أهل البغي في ثائرة الحرب من نفس ومال فهو هدر، وما أتلفوه على أهل العدل في غير ثائرة الحرب مننفس ومال فهو مضمون عليهم، وهم مسئولون عنه، وهذا هو الرأي الراجح. أما الرأي المضاد فيرى أصحابه تضمين البغاة ما أتلفوه في الحرب، وحجتهم أن المعصية لا تبطل حقاً ولا تسقط غرماً. أما حجة أصحاب الرأي الأول فهي أن الفتنة العظمى وقعت أيام علي ومعاوية، فأجمع الصحابة على أن لا يقام حد على رجل ارتكب محرماً بتأويل القرآن،ولا يغرم مالاً أتلفه بتأويل القرآن، ويحتجون كذلك بأن البغاة طائفة ممتنعة بالحرب بتأويل سائغ، فلا تضمن ما أتلفته على أهل العدل، كما لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه،ولآن تضمن أهل البغي يفضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة وإذا كان البغاة لا يسألون عن الجرائم التي ارتكبوها أثناء الثورة من إهلاك للأنفس والأموال،فإن لولي الأمر - إن لم يعف عن جرائمهم - أن يعاقبهم على خروجهم عن الطاعة بعقوبة تعزيرية إن رأى في ذلك مصلحة، ولكن يشترط أن لا تكون هذه العقوبة القتل عند مالك والشافعي وأحمد، لأنهم لا يبيحون قتل الجريح ولا الأسير فأولى أن لايباح قتل المسلم، أما أبو حنيفة فيبيح قتل الأسير للمصلحة العامة ويبيح قتل البغاة على أثرالظهور عليهم، فالقياس عنده أن يقتل الباغي تعزيزاً. وعلى كل حال فإن سلطة القاضي في الجرائم التعزيرية واسعة بحيث يجوز له أن يختار العقوبة الملائمة من عدة عقوبات، كما أن لولي الأمر حق العفو عن العقوبة كلها أوبعضها. عقوبة البغاة أوالمجرمين السياسيين في الشريعة الإسلامية: ظاهر مما تقدم أن عقوبة البغاة تختلف باختلاف الأحوال، فالجرائم التي يرتكبونها قبل الثورة والحرب أو بعده ايعاقبون عليها بعقوباتها العادية؛ لأنها جرائم عادية لم تقع في حالة ثورة أو حرب،أما الجرائم التي ترتكب أثناء الثورة أو الحرب الأهلية، فما اقتضته منها حالة الثورة أو الحرب: كامقاومة رجال الدولة وقتلهم، والاستيلاء على البلاد وحكمها،والاستيلاء على الأموال العامة وجبايتها، وإتلاف السكك والكباري، وإشعال النار في الحصون، ونسف الأسوار والمستودعات، وغير ذلك مما تقتضيه طبيعة الحرب، فهذه الجرائمالسياسية، وتكتفي الشريعة فيها بإباحة دماء البغاة، وإباحة أموالهم بالقدر الذي يقتضيه ردعهم والتغلب عليهم، فإذا ظهرت الدولة عليهم، وألقوا سلاحهم، عصمت دماؤهموأموالهم، وكان لولي الأمر أن يعفو عنهم، أو أن يعزَّرهم على خروجهم لا على الجرائم التي ارتكبوها أثناء خروجهم، فعقوبة الخروج إذن هي التعزير، وهو جريمة سياسية، أماعقوبة الجرائم التي تقتضيها حالة الحرب أو الثورة فهي القتل، بالشروط التي ذكرناهاسابقاً. هذا هو حكم الجرائم التي تقع أثناء الثورة أو الحرب وتقتضيها طبيعة الحرب والثورة، أما الجرائم التي تقع من البغاة ولا تستلزمها طبيعة الثورة أوالحرب، فهذه تعتبر جرائم عادية يعاقبون عليها بالعقوبات العادية، ولو أنها وقعت أثناء الثورة أو الحرب، كشرب الخمر، والزنا، وقتل أحد الثائرين زميلاً له أو سرقة ماله. بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية: كانت القوانين الوضعية إلى ما قبل الثورة الفرنسية تعتبر الجريمة السياسية أشد خطراً من الجريمة العادية،وكانت تعامل المجرم السياسي معاملة تتنافى مع أبسط قواعد العدالة، فتعاقبه بعقوبات قاسية، وتصادر ماله، وتأخذ أهله به، وتحرمه من الحقوق التي يتمتع بها المجرمون العاديون. ثم ابتدأت القوانين الوضعية تغير نظرتها إلى الجريمة السياسية بعد الثورةالفرنسية، وبعد أن كثرت الثورات في البلاد الأوروبية، وتعددت الانقلابات في النظم السياسية، فأصبح المجرم السياسي ينظر إليه نظرة عطف وإشفاق، ووضعت للجرائم السياسية عقوبات هي في مجموعها أخف من العقوبات العادية. وقد اختلف الشراح في المميز الذييميز بين الجريمة العادية والجريمة السياسية، فرأى فريق أن المميز الوحيد هو غرض المجرم من الجريمة، فإن كان يرمي إلى تحقيق غرض سياسي فالجريمة سياسية وإلا فهي عادية. وعيب هذا المذهب أنه يحكَّم الباعث على الجريمة في تحديد ماهية الجريمة،ويخوَّل للقتلة والسارقين أن يتمتعوا بميزات لا يصح أن يتمتعوا بها. ورأى فريق آخر أن العبرة في تحديد نوع الجريمة بطبيعة الحق المعتدي عليه بصرف النظر عن الدوافع إلى الجريمة. فلا تعتبر جريمة سياسية طبقاً لهذا الرأي إلا الجريمة التيتمس كيان الدولة أو نظامها. وعيب هذا الرأي أنه يجعل بعض الجرائم التي لا شك فيأنها سياسية جرائم عادية، كالجرائم التي ترتبط بأعمال الثورة أو الحربالأهلية. وقد رأى فريق من الشراح أن يفرقوا بين الجرائم التي ترتكب فيحالة ثورة أو حرب أهلية، والجرائم التي ترتكب في الأحوال العادية، واعتبروا الجرائمالتي تقع في الأحوال العادية جرائم عادية ولو كانت الدوافع فيها سياسية، أماالجرائم التي تقع أثناء الثورة أو الحرب الأهلية فهي جرائم سياسية إذا كان للجريمة علاقة بالثورة أو الحرب الأهلية، وكانت من الأفعال التي تبيحها الحرب النظامية،وإلا فهي جريمة عادية. وهذا الرأي هو الذي أقره معهد القانون الدولي. والاتجاه الحديث في القوانين الوضعية يعتبر الجرائم الموجهة ضد النظام الاجتماعي كجرائم الشيوعية والفوضوية جرائم عادية، كما يعتبر كل الجرائم الماسة باستقلال الدولةجرائم عادية؛ لأنها تمس الوطن ولا تمس نظام الحكم والحكام، وهذا هو الرأي الذي أقره معهد القانون الدولي في سنة 1892، حيث قرر أنه لا يعد من الجرائم السياسية من حيث تطبيق قواعد تسليم المجرمين الأعمال الجنائية الموجهة ضد النظام الاجتماعي ويتبين مما سبق أن أحدث الآراء في القوانين الوضعية تعتبرالجريمة سياسية إذا كانت موجهة ضد الحكام وشكل الحكم الداخلي فقط، لا ضد النظام الاجتماعي ولا ضد الدولة واستقلالها وعلاقتها بغيرها من الدول، وبشرط أن تقع في حالة ثورة أو حرب أهلية، وأن تكون مما تقتضيه طبيعة الثورة أو الحرب، وهذا يتفق تماماً مع الحدود التي وضعتها الشريعة للجريمة السياسية من ثلاثة عشر قرناً. ولافرق بين الشريعة والقوانين في هذه النقطة إلا أن الشريعة قد سبقت بالتفرقة بين الجرائم العادية والسياسية، وتحديد الجرائم السياسية، وأن القوانين تسير في أثرالشريعة وتأخذ بمبادئها. |
|
|
|