لتبليغ الإدارة عن موضوع أو رد مخالف يرجى الضغط على هذه الأيقونة الموجودة على يمين المشاركة لتطبيق قوانين المنتدى



للتسجيل اضغط هـنـا
 

العودة   منتدي نبض السوق السعودي > نبــض الأسهم السعودية > نبض الأنظمة الرسمية للملكة العربية السعودية
التعليمـــات التقويم مشاركات اليوم البحث

نبض الأنظمة الرسمية للملكة العربية السعودية منتدى يعنى بجميع انظمة الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 17-07-2017, 05:09 AM   #1
mustathmer
مشرف عـام المنتدى
  (ابو سعد)


الصورة الرمزية mustathmer
mustathmer غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 754
 تاريخ التسجيل :  November 2012
 أخر زيارة : 04-07-2024 (12:06 PM)
 المشاركات : 146,983 [ + ]
 التقييم :  38
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي سمات نظام هيئة التحقيق والادعاء العام في المملكة العربية السعودية




سمات نظام هيئة التحقيق والادعاء العام في المملكة العربية السعودية


من المعروف أن حق أي دولة في العقاب ينشأ عندما تقع الجريمة على أرضها، وعليها في سبيل استيفاء ذلك الحق أن تسلك العديد من القنوات وأن تتخذ مجموعة من الإجراءات النظامية الموصلة إلى معرفة الجاني ومن ثم التحقيق معه وتوقيع الجزاء عليه بناء على حكم قضائي، ويكتسب التحقيق الجنائي- كأحد مراحل الدعوى العمومية- أهمية خاصة في طريق التوصل إلى حقيقة الجريمة المرتكبة حيث تتم في هذه المرحلة تهيئة الدعوى لإحالتها للقضاء الجنائي المختص من خلال إجراءات وأعمال التحقيق التي وضعها القانون تحت تصرف سلطة التحقيق مع إعطاء الكثير من الضمانات للمتهم حفاظا على كرامته البشرية وتمكينا له من الدفاع عن نفسه كلما أمكن ذلك لإثبات براءاته.
وفي هذا الإطار التقليدي لمسار الدعوى الجنائية، عملت السلطة التنظيمية في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها، على إصدار العديد من الأنظمة واللوائح المختلفة المشتملة على قواعد التحقيق الجنائي العام سعيا إلى محاربة الظاهرة الإجرامية بكل الوسائل الممكنة حتى يستتب الأمن في المجتمع وتسود الطمأنينة في نفوس أفراده.
ولكن ما يلاحظ بهذا الخصوص أن نظام الإجراءات الجنائية الذي ظل معمولا به حتى الآن ينفرد بخصائص تميزه بوضوح عن باقي الأنظمة الإجرائية المقارنة، وما ذلك إلا نتيجة طبيعية لخصوصية النظام الجنائي الإسلامي المطبق في المملكة العربية السعودية، حيث تتسم قضية الجريمة والعقاب بفلسفة إسلامية خالصة تقسم الأفعال المعاقب عليها إلى جرائم حدود وجرائم ودية وجرائم تعزير.
ولعل من أهم الخصائص التي اتسم بها نظام الإجراءات الجنائية القائم حالياً عدم وجود جهاز واحد يقوم بوظيفة التحقيق الجنائي وآخر يقوم بوظيفة الادعاء العام، بل تتعدد تلك الأجهزة بحيث أصبح يمارس كل منها إجراءات وأعمال التحقيق بخصوص طائفة معينة من الجرائم، على الرغم من أن جهاز الشرطة يعد، حسب الأصل، هو الجهة الإسلامية التي يقع عليها القيام بالتحقيق في كل أنواع الجرائم بدون استثناء.
ولكن بموجب ما تضمنته بعض الأنظمة والقرارات أخرجت بعض أنواع الجرائم- خصوصاً جرائم التعزيز المقننة- من ولاية الشرطة وأحيل اختصاص إجراء التحقيق بشأنها إلى جهات إدارية مختلفة، وأما بالنسبة لوظيفة الادعاء العام فهي أيضا تتقاسمها جهات متعددة تتمثل في نفس الأجهزة التي تمارس التحقيق في الجرائم المختصة بها حيث يمارس أحد أعضائها في الغالب، تلك المهمة عن طريق المطالبة بتوقيع العقاب على المتهم أمام جهات القضاء المختصة.
ومن جهة أخرى، ظلت كافة القواعد الخاصة بالتحقيق الجنائي العام متناثرة هنا وهناك، حيث لا يوجد نظام واحد شامل يجمع في طياته جميع الأحكام المتصلة بالدعوى العمومية ابتداء من تحريكها ومباشرتها ومن ثم اتخاذ ما يلزم من إجراءات وأعمال بشأنها، وعليه فإنه في المملكة حالياً أكثر من نظام ولائحة وتعليمات وقرارات مختلفة، ناهيك أيضا عن وجود مجموعات أخرى من قواعد التحقيق الخاصة ببعض الطوائف من الأشخاص من مرتكبي جرائم التعزير المقننة منها على وجه الخصوص.
ولكن على ما يبدو، فإن التطورات الهائلة التي شهدتها المملكة العربية السعودية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية دفعت السلطة التنظيمية فيها إلى إعادة النظر في النظام الإجرائي المعمول به حاليا وذلك رغبة منها إعطاء أحكامه مزيدا من العمومية والفعالية في مواجهة التغير الكمي والنوعي للجريمة ومرتكبها.
ومن البديهي فإن ما تقدم كان يتطلب، في المقام الأول، توحيد الجهات المختلفة المخولة بالقيام بإجراءات وأعمال التحقيق وكذا بوظيفة الادعاء العام، وفي المقام الثاني، تجميع كافة القواعد المتعلقة بالتحقيق والادعاء العام في مدونة واحدة يسهل الرجوع إليها من قبل أصحاب العلاقة وذلك بعد مراجعتها وتطويرها بما يتلاءم مع المستجدات على أرض الواقع.
وبناء على ذلك صدر المرسوم رقم (م/56) بتاريخ 14/10/1409هـ متضمنا الموافقة على نظام هيئة التحقيق والإدعاء العام والذي نصت مادته (1) على: (أن تنشأ بموجب هذا النظام هيئة تسمى هينة التحقيق والادعاء العام.. وتكون مدينة الرياض مقرها الرئيسي وتنشأ الفروع اللازمة لها داخل المقر الرئيسي وخارجه) كما قضت الفقرة (2) من المادة (3) بأن (تحدد اللائحة التنظيمية التي تصدر طبقا لهذا النظام كيفية ممارسة الهيئة لاختصاصها كإجراء التحقيق والادعاء وعلاقة المحققين بدوائر الأمن والإمارات وترتيب العمل بين المحققين وهذه الجهات).
وقد تم بالفعل إعداد هذه اللائحة التنظيمية التي لا زالت مشروعا حتى الآن متضمنة مختلف قواعد وأحكام التحقيق والادعاء العام بشكل أكثر دقة وتفصيلا من ذي قبل.
وبانتظار صدور هذه اللائحة في صيغتها النهائية، تستمر الاستعدادات-منذ سنوات- بالعمل على إنشاء فروع الهيئة في مختلف مناطق المملكة، فضلا عن إعداد وتدريب أعضائها.
ويبدو لنا أن نقطة تحول هامة في النظام الجنائي السعودي سوف تحققها هذه الهيئة عندما تأخذ أبعادها، ولعل هذا ينهض سببا يدعونا في هذه الدراسة إلى رسم ملامحها من خلال موضوعات ثلاثة: يعرض أولها تشكيل الهيئة، ويبحث ثانيها في اختصاصاتها المختلفة، لتنتهي في ثالثها بتحديد مركزها القانوني.
وإذا كان الموضوع الأول وصفى الطابع، فإننا أدرجنا في ثنايا الموضوعين الآخرين العديد من الآراء، كما لفتنا الانتباه إلى ملاحظات عديدة تبين مواقفنا واقتراحاتنا، وهدفنا النهائي هو خدمة هذه المؤسسة الوليدة التي تمثل نقلة حضارية في البناء القانوني للمملكة العربية السعودية.

أولاً- اختصاصات الهيئة
حددت بشكل واضح نصوص نظام هيئة التحقيق والادعاء العام اختصاصات هذه الأخيرة وجعلتها تنحصر في ست اختصاصات رئيسية يقع على عاتق الهيئة مباشرتها ومن مجمل تلك الاختصاصات أمكن لنا تقسيمها إلى طائفتين:
أ – التحقيق والادعاء العام
يظهر جليا من مسمى الهيئة الجديدة أنها جهة ذات اختصاص أصيل فيما يتعلق بالقيام بكل إجراءات التحقيق الجنائي والادعاء العام، ولهذا جاء في (أولا) من المادة من نظام الهيئة:
تختص الهيئة وفقاً للأنظمة وما تحدده اللائحة التنظيمية بما يلي:
1 – التحقيق في الجرائم.
2 – التصرف في التحقيق برفع الدعوى وحفظها طبقا لما تحدده اللوائح.
3 – الادعاء أمام الجهات القضائية.
4 – طلب تمييز الأحكام.
ويفهم مما تقدم أن الهيئة الجديدة ستتولى مستقبلا التحقيق والادعاء العام في أن واحد بخصوص جميع أنواع الجرائم التي تحال إليها، ومعنى ذلك أن السلطة التنظيمية قد انتهجت منهجا ضيقا في نظرتها لسلطتي التحقيق والاتهام ويبدو أنها تأثرت بالوضع القائم في المملكة منذ زمن بعيد والذي يعطى الشرطة حق القيام بكلتا الوظيفتين. إذن فعلى غرار ما فعلته بعض القوانين الإجرائية المقارنة من جمع بين وظيفتي التحقيق والاتهام بيد جهاز واحد (وهو النيابة العامة بوصفها سلطة تمثل المجتمع في مواجهة الجريمة وتطالب بتوقيع العقاب) اتجه كذلك المنظم السعودي نحو هذا الحل الذي وجهت إليه العديد من الانتقادات الفقهية بالمقارنة مع الاتجاه التشريعي المعاكس الذي يفصل بين سلطتي التحقيق والاتهام.
وتتلخص مجمل تلك الانتقادات في أن هناك تعارضا واضحا بين سلطتي التحقيق والاتهام باعتبار أن الجمع بينهما سيؤدي إلى جعل الجهة التي تباشرهما خصما وحكما في نفس الوقت وهو أمر يتنافى مع أبسط قواعد العدالة ويتضمن خرقاً خطيراً للحريات الفردية، ولذلك فإن المحقق العادل هو الذي يمارس عمله بشكل مستقل عن سلطة الاتهام حتى لا يكون تقديره لأدلة الإدانة متأثرا بما لا يتفق مع مجرد البحث عن الحقيقة.
لكن على الرغم مما تقدم فإن جانبا آخر من الفقه يرى أن الجمع بين سلطتي الاتهام والتحقيق من شأنه أن يحقق العديد من المزايا العملية التي من أهمها تبسيط الإجراءات وضمان حسن سير العدالة الجنائية، بل إن الجمع بين وظيفتي التحقيق والاتهام بيد جهاز واحد، كما يراه هذا الفريق من الفقهاء، لا أثر له من الناحية العملية على روح العدالة والموضوعية اللتين يبغيهما التشريع الجنائي الإجرائي. فالجهاز الذي يباشر من أن المتهم هو مرتكب الجريمة، أما قبل ذلك فهو يأخذ الأدلة التي يجمعها مأمور الضبط القضائي ويستعرضها ويفندها ثم يستجوب المتهم ويسمع شهوده ويتخذ باقي إجراءات الإثبات المعروفة، وكل ذلك بلا شك يتم تحت سلطان الضمير الذي يوجه ويحرك كما أعضاء الجهة التي تؤدي كلا الدورين، من آن واحد شأنهم في ذلك شأن قاضي التحقيق المستقل الذي لا سلطان عليه سوى ضميره بحيث كل ما يهمه هو إدانة المجرم وتبرئة البريء.
ومهما يكن الأمر، فبالإضافة إلى تأثر واضع النصوص السعودي في هذا الشأن بعدد من التشريعات المجاورة وما سار عليه العمل في المملكة منذ زمن بعيد من عدم الفصل بين السلطتين، فإن هناك على ما يبدو بعض الاعتبارات العملية الهامة التي دفعت السلطة التنظيمية السعودية نحو هذا الاتجاه: فمن جهة، قد يكون من الصعب في ظل نظام الإجراءات الجنائية القائم حاليا أن ينشأ جهازان مستقلان يقوم أحدهما بالتحقيق والأخر بالادعاء.
لأن ذلك يتطلب، في تقديرنا، إعادة النظر في مختلف الهياكل القضائية الجنائية الحالية عن طريق توحيدها في جهاز قضائي واحد يباشر بعض أعضائه أعمال التحقيق بوصفهم قضاة تحقيق، وهو أمر يتطلب الكثير من الوقت والجهد نظرا لتعدد جهات القضاء الجنائي وتنوع اختصاصاتها بحسب أنواع محددة من الجرائم، ومن جهة ثانية، فإن إنشاء جهاز واحد يقوم بكلتا الوظيفتين في الفترة الحالية على الأقل من شأنه السماح بالبدء- كخطوة نحو استقلال سلطتي التحقيق والاتهام مستقبلا- في عملية الفصل التدريجي بين سلطات الضبط الإداري والقضائي من ناحية وسلطات التحقيق والاتهام من ناحية أخرى باعتبار أن الشرطة في المملكة هي الجهة الأصلية المناط بها كل أعمال التحقيق والادعاء العام بالإضافة إلى مهام الضبط الإداري والقضائي، ومن أجل ذلك، فقد تضمن مشروع اللائحة التنظيمية لنظام الهيئة في الفصل الأول من الباب الثالث(تحت عنوان الضبط الجنائي) مختلف أشخاص الضبط الإداري والقضائي مع تحديد لمهامهم التقليدية المختلفة – وفقاً لما تسير عليه غالبية الأنظمة الإجرائية المقارنة- وهم جميعا من رجال قوات الأمن الداخلي الذين كانوا يباشرون أعمال التحقيق والادعاء العام والذين سيتحولون- بفضل قيام الهيئة الجديدة بوظائفها – إلى أجهزة معاونة لتلك الهيئة فيما يتعلق بتقصي الجرائم وجمع أدلتها والبحث عن مرتكبيها وعمل كافة الاستدلالات.
غير أنه إذا كانت الشرطة ستسلب كل اختصاصاتها في مجالي التحقيق والاتهام عند قيام الهيئة بمهامها المنوطة بها، فإن ذلك قد لا يعنى بالضرورة، أن بعض الجهات التي تختص بموجب الأنظمة المطبقة حالياً بالتحقيق في بعض أنواع الجرائم ستتخلى عن مهامها لمجرد بدء هيئة التحقيق والادعاء العام بمباشرة وظائفها، فالحقيقة أن المادة (3) من نظام الهيئة- وبعد أن عددت اختصاصات هذه الأخيرة في فقرتها الأولى- نصت بعد ذلك في الفقرة (4) منها على أنه:" ..........يجوز بقرار من مجلس الوزراء إسناد التحقيق والادعاء العام إلى الهيئة في الجرائم التي تنص الأنظمة على إسناد التحقيق والادعاء فيها إلى جهات حكومية أخرى" ومفاد هذا النص أن العديد من جهات التحقيق غير الشرطة ستستمر في القيام بمهام التحقيق بخصوص الجرائم التي تختص بها إلا إذا صدر قرار من مجلس الوزراء يقضي بنقل الاختصاص بمباشرتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، وعلى ما يبدو فإن ما يهدف إليه واضع نظام الهيئة من هذا النص هو عدم تحميل الهيئة الجديدة منذ البداية بأعباء كبيرة بحيث تباشر التحقيق الادعاء لكل الجرائم إذ قد يؤدي هذا الوضع إلى إرباكها، خصوصا إذا ما عرفنا أن بعض الجرائم تحتاج إلى خبرات خاصة، وهو ما قد لا يتاح للهيئة التي لا تزال تتهيأ لمباشرة وظائفها. ولذلك يمكن القول بأن الهيئة ستتولى مبدئياً مباشرة اختصاصي التحقيق والاتهام بالنسبة للجرائم التي تدخل ضمن اختصاص الشرطة صاحبة الولاية العامة في ذلك حتى الآن، وتتمثل تلك الجرائم بوجه عام في جرائم الحدود والقصاص والدية وجرائم التعزير غير المقننة. أما بالنسبة لجرائم التعزير المقننة- أي التي صدرت بشأنها أنظمة تعالجها وتحدد عقوباتها- فهي ستتبع من حيث التحقيق والادعاء الجهة التي تقضى أنظمة جرائم التعزير نفسها بأن تتولى مباشرة أعمال التحقيق والاتهام وذلك إلى حين صدور قرارات مجلس الوزراء في الوقت المناسب بنقل اختصاصات تلك الجهة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام.
وبالتالي فإنه لا مجال للقول بأن الإدارات الحكومية المختلفة التي تتولى التحقيق في بعض أنواع الجرائم ستواصل القيام بهذه المهمة إلى ما لا نهاية رغما عن وجود الهيئة وقيامها بما يمليه عليها نظامها من أعباء، وإنما ما ورد بنص الفقرة (4) المشار إليه هو، في تقديرنا، ضرورة تقتضيها سنة التدرج للانتقال من نظام عمل بموجبه لفترة زمنية طويلة إلى نظام آخر جديد يحتاج إلى الكثير من الترتيبات.

ب – الإشراف على تنفيذ الأحكام الجنائية والتفتيش على السجون
ظل العمل يجري في المملكة منذ وقت طويل- بالنسبة لمسألة الإشراف على تنفيذ الأحكام الجنائية- وفقا لما تسير عليه معظم الأنظمة المقارنة من تخويل لهذه المهمة إلى جهة مستقلة عن القضاء الذي أصدر الحكم، وهي مصلحة السجون أو إدارة السجون أو الإدارة العقابية التابعة لوزارة الداخلية والتي تختص بشكل عام بالإشراف على السجون ومراقبتها والتحقق من مدى سلامة تطبيق القواعد النظامية، ففي هذا المعنى نصت المادة من نظام السجون على أن :" يشرف على تنفيذ العقوبات وأوامر التوقيف مديرية عامة للسجون تتبع وزارة الداخلية وتمارس اختصاصاتها في المناطق المختلفة بالمملكة بوساطة أجهزة تابعة لها، وذلك طبعا للأوضاع التي تحددها اللائحة التنفيذية" أما فيما يتعلق بمهمة التفتيش على السجون، فإن نظام السجن والتوقيف كان قد أناط القيام بها- على غرار ما تذهب إليه النظم العقابية المقارنة- إلى جهة القضاء حيث تضمنت المادة (5) من ذلك النظام النص على أن: " تخضع السجون ودور التوقيف للتفتيش القضائي والإداري والصحي والاجتماعي وذلك وفقاً لأحكام اللائحة التنفيذية".

ثانياً- المركز القانوني للهيئة
من المعروف في الأنظمة الإجرائية المقارنة أن أعضاء النيابة العامة وكذلك قضاة التحقيق- بالنسبة للتشريعات التي تفصل بين سلطتي التحقيق والاتهام- يعتبرون جزءا لا يتجزأ من السلطة القضائية ويتمتعون بالاستقلال عن السلطة التنفيذية ويجب أن يكون لهم ما للقضاة من حصانات وضمانات باعتبار أن القضاء وحده هو الحارس الوحيد للحريات والشرعية الإجرائية في الإطار الذي يتم بداخله تنظيم الحرية الشخصية، فالحماية القانونية للحريات لا تكون بمجرد إصدار القوانين، وإنما بالتعرف على مبادئها وتطبيقاتها، وهو ما لا يتحقق إلا بالسلطة القضائية.
ولكن على الرغم من ذلك الإطار، الذي يحيط بوجه عام بالخصومة الجنائية في معظم النظم الإجرائية المقارنة، فإن واضع نصوص هيئة التحقيق والإدعاء العام لم يشأ الأخذ بهذا النهج التقليدي، ويظهر ذلك جليا من نص المادة (1) من نظام الهيئة حيث جاء فيه: " تنشأ بموجب هذا النظام هيئة تسمى هيئة التحقيق والإدعاء العام ترتبط بوزير الداخلية ويكون لها ميزانية ضمن ميزانية الوزارة" فبهذا النص تكون الهيئة الجديدة تابعة لوزارة الداخلية التي هي على رأس السلطة التنفيذية مما يسمح بالقول إن الهيئة ليست جزءاً من السلطة القضائية ولا يتمتع أعضاؤها بالتالي بالضمانات والحصانات التي يتمتع بها قضاة المحاكم وفقا لما نص عليه نظام القضاء السعودي، وإنما هي جهة إدارية تابعة للسلطة التنفيذية، فمختلف نصوص نظام الهيئة لم تشر من قريب أو بعيد إلى أية رابطة بين الهيئة الجديدة ووزارة العدل، بل على العكس من ذلك فالنظام الجديد قد وثق الصلات كليا بين الهيئة ووزارة الداخلية، ويظهر ذلك بوضوح ليس من نص المادة (1) فقط وإنما في العديد من أحكام النظام التي منها على سبيل المثال:
دور وزارة الداخلية في ترشيح أعضاء الهيئة، إحاطة وزير الداخلية بما يظهر لأعضاء الهيئة من ملاحظات أثناء مباشرة اختصاصاتهم، سلطة وزير الداخلية بما يظهر لأعضاء الهيئة من ملاحظات أثناء مباشرة اختصاصاتهم، سلطة وزير الداخلية في توجيه إدارة الهيئة لدراسة الأمور المتعلقة بالتحقيق والادعاء، رفع الدعوى التأديبية على عضو الهيئة بأمر من وزير الداخلية بناء على اقتراح رئيس الهيئة، وكذلك أخيرا ما نصت عليه المادة (27) من نظام الهيئة من أن " .......يتولى وزير الداخلية الإشراف على الهيئة ويتخذ الإجراءات والتدابير و يتقدم إلى الجهات المختصة بما يراه من المقترحات أو المشروعات التي من شأنها ضمان المستوى اللائق بالتحقيق والادعاء كما يتولى رئيس الهيئة الإشراف على جميع دارات الهيئة ودوائر التحقيق والادعاء فيها وجميع المحققين والعاملين فيها".
والحقيقة أنه لم يكن بمستغرب عند صدور نظام هيئة التحقيق والادعاء العام أن تربط هذه الأخيرة بالسلطة التنفيذية (وزارة الداخلية) وتكون جزءا من أعبائها المختلفة ولعل ذلك يرجع لبعض الاعتبارات:
فمن جهة، لم تضطلع قط وزارة العدل بمختلف هياكلها القضائية بوظيفتي التحقيق والادعاء العام الأمر الذي قد لا يجعلها مهيأة للقيام بهذا العبء الثقيل، الذي يضاف إلى مهامها القضائية الأخرى، خصوصاً وأن المحاكم التابعة لوزارة العدل ليست هي الجهات القضائية الوحيدة في المملكة التي تباشر سلطة القضاء بالنسبة لمختلف الدعاوى الجنائية.
فلقد سبق أن أشرنا إلى أنه تتزاحم مع تلك المحاكم في أداء هذا الدور العديد من الجهات الإدارية من خلال لجان إدارية ذات اختصاص قضائي الأمر الذي يتطلب كبداية- لجعل الهيئة الجديدة جزءا من السلطة القضائية- إلغاء كافة تلك الجهات وإناطة مختلف الدعاوى الجنائية التي تنظرها بالمحاكم الشرعية العامة، فبهذا وحده ستتمكن السلطة القضائية بعد ذلك- في صيغتها الجديدة- أن تباشر النظر في مختلف القضايا الجنائية سواء في مرحلة الاتهام والتحقيق أو في مرحلة المحاكمة النهائية وكل ذلك في ظل منظومة إجرائية متكاملة، غير أن هذا التصور يحتاج للكثير من الوقت حتى يبرز إلى الوجود ناهيك عن ضخامة حجم الإمكانيات المادية والبشرية التي يتطلبها تحقيق ذلك.
ولذا كان إنشاء هيئة تختص بالتحقيق والادعاء العام يعد في تقديرنا، خطوة هامة نحو تحقيق ذلك، إذ لا بد كبداية أن ينشأ مثل هذا الجهاز وإذا ما اكتسب مستقبلا الخبرة اللازمة أمكن ربطه بسلطة القضاء التي تكون قد تهيأت لإضافة مهام جديدة إليها.
ومن جهة ثانية، فبحكم ما حققته وزارة الداخلية بمختلف إداراتها وفروعها من نجاحات كبيرة في مجال تعقب مرتكبي الجرائم والتحقيق معهم وتقديمهم لجهات القضاء المختصة، وذلك من خلال الإمكانات الضخمة التي أتيحت لها، فإنه من المناسب- في هذه المرحلة الانتقالية على الأقل- أن تستمر هذه الوزارة، ممثلة في الهيئة الجديدة، في مواصلة القيام بنفس تلك الأعباء ولكن بشكل أكثر تنظيماً ووضوحاً هذه المرة، فأحكام وقواعد تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها ستجمع في نظام واحد متكامل- بعد أن كانت مبعثرة هنا وهناك ولا تتلاءم مع المستجدات على أرض الواقع- يضم مختلف الضمانات الإجرائية اللازمة في هذه المرحلة الهامة من عمر الدعوى العمومية، وكذلك سيناط بجهاز واحد القيام بتلك الأعباء بمعاونة أجهزة الأمن المختلفة التي ستتفرغ لأداء دورها كسلطات ضبط إداري وقضائي طبقا لما هو متبع في مختلف النظم الإجرائية المقارنة، وفي هذا المعنى جاء بمرسوم إصدار نظام هيئة التحقيق والادعاء العام أنه :" بعد إطلاع مجلس الوزراء على المعاملة المرفقة بهذه الواردة من ديوان رئاسة مجلس الوزراء برقم 2497/8/ وتاريخ 5/12/1401هـ ورقم 2574/8 وتاريخ 29/12/1401هـ ورقم 3/48854 وتاريخ 23/12/1401هـ المتضمنين بأن التحقيق في الجرائم والادعاء بها أمام الجهات القضائية تنظمه القواعد الواردة في نظام مديرية الأمن العام الذي مضى على صدوره مدة طويلة، ولأن قضايا التحقيق ورفع الادعاء بها قد أصبح على درجة كبيرة من التشعب والتعقيد الأمر الذي يؤدي إلى إطالة البت فيها، وفي ضوء هذه المتغيرات وانطلاقا من الاتجاه التطويري في كافة المجالات فقد رؤي إنشاء سلطة مختصة بالتحقيق والادعاء تابعة لهذه الوزارة باعتبار ذلك تقليدا سارت عليه البلاد وحققت في ضوئه نتائج إيجابية يمكن زيادة فاعليتها برفع المستوى العلمي للقائمين بالتحقيق والادعاء وتنظيم الإجراءات الخاصة بذلك ".
وعلى أية حال فإن تبعية الهيئة الجديدة لوزارة الداخلية (السلطة التنفيذية) واعتبار أعضائها مجرد موظفين عموميين عاديين لم يمنع كليا من تمتعهم بالحد الأدنى من الضمانات اللازمة التي تمكنهم من القيام بأعمالهم مع بعض الحيدة والاستقلال، فالواقع أنه لم يفت على واضع نصوص نظام الهيئة خطورة وخصوصية ما يؤديه أعضاؤها من مهام تتطلب قدرا معينا من الاستقلال وعدم التدخل في شئونهم بغية الضغط عليهم أو توجيهم بما لا يتفق مع نزاهتهم وحيادهم، ومع الضمانات التي ينبغي أن يتمتع بها من يتم التحقيق معه من المتهمين، ولذلك نصت المادة (5) من نظام الهيئة على أن:" يتمتع أعضاء الهيئة بالاستقلال التام ولا يخضعون في عملهم إلا لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية، وليس لأحد التدخل في مجال عملهم". ومبدأ استقلال أعضاء الهيئة هذا بحسب ما ورد في النص يتيح لنا القول بأن تبعية الهيئة لوزارة الداخلية هي تبعية ذات طبيعة إدارية فحسب تمكنها من الإشراف واتخاذ الإجراءات والتدابير التي من شأنها ضمان المستوى اللائق بالتحقيق والادعاء طبقا لما نصت عليه المادة (27) من نظام الهيئة، فهذه المهمة الإشرافية لوزارة الداخلية لا تمكنها من التدخل بأي شكل في مجريات أعمال التحقيق ذات الصيغة القضائية خصوصا ما يمس منها الحريات الفردية.
ويدعم هذا الاستنتاج نصوص مشروع اللائحة التنظيمية لنظام الهيئة والتي خلت من أي ربط واضح لأعمال وإجراءات التحقيق بسلطات أمراء المناطق المختلفة في المملكة.
فالواضح من قراءة تلك النصوص أن أعضاء الهيئة لهم في سبيل قيامهم بأعمال التحقيق المختلفة أن يتخذوا كافة الإجراءات والقرارات التي تضمنها مشروع اللائحة دونما حاجة إلى الرجوع لإمارة المنطقة التي يتبع لها فرع الهيئة.
وربما يعكس هذا التوجه الجديد إضافة إلى ما تقدم، رغبة السلطة التنظيمية في إعطاء سلطة التحقيق الجديدة السرعة اللازمة في اتخاذ ما تراه من إجراءات وقرارات بما يتلاءم ومصلحة التحقيق.

الخاتمة
يتبين من نصوص نظام هيئة التحقيق والادعاء العام أن السلطة التنفيذية السعودية تتوجه لأول مرة نحو فكرة توحيد الجهات القائمة على تحريك ومباشرة الدعوى الجنائية في مرحلة ما قبل إحالة الدعوى للقضاء الجنائي المختص، ولا شك أن هذا التوجه يمثل خطوة رائدة في سبيل رفع قدرات الجهة التي ستقوم بأعباء التحقيق والادعاء العام باعتبار أن الجهاز الجديد ستتوفر له كافة الإمكانيات المادية والبشرية وحدا معقولا من الاستقلالية على نحو ما أوضحنا، ويضاف إلى ذلك أيضا ما سيحققه هذا التنظيم- لأول مرة في المملكة- من توحيد لمختلف قواعد الادعاء العام والتحقيق الجنائي في لائحة تصدرها السلطة التنظيمية تشبه على حد كبير قوانين الإجراءات الجنائية المقارنة.
ونحن بدورنا لا يسعنا إلا استحسان هذا التوجه الجديد لما سيحققه، في تقديرنا، من وجود جهاز واحد متخصص يقع على عاتقه القيام بمهام وأعمال التحقيق والادعاء العام في آن واحد، ويخضع فيما يقوم به لقواعد محددة تكفل وتضمن الحريات الفردية وتحكم في نفس الوقت قبضتها على المجرمين في ظل سياسة عقابية إسلامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان. فتطبيق هذا النظام في المستقبل القريب، بإذن الله، سينهي من جهة تعددية الجهات المسئولة عن مباشرة أعباء التحقيق والادعاء العام، ومن جهة أخرى تبعثر وضعف أحكام مباشرة الدعوى العمومية ما سيحقق المزيد من العدالة والموضوعية وضمان حسن سير الإجراءات الجنائية بوجه عام، ويبقى مع ذلك، لإنجاح هذا التنظيم الجديد، أن تضع السلطات المختصة خطة محكمة يتم بموجبها تدريجياً نقل الاختصاصات من جهاز الشرطة وغيره إلى الهيئة الجديدة بعد ما تكون قد استوفت كل مقوماتها المادية والبشرية من أجل القيام بدورها المقرر لها بكل كفاءة واقتدار، ولكن سيتعين على السلطة التنظيمية مستقبلاً – بعد أن تترسخ مفاهيم الإجراءات الجنائية الحديثة- أن تجعل هذا الجهاز بحق جهة قضائية كاملة تتمتع بكل ضمانات القضاء.


 


موضوع مغلق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 01:23 AM


 

رقم تسجيل الموقع بوزارة الثقافة والإعلام م ش/ 88 / 1434

الآراء التي تطرح في المنتدى تعبر عن رأي صاحبها والمنتدى غير مسؤول عنها
 بناء على نظام السوق المالية بالمرسوم الملكي م/30 وتاريخ 2/6/1424هـ ولوائحه التنفيذية الصادرة من مجلس هيئة السوق المالية: تعلن الهيئة للعموم بانه لايجوز جمع الاموال بهدف استثمارها في اي من اعمال الاوراق المالية بما في ذلك ادارة محافظ الاستثمار او الترويج لاوراق مالية كالاسهم او الاستتشارات المالية او اصدار التوصيات المتعلقة بسوق المال أو بالاوراق المالية إلا بعد الحصول على ترخيص من هيئة السوق المالية