الموضوع: أنواع الجرائم
عرض مشاركة واحدة
قديم 20-07-2017, 01:20 PM   #4
mustathmer
مشرف عـام المنتدى
  (ابو سعد)


الصورة الرمزية mustathmer
mustathmer غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 754
 تاريخ التسجيل :  November 2012
 أخر زيارة : 30-06-2025 (06:23 PM)
 المشاركات : 145,039 [ + ]
 التقييم :  38
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: أنواع الجرائم



ثانياً: التأول:
يشترط في البغاة - أي المجرمين - أن يكونوا متأولين، أي أن يدعوا سبباً لخروجهم، ويدللوا على صحة ادعائهم، ولو كان الدليل في ذاته ضعيفاً، كادعاء الخارجين على الإمام عليّ بأنه يعرف قتلة عثمان ويقدر عليهم ولا يقتص منهم لمواطأته إياهم، وكتأول بعض مانع يالزكاة في عهد أبي بكر بأنهم لا يدفعون الزكاة إلا لمن كانت صلاته سكناً لهم، طبقاًلقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} إلى قوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْإِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103]، فإذا لم يدعوا سبباً للخروج، أوادعوا سبباً لا تقره الشريعة إطلاقاً، كأن طلبوا عزل رئيس الدولة دون أن ينسبوا إليه شيئاً، أو طلبوا عزله لأنه ليس من بلدهم، فهم قطاع طريق يسعون في الأرض بالفساد، ولهم عقوبتهم الخاصة، وليسوا بأي حال بغاة أو مجرمين سياسيين.
ثالثاً: الشوكة:يشترط في الباغي - أيالمجرم السياسي - أن يكون ذا شوكة وقوة لا بنفسه بل بغيره ممن هم على رأيه، فإن لم يكن من أهل الشوكة على هذا الوصف فلا يعتبر مجرماً سياسياً ولو كان متأولاً.



رابعاً: الثورة أو الحرب:
ويشترط بعد ذلك كله أن تقع الجريمة فيثورة أو حرب أهلية اشتعلت لتنفيذ الغرض من الجريمة، فإن وقعت الجريمة في غير حالة الثورة أو الحرب الأهلية، فهي ليست بغياً؛ أي جريمة سياسية، وإنما هي جريمة عادية،يعاقب فاعلها بالعقوبة العادية المقررة لها. وتلك هي سنة عليّ بن أبي طالب في الخوارج، فلقد عرض قوم من الخوارج به، فنادوا وهو يخطب على منبره: لا حكم إلا الله، يعرضون به لأنه قبل التحكيم، فرد عليّ من على منبره قائلاً: كلمة حق أريد بها باطل،لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، لا نبدؤكم بقتال،ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، أي ما دمتم لم تثوروا علينا
حقوق البغاة ومسئوليتهم قبل الثورة: للبغاة أن يدعوا إلى ما يعتقدون بالطريق السلمي المشروع، ولهم الحرية في أن يقولوا ما يشاءون في حدود نصوص الشريعة، وللعادلين أن يردوا عليهم ويبينوا لهم فساد آرائهم، فإذا خرج أحد من الفريقين في قوله أو دعوته على النصوص الشرعية عوقب على جريمته باعتبارها جريمة عادية، فإن كان قاذفاً حد، وإن كان ساباً عزر، وإن أرتكب احد البغاة أية جريمة عوقب عليها باعتبارها جريمةعادية.

وللبغاة حق الاجتماع، فإذا تحيزوا أو اجتمعوا في مكان معين، فلا سلطان لأحد عليهم، ما داموا لم يمتنعوا عن حق، أو يخرجوا عن طاعة. وهذه أيضاً سنة علي بن أبي طالب في الخوارج، فقداعتزلت طائفة من الخوارج علياً عليه السلام بالنهروان، فولى عليهم عاملاً أقامواعلى طاعته زمناً وهو لهم موادع، إلى أن قتلوه، فأنفذ إليهم علي: أن سلموا القتلة،فأبوا، فقالوا: كلنا قتلة، فلما خرجوا عن الطاعة وجاهروا بالعصيان قاتلهم عليّ.
ويشترط مالك والشافعي وأحمد أن يبدأ أهل البغي بالقتال حتى يقاتلوا أهل العدل وفي هذه الحال تستحل دماؤهم. أما أبو حنيفة فيكتفي بتجمعهم وامتناعهم ويرى في ذلكما يكفي لقتالهم

حقوق البغاة ومسئوليتهم أثناء الثورة وما بعدها:
فإذا اشتعلت الثورة أو قامت الحرب الأهلية كان على ولي الأمر أن يقصد من القتال ردع البغاة لا قتلهم وإفنائهم، وأن يقاتل من أقبل منهم، ويكف عمن أدبر وهرب، وأن لايجهز عن جريحهم، وأن لا يقتل أسيرهم أو من ألقوا سلاحهم منهم، وأن لا يصادرأموالهم، وأن لا يستولي على نساؤهم وأولادهم؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: “منعت دار الإسلام ما فيه.


فإذا انتهت حالة الحرب وانطفأت الثورة، وجب على ولي الأمر أن يرد على البغاة أموالهم التي في يد أهل العدل، وما تلف منها في غير قتال فهو مضمون على متلفه، وأما ما أتلفه أهل البغي في ثائرة الحرب من نفس ومال فهو هدر، وما أتلفوه على أهل العدل في غير ثائرة الحرب مننفس ومال فهو مضمون عليهم، وهم مسئولون عنه، وهذا هو الرأي الراجح. أما الرأي المضاد فيرى أصحابه تضمين البغاة ما أتلفوه في الحرب، وحجتهم أن المعصية لا تبطل حقاً ولا تسقط غرماً.
أما حجة أصحاب الرأي الأول فهي أن الفتنة العظمى وقعت أيام علي ومعاوية، فأجمع الصحابة على أن لا يقام حد على رجل ارتكب محرماً بتأويل القرآن،ولا يغرم مالاً أتلفه بتأويل القرآن، ويحتجون كذلك بأن البغاة طائفة ممتنعة بالحرب بتأويل سائغ، فلا تضمن ما أتلفته على أهل العدل، كما لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه،ولآن تضمن أهل البغي يفضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة
وإذا كان البغاة لا يسألون عن الجرائم التي ارتكبوها أثناء الثورة من إهلاك للأنفس والأموال،فإن لولي الأمر - إن لم يعف عن جرائمهم - أن يعاقبهم على خروجهم عن الطاعة بعقوبة تعزيرية إن رأى في ذلك مصلحة، ولكن يشترط أن لا تكون هذه العقوبة القتل عند مالك والشافعي وأحمد، لأنهم لا يبيحون قتل الجريح ولا الأسير فأولى أن لايباح قتل المسلم، أما أبو حنيفة فيبيح قتل الأسير للمصلحة العامة ويبيح قتل البغاة على أثرالظهور عليهم، فالقياس عنده أن يقتل الباغي تعزيزاً.
وعلى كل حال فإن سلطة القاضي في الجرائم التعزيرية واسعة بحيث يجوز له أن يختار العقوبة الملائمة من عدة عقوبات، كما أن لولي الأمر حق العفو عن العقوبة كلها أوبعضها.



عقوبة البغاة أوالمجرمين السياسيين في الشريعة الإسلامية:
ظاهر مما تقدم أن عقوبة البغاة تختلف باختلاف الأحوال، فالجرائم التي يرتكبونها قبل الثورة والحرب أو بعده ايعاقبون عليها بعقوباتها العادية؛ لأنها جرائم عادية لم تقع في حالة ثورة أو حرب،أما الجرائم التي ترتكب أثناء الثورة أو الحرب الأهلية، فما اقتضته منها حالة الثورة أو الحرب: كامقاومة رجال الدولة وقتلهم، والاستيلاء على البلاد وحكمها،والاستيلاء على الأموال العامة وجبايتها، وإتلاف السكك والكباري، وإشعال النار في الحصون، ونسف الأسوار والمستودعات، وغير ذلك مما تقتضيه طبيعة الحرب، فهذه الجرائمالسياسية، وتكتفي الشريعة فيها بإباحة دماء البغاة، وإباحة أموالهم بالقدر الذي يقتضيه ردعهم والتغلب عليهم، فإذا ظهرت الدولة عليهم، وألقوا سلاحهم، عصمت دماؤهموأموالهم، وكان لولي الأمر أن يعفو عنهم، أو أن يعزَّرهم على خروجهم لا على الجرائم التي ارتكبوها أثناء خروجهم، فعقوبة الخروج إذن هي التعزير، وهو جريمة سياسية، أماعقوبة الجرائم التي تقتضيها حالة الحرب أو الثورة فهي القتل، بالشروط التي ذكرناهاسابقاً.
هذا هو حكم الجرائم التي تقع أثناء الثورة أو الحرب وتقتضيها طبيعة الحرب والثورة، أما الجرائم التي تقع من البغاة ولا تستلزمها طبيعة الثورة أوالحرب، فهذه تعتبر جرائم عادية يعاقبون عليها بالعقوبات العادية، ولو أنها وقعت أثناء الثورة أو الحرب، كشرب الخمر، والزنا، وقتل أحد الثائرين زميلاً له أو سرقة ماله.

بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية:
كانت القوانين الوضعية إلى ما قبل الثورة الفرنسية تعتبر الجريمة السياسية أشد خطراً من الجريمة العادية،وكانت تعامل المجرم السياسي معاملة تتنافى مع أبسط قواعد العدالة، فتعاقبه بعقوبات قاسية، وتصادر ماله، وتأخذ أهله به، وتحرمه من الحقوق التي يتمتع بها المجرمون العاديون. ثم ابتدأت القوانين الوضعية تغير نظرتها إلى الجريمة السياسية بعد الثورةالفرنسية، وبعد أن كثرت الثورات في البلاد الأوروبية، وتعددت الانقلابات في النظم السياسية، فأصبح المجرم السياسي ينظر إليه نظرة عطف وإشفاق، ووضعت للجرائم السياسية عقوبات هي في مجموعها أخف من العقوبات العادية.
وقد اختلف الشراح في المميز الذييميز بين الجريمة العادية والجريمة السياسية، فرأى فريق أن المميز الوحيد هو غرض المجرم من الجريمة، فإن كان يرمي إلى تحقيق غرض سياسي فالجريمة سياسية وإلا فهي عادية.
وعيب هذا المذهب أنه يحكَّم الباعث على الجريمة في تحديد ماهية الجريمة،ويخوَّل للقتلة والسارقين أن يتمتعوا بميزات لا يصح أن يتمتعوا بها.
ورأى فريق آخر أن العبرة في تحديد نوع الجريمة بطبيعة الحق المعتدي عليه بصرف النظر عن الدوافع إلى الجريمة. فلا تعتبر جريمة سياسية طبقاً لهذا الرأي إلا الجريمة التيتمس كيان الدولة أو نظامها.
وعيب هذا الرأي أنه يجعل بعض الجرائم التي لا شك فيأنها سياسية جرائم عادية، كالجرائم التي ترتبط بأعمال الثورة أو الحربالأهلية.


وقد رأى فريق من الشراح أن يفرقوا بين الجرائم التي ترتكب فيحالة ثورة أو حرب أهلية، والجرائم التي ترتكب في الأحوال العادية، واعتبروا الجرائمالتي تقع في الأحوال العادية جرائم عادية ولو كانت الدوافع فيها سياسية، أماالجرائم التي تقع أثناء الثورة أو الحرب الأهلية فهي جرائم سياسية إذا كان للجريمة علاقة بالثورة أو الحرب الأهلية، وكانت من الأفعال التي تبيحها الحرب النظامية،وإلا فهي جريمة عادية. وهذا الرأي هو الذي أقره معهد القانون الدولي.
والاتجاه الحديث في القوانين الوضعية يعتبر الجرائم الموجهة ضد النظام الاجتماعي كجرائم الشيوعية والفوضوية جرائم عادية، كما يعتبر كل الجرائم الماسة باستقلال الدولةجرائم عادية؛ لأنها تمس الوطن ولا تمس نظام الحكم والحكام، وهذا هو الرأي الذي أقره معهد القانون الدولي في سنة 1892، حيث قرر أنه لا يعد من الجرائم السياسية من حيث تطبيق قواعد تسليم المجرمين الأعمال الجنائية الموجهة ضد النظام الاجتماعي
ويتبين مما سبق أن أحدث الآراء في القوانين الوضعية تعتبرالجريمة سياسية إذا كانت موجهة ضد الحكام وشكل الحكم الداخلي فقط، لا ضد النظام الاجتماعي ولا ضد الدولة واستقلالها وعلاقتها بغيرها من الدول، وبشرط أن تقع في حالة ثورة أو حرب أهلية، وأن تكون مما تقتضيه طبيعة الثورة أو الحرب، وهذا يتفق تماماً مع الحدود التي وضعتها الشريعة للجريمة السياسية من ثلاثة عشر قرناً. ولافرق بين الشريعة والقوانين في هذه النقطة إلا أن الشريعة قد سبقت بالتفرقة بين الجرائم العادية والسياسية، وتحديد الجرائم السياسية، وأن القوانين تسير في أثرالشريعة وتأخذ بمبادئها.