لتبليغ الإدارة عن موضوع أو رد مخالف يرجى الضغط على هذه الأيقونة الموجودة على يمين المشاركة لتطبيق قوانين المنتدى
|
نبض الأنظمة الرسمية للملكة العربية السعودية منتدى يعنى بجميع انظمة الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية |
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
18-07-2017, 10:55 PM | #1 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
الشُفْعَة في الشريعة الإسلامية
الشُفْعَة في الشريعة الإسلامية التّعريف الشّفعة بضمّالشّين وسكون الفاء اسم مصدر بمعنى التّملّك ، وتأتي أيضاً اسماً للملك .. وهي من الشّفع الّذي هو ضدّ الوتر ، لما فيه من ضمّ عدد إلى عدد أو شيء إلى شيء ، يقال : شفع الرّجل الرّجل شفعاً إذا كان فرداً فصار له ثانياً وشفع الشّيء شفعاً ضمّ مثله إليه وجعله زوجاً . وفي الاصطلاح عرّفها الفقهاء بأنّها : تمليك البقعة جبراً على المشتري بما قام عليه . أو هي حقّ تملّك قهريّ يثبت للشّريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض . الألفاظ ذات الصّلة : أ - البيع الجبريّ : البيع الجبريّ في اصطلاح الفقهاء هو : البيع الحاصل من مكره بحقّ ، أو البيع عليه نيابةً عنه ، لإيفاء حقّ وجب عليه ، أو لدفع ضرر ، أو لتحقيق مصلحة عامّة . فالبيع الجبريّ أعمّ من الشّفعة . ب - التّولية : التّولية في الاصطلاح هي : بيع ما ملكه بمثل ما قام عليه ، وكلّ من بيع التّولية والشّفعة بيع بمثل ما اشترى ويختلفان من وجوه أخرى . الحكم التّكليفيّ : الشّفعة حقّ ثابت بالسّنّة والإجماع ولصاحبه المطالبة به أو تركه ، وإن ترتّب على ترك الشّفعة معصية - كأن يكون المشتري مشهوراً بالفسق والفجور - فينبغي أن يكون الأخذ بها مستحبّاً بل واجباً إن تعيّن طريقاً لدفع ما يريده المشتري من الفجور . واستدلّوا من السّنّة بحديث جابر بن عبد اللّه - رضي الله عنهما - قال : »قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالشّفعة في كلّ ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرّفت الطّرق ، فلا شفعة «وفي رواية أخرى قال جابر - رضي الله عنه - :»قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشّفعة في كلّ شركة لم تقسم ربعة أو حائط ، لا يحلّ له أن يبيع حتّى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك ، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحقّ به« . وعن سمرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال :»جار الدّار أحقّ بالدّار « . وقال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على إثبات الشّفعة للشّريك الّذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط . حكمة مشروعيّة الشّفعة : لمّا كانت الشّركة منشأ الضّرر في الغالب وكان الخلطاء كثيراً ما يبغي بعضهم على بعض شرع اللّه سبحانه وتعالى رفع هذا الضّرر بأحد طريقين : أ - بالقسمة تارةً وانفراد كلّ من الشّريكين بنصيبه . ب - وبالشّفعة تارةً أخرى وانفراد أحد الشّريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك . فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحقّ به من الأجنبيّ وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيّهما كان فكان الشّريك أحقّ بدفع العوض من الأجنبيّ ويزول عنه ضرر الشّركة ولا يتضرّر البائع لأنّه يصل إلى حقّه من الثّمن وكان هذا من أعظم العدل وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد . كما قال ابن القيّم . وحكمة مشروعيّة الشّفعة كما ذكر الشّافعيّة ، دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق وغيرها كمنور ومصعد وبالوعة في الحصّة الصّائرة إليه ، وقيل ضرر سوء المشاركة . أسباب الشّفعة : اتّفق الفقهاء على ثبوت الشّفعة للشّريك الّذي له حصّة شائعة في نفس العقار المبيع ما لم يقسم . واختلفوا في الاتّصال بالجوار وحقوق المبيع فاعتبرهما الحنفيّة من أسباب الشّفعة خلافاً لجمهور الفقهاء ، وتفصيل ذلك فيما يلي : الشّفعة للشّريك على الشّيوع : اتّفق الفقهاء على جواز الشّفعة للشّريك الّذي له حصّة شائعة في ذات العقار المبيع ما دام لم يقاسم ، وقد استدلّوا على ذلك بحديث جابر رضي الله عنه السّابق . الشّركة الّتي تكون محلاً للشّفعة : اختلف الفقهاء في الشّركة الّتي تكون محلاً للشّفعة على اتّجاهين : الأوّل : ذهب مالك في إحدى روايتيه ، والشّافعيّ في الأصحّ والحنابلة في ظاهر المذهب إلى أنّ كلّ ما لا ينقسم - كالبئر ، والحمّام الصّغير ، والطّريق - لا شفعة فيه . لأنّ إثبات الشّفعة فيما لا ينقسم يضرّ بالبائع لأنّه لا يمكنه أن يتخلّص من إثبات الشّفعة في نصيبه بالقسمة وقد يمتنع المشتري لأجل الشّفيع فيتضرّر البائع وقد يمتنع البيع فتسقط الشّفعة فيؤدّي إثباتها إلى نفيها . الاتّجاه الثّاني : ذهب الحنفيّة ، ومالك في الرّواية الثّانية ، والشّافعيّة في الصّحيح والحنابلة في رواية إلى أنّ الشّفعة تجب في العقار سواء قبل القسمة أم لم يقبلها . واستدلّوا على ذلك بعموم حديث جابر قال :»قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالشّفعة في كلّ ما لم يقسم « . ولأنّ الشّفعة إنّما شرعت لدفع الضّرر اللاحق بالشّركة فتجوز فيما لا ينقسم ، فإذا كانا شريكين في عين من الأعيان ، لم يكن دفع ضرر أحدهما بأولى من دفع ضرر الآخر فإذا باع نصيبه كان شريكه أحقّ به من الأجنبيّ ، إذ في ذلك إزالة ضرره مع عدم تضرّر صاحبه ، فإنّه يصل إلى حقّه من الثّمن ويصل هذا إلى استبداده بالمبيع فيزول الضّرر عنهما جميعاً . وقالوا أيضاً : إنّ الضّرر بالشّركة فيما لا ينقسم أبلغ من الضّرر بالعقار الّذي يقبل القسمة ، فإذا كان الشّارع مريداً لدفع الضّرر الأدنى فالأعلى أولى بالدّفع ، ولو كانت الأحاديث مختصّةً بالعقارات المقسومة فإثبات الشّفعة فيها تنبيه على ثبوتها فيما لا يقبل القسمة . الشّفعة في المنفعة : الشّركة المجيزة للشّفعة هي الشّركة في الملك فقط ، فتثبت الشّفعة للشّريك في رقبة العقار . أمّا الشّركة في ملك المنفعة فلا تثبت فيها الشّفعة عند الجمهور ، وفي قول لمالك للشّريك في المنفعة المطالبة بالشّفعة أيضاً . " . واشترط بعض المالكيّة للشّفعة في الكراء أن يكون ممّا ينقسم وأن يشفع ليسكن . شفعة الجار المالك والشّريك في حقّ من حقوق المبيع : اتّفق الفقهاء كما سبق على ثبوت شفعة للشّريك الّذي له حصّة شائعة في ذات المبيع ما دام لم يقاسم . ولكنّهم اختلفوا في ثبوتها للجار الملاصق والشّريك في حقّ من حقوق المبيع ، ولهم في ذلك اتّجاهان : الأوّل : ذهب المالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة إلى عدم ثبوت الشّفعة للجار ولا للشّريك في حقوق البيع ، وبه قال : أهل المدينة وعمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيّب وسليمان بن يسار والزّهريّ ويحيى الأنصاريّ وأبو الزّناد وربيعة والمغيرة بن عبد الرّحمن والأوزاعيّ وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر . واستدلّوا على ذلك بحديث جابر وفيه :»فإذا وقعت الحدود وصرفت الطّرق فلا شفعة« . ووجه الدّلالة من هذا الحديث : أنّ في صدره إثبات الشّفعة في غير المقسوم ونفيها في المقسوم، لأنّ كلمة إنّما لإثبات المذكور ونفي ما عداه ، وآخره نفي الشّفعة عند وقوع الحدود وصرف الطّرق والحدود بين الجارين واقعة والطّرق مصروفة فكانت الشّفعة منفيّةً في هذه الحالة . وقالوا : إذا كان الشّارع يقصد رفع الضّرر عن الجار فهو أيضاً يقصد رفعه عن المشتري . ولا يدفع ضرر الجار بإدخال الضّرر على المشتري ، فإنّ المشتري في حاجة إلى دار يسكنها هو وعياله ، فإذا سلّط الجار على انتزاع داره منه أضرّ به ضرراً بيّناً ، وأي دار اشتراها وله جار فحاله معه هكذا . وتطلّبه داراً لا جار لها كالمتعذّر عليه ، فكان من تمام حكمة الشّارع أن أسقط الشّفعة بوقوع الحدود وتصريف الطّرق لئلاّ يضرّ النّاس بعضهم بعضاً ، ويتعذّر على من أراد شراء دار لها جار أن يتمّ له مقصوده . الاتّجاه الثّاني : ذهب الحنفيّة ، وابن شبرمة والثّوريّ وابن أبي ليلى إلى إثبات الشّفعة للجار الملاصق والشّريك في حقّ من حقوق المبيع ، فسبب وجوب الشّفعة عندهم أحد شيئين : الشّركة أو الجوار . ثمّ الشّركة نوعان : أ - شركة في ملك المبيع . ب - شركة في حقوقه ، كالشّرب والطّريق . واستدلّ هؤلاء بحديث عمرو بن الشّريد قال : " وقفت على سعد بن أبي وقّاص ، فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على إحدى منكبيّ إذ جاء أبو رافع مولى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا سعد ، ابتع منّي بيتي في دارك . فقال سعد : واللّه ما أبتاعهما فقال المسور : واللّه لتبتاعنهما ، فقال سعد : واللّه لا أزيدك على أربعة آلاف منجّمةً أو مقطّعةً ، قال أبو رافع : لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول :» الجار أحقّ بسقبه «ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمسمائة دينار فأعطاها إيّاه " . ففي هذا الحديث دليل على أنّ الشّفعة تستحقّ بسبب الجوار ، واستدلّوا بحديث جابر قال : قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم :»الجار أحقّ بشفعته ينتظر به وإن كان غائباً ، إذا كان طريقهما واحداً « . وعن الشّريد بن سويد قال : قلت يا رسول اللّه :»أرضي ليس لأحد فيها شركة ولا قسمة إلاّ الجوار ، فقال : الجار أحقّ بسقبه « . واستدلّوا من المعقول بأنّه إذا كان الحكم بالشّفعة ثبت في الشّركة لإفضائها إلى ضرر المجاورة فحقيقة المجاورة أولى بالثّبوت فيها ، وهذا لأنّ المقصود دفع ضرر المتأذّي بسوء المجاورة على الدّوام وضرر التّأذّي بسوء المجاورة على الدّوام باتّصال أحد الملكين بالآخر على وجه لا يتأتّى الفصل فيه . والنّاس يتفاوتون في المجاورة حتّى يرغب في مجاورة بعض النّاس لحسن خلقه ويرغب عن جوار البعض لسوء خلقه ، فلمّا كان الجار القديم يتأذّى بالجار الحادث على هذا الوجه ثبت له حقّ الملك بالشّفعة دفعاً لهذا الضّرر . |
|
18-07-2017, 10:55 PM | #2 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
رد: الشُفْعَة في الشريعة الإسلامية
شروط الشّفعة بالجوار :
يرى الحنفيّة أنّ الجوار سبب للشّفعة ولكنّهم لم يأخذوا بالجوار على عمومه ، بل اشترطوا لذلك أن تتحقّق الملاصقة في أيّ جزء من أيّ حدّ من الحدود ، سواء امتدّ مكان الملاصقة حتّى عمّ الحدّ أم قصر حتّى لو لم يتجاوز . فالملاصق للمنزل والملاصق لأقصى الدّار سواء في استحقاق الشّفعة لأنّ ملك كلّ حدّ منهم متّصل بالبيع . أمّا الجار المحاذي فلا شفعة له بالمجاورة سواء أكان أقرب باباً أم أبعد ، لأنّ المعتبر في الشّفعة هو القرب واتّصال أحد الملكين بالآخر وذلك في الجار الملاصق دون الجار المحاذي فإنّ بين الملكين طريقاً نافذاً . وقال شريح : الشّفعة بالأبواب ، فأقرب الأبواب إلى الدّار أحقّ بالشّفعة . لما ورد أنّ عائشة رضي اللهعنها قالت :»يا رسول اللّه إنّ لي جارين فإلى أيّهما أهدي ؟ قال : إلى أقربهما منك باباً« . ولا تثبت الشّفعة أيضاً عند الحنفيّة للجار المقابل . لأنّ سوء المجاورة لا يتحقّق إذا لم يكن ملك أحدهما متّصلاً بملك الآخر ولا شركة بينهما في حقوق الملك . وحقّ الشّفعة يثبت للجار الملاصق ليترفّق به من حيث توسّع الملك والمرافق ، وهذا في الجار الملاصق يتحقّق لإمكان جعل إحدى الدّارين من مرافق الدّار الأخرى . ولا يتحقّق ذلك في الجار المقابل لعدم إمكان جعل إحدى الدّارين من مرافق الدّار الأخرى بطريق نافذ بينهما ولكن تثبت الشّفعة للجار المقابل إذا كانت الدّور كلّها في سكّة غير نافذة ، لإمكان جعل بعضها من مرافق البعض بأن تجعل الدّور كلّها داراً واحدةً . ولا تثبت الشّفعة إلاّ للجار المالك ، فلا تثبت لجار السّكنى ، كالمستأجر والمستعير ، لأنّ المقصود دفع ضرر التّأذّي بسوء المجاورة على الدّوام وجوار السّكنى ليس بمستدام ، وضرر التّأذّي بسوء المجاورة على الدّوام ، باتّصال أحد الملكين بالآخر على وجه لا يتأتّى الفصل فيه . الشّفعة بين ملاك الطّبقات : ملاك الطّبقات عند الحنفيّة متجاورون فيحقّ لهم الأخذ بالشّفعة بسبب الجوار . وإن لم يأخذ صاحب العلوّ السّفل بالشّفعة حتّى انهدم العلوّ فعلى قول أبي يوسف بطلت الشّفعة ، لأنّ الاتّصال بالجوار قد زال ، كما لو باع الّتي يشفع بها قبل الأخذ . وعلى قول محمّد تجب الشّفعة ، لأنّها ليست بسبب البناء بل بالقرار وحقّ القرار باق . وإن كانت ثلاثة أبيات بعضها فوق بعض وباب كلّ إلى السّكّة فبيع الأوسط تثبت الشّفعة للأعلى والأسفل وإن بيع الأسفل أو الأعلى ، فالأوسط أولى ، بما له من حقّ القرار ، لأنّ حقّ التّعلّي يبقى على الدّوام ، وهو غير منقول فتستحقّ به الشّفعة كالعقار . ولو كان سفل بين رجلين عليه علوّ لأحدهما مشترك بينه وبين آخر فباع هو السّفل والعلوّ كان العلوّ لشريكه في العلوّ والسّفل لشريكه في السّفل ، لأنّ كلّ واحد منهما شريك في نفس المبيع في حقّه وجار في حقّ الآخر أو شريك في الحقّ إذا كان طريقهما واحداً . ولو كان السّفل لرجل والعلوّ لآخر فبيعت دار بجنبها فالشّفعة لهما . أركان الشّفعة : أركان الشّفعة ثلاثة : أ - الشّفيع : وهو الآخذ . ب - والمأخوذ منه : وهو المشتري الّذي يكون العقار في حيازته . ج - المشفوع فيه : وهو العقار المأخوذ أي محلّ الشّفعة . ولكلّ ركن من هذه الأركان شروط وأحكام تتعلّق بها كما سيأتي . الشّروط الواجب توافرها في الشّفيع : الشّرط الأوّل : ملكيّة الشّفيع لما يشفع به : اشترط الفقهاء للأخذ بالشّفعة أن يكون الشّفيع مالكاً للعقار المشفوع به وقت شراء العقار المشفوع فيه . لأنّ سبب الاستحقاق جواز الملك ، والسّبب إنّما ينعقد سبباً عند وجود الشّرط ، والانعقاد أمر زائد على الوجود . قال الكاسانيّ : لا شفعة له بدار يسكنها بالإجارة والإعارة ولا بدار باعها قبل الشّراء ولا بدار جعلها مسجداً ولا بدار جعلها وقفاً . وقد روي عن مالك جواز الشّفعة في الكراء كما سبق . الشّرط الثّاني : بقاء الملكيّة لحين الأخذ بالشّفعة : يجب أن يبقى الشّفيع مالكاً للعقار المشفوع به حتّى يمتلك العقار المشفوع فيه بالرّضاء أو بحكم القضاء ليتحقّق الاتّصال وقت البيع . الشّفعة للوقف : لا شفعة للوقف لا بشركة ولا بجوار . فإذا بيع عقار مجاور لوقف ، أو كان المبيع بعضه ملك وبعضه وقف وبيع الملك فلا شفعة للوقف ، لا لقيّمه ولا للموقوف عليه . واشترط الفقهاء جميعاً ألاّ يتضمّن التّملّك بالشّفعة تفريق الصّفقة لأنّ الشّفعة لا تقبل التّجزئة . وينبني على ذلك أنّه إذا كان المبيع قطعةً واحدةً والمشتري واحداً فلا يجوز للشّفيع أن يطلب بعض المبيع ويترك البعض الآخر ، أمّا إذا كانت القطعة واحدةً ، وكان المشتري متعدّداً فيجوز للشّفيع أن يطلب نصيب واحد أو أكثر أو يطلب الكلّ ، ولا يعتبر هذا تجزئةً للشّفعة ، لأنّ كلّ واحد من الشّركاء مستقلّ بملكيّة نصيبه تمام الاستقلال . وإذا كانت القطع متعدّدةً والمشتري واحداً أخذ كلّ شفيع القطعة الّتي يشفع فيها ، فإن تعدّد المشترون أيضاً فلكلّ شفيع أن يأخذ نصيب بعضهم أو يأخذ الكلّ ويقدّر لكلّ قطعة ما يناسبها من الثّمن إن لم يكن مقدّراً في العقد . المشفوع منه : وتجوز الشّفعة على أيّ مشتر للعقار المبيع سواء أكان قريباً للبائع أم كان أجنبيّاً عنه . لعموم النّصوص المثبّتة للشّفعة . التّصرّفات الّتي تجوز فيها الشّفعة : اتّفق الفقهاء على أنّ التّصرّف المجيز للشّفعة هو عقد المعاوضة ، وهو البيع وما في معناه . فلا تثبت الشّفعة في الهبة والصّدقة والميراث والوصيّة لأنّ الأخذ بالشّفعة يكون بمثل ما ملك فإذا انعدمت المعاوضة تعذّر الأخذ بالشّفعة . وحكي عن مالك في رواية أنّ الشّفعة تثبت في كلّ ملك انتقل بعوض أو بغير عوض كالهبة لغير الثّواب ، والصّدقة ، ما عدا الميراث فإنّه لا شفعة فيه باتّفاق . ووجه هذه الرّواية أنّها اعتبرت الضّرر فقط . واختلف الفقهاء في المهر وأرش الجنايات والصّلح وبدل الخلع وما في معناها : فذهب الحنفيّة والحنابلة في رواية صحّحها المرداويّ إلى عدم ثبوت الشّفعة في هذه الأموال لأنّ النّصّ ورد في البيع فقط وليست هذه التّصرّفات بمعنى البيع ، ولاستحالة أن يتملّك الشّفيع بمثل ما تملّك به هؤلاء . وذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في رواية أخرى إلى ثبوت الشّفعة في هذه التّصرّفات قياساً على البيع بجامع الاشتراك في المعاوضة مع لحوق الضّرر ثمّ نصّ الحنابلة على أنّ الصّحيح عندهم أنّه إذا ثبتت الشّفعة في هذه الحال فيأخذه الشّفيع بقيمته وفي قول : بقيمة مقابله . الهبة بشرط العوض : ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة - إلى أنّه إذا كانت الهبة بشرط العوض ، فإن تقابضا وجبت الشّفعة ، لوجود معنى المعاوضة عند التّقابض عند الحنفيّة ورأي للشّافعيّة ، وإن قبض أحدهما دون الآخر فلا شفعة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد ، وعند زفر تجب الشّفعة بنفس العقد وهو الأظهر عند الشّافعيّة . الشّفعة مع شرط الخيار : اتّفق الفقهاء على أنّه إن كان الخيار للبائع وحده أو للبائع والمشتري معاً فلا شفعة حتّى يجب البيع ، لأنّهم اشترطوا لجواز الشّفعة زوال ملك البائع عن المبيع . وإذا كان الخيار للمشتري فقال الحنفيّة : تجب الشّفعة لأنّ خياره لا يمنع زوال المبيع عن ملك البائع وحقّ الشّفعة يقف عليه . وعند المالكيّة : لا تجب الشّفعة ، لأنّه غير لازم . لأنّ بيع الخيار منحلّ على المشهور ، إلاّ بعد مضيّه ولزومه فتكون الشّفعة . وأمّا الشّافعيّة فقد قالوا : إن شرط الخيار للمشتري وحده فعلى القول بأنّ الملك له ففي أخذه بالشّفعة قولان : الأوّل : المنع ، لأنّ المشتري لم يرض بلزوم العقد وفي الأخذ إلزام وإثبات للعهدة عليه . والثّاني : وهو الأظهر يؤخذ ، لأنّه لا حقّ فيه إلاّ للمشتري والشّفيع سلّط عليه بعد لزوم الملك واستقراره فقبله أولى . وعند الحنابلة : لا تثبت الشّفعة قبل انقضاء الخيار كما قال المالكيّة . وقال الحنفيّة : ولو شرط البائع الخيار للشّفيع فلا شفعة له ، لأنّ شرط الخيار للشّفيع شرط لنفسه وأنّه يمنع وجوب الشّفعة ، فإن أجاز الشّفيع البيع جاز ولا شفعة ، لأنّ البيع تمّ من جهته فصار كأنّه باع ابتداءً . وإن فسخ البيع فلا شفعة له لأنّ ملك البائع لم يزل ، والحيلة للشّفيع في ذلك ألاّ يفسخ ولا يجيز حتّى يجيز البائع أو يجوّز البيع بمضيّ المدّة فتكون له الشّفعة . |
|
18-07-2017, 10:56 PM | #3 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
رد: الشُفْعَة في الشريعة الإسلامية
الشّفعة في بعض أنواع البيوع :
أ - البيع بالمزاد العلنيّ : إذا بيع العقار بالمزاد العلنيّ فمقتضى صيغ الفقهاء أنّهم لا يمنعون الشّفعة فيه لأنّهم ذكروا شروطاً للشّفعة إذا تحقّقت ثبتت الشّفعة للشّفيع ولم يستثنوا البيع بالمزايدة . ب - ما بيع ليجعل مسجداً : ذهب الحنفيّة والمالكيّة وهو قول أبي بكر من الحنابلة إلى أنّه إذا اتّخذ المشتري الدّار مسجداً ثمّ حضر الشّفيع كان له أن ينقض المسجد ويأخذ الدّار بالشّفعة في ظاهر الرّواية . وروي عن أبي حنيفة أنّه ليس له ذلك ، لأنّ المسجد يتحرّر عن حقوق العباد فيكون بمنزلة إعتاق العبد . وحقّ الشّفيع لا يكون أقوى من حقّ المرتهن ثمّ حقّ المرتهن لا يمنع حقّ الرّاهن فكذلك حقّ الشّفيع لا يمنع صحّة جعل الدّار مسجداً . ووجه ظاهر الرّواية أنّ للشّفيع في هذه البقعة حقّاً مقدّماً على حقّ المشتري ، وذلك يمنع صحّة جعله مسجداً ، لأنّ المسجد يكون للّه تعالى خالصاً ، ألا ترى أنّه لو جعل جزءاً شائعاً من داره مسجداً أو جعل وسط داره مسجداً لم يجز ذلك ، لأنّه لم يصر خالصاً للّه تعالى فكذلك ما فيه حقّ الشّفعة إذا جعله مسجداً ، وهذا لأنّه في معنى مسجد الضّرار لأنّه قصد الأضرار بالشّفيع من حيث إبطال حقّه فإذا لم يصحّ ذلك كان للشّفيع أن يأخذ الدّار بالشّفعة ويرفع المشتري بناءه المحدث . المال الّذي تثبت فيه الشّفعة : اتّفق الفقهاء على أنّ العقار وما في معناه من الأموال الثّابتة تثبت فيه الشّفعة . وأمّا الأموال المنقولة ففيها خلاف يأتي بيانه . واستدلّوا على ثبوت الشّفعة في العقار ونحوه بحديث جابر رضي الله عنه قال :»قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالشّفعة في كلّ شركة لم تقسم ربعة أو حائط« . وبأنّ الشّفعة في العقار ما وجبت لكونه : مسكناً ، وإنّما وجبت لخوف أذى الدّخيل وضرره على سبيل الدّوام وذلك لا يتحقّق إلاّ في العقار . وتجب الشّفعة في العقار أو ما في معناه وهو العلوّ ، سواء كان العقار ممّا يحتمل القسمة أو ممّا لا يحتملها كالحمّام والرّحى والبئر ، والنّهر ، والعين ، والدّور الصّغار . وكلّ ما يتعلّق بالعقار ممّا له ثبات واتّصال بالشّروط المتقدّم ذكرها . واختلف الفقهاء في ثبوت الشّفعة في المنقول على قولين : القول الأوّل : لا تثبت في المنقول وهو قول الحنفيّة والشّافعيّة ، والصّحيح من مذهبي المالكيّة والحنابلة . واستدلّوا على ذلك بحديث جابر - رضي الله عنه - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم»قضى بالشّفعة في كلّ ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطّرق فلا شفعة « . ووجه الدّلالة من هذا الحديث أنّ وقوع الحدود وتصريف الطّرق إنّما يكون في العقار دون المنقول . عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال :»لا شفعة إلاّ في دار أو عقار«، وهذا يقتضي نفيها عن غير الدّار والعقار ممّا لا يتبعهما وهو المنقول ، وأمّا ما يتبعهما فهو داخل في حكمها . قالوا : ولأنّ الشّفعة إنّما شرعت لدفع الضّرر ، والضّرر في العقار يكثر جدّاً فإنّه يحتاج الشّريك إلى إحداث المرافق ، وتغيير الأبنية وتضييق الواسع وتخريب العامر وسوء الجوار وغير ذلك ممّا يختصّ بالعقار بخلاف المنقول . وقالوا أيضاً : الفرق بين المنقول وغيره أنّ الضّرر في غير المنقول يتأبّد بتأبّده وفي المنقول لا يتأبّد فهو ضرر عارض فهو كالمكيل والموزون . القول الثّاني : تثبت الشّفعة في المنقول وهو رواية عن مالك وأحمد . واستدلّوا على ذلك بما رواه البخاريّ عن جابر - رضي الله عنه - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم»قضى بالشّفعة في كلّ ما لم يقسم « . قالوا : إنّ الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم أثبت الشّفعة في كلّ ما لم يقسم وهذا يتناول العقار والمنقول . لأنّ " ما " من صيغ العموم فتثبت الشّفعة في المنقول كما هي ثابتة في العقار . وقالوا : ولأنّ الضّرر بالشّركة فيما لا ينقسم أبلغ من الضّرر بالعقار الّذي يقبل القسمة فإذا كان الشّارع مريداً لدفع الضّرر الأدنى فالأعلى أولى بالدّفع . مراحل طلب الأخذ بالشّفعة : على الشّفيع أن يظهر رغبته بمجرّد علمه بالبيع بما يسمّيه الفقهاء طلب المواثبة ، ثمّ يؤكّد هذه الرّغبة ويعلنها ويسمّى هذا طلب التّقرير والإشهاد ، فإذا لم تتمّ له الشّفعة تقدّم للقضاء بما يسمّى بطلب الخصومة والتّملّك . أ - طلب المواثبة : وقت هذا الطّلب هو وقت علم الشّفيع بالبيع ، وعلمه بالبيع قد يحصل بسماعه بالبيع بنفسه ، وقد يحصل بإخبار غيره له . واختلف الحنفيّة في اشتراط العدد والعدالة في المخبر : فقال أبو حنيفة : يشترط أحد هذين إمّا العدد في المخبر وهو رجلان أو رجل وامرأتان وإمّا العدالة . وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يشترط فيه العدد ولا العدالة ، فلو أخبره واحد بالشّفعة عدلاً كان أو فاسقاً ، فسكت ولم يطلب على فور الخبر على رواية الأصل أو لم يطلب في المجلس على رواية محمّد ، بطلت شفعته عندهما إذا ظهر كون الخبر صادقاً . وذلك لأنّ العدد والعدالة لا يعتبران شرعاً في المعاملات وهذا من باب المعاملة فلا يشترط فيه العدد ولا العدالة . ووجه قول أبي حنيفة : أنّ هذا إخبار فيه معنى الإلزام . ألا ترى أنّ حقّ الشّفيع يبطل لو لم يطلب بعد الخبر فأشبه الشّهادة فيعتبر فيه أحد شرطي الشّهادة وهو العدد أو العدالة . وشرط طلب المواثبة أن يكون من فور العلم بالبيع . إذا كان قادراً عليه ، حتّى لو علم بالبيع وسكت عن الطّلب مع القدرة عليه بطل حقّ الشّفعة في رواية الأصل . وروي عن محمّد أنّه على المجلس كخيار المخيّرة وخيار القبول ما لم يقم عن المجلس أو يتشاغل عن الطّلب بعمل آخر لا تبطل شفعته وله أن يطلب ، وذكر الكرخيّ أنّ هذا أصحّ الرّوايتين ، ووجه هذه الرّواية أنّ حقّ الشّفعة ثبت نظراً للشّفيع دفعاً للضّرر عنه فيحتاج إلى التّأمّل أنّ هذه الدّار هل تصلح بمثل هذا الثّمن وأنّه هل يتضرّر بجوار هذا المشتري فيأخذ بالشّفعة ، أم لا يتضرّر به فيترك . وهذا لا يصحّ بدون العلم بالبيع ، والحاجة إلى التّأمّل شرط المجلس في جانب المخيّرة ، والقبول ، كذا هاهنا . ووجه رواية الأصل ما روي أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قال :»الشّفعة كحلّ العقال «ولأنّه حقّ يثبت على خلاف القياس ، إذ الأخذ بالشّفعة تملّك مال معصوم بغير إذن مالكه لخوف ضرر يحتمل الوجود والعدم فلا يستقرّ إلاّ بالطّلب على المواثبة . واستثنى الحنفيّة القائلون بوجوب المواثبة حالات يعذر فيها بالتّأخير كما إذا سمع بالبيع في حال سماعه خطبة الجمعة أو سلّم على المشتري قبل طلب الشّفعة ونحو ذلك . وكذلك إذا كان هناك حائل بأن كان بينهما نهر مخوف ، أو أرض مسبعة ، أو غير ذلك من الموانع ، لا تبطل شفعته بترك المواثبة إلى أن يزول الحائل . وذهب المالكيّة إلى أنّ الشّفعة ليست على الفور بل وقت وجوبها متّسع ، واختلف قول مالك في هذا الوقت هل هو محدود أم لا ؟ فمرّةً قال : هو غير محدود وأنّها لا تنقطع أبداً ، إلاّ أن يحدث المبتاع بناءً أو تغييراً كثيراً بمعرفته وهو حاضر عالم ساكت ، ومرّةً حدّد هذا الوقت بسنة ، وهو الأشهر كما يقول ابن رشد وقيل أكثر من السّنة وقد قيل عنه إنّ الخمسة الأعوام لا تنقطع فيها الشّفعة . والأظهر عند الشّافعيّة أنّ الشّفعة يجب طلبها على الفور لأنّها حقّ ثبت لدفع الضّرر فكان على الفور كالرّدّ بالعيب ، وهو موافق لرواية الأصل والصّحيح من مذهب الحنابلة ، ومقابل الأظهر ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ حقّ الشّفعة مؤقّت بثلاثة أيّام بعد المكنة ، فإن طلبها إلى ثلاث كان على حقّه ، وإن مضت الثّلاث قبل طلبه بطلت . والقول الثّاني : تمتدّ مدّةً تسع التّأمّل في مثل ذلك الشّقص . والثّالث : أنّ حقّ الشّفعة ممتدّ على التّأبيد ما لم يسقطه أو يعرّض بإسقاطه . وقد استثنى بعض الشّافعيّة عشر صور لا يشترط فيها الفور هي : أ - لو شرط الخيار للبائع أو لهما فإنّه لا يؤخذ بالشّفعة ما دام الخيار باقياً . ب - إنّ له التّأخير لانتظار إدراك الزّرع حصاده على الأصحّ . ج - إذا أخبر بالبيع على غير ما وقع من زيادة في الثّمن فترك ثمّ تبيّن خلافه فحقّه باق . د - إذا كان أحد الشّفيعين غائباً فللحاضر انتظاره وتأخير الأخذ إلى حضوره . هـ – إذا اشترى بمؤجّل . و - لو قال : لم أعلم أنّ لي الشّفعة وهو ممّن يخفى عليه ذلك . ز - لو قال العامّيّ : لم أعلم أنّ الشّفعة على الفور ، فإنّ المذهب هنا وفي الرّدّ بالعيب قبول قوله . ح - لو كان الشّقص الّذي يأخذ بسببه مغصوباً كما نصّ عليه البويطيّ فقال : وإن كان في يد رجل شقص من دار فغصب على نصيبه ثمّ باع الآخر نصيبه ثمّ رجع إليه فله الشّفعة ساعة رجوعه إليه ، نقله البلقينيّ ط - الشّفعة الّتي يأخذها الوليّ لليتيم ليست على الفور ، بل حقّ الوليّ على التّراخي قطعاً ، حتّى لو أخّرها أو عفا عنها لم يسقط لأجل اليتيم . ي - لو بلغه الشّراء بثمن مجهول فأخّر ليعلم لا يبطل ، قاله القاضي حسين . والصّحيح في مذهب الحنابلة : أنّ حقّ الشّفعة على الفور إن طالب بها ساعة يعلم بالبيع وإلاّ بطلت ، نصّ عليه أحمد في رواية أبي طالب ، وحكي عنه رواية ثانية أنّ الشّفعة على التّراخي لا تسقط ما لم يوجد منه ما يدلّ على الرّضى من عفو أو مطالبة بقسمة ونحو ذلك . وإن كان للشّفيع عذر يمنعه الطّلب مثل أن لا يعلم بالبيع فأخّر إلى أن علم وطالب ساعة علم أو علم الشّفيع بالبيع ليلاً فأخّر الطّلب إلى الصّبح أو أخّر الطّلب لشدّة جوع أو عطش حتّى يأكل ويشرب ، أو أخّر الطّلب محدث لطهارة أو إغلاق باب أو ليخرج من الحمّام أو ليقضي حاجته ، أو ليؤذّن ويقيم ويأتي بالصّلاة بسننها ، أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها ونحوه ، كمن علم وقد ضاع منه مال فأخّر الطّلب يلتمس ما سقط منه لم تسقط الشّفعة ، لأنّ العادة تقديم هذه الحوائج ونحوها على غيرها فلا يكون الاشتغال بها رضاً بترك الشّفعة ، كما لو أمكنه أن يسرع في مشيه أو يحرّك دابّته فلم يفعل ومضى على حسب عادته ، وهذا ما لم يكن المشتري حاضراً عند الشّفيع في هذه الأحوال ، فتسقط بتأخيره ، لأنّه مع حضوره يمكنه مطالبته من غير اشتغال عن أشغاله إلاّ الصّلاة فلا تسقط الشّفعة بتأخير الطّلب للصّلاة وسننها ، ولو مع حضور المشتري عند الشّفيع ، لأنّ العادة تأخير الكلام عن الصّلاة ، وليس على الشّفيع تخفيف الصّلاة ، ولا الاقتصار على أقلّ ما يجزئ في الصّلاة . |
|
18-07-2017, 10:56 PM | #4 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
رد: الشُفْعَة في الشريعة الإسلامية
الإشهاد على طلب المواثبة :
الإشهاد ليس بشرط لصحّة طلب المواثبة فلو لم يشهد صحّ طلبه فيما بينه وبين اللّه ، وإنّما الإشهاد للإظهار عند الخصومة على تقدير الإنكار ، لأنّ من الجائز أنّ المشتري لا يصدّق الشّفيع في الطّلب أو لا يصدّقه في الفور ويكون القول قوله فيحتاج إلى الإظهار بالبيّنة عند القاضي على تقدير عدم التّصديق ، لا أنّه شرط صحّة الطّلب ، هذا عند الحنفيّة والشّافعيّة . قال الشّافعيّة إن كان للشّفيع عذر يمنع المطالبة ، فليوكّل في المطالبة أو يشهد على طلب الشّفعة، فإن ترك المقدور عليه منها بطل حقّه في الأظهر . وعند الحنابلة : تسقط الشّفعة بسيره إلى المشتري في طلبها بلا إشهاد ، ولا تسقط إن أخّر طلبه بعد الإشهاد ، أي إنّ الحنابلة يشترطون الإشهاد لصحّة الطّلب . ويصحّ الطّلب بكلّ لفظ يفهم منه طلب الشّفعة كما لو قال : طلبت الشّفعة أو أطلبها أو أنا طالبها، لأنّ الاعتبار للمعنى . ب - طلب التّقرير والإشهاد : هذه المرحلة من المطالبة اختصّ بذكرها الحنفيّة فقالوا : يجب على الشّفيع بعد طلب المواثبة أن يشهد ويطلب التّقرير وطلب التّقرير . هو أن يشهد الشّفيع على البائع إن كان العقار المبيع في يده ، أو على المشتري وإن لم يكن العقار في يده ، أو عند المبيع بأنّه طلب ويطلب فيه الشّفعة الآن . والشّفيع محتاج إلى الإشهاد لإثباته عند القاضي ولا يمكنه الإشهاد ظاهراً على طلب المواثبة لأنّه على فور العلم بالشّراء - عند البعض - فيحتاج بعد ذلك إلى طلب الإشهاد والتّقرير . ولبيان كيفيّته نقول : المبيع إمّا أن يكون في يد البائع وإمّا أن يكون في يد المشتري ، فإن كان في يد البائع فالشّفيع بالخيار إن شاء طلب من البائع ، وإن شاء طلب من المشتري وإن شاء طلب عند المبيع . أمّا الطّلب من البائع والمشتري فلأنّ كلّ واحد منهما خصم البائع باليد والمشتري بالملك ، فصحّ الطّلب من كلّ واحد منهما . وأمّا الطّلب عند المبيع فلأنّ الحقّ متعلّق به ، فإن سكت عن الطّلب من أحد المتبايعين وعند المبيع مع القدرة عليه بطلت شفعته لأنّه فرّط في الطّلب . وإن كان في يد المشتري فإن شاء طلب من المشتري وإن شاء عند المبيع ، ولا يطلب من البائع لأنّه خرج من أن يكون خصماً لزوال يده ولا ملك له فصار بمنزلة الأجنبيّ . هذا إذا كان قادراً على الطّلب من المشتري أو البائع أو عند المبيع . والإشهاد على طلب التّقرير ليس بشرط لصحّته وإنّما هو لتوثيقه على تقدير الإنكار كما في طلب المواثبة . وتسمية المبيع وتحديده ليست بشرط لصحّة الطّلب والإشهاد في ظاهر الرّواية ، وروي عن أبي يوسف أنّه شرط ، لأنّ الطّلب لا يصحّ إلاّ بعد العلم والعقار لا يصير معلوماً إلاّ بالتّحديد فلا يصحّ الطّلب والإشهاد بدونه واختلفت عبارات مشايخ الحنفيّة في ألفاظ الطّلب ، وصحّح الكاسانيّ أنّه لوأتى بلفظ يدلّ على الطّلب أيّ لفظ كان يكفي ، نحو أن يقول : ادّعيت الشّفعة أو سألت الشّفعة ونحو ذلك ممّا يدلّ على الطّلب ، قال الكاسانيّ : لأنّ الحاجة إلى الطّلب ، ومعنى الطّلب يتأدّى بكلّ لفظ يدلّ عليه ، سواء أكان بلفظ الطّلب أم بغيره ، ومن صور هذا الطّلب ما ذكر في الهداية والكنز ، وهي أن يقول الشّفيع : إنّ فلاناً اشترى هذه الدّار وأنا شفيعها ، وقد كنت طلبت الشّفعة وأطلبها الآن فاشهدوا على ذلك . وأمّا حكم هذا الطّلب عند الحنفيّة فهو استقرار الحقّ ، فالشّفيع إذا أتى بطلبين صحيحين -طلب المواثبة وطلب التّقرير - استقرّ الحقّ على وجه لا يبطل بتأخير المطالبة أمام القاضي بالأخذ بالشّفعة أبداً حتّى يسقطها بلسانه ، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الرّوايتين عن أبي يوسف، وفي رواية أخرى قال : إذا ترك المخاصمة إلى القاضي في زمان يقدر فيه على المخاصمة بطلت شفعته ، ولم يؤقّت فيه وقتاً ، وروي عنه أنّه قدّره بما يراه القاضي ، وقال محمّد وزفر ، إذا مضى شهر بعد الطّلب ولم يطلب من غير عذر بطلت شفعته ، وهو رواية عن أبي يوسف أيضاً وبه أخذت المجلّة . وجه قول محمّد وزفر : أنّ حقّ الشّفعة ثبت لدفع الضّرر عن الشّفيع ولا يجوز دفع الضّرر عن الإنسان على وجه يتضمّن الإضرار بغيره ، وفي إبقاء هذا الحقّ بعد تأخير الخصومة أبداً إضرار بالمشتري ، لأنّه لا يبني ولا يغرس خوفاً من النّقض والقلع فيتضرّر به ، فلا بدّ من التّقدير بزمان ، وقدّر بالشّهر لأنّه أدنى الآجال ، فإذا مضى شهر ولم يطلب من غير عذر فقد فرّط في الطّلب فتبطل شفعته . ووجه قول أبي حنيفة ، أنّ الحقّ للشّفيع قد ثبت بالطّلبين والأصل أنّ الحقّ متى ثبت لإنسان لا يبطل إلاّ بإبطاله ولم يوجد لأنّ تأخير المطالبة منه لا يكون إبطالاً ، كتأخير استيفاء القصاص وسائر الدّيون . ج - طلب الخصومة والتّملّك : طلب الخصومة والتّملّك هو طلب المخاصمة عند القاضي ، فيلزم أن يطلب الشّفيع ويدعى في حضور الحاكم بعد طلب التّقرير والإشهاد . ولا تسقط الشّفعة بتأخير هذا الطّلب عند أبي حنيفة ، وهو رواية عن أبي يوسف ، وقال محمّد وزفر إن تركها شهراً بعد الإشهاد بطلت . ولا فرق في حقّ المشتري بين الحضر والسّفر ، ولو علم أنّه لم يكن في البلد قاض لا تبطل شفعته بالتّأخير بالاتّفاق . لأنّه لا يتمكّن من الخصومة إلاّ عند القاضي فكان عذراً . وإذا تقدّم الشّفيع إلى القاضي فادّعى الشّراء وطلب الشّفعة سأله القاضي فإن اعترف بملكه الّذي يشفع به ، وإلاّ كلّفه بإقامة البيّنة ، لأنّ اليد ظاهر محتمل فلا تكفي لإثبات الاستحقاق . فإن عجز عن البيّنة استحلف المشتري باللّه ما يعلم أنّ المدّعي مالك للّذي ذكره ممّا يشفع به ، فإن نكل أو قامت للشّفيع بيّنة ثبت حقّه في المطالبة ، فبعد ذلك يسأل القاضي المدّعى عليه هل ابتاع أم لا ؟ فإن أنكر الابتياع قيل للشّفيع : أقم البيّنة لأنّ الشّفعة لا تجب إلاّ بعد ثبوت البيع وثبوته بالحجّة ، فإن عجز عنها استحلف المشتري باللّه ما ابتاع أو باللّه ما استحقّ عليه في هذه الدّار شفعةً من الوجه الّذي ذكره . ولا يلزم الشّفيع إحضار الثّمن وقت الدّعوى بل بعد القضاء ، فيجوز له المنازعة وإن لم يحضر الثّمن إلى مجلس القضاء . الشّفعة للذّمّيّ على المسلم : أجمع الفقهاء على ثبوت الشّفعة للمسلم على الذّمّيّ ، وللذّمّيّ على الذّمّيّ ، واختلفوا في ثبوتها للذّمّيّ على المسلم ولهم في ذلك قولان : القول الأوّل : ذهب الحنفيّة ، والمالكيّة ، والشّافعيّة ، إلى ثبوتها للذّمّيّ على المسلم أيضاً . واستدلّوا بعموم الأحاديث الواردة في الشّفعة الّتي سبقت كحديث جابر - رضي الله عنه - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم»قضى بالشّفعة في كلّ شركة لم تقسم ، ربعة أو حائط لا يحلّ له أن يبيع حتّى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحقّ به «. وبالإجماع لما روي عن شريح أنّه قضى بالشّفعة للذّمّيّ على المسلم وكتب بذلك إلى عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - فأجازه وأقرّه ، وكان ذلك في محضر من الصّحابة ولم ينكر أحد منهم عليه فكان ذلك إجماعاً . ولأنّ الذّمّيّ كالمسلم في السّبب والحكمة وهما اتّصال الملك بالشّركة أو الجوار ، ودفع الضّرر عن الشّريك أو الجار ، فكما جازت الشّفعة للمسلم على المسلم فكذلك تجوز للذّمّيّ على المسلم . القول الثّاني : ذهب الحنابلة إلى عدم ثبوتها للذّمّيّ على المسلم ، واستدلّوا على ذلك بما رواه الدّارقطنيّ في كتاب العلل عن أنس رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال :»لا شفعة لنصرانيّ « . وبأنّ الشّريعة إنّما قصدت من وراء تشريع الشّفعة الرّفق بالشّفيع ، والرّفق لا يستحقّه إلاّ من أقرّ بها وعمل بمقتضاها والذّمّيّ لم يقرّ بها ولم يعمل بمقتضاها فلا يستحقّ الرّفق المقصود بتشريع الشّفعة فلا تثبت له على المسلم . وبأنّ في إثبات الشّفعة للذّمّيّ على المسلم تسليطاً له عليه بالقهر والغلبة وذلك ممتنع بالاتّفاق |
|
18-07-2017, 10:57 PM | #5 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
رد: الشُفْعَة في الشريعة الإسلامية
تعدّد الشّفعاء وتزاحمهم :
أوّلاً : عند اتّحاد سبب الشّفعة : اختلف الفقهاء في كيفيّة توزيع المشفوع فيه على الشّفعاء عند اتّحاد سبب الشّفعة لكلّ منهم بأن كانوا جميعاً من رتبة واحدة - أي شركاء مثلاً - فذهب المالكيّة ، والشّافعيّة ، في الأظهر ، والحنابلة على الصّحيح من المذهب إلى أنّه إذا تعدّد الشّفعاء وزّعت الشّفعة عليهم بقدر الحصص من الملك ، لا على عدد الرّءوس . ووجه ذلك عندهم ، أنّها مستحقّة بالملك فقسّط على قدره كالأجرة والثّمن . وذهب الحنفيّة والشّافعيّة في قول : والحنابلة في قول ، إلى أنّها تقسم على عدد الرّءوس لا على قدر الملك ووجه ذلك أنّ السّبب في موضوع الشّركة أصل الشّركة ، وقد استويا فيه فيستويان في الاستحقاق . وكما يقسم المشفوع فيه على الشّركاء بالتّساوي عند الحنفيّة ، يقسم أيضاً على الجيران بالتّساوي بصرف النّظر عن مقدار المجاورة ، فإذا كان لدار واحدة شفيعان جاران جوارهما على التّفاوت بأن كان جوار أحدهما بخمسة أسداس الدّار وجوار الآخر بسدسها ، كانت الشّفعة بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق ، وهو أصل الجوار . فالقاعدة عند الحنفيّة هي أنّ العبرة في السّبب أصل الشّركة لا قدرها ، وأصل الجوار لا قدره ، وهذا يعمّ حال انفراد الأسباب واجتماعها . ثانياً : عند اختلاف سبب الشّفعة : ذهب الحنفيّة إلى أنّ أسباب الشّفعة إذا اجتمعت يراعى فيها التّرتيب بين الشّفعاء فيقدّم الأقوى فالأقوى ، فيقدّم الشّريك في نفس المبيع على الخليط في حقّ المبيع ، ويقدّم الخليط في حقّ المبيع على الجار الملاصق لما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال :»الشّريك أحقّ من الخليط والخليط أحقّ من غيره «ولأنّ المؤثّر في ثبوت حقّ الشّفعة هو دفع ضرر الدّخيل وأذاه ، وسبب وصول الضّرر والأذى هو الاتّصال ، والاتّصال على هذه المراتب ، فالاتّصال بالشّركة في عين المبيع أقوى من الاتّصال بالخلط ، والاتّصال بالخلط أقوى من الاتّصال بالجوار ، والتّرجيح بقوّة التّأثير ترجيح صحيح . فإن سلّم الشّريك وجبت للخليط . وإن اجتمع خليطان يقدّم الأخصّ على الأعمّ ، وإن سلّم الخليط وجبت للجار لما قلنا ، وهذا على ظاهر الرّواية ، وروي عن أبي يوسف أنّه إذا سلّم الشّريك فلا شفعة لغيره . فعلى ظاهر الرّواية ليس للمتأخّر حقّ إلاّ إذا سلّم المتقدّم ، فإن سلّم فللمتأخّر أن يأخذ بالشّفعة ، لأنّ السّبب قد تقرّر في حقّ الكلّ إلاّ أنّ للشّريك حقّ التّقدّم . ولكن بشرط أن يكون الجار طلب الشّفعة مع الشّريك إذا علم بالبيع ليمكنه الأخذ إذا سلّم الشّريك، فإن لم يطلب حتّى سلّم الشّريك فلا يحقّ له بعد ذلك . والشّافعيّة والحنابلة لا يثبتون الشّفعة إلاّ للشّريك في الملك . أمّا المالكيّة فلا يتأتّى التّزاحم عندهم لأنّهم وإن وافقوهم في ذلك ، إلاّ أنّهم ذهبوا مذهباً آخر فجعلوها للشّركاء في العقار دون ترتيب إذا ما كانوا في درجة واحدة ، وذلك عندما يكون كلّ شريك أصلاً في الشّركة لا خلفاً فيها عن غيره . أمّا إذا كان بعضهم خلفاً في الشّركة عن غيره دون بعض فلا تكون لهم على السّواء وإنّما يقدّم الشّريك في السّهم المباع بعضه على الشّريك في أصل العقار ، ويظهر ذلك في الورثة ،فإذا كانت دار بين اثنين فمات أحدهما عن جدّتين ، وزوجتين ، وشقيقتين ، فباعت إحدى هؤلاء حظّها من الدّار كانت الشّفعة أوّلاً لشريكتها في السّهم دون بقيّة الورثة والشّريك الأجنبيّ ، فتكون الجدّة - مثلاً - أولى بما تبيع صاحبتها - وهي الجدّة الأخرى - لاشتراكهما في السّدس ، وهكذا . وعند المالكيّة أيضاً ، إن أعار شخص أرضه لقوم يبنون فيها أو يغرسون فيها ففعلوا ثمّ باع أحدهم حظّه من البناء أو الشّجر قدّم الشّخص المعير على شركاء البائع في أخذ الحظّ المبيع بقيمة نقضه منقوضاً أو بثمنه الّذي بيع به فالخيار له عند ابن الحاجب ، هذا في الإعارة المطلقة، وأمّا المقيّدة بزمن معلوم ولم ينقض فقال ابن رشد : إن باع أحدهم حظّه قبل انقضاء أمد الإعارة على البقاء فلشريكه الشّفعة ولا مقال لربّ الأرض إن باعه على البقاء ، وإن باعه على النّقض قدّم ربّ الأرض . فإذا بنى رجلان في عرصة رجل بإذنه ، ثمّ باع أحدهما حصّته من النّقض فلربّ الأرض أخذه بالأقلّ من قيمته مقلوعاً أو من الثّمن الّذي باعه به ، فإن أبى فلشريكه الشّفعة للضّرر إذ هو أصل الشّفعة . ثالثاً : مزاحمة المشتري الشّفيع لغيره من الشّفعاء : إذا كان المشتري شفيعاً ، فإنّه يزاحم غيره من الشّفعاء بقوّة سببه ويزاحمونه كذلك بقوّة السّبب ويقاسمهم ويقاسمونه إذا كانوا من درجة واحدة . فالمشتري الشّفيع يقدّم على من دونه في سبب الشّفعة ، ويقدّم عليه من هو أعلى منه في السّبب . وعلى هذا إذا تساوى المشتري مع الشّفعاء في الرّتبة فإنّه يكون شفيعاً مثلهم فيشاركهم ولا يقدّم أحدهم على الآخر بشيء ويقسم العقار المشفوع فيه على قدر رءوسهم عند الحنفيّة ، وعلى قدر أملاكهم عند غيرهم كما هو أصل كلّ منهم في تقسيم المشفوع فيه على الشّفعاء في حالة ما إذا كان المشتري أجنبيّاً . طريق التّملّك بالشّفعة : اختلف الفقهاء في كيفيّة التّملّك بالشّفعة ، فذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يثبت الملك للشّفيع إلاّ بتسليم المشتري بالتّراضي ، أو بقضاء القاضي . أمّا التّملّك بالتّسليم من المشتري فظاهر ، لأنّ الأخذ بتسليم المشتري برضاه ببدل يبذله الشّفيع وهو الثّمن يفسّر الشّراء والشّراء تملّك . وأمّا قضاء القاضي فلأنّه نقل للملك عن مالكه إلى غيره قهراً ، فافتقر إلى حكم الحاكم كأخذ دينه. وإذا قضى القاضي بالشّفعة وكان المبيع في يد البائع ، فقال بعض مشايخ الحنفيّة : البيع لا ينتقض بل تتحوّل الصّفقة إلى الشّفيع . وقال بعضهم : ينتقض البيع الّذي جرى بين البائع والمشتري وينعقد للشّفيع بيع آخر ، وهو المشهور ووجه من قال بالتّحوّل ، أنّ البيع لو انتقض لتعذّر الأخذ بالشّفعة ، لأنّ البيع من شرائط وجوب الشّفعة فإذا انتقض لم يجب فتعذّر الأخذ . ووجه من قال إنّه ينتقض ، نصّ كلام محمّد حيث قال : انتقض البيع فيما بين البائع والمشتري وهذا نصّ في الباب . ومن المعقول أنّ القاضي إذا قضى بالشّفعة قبل القبض فقد عجز المشتري عن قبض المبيع والعجز عن قبضه يوجب بطلان البيع لخلوّه عن الفائدة ، كما إذا هلك المبيع قبل القبض . ولأنّ الملك قبل الأخذ بالشّفعة للمشتري لوجود آثار الملك في حقّه ولو تحوّل الملك إلى الشّفيع لم يثبت الملك للمشتري . وإن كان المبيع في يد المشتري أخذه منه ودفع الثّمن إلى المشتري ، والبيع الأوّل صحيح، لأنّ استحقاق التّملّك وقع على المشتري فيجعل كأنّه اشترى منه . ثمّ إذا أخذ الدّار من يد البائع يدفع الثّمن إلى البائع وكانت العهدة عليه ، ويستردّ المشتري الثّمن من البائع إن كان قد نقد . وإن أخذها من يد المشتري دفع الثّمن إلى المشتري ، وكانت العهدة عليه ، لأنّ العهدة هي من الرّجوع بالثّمن عند الاستحقاق فيكون على من قبضه . وروي عن أبي يوسف ، أنّ المشتري إذا كان نقد الثّمن ولم يقبض الدّار حتّى قضي للشّفيع بمحضر منهما أنّ الشّفيع يأخذ الدّار من البائع وينقد الثّمن للمشتري والعهدة على المشتري ، وإن كان لم ينقد دفع الشّفيع الثّمن إلى البائع ، والعهدة على البائع . وشرط جواز القضاء بالشّفعة عند الحنفيّة : حضور المقضيّ عليه ، لأنّ القضاء على الغائب لا يجوز ، فإن كان المبيع في يد البائع فلا بدّ من حضور البائع والمشتري جميعاً ، لأنّ كلّ واحد منهما خصم ، أمّا البائع فباليد ، وأمّا المشتري فبالملك فكان كلّ واحد منهما مقضيّاً عليه فيشترط حضورهما لئلاّ يكون قضاءً على الغائب من غير أن يكون عنه خصم حاضر . وأمّا إن كان في يد المشتري فحضور البائع ليس بشرط ، ويكتفى بحضور المشتري لأنّ البائع خرج من أن يكون خصماً لزوال ملكه ويده عن المبيع فصار كالأجنبيّ ، وكذا حضور الشّفيع أو وكيله شرط جواز القضاء له بالشّفعة ، لأنّ القضاء على الغائب كما لا يجوز ، فالقضاء للغائب لا يجوز أيضاً ، ثمّ القاضي إذا قضى بالشّفعة يثبت الملك للشّفيع ولا يقف ثبوت الملك له على التّسليم ، لأنّ الملك للشّفيع يثبت بمنزلة الشّراء ، والشّراء الصّحيح يوجب الملك بنفسه . ووقت القضاء بالشّفعة ، هو وقت المنازعة والمطالبة بها فإذا طالبه بها الشّفيع يقضي له القاضي بالشّفعة ، سواء أحضر الثّمن أم لا في ظاهر الرّواية ، وللمشتري أن يحبس الدّار حتّى يستوفي الثّمن من الشّفيع وللبائع حقّ حبس المبيع لاستيفاء الثّمن ، فإن أبى أن ينقد حبسه القاضي ، لأنّه ظهر ظلمه بالامتناع من إيفاء حقّ واجب عليه ، فيحبسه ولا ينقض الشّفعة ، وإن طلب أجلاً أجّله يوماً أو يومين أو ثلاثةً ، لأنّه لا يمكنه النّقد للحال فيحتاج إلى مدّة يتمكّن فيها من النّقد فيمهله ولا يحبسه ، فإن مضى الأجل ولم ينقد حبسه . وقال محمّد : لا ينبغي للقاضي أن يقضي بالشّفعة حتّى يحضر الشّفيع المال ، فإن طلب أجلاً أجّله يوماً أو يومين أو ثلاثة أيّام ولم يقض له بالشّفعة ، فإن قضى بالشّفعة ثمّ أبى الشّفيع أن ينقد حبسه . وذهب المالكيّة إلى أنّ الشّفيع يملك الشّقص بأحد أمور ثلاثة : أ - حكم الحاكم له . ب - دفع ثمن من الشّفيع للمشتري . ج - الإشهاد بالأخذ ولو في غيبة المشتري ، وقيل لا بدّ أن يكون بحضوره . وقال الشّافعيّة : لا يشترط في التّملّك بالشّفعة حكم الحاكم ، ولا إحضار الثّمن ، ولا حضور المشتري ولا رضاه ، ولا بدّ من جهة الشّفيع من لفظ ، كقوله : تملّكت ، أو اخترت الأخذ بالشّفعة ، أو أخذته بالشّفعة ، وما أشبهه ، وإلاّ فهو من باب المعاطاة . ولو قال : أنا مطالب بالشّفعة ، لم يحصل به التّملّك على الأصحّ ، وبه قطع المتولّي . ولذلك قالوا : يعتبر في التّملّك بها ، أن يكون الثّمن معلوماً للشّفيع ، ولم يشترطوا ذلك في الطّلب . ثمّ لا يملك الشّفيع بمجرّد اللّفظ ، بل يعتبر معه أحد أمور : الأوّل : أن يسلّم العوض إلى المشتري ، فيملك به إن استلمه ، وإلاّ فيخلى بينه وبينه ، أو يرفع الأمر إلى القاضي حتّى يلزمه التّسليم . قال النّوويّ : أو يقبض عنه القاضي . الثّاني : أن يسلّم المشتري الشّقص ويرضى بكون الثّمن في ذمّة الشّفيع ، إلاّ أن يبيع ، ولو رضي بكون الثّمن في ذمّته ، ولم يسلّم الشّقص ، فوجهان : أحدهما : لا يحصل الملك ، لأنّ قول المشتري وعد . وأصحّهما : الحصول ، لأنّه معاوضة ، والملك في المعاوضات لا يقف على القبض . الثّالث : أن يحضر مجلس القاضي ويثبت حقّه بالشّفعة ، ويختار التّملّك ، فيقضي القاضي له بالشّفعة ، فوجهان : أحدهما : لا يحصل الملك حتّى يقبض عوضه ، أو يرضى بتأخّره ، وأصحّهما : الحصول . وإذا ملك الشّفيع الشّقص بغير الطّريق الأوّل ، لم يكن له أن يتسلّمه حتّى يؤدّي الثّمن ، وأن يسلّمه المشتري قبل أداء الثّمن ولا يلزمه أن يؤخّر حقّه بتأخير البائع حقّه . وإذا لم يكن الثّمن حاضراً وقت التّملّك ، أمهل ثلاثة أيّام . فإن انقضت ولم يحضره فسخ الحاكم تملّكه ، هكذا قاله ابن سريج والجمهور . وقيل : إذا قصّر في الأداء ، بطل حقّه . وإن لم يوجد ، رفع الأمر إلى الحاكم وفسخ منه . وذهب الحنابلة إلى أنّ الشّفيع يملك الشّقص بأخذه بكلّ لفظ يدلّ على أخذه ، بأن يقول قد أخذته بالثّمن أو تملّكته بالثّمن أو اخترت الأخذ بالشّفعة ، ونحو ذلك إذا كان الثّمن والشّقص معلومين ، ولا يفتقر إلى حكم حاكم . وقال القاضي وأبو الخطّاب : يملكه بالمطالبة ، لأنّ البيع السّابق سبب ، فإذا انضمّت إليه المطالبة كان كالإيجاب في البيع انضمّ إليه القبول . واستدلّوا بأنّ حقّ الشّفعة ثبت بالنّصّ والإجماع فلم يفتقر إلى حكم حاكم كالرّدّ بالعيب . وعلى هذا فإنّه إذا قال قد أخذت الشّقص بالثّمن الّذي تمّ عليه العقد ، وهو عالم بقدره وبالمبيع صحّ الأخذ ، وملك الشّقص ولا خيار للشّفيع ولا للمشتري ، لأنّ الشّقص يؤخذ قهراً والمقهور لا خيار له . والآخذ قهراً لا خيار له أيضاً . وإن كان الثّمن أو الشّقص مجهولاً لم يملكه بذلك ، لأنّه بيع في الحقيقة ، فيعتبر العلم بالعوضين كسائر البيوع ، وله المطالبة بالشّفعة ، ثمّ يتعرّف مقدار الثّمن من المشتري أو من غيره والمبيع فيأخذه بثمنه ويحتمل أنّ له الأخذ مع جهالة الشّقص بناءً على بيع الغائب . البناء والغراس في المال المشفوع فيه : اختلف الفقهاء فيما إذا بنى المشتري في الأرض المشفوع فيها أو غرس فيها ، ثمّ قضي للشّفيع بالشّفعة ، وسبب الاختلاف على ما قال ابن رشد هو تردّد تصرّف المشفوع عليه العالم بوجوب الشّفعة عليه بين شبهة تصرّف الغاصب وتصرّف المشتري الّذي يطرأ عليه الاستحقاق وقد بنى في الأرض وغرس وذلك أنّه وسط بينهما . فمن غلب عليه شبه الاستحقاق لم يكن له أن يأخذ القيمة ، ومن غلب عليه شبه التّعدّي كان له أن يأخذه بنقضه أو يعطيه قيمته منقوضاً . وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا بنى المشتري في الأرض المشفوع فيها أو غرس ، ثمّ قضي للشّفيع بالشّفعة فهو بالخيار ، إن شاء أخذها بالثّمن والبناء والغرس بقيمته مقلوعاً ، وإن شاء أجبر المشتري على قلعهما ، فيأخذ الأرض فارغةً . وهذا هو جواب ظاهر الرّواية . ووجه ظاهر الرّواية : أنّه بنى في محلّ تعلّق به حقّ متأكّد للغير من غير تسليط من جهة من له الحقّ فينقض كالرّاهن إذا بنى في المرهون ، وهذا لأنّ حقّه أقوى من حقّ المشتري ، لأنّه يتقدّم عليه ، ولهذا ينقض بيعه وهبته وتصرّفاته . وروي عن أبي يوسف ، أنّه لا يجبر المشتري على القلع ويخيّر الشّفيع بين أن يأخذ بالثّمن وقيمة البناء والغرس وبين أن يترك ، ووجه ذلك عنده أنّه محقّ في البناء ، لأنّه بناه على أنّ الدّار ملكه ، والتّكليف بالقلع من أحكام العدوان وصار كالموهوب له والمشتري شراءً فاسداً ، وكما إذا زرع المشتري فإنّه لا يكلّف القلع ، وهذا لأنّ في إيجاب القيمة دفع أعلى الضّررين بتحمّل الأدنى فيصار إليه . أمّا الزّرع فالقياس قلعه ولكنّ الاستحسان عدم قلعه ، لأنّ له نهايةً معلومةً ويبقى بالأجر وليس فيه كثير ضرر . |
|
18-07-2017, 10:57 PM | #6 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
رد: الشُفْعَة في الشريعة الإسلامية
وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا أحدث المشتري بناءً أو غرساً أو ما يشبه ذلك في الشّقص قبل قيام الشّفيع ، ثمّ قام الشّفيع بطلب شفعته فلا شفعة إلاّ أن يعطى المشتري قيمة ما بنى وما غرس . وللمشتري الغلّة إلى وقت الأخذ بالشّفعة لأنّه في ضمانه قبل الأخذ بها والغلّة بالضّمان .
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا بنى المشتري أو غرس أو زرع في الشّقص المشفوع ثمّ علم الشّفيع فله الأخذ بالشّفعة وقلع بنائه وغرسه وزرعه مجّاناً لا بحقّ الشّفعة ، ولكن لأنّه شريك وأحد الشّريكين إذا انفرد بهذه التّصرّفات في الأرض المشتركة كان للآخر أن يقلع مجّاناً . وإن بنى المشتري وغرس في نصيبه بعد القسمة والتّمييز ثمّ علم الشّفيع لم يكن له قلعه مجّاناً ، لأنّه بنى في ملكه الّذي ينفذ تصرّفه فيه فلا يقلع مجّاناً . فإن اختار المشتري قلع البناء أو الغراس فله ذلك ولا يكلّف تسوية الأرض . لأنّه كان متصرّفاً في ملكه ، فإن حدث في الأرض نقص فالشّفيع إمّا أن يأخذه على صفته ، وإمّا أن يترك ، فإن لم يختر المشتري القلع ، فللشّفيع الخيار بين إبقاء ملكه في الأرض بأجرة وبين تملّكه بقيمته يوم الأخذ ، وبين أن ينقضه ويغرم أرش النّقص . ولو كان قد زرع فيبقى زرعه إلى أن يدرك فيحصده ، وليس للشّفيع أن يطالبه بالأجرة على المشهور عندهم . وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا بنى المشتري أو غرس أعطاه الشّفيع قيمة بنائه أو غرسه ، إلاّ أن يشاء المشتري أن يأخذ بناءه وغراسه ، فله ذلك إذا لم يكن في أخذه ضرر . لأنّه ملكه ، فإذا قلعه فليس عليه تسوية الحفر ولا نقص الأرض ، ذكره القاضي ، لأنّه غرس وبنى في ملكه ، وما حدث من النّقص إنّما حدث في ملكه ، وذلك لا يقابله ثمن . وظاهر كلام الخرقيّ ، أنّ عليه ضمان النّقص الحاصل بالقلع ، لأنّه اشترط في قلع الغرس والبناء عدم الضّرر ، وذلك لأنّه نقص دخل على ملك غيره لأجل تخليص ملكه فلزمه ضمانه ، لأنّ النّقص الحاصل بالقلع إنّما هو في ملك الشّفيع . فأمّا نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فلا يضمنه . فإن لم يختر المشتري القلع فالشّفيع بالخيار بين ثلاثة أشياء : أ - ترك الشّفعة . ب - دفع قيمة الغراس والبناء فيملكه مع الأرض . ج - قلع الغرس والبناء ويضمن له ما نقص بالقلع . وإن زرع في الأرض فللشّفيع الأخذ بالشّفعة ويبقى زرع المشتري إلى أوان الحصاد ، لأنّ ضرره لا يبقى ولا أجرة عليه لأنّه زرعه في ملكه ، ولأنّ الشّفيع اشترى الأرض وفيها زرع للبائع مبقىً إلى الحصاد بلا أجرة كغير المشفوع ، وإن كان في الشّجر ثمر ظاهر أثمر في ملك المشتري فهو له مبقىً إلى الجذاذ كالزّرع . استحقاق المشفوع فيه للغير : اختلف الفقهاء في عهدة الشّفيع أهي على المشتري أم على البائع . يعني إذا أخذ الشّفيع الشّقص فظهر مستحقّاً ، فعلى من يرجع الثّمن ؟ فذهب المالكيّة ، والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا أخذ الشّفيع الشّقص فظهر مستحقّاً فرجوعه بالثّمن على المشتري ، ويرجع المشتري على البائع به . وإن وجده معيباً فله ردّه على المشتري أو أخذ أرشه منه ، والمشتري يردّ على البائع أو يأخذ الأرش منه سواء قبض الشّقص من المشتري أو من البائع فالعهدة عندهم على المشتري . ووجه ذلك عندهم ، أنّ الشّفعة مستحقّة بعد الشّراء وحصول الملك للمشتري ثمّ يزول الملك من المشتري إلى الشّفيع بالثّمن فكانت العهدة عليه ، ولأنّه ملكه من جهة المشتري بالثّمن فملك ردّه عليه بالعيب كالمشتري في البيع الأوّل . وذهب الحنفيّة ، إلى أنّه إذا قضي للشّفيع بالعقار المشفوع فيه فأدّى ثمنه ثمّ استحقّ المبيع ، فإن أدّاه للمشتري فعليه ضمانه سواء استحقّ قبل تسليمه إليه أو بعده ، وإن كان أدّاه للبائع واستحقّ المبيع وهو في يده فعليه ضمان الثّمن للشّفيع . ويرجع الشّفيع بالثّمن فقط إن بنى أوغرس ثمّ استحقّت العين ، ولا يرجع بقيمة البناء والغرس على أحد لأنّه ليس مقرّراً به . وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتّيّ : العهدة على البائع ، لأنّ الحقّ ثبت له بإيجاب البائع فكان رجوعه عليه كالمشتري . تبعة الهلاك : ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا هدم المشتري بناء الدّار المشفوعة أو هدمه غيره أو قلع الأشجار الّتي كانت مغروسةً في الأرض المشفوعة فإنّ الشّفيع يأخذ العرصة أو الأرض بحصّتها من الثّمن بأن يقسم الثّمن على قيمة العرصة أو الأرض وقيمة البناء أو الشّجر وما خصّ العرصة أو الأرض منه يدفعه الشّفيع وتكون الأنقاض والأخشاب للمشتري . وإذا تخرّبت الدّار المشفوعة أو جفّت أشجار البستان المشفوع بلا تعدّي أحد عليها يأخذها الشّفيع بالثّمن المسمّى ، فإن كان بها أنقاض أو خشب وأخذه المشتري تسقط حصّته من الثّمن بأن يقسم الثّمن على قيمة الدّار أو البستان يوم العقد وقيمة الأنقاض والخشب يوم الأخذ ، وإذا تلف بعض الأرض المشفوعة بغرق أو نحوه سقطت حصّة التّالف من أصل الثّمن ، وللشّفيع أن يأخذ الأرض مع الثّمر والزّرع بالثّمن الأوّل إذا كان متّصلاً ، فأمّا إذا زال الاتّصال ثمّ حضر الشّفيع فلا سبيل للشّفيع عليه وإن كانت عينه قائمةً سواء أكان الزّوال بآفة سماويّة أم بصنع المشتري أو الأجنبيّ ، لأنّ حقّ الشّفعة في هذه الأشياء إنّما ثبت معدولاً به عن القياس معلولاً بالتّبعيّة وقد زالت التّبعيّة بزوال الاتّصال فيردّ الحكم فيه إلى أصل القياس . وذهب المالكيّة إلى أنّه لا يضمن المشتري نقص الشّقص إذا طرأ عليه بعد الشّراء بلا سبب منه وإنّما بسبب سماويّ أو تغيّر سوق أو كان بسبب منه ولكنّه فعله لمصلحة كهدم لمصلحة من غير بناء ، وسواء علم أنّ له شفيعاً أم لا . فإن هدم لا لمصلحة ضمن ، فإن هدم وبنى فله قيمته على الشّفيع قائماً لعدم تعدّيه وتعتبر يوم المطالبة وله قيمة النّقص الأوّل منقوضاً يوم الشّراء . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إن تعيّبت الدّار المشترى بعضها أخذ الشّفيع بكلّ الثّمن أو ترك كتعيّبها بيد البائع ، وكذا لو انهدمت بلا تلف لشيء منها ، فإن وقع تلف لبعضها فبالحصّة من الثّمن يأخذ الباقي . وذهب الحنابلة إلى أنّه إن تلف الشّقص أو بعضه في يد المشتري فهو من ضمانه . لأنّه ملكه تلف في يده ، ثمّ إن أراد الشّفيع الأخذ بعد تلف بعضه أخذ الموجود بحصّته من الثّمن سواء أكان التّلف بفعل اللّه تعالى أم بفعل آدميّ ، وسواء أتلف باختيار المشتري كنقضه للبناء أم بغير اختياره مثل أن انهدم . ثمّ إن كانت الأنقاض موجودةً أخذها مع العرصة بالحصّة وإن كانت معدومةً أخذ العرصة وما بقي من البناء وهو قول الثّوريّ والعنبريّ ، ووجهه أنّه تعذّر على الشّفيع أخذ الجميع وقدر على أخذ البعض فكان له بالحصّة من الثّمن كما لو تلف بفعل آدميّ سواه أو لو كان له شفيع آخر . أو نقول : أخذ بعض ما دخل معه في العقد ، فأخذه بالحصّة كما لو كان معه سيف . وأمّا الضّرر فإنّما حصل بالتّلف ولا صنع للشّفيع فيه والّذي يأخذه الشّفيع يؤدّي ثمنه فلا يتضرّر المشتري بأخذه . وإنّما قالوا بأخذ الأنقاض وإن كانت منفصلةً لأنّ استحقاقه للشّفعة كان حال عقد البيع وفي تلك الحال كان متّصلاً اتّصالاً ليس مآله إلى الانفصال وانفصاله بعد ذلك لا يسقط حقّ الشّفعة . وإن نقضت القيمة مع بقاء صورة المبيع مثل انشقاق الحائط وانهدام البناء ، وشعث الشّجر فليس له إلاّ الأخذ بجميع الثّمن أو التّرك . لأنّ هذه المعاني لا يقابلها الثّمن بخلاف الأعيان . ميراث الشّفعة : اختلف الفقهاء في ميراث حقّ الشّفعة : فذهب المالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة ، إلى أنّ حقّ الشّفعة يورث ، فإذا مات الشّفيع ينتقل حقّ الشّفعة إلى ورثته . وقيّده الحنابلة بما إذا كان الشّفيع قد طالب بالشّفعة قبل موته . ووجه الانتقال عندهم أنّه خيار ثابت لدفع الضّرر عن المال فورث كالرّدّ بالعيب . وذهب الحنفيّة ، إلى أنّه إذا مات الشّفيع بعد البيع وقبل الأخذ بالشّفعة لم يكن لورثته حقّ الأخذ بها ، فتسقط الشّفعة بموت الشّفيع ولا تنتقل إلى الورثة لأنّ حقّ الشّفعة ليس بمال وإنّما مجرّد الرّأي والمشيئة وهما لا يبقيان بعد موت الشّفيع ولأنّ ملك الشّفيع الّذي هو سبب الأخذ بالشّفعة قد زال بموته . أمّا إذا مات الشّفيع بعد قضاء القاضي له بالشّفعة أو بعد تسليم المشتري له بها فلورثته أخذها بالشّفعة . وإذا مات المشتري والشّفيع حيّ فله الشّفعة ، لأنّ المستحقّ باق ، وبموت المستحقّ عليه لم يتغيّر الاستحقاق . مسقطات الشّفعة : تسقط الشّفعة بما يلي : أوّلاً : ترك أحد الطّلبات الثّلاثة في وقته وهي طلب المواثبة ، وطلب التّقرير والإشهاد ، وطلب الخصومة والتّملّك إذا ترك على الوجه المتقدّم . ثانياً : إذا طلب الشّفيع بعض العقار المبيع وكان قطعةً واحدةً والمشتري واحداً ، لأنّ الشّفعة لا تقبل التّجزئة . ثالثاً : موت الشّفيع عند الحنفيّة قبل الأخذ بها رضاءً أو قضاءً سواء أكانت الوفاة قبل الطّلب أم بعده . ولا تورث عنه عندهم . رابعاً : الإبراء والتّنازل عن الشّفعة : فالإبراء العامّ من الشّفيع يبطلها قضاءً مطلقاً لا ديانةً إن لم يعلم بها وقد تكلّم الفقهاء في التّنازل عن الشّفعة بالتّفصيل كالتّالي : إذا تنازل الشّفيع عن حقّه في طلب الشّفعة سقط حقّه في طلبها ، والتّنازل هذا إمّا أن يكون صريحاً وأمّا أن يكون ضمنيّاً . فالتّنازل الصّريح نحو أن يقول الشّفيع : أبطلت الشّفعة أو أسقطتها أو أبرأتك عنها ونحو ذلك ، لأنّ الشّفعة خالص حقّه فيملك التّصرّف فيها استيفاءً وإسقاطاً كالإبراء عن الدّين والعفو عن القصاص ونحو ذلك سواء علم الشّفيع بالبيع أم لم يعلم بشرط أن يكون بعد البيع . أمّا التّنازل الضّمنيّ فهو أن يوجد من الشّفيع ما يدلّ على رضاه بالبيع وثبوت الملك للمشتري ، لأنّ حقّ الشّفعة إنّما يثبت له دفعاً لضرر المشتري فإذا رضي بالشّراء أو بحكمه فقد رضي بضرر جواره فلا يستحقّ الدّفع بالشّفعة . |
|
18-07-2017, 10:58 PM | #7 |
مشرف عـام المنتدى
(ابو سعد) |
رد: الشُفْعَة في الشريعة الإسلامية
التّنازل عن الشّفعة قبل البيع :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه إذا تنازل الشّفيع عن حقّه فيطلب الشّفعة قبل بيع العقار المشفوع فيه لم يسقط حقّه في طلبها بعد البيع ، لأنّهذا التّنازل إسقاط للحقّ ، وإسقاط الحقّ قبل وجوبه ووجود سبب وجوبه محال . وقدروي عن أحمد ما يدلّ على أنّ الشّفعة تسقط بالتّنازل عنها قبل البيع ، فإنّ إسماعيلبن سعيد قال : قلت لأحمد : ما معنى قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم :»من كان بينهوبين أخيه ربعة فأراد بيعها فليعرضها عليه «. وقد جاء في الحديث :»ولا يحلّ له إلاّأن يعرضها عليه « إذا كانت الشّفعة ثابتةً له ؟ فقال : ما هو ببعيد من أن يكون علىذلك وألاّ تكون له الشّفعة ، وهذا قول الحكم والثّوريّ وأبي عبيد وأبي خيثمة وطائفةمن أهل الحديث . واحتجّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم :»من كان له شريك فيربعة أو نخل فليس له أن يبيع حتّى يؤذن شريكه فإن رضي أخذ وإن كره ترك« . وقولهصلى الله عليه وسلم :»فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحقّ به «، فمفهومه أنّه إذا باعهبإذنه لا حقّ له ولأنّ الشّفعة تثبت في موضع الوفاق على خلاف الأصل لكونه يأخذملك المشتري من غير رضائه ، ويجبره على المعاوضة به لدخوله مع البائع في العقدالّذي أساء فيه بإدخال الضّرر على شريكه ، وتركه الإحسان إليه في عرضه عليه وهذاالمعنى معدوم هاهنا فإنّه قد عرضه عليه ، وامتناعه من أخذه دليل على عدم الضّرر فيحقّه ببيعه وإن كان فيه ضرر فهو أدخله على نفسه فلا يستحقّ الشّفعة كما لو أخّرالمطالبة بعد البيع . التّنازل عن الشّفعة مقابل تعويض أوصلح عنها : اختلف الفقهاء في جواز التّنازل عن الشّفعةمقابل تعويض يأخذه الشّفيع : فقال الحنفيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة ، لايصحّ الصّلح عن الشّفعة على مال ، فلو صالح المشتري الشّفيع عن الشّفعة على مال لميجز الصّلح ولم يثبت العوض ويبطل حقّ الشّفعة . قال الشّافعيّة : تبطل شفعته إنعلم بفساده . أمّا بطلان الصّلح فلانعدام ثبوت الحقّ في المحلّ لأنّ الثّابتللشّفيع حقّ التّملّك ، وأنّه عبارة عن ولاية التّملّك وأنّها معنىً قائم بالشّفيعفلم يصحّ الاعتياض عنه فبطل الصّلح ولم يجب العوض . وأمّا بطلان حقّ الشّفيع فيالشّفعة ، فلأنّه أسقطه بالصّلح فالصّلح وإن لم يصحّ فإسقاط حقّ الشّفعة صحيح ،لأنّ صحّته لا تقف على العوض بل هو شيء من الأموال لا يصلح عوضاً عنه فالتحق ذكرالعوض بالعدم فصار كأنّه سلّم بلا عوض . وذهب مالك إلى جواز الصّلح عن الشّفعةبعوض ، لأنّه عوض عن إزالة الملك فجاز أخذ العوض عنه . وقال القاضي من الحنابلة : لا يصحّ الصّلح ولكنّ الشّفعة لا تسقط . لأنّه لم يرض بإسقاطها وإنّما رضيبالمعاوضة عنها ولم تثبت المعاوضة فبقيت الشّفعة . التّنازلعن الشّفعة بعد طلبها : يجوز للشّفيع أن يتنازل عن حقّه فيطلب الشّفعة بعد أن طلبها وقبل رضى المشتري أو حكم الحاكم له بها ، فإن ترك الشّفيعطلب الشّفعة أو باع حصّته الّتي يشفع بها بعد طلب الشّفعة وقبل تملّكه المشفوع فيهبالقضاء أو الرّضا يسقط حقّه في الشّفعة لأنّه يعدّ تنازلاً منه عن حقّه في طلبهاقبل الحكم . أمّا إذا كان التّنازل بعد الحكم له بها أو بعد رضاء المشتريبتسليم الشّفعة فليس له التّنازل ، لأنّه بذلك يكون ملك المشفوع فيه والملك لا يقبلالإسقاط . مساومة الشّفيع للمشتري : المساومة تعتبر تنازلاً عن الشّفعة فإذا سام الشّفيعالدّار من المشتري سقط حقّه في الشّفعة لأنّ المساومة طلب تمليك بعقد جديد وهو دليلالرّضا بملك المتملّك . ولأنّ حقّ الشّفعة ممّا يبطل بصريح الرّضا فيبطل بدلالةالرّضا أيضاً ، والمساومة تعتبر تنازلاً بطريق الدّلالة |
|
|
|