لتبليغ الإدارة عن موضوع أو رد مخالف يرجى الضغط على هذه الأيقونة الموجودة على يمين المشاركة لتطبيق قوانين المنتدى



للتسجيل اضغط هـنـا
 

العودة   منتدي نبض السوق السعودي > نبــض الأسهم السعودية > نبض الأنظمة الرسمية للملكة العربية السعودية
التعليمـــات التقويم مشاركات اليوم البحث

نبض الأنظمة الرسمية للملكة العربية السعودية منتدى يعنى بجميع انظمة الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 14-07-2017, 08:53 AM   #1
mustathmer
مشرف عـام المنتدى
  (ابو سعد)


الصورة الرمزية mustathmer
mustathmer غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 754
 تاريخ التسجيل :  November 2012
 أخر زيارة : 29-09-2024 (05:10 PM)
 المشاركات : 144,560 [ + ]
 التقييم :  38
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي شروط إقامة حد القطع




من العقوبات التي شرعها الله عز وجل عقوبة السرقة حيث بين سبحانه وتعالى بقوله (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
وقد بين الفقهاء رحمهم الله تعالى الشروط التي إذا توفرت في المسروق أقامه حد السرقة على السارق .

السرقة في اللغة:
يُقال : سرق منه الشيء يسرِق سَرقاً وسَرقة وسرْقاً واسْتَرقَه جاء مستتراً إلى حرز فأخذ مالاً لغيره . وسرق الشيء أخذه منه خفية وبحيلة
: سرق منه مالاً يسرِق بالكسر سرقاً بفتحتين . والاسم السَرِق والسرقة بكسر الراء فيهما ،وربما قالوا سرقة مالاً وسرقة تسريقاً نسبه إلى السرقة وقرىء ( إن ابنك سُرق
ومنه قوله تعالى (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ)
أي سمع خفية وعلى هذا يتبين مما تقدم :
أن السرقة في اصطلاح اللغويين: هي أخذ الشيء من الغير على وجه الخفية والاستمرار .
تعريف السرقة اصطلاحاً عند الفقهاء:
إن المتتبع لتعريف الفقهاء للسرقة على اختلاف مذاهبهم يجد أنها جميعاً قد راعت المعنى اللغوي للسرقة . وهذا ما سنبينه فيما يلي :
عرفتها الحنفية :
بأنها أخذ مكلف القطع خفية مما لا يتسارع إليه الفساد من المال المتمول للغير من حرز بلا شبهة
وعرفها المالكية :
بأنها أخذ مكلف حراً لا يعقل لصغره ، أو مالاً محترماً لغيره اً أخذه من حرزه بقصد واحد خفية لا شبهة له فيه
وعرفها الشافعية :
بأنها أخذ المال خفية ظلماً من حرز مثله بشروط
وعرفها الحنابلة :
بأنها أخذ مال محترم وإخراجه من حرز مثله لا شبهة له فيه على وجه الاختفاء
وعرفها الظاهرية :
بأنها الاختفاء بأخذ شيء ليس له
وأنه بالتأمل في هذه التعريف المتقدمة : نرى أن هناك قدراً متفقاً عليه عند الفقهاء جميعاً
وهذا القدر هو قولهم ( بأن السرقة أخذ الشيء من الغير خفية بغير حق )
حكم السرقة :المراد بحكم السرقة هنا هو الحكم التكليف إذا أن لها حكمين :
1ـ حكم تكليفي وهو التحريم .
2ـ حكم وضعي : وهو كون السرقة سبباً في وجوب القطع والضمان .
والكلام حول الحكم التكليفي وهو التحريم : وذلك أنها محرمة شرعاً وهي كبيرة من كبائر ، لعن فاعلها وحُدَ، ولقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريمها :
أما الدليل من القرآن الكريم قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
فهذه الآية الكريمة تأمرنا ، والأمر صادر من الله سبحانه وتعالى بان نقطع يد السارق . والأصل في الأمر الوجوب ما لم تكن هناك قرينة صارفة إلى غير الوجوب ، ولا قرينة هنا صارفة . فالواجب بهذه الآية قطع يد السارق. فيكون أمره سبحانه وتعالى بقطع يد السارق ووصف هذه العقوبة بالشدة ووسمها بالنكال دليل على فظاعة الجرم وعظم ال ، ومثل هذا العقاب لا يكون إلا على فعل محرم . فتكون السرقة محرمة في الكتاب العزيز . وأما دليل تحريمها من السنة النبوية فمنها:
1ـ ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده
. وجه الدلالة من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد لعن السارق . واللعن لا يكون إلا على الفعل المحرم خاصة
2ـ ما رواته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً)
. وجه الدلالة من هذا الحديث أن السارق تقطع يده بشروط منها بلوغ ال في المسروق .
3ـ ما رواه ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يحل لا مريء من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس )
ففي هذا الحديث الدلالة على حرمة مال المسلم إلا ما طابت به نفسه ،والسرقة أخذ مال الغير من غير طيب نفس منه فتكون محرمة .
وأما الإجماع : فقد أجمع الفقهاء من عصر الرسول عليه الصلاة والسلام حتى وقتنا هذا على حرمة السرقة ، كما أجمعوا على قطع يد السارق إذا تحققت سرقته بالكيفية والشروط التي يستحق معها أن يقطع
الحكمة من تحريم السرقة
مما لاشك فيه أن ذوي الجد والاجتهاد في العمل إذا ما نظروا إلى أموالهم التي حصلوا عليها بكسبهم الحلال محفوظة ومصانة من عبث العابثين وطمع الطامعين ، ولا تمتد إليها يد البطالة والأغراض الدنيئة ، وأنهم وحدهم هم المنتفعون بها، واصلوا كفاحهم وكدهم وجدهم ، وضاعفوا من إنتاجهم ، ودأبوا على استثمارها وإنمائها .أما لو كانت يد الغير مطلقة في أموالهم دون مؤاخذة وعقاب فإن ذلك يؤدي إلى وهن المجتمع لتقاعس أفراده ، وانتشار بذور العداوة والبغضاء بينهم ، لأن النفس البشرية طبعت بحب المال والاستتار به
فلذا كانت السرقة جريمة منكرة وكبيرة من الكبائر التي تتنافي مع المروءة والأخلاق الفاضلة . ولهذا لعن الله سبحانه وتعالى فاعلها، فقد جاء في الحديث الصحيح حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده)
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن
وكذلك حرم الإسلام السرقة لأنها من الفساد في الأرض قال سبحانه تعالى (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ)
وجعل حدها القطع محافظة على أموال الناس من الضياع ومانعاً لأصحاب الأطماع من أخذ مال الغير بغير حق ، وزاجراً لكل معتد أثيم تسول له نفسه أن يمد يده إلى ما ليس من حقه إلا برضى صاحبه وعن طيب نفس .
و إن النصوص القرآنية الكثيرة تدل على أن الفساد ممنوع بحكم الشرع ، وقد وضعت الشريعة الأحكام المنظمة لذلك والعقوبات الحامية لهذه الأحكام
الشروط المتعلقة بالسارق
لقد اشتراط الفقهاء شروطاً معينة في السارق ، بعضها اتفقوا عليه ، والبعض الآخر اختلفوا فيه وذلك على النحو الآتي 0
1ـ الشرط الأول:
شرط التكليف:أي أن يكون السارق بالغا عاقلاً . وهذا الشريط أجمع عليه الفقهاء،فالصغير والمجنون ليسا أهلا للعقوبة.واستدل الفقهاء على ذلك : بما رواه أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ،وعن الطفل حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يبرأ أو يعقل )
وجه الدلالة من الحديث أن الرسول أخبر أن القلم مرفوع عن الصبي والمجنون ، وفي قطعهما إجراء للحد عليهما ، وهو مخالف للنص لتنافي ذلك مع ما ورد من أنهما غير مكلفين ،فوجب أن يكون السارق مكلفاً ، والذكر والأنثى في ذلك سواء ، لعموم قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
2ـ الشرط الثاني:
أن يكون السارق مختارا في الفعل :أي غير مكره على إتيانه .
وهذا الشرط أختلف الفقهاء فيه على قولين :
القول الأول :جمهور الفقهاء
. فذهبوا إلى أنّ عدم الإكراه على السرقة شرط لابد منه في السارق لتستوفي العقوبة شروطها ,فلا يقطع المكره على السرقة عندهم , لأنه كالآلة في يد المكره . واستدلوا على ذلك :بما روي ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) ووجه استدلالهم من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنّ الشخص الذي يفعل شيئا منهيا عنه شرعا في حالة الإكراه لا إثم عليه , ومتى انتفى الإثم عنه فلا عقوبة , والقطع عقوبة فلا يجري على المكره على السرقة , وإنما ينفذ على من أقدم عليها مختاراً .
القول الثاني :ذهب الظاهرية إلى عدم اشتراط ذلك . فالاختيار ليس بشرط عندهم , فلو أكره مكلف على السرقة قطعت يده . قال ابن حزم: والإكراه على الفعل إن كانت لا تبيحه الضرورة – كالقتل والجراح والضرب وإفساد المال – فهذا لا يبيحه الإكراه . فمن اكره على شيء من ذلك لزمه القود والضمان لأنه محرم عليه إتيانه
الترجيح: هذا وأرجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من اشتراط الاختيار , لأن الإكراه ينفي الاختيار فهما لا يلتقيان أبدً لأن المكره يكون كالآلة في يد المكره , وهذا ما أفاده حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )

3ـ الشرط الثالث:
أن يكون السارق حراً : أختلف الفقهاء في هذا الشرط على قولين :
القول الأول :وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم اشتراط الحرية في القطع
وقد استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بالكتاب وعمل الصحابة والمعقول :
فأما الكتاب: فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)
وجه الدلالة إنّ الله تعالى أوجب قطع السارق من غير تفريق بين حرّ و رقيق ,ذلك أنّ الآية وردت بصيغة العموم , ولم يرد في كتاب ولا سنة ما يخصص هذا العموم , بل ثبت ما يؤيده من عمل بعض الصحابة فيبقى القطع على عمومه .
وأما عمل الصحابة : فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه أتي برقيق لحاطب ابن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها ,فأمر كثيّر بن الصلت أن تقطع أيديهم ,ثم قال عمر: والله إني أراك تجيعهم ولكن لأغرمنك غرماً يشق عليك،ثم قال للمزني كم ثمن ناقتك قال:أربعمائة درهم .قال عمر:أعطه ثمانمائة درهم وكذلك روي أن عبداً أقر بالسرقة عند علي رضي الله عنه فقطعه

ووجه الاستدلال بهذا الأثر أنّ كثير بن الصلت قطع أيدي الرقيق في السرقة , وعلم بذلك عمر،ولم ينكر عليه ذلك , كما أن علياً قطع يد العبد الذي أقر عنده بالسرقة , فكان هذا دليلاً على قطع يد العبد إذا سرق , كالحر تماماً . قال ابن قدامة: هذه قصص انتشرت في زمن الصحابة , ولم تنكر فتكون إجماعاً

* وأما المعقول: فقالوا إنّه من المتفق عليه: أن حد السرقة يجب توقيعه عند ثبوت موجبه ,حماية للأموال وحفاظاً لها , ولو ما قيل بأن العبد السارق لا تقطع يده لا تنفذ
هذه القاعدة, ولأدى ذلك إلى ضياع أموال الناس

القول الثاني : ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنه إلى اشتراط الحرية لإقامة الحد على السارق . فحكي عنه أنّه قال: لا قطع على الرقيق ذكرً كان أو أنثى
وقد استدل ابن عباس على ما ذهب إليه من اشتراط الحرية بما يلي:
1ـ قياس القطع في السرقة على الرجم في الزنا , بجامع أن كلا منهما حد لا يمكن تصنيفه , فكما أنه لا يجب رجم الرقيق المحصن إذا زنى , كذلك لا يجب قطعه إذا سرق
2ـ إن الرق منقص للنعمة , فيترتب عليه إنقاص العقوبة , لأن الجناية عند توافر النعم أفحش مما يستلزم تغليظ العقوبة . يقول تعالى: (يا نساء النبي من يأتي منكم بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين)
.فلو قيل بإقامة الحد على العبد في السرقة لتساوى مع الحر في ذلك , وهو مالا يجوز لما تقدم .
وقد أجاب جمهور الفقهاء على ما استدل به ابن عباس بما يلي:
1ـ نمنع أن العلة هي إمكان التنصيف , لجواز أن يكون ذلك مع وجود ما يقوم مقام الرجم في دفع مفسدة الزنا , وهو الجلد, بخلاف السرقة .فإنه تعالى لم يجعل لها إلا حداً واحداً , وهو القطع . فلما استحال تصنيف الرجم بالنسبة للعبد المحصن الزاني ,كان الجلد .أما القطع فقد دفعت الضرورة إلى تكميله بسبب استحالة تصنيفه , ولا بديل له , فيكون قياس حد القطع على حد الزنا غير صحيح
2ـ إنّ الضرورة تدفع إلى إقامة حد السرقة على العبد , وتساويه مع الحر في ذلك, لأن إسقاط الحد على الرقيق تعطيل له,وإهدار للمحافظة على الأموال والتي هي إحدى الضروريات التي تحافظ عليها الشريعة الإسلامية
الترجيح : و إنّي أرجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم اشتراط الحرية وذلك :
لقوة أدلتهم , ومناقشتهم حجة الفريق الثاني , وردّهم لها , ولأن ذلك يؤدي إلى سد الذرائع ودرء المفاسد , لما فيه من حماية للأموال وصيانة لها من الضياع , ذلك أن القطع لو لم يشرع عقوبة للأرقاء على اعتدائهم بالسرقة على أموال الغير , لكانت مهددة بخطر اعتدائهم عليها , فلم تحصل الحكمة المقصودة من شريعة القطع حداً في السرقة .
4ـ الشرط الرابع:
الالتزام بأحكام الإسلام : يشترط في السارق حتى توقع عليه عقوبة القطع أن يكون ملتزما لأحكام الإسلام , لأنه لا ولاية للإمام على غير الملتزم للأحكام .لذا أجمع الفقهاء على أن المسلم والذمي يقام عليهما حد السرقة إذا سرقا لأن كل منهما ملتزم بأحكام الإسلام . المسلم بإسلامه , والذمي بعقد الذمة الذي ارتضاه ودفع الجزية بمقتضاه .
واختلفوا في الحربي المستأمن إذا سرق على قولين :
القول الأول: يذهب إلى أنّ الالتزام بالأحكام الإسلامية شرط لإقامة حد السرقة , فلا بد أنّ يكون السارق ملتزما للأحكام حتى يقام الحد عليه .وبناء على هذا الرأي لا يقام الحد على الحربي المستأمن إذا سرق .وأصحاب هذا الرأي هم أبو حنيفة ومحمد
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1ـ إنّ دخول الحربي المستأمن دار الإسلام ليس للإقامة فيها , وإنما لمجرد المرور , أو لحاجة يقضيها , والاستئمان لا يلزمه بجميع أحكام الشريعة , وإنما يلزمه بما يتفق مع غرضه من دخول دار الإسلام وبما
يعود إلى تحقيق مقصده , إذ أنّه متعلق بحقوق العباد , وبمقتضاه يلتزم بالإنصاف , وكف الأذى في مقابلة الالتزام له بإنصافه وكف الأذى عنه , ولما كان حق الله تعالى غالبا في السرقة فإنها لا تلزم المستأمن ولا يؤاخذ بها بخلاف ما يمس حقوق العباد مباشراً كالقذف , فإنّ المستأمن يؤاخذ به
وعلى ذلك لا قطع على المستأمن .
2ـ إن المستأمن لم يلتزم بأحكام الشريعة لعدم دخوله فيها , ولعدم قبوله الدخول في عقد الذمة , فيكون إقامة الحد عليه إلزاماً له بما يلتزم به . وعلى هذا لا قطع على المستأمن المحارب .
3ـ إن المستأمن المحارب يأخذ مال المسلم أو الذمي معتقداً إباحته لكونه محارباً . وهذا الاعتقاد شبهة تسقط الحد عنه , كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام (ادرؤوا الحدود بالشبهات ولذا فلا قطع على المستأمن .
القول الثاني: يذهب إلى الالتزام بالأحكام الإسلامية ليس بشرط في إقامة حد السرقة . وبناء على هذا الرأي فإنّ الحربي المستأمن يطبق عليه الحد إذا سرق ,وقد قال بهذا القول المالكية وأبو يوسف من الأحناف
كما أنّه الرأي الراجح عند الشافعية
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1ـ إنّ الشريعة الإسلامية يجب تطبيقها بالنسبة لجميع المقيمين في دار الإسلام , لا فرق بين إقامة دائمة أو مؤقتة , لأنها شريعة الله لكل البشر , وقائمة على العدل المطلق وتحقق المصالحة الكاملة
2ـ إنّ أمانة دليل على التزامه الأحكام الإسلامية , فهو كالذمي , ولأنه حد يطالب به , فوجب عليه كحد القذف , فإذا وجب في حقه أحدهما وجب الآخر
3ـ إنّ الفرق بين إقامة المستأمن وإقامة الذمي: أنّ الأولى مؤقتة ,والثانية دائمة , ويجب أن يكون الالتزام بأحكام الإسلام هكذا لا يختلف إلا في التوقيت مع المستأمن , والدوام مع الذمي .
4ـ إنّ طلب المستأمن الدخول في دار الإسلام والإقامة فيها يعتبر التزاماً بأحكام الإسلام مدة إقامته , لأن منحه حق الدخول والإقامة تم على شرط التزامه لأحكام الإسلام جميعاً
5ـ إن السبب الملزم للمسلم والذمي بأحكام الإسلام موجود في المستأمن ,لأن المسلم التزم بإسلامه, والذمي التزم بعقد الذمّة, والمستأمن مثلهم يلتزم بأحكام الإسلام بسبب عقد الأمان المؤقت الذي أعطاه حق الإقامة المؤقتة في دار الإسلام .
6ـ إن إفساد المال يحصل بسرقة المستأمن ,كما يحصل بسرقة الذمي سواء بسواء , ولذا فالمساواة بينهما في المعاملة درء لمفاسد كثيرة يمكن أن تنتشر لو انتفت هذه المساواة .
الترجيح: إنّ الناظر في القولين وأدلتهما لا يسعه إلا أن يرجح القول الثاني , والقائل بعدم اشتراط الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية لتوقيع حد السرقة, وذلك لقوة أدلتهم , ولأن السرقة مجلبة للفساد في الأرض فلا ينجو مرتكبها أيا كان من إنزال العقوبة به, لأنه يضر بنفسه, كما يضر بالجماعة, كما أن الأمان يعد عقداً مؤقتاً بين المستأمن والمسلمين مما يلزمه بأحكام الإسلام,بلا فرق بينه وبين الذمي الذي يعيش في دار الإسلام, ويلتزم بأحكام الإسلام, وفق عقد الذمة الدائم, وأيضا لأنه يتفق مع عناية الشريعة في المحافظة على الأموال وصيانتها , واعتبار ذلك أحد مقاصدها , فلا تمتد إليها يد مسلم ولا كافر ذميا كان أو حربيا مستأمناً .




أختلف الفقهاء فيما إذا سرق المسلم مال المستأمن:

يرى الحنابلة وجوب قطعه, لأنه سرق مالاً معصوماً من حرز مثله كسارق مال الذميّ
ويرى أبو حنيفة: عدم القطع, لأن دم المستأمن وماله ليسا معصومين مطلقاً بل لمدة محددة. وهذه شبهة تسقط الحد
وقال مالك: إذا سرق مسلم مقدار من مال ملك لرجل مستأمن يجب القطع على السارق, لأنه مال محرز مملوك للمستأمن فتجري عليه أحكام أهل الذمة وأهل الإسلام,مادام في بلادنا
وفي مذهب الشافعي ثلاثة أقوال :
أولها: أنه يقطع إن اشترط عليه في العهد القطع في السرقة, فإن لم يشترط عليه القطع فلا قطع.
والقول الثاني: أنه يقطع مطلقا .
و الثالث: أنه لا يقطع مطلقا . وهذا القوال الأخير هو الراجح في مذهب الشافعية
الترجيح :وإني أرجح ما ذهب إليه القائلون بالقطع, لأن هذا يتفق مع أحد المبادئ الأساسية في التشريع الإسلامي من المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات, فما دام قد سبق وقلنا إن المستأمن إذا سرق مال المسلم فيقطع . فإن هذا الالتزام يقابله حقه في صيانة أمواله, والمحافظة عليها . قال تعالى: ( وإن أحد من المشركين استأجرك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم بلغ مأمنه )
.فما دام هؤلاء المعاهدون قد انصاعوا لأحكامنا فلا بد من إبلاغهم أمنهم .
5 ـ الشرط الخامس:
أن يكون السارق لا شبهة له في المال المسروق:
أختلف الفقهاء في هذا الشرط على قولين:
القول الأول: اشترط لإقامة الحد انتفاء شبهة السارق في ملكية المال المسروق . فإن كان له شبهة فلا حد عليه . وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء
ويلاحظ أن الجمهور وإن اتفق على هذا الشرط , إلا انهم اختلفوا فيمن ينطبق عليه وجود الشبهة . فاتفق الأئمة الأربعة: على أن الوالد لا يقطع إذا سرق مال ابنه أو ابنته, وكذلك الأم إذا سرقت مال ابنها أو ابنتها.
وزاد الشافعية: أن الأجداد والجدات لا يقطعون بسرقتهم مال فروعهم وإن سلفوا.
وقالوا أيضا- عدا مالك- : إنه لا قطع على الولد ولا على البنت فيما سرقاه من مال الوالدات أو الجدات أو الأجداد
ومالك يرى القطع على الابن و الابنة إذا سرقا من مال الوالدين أو الأجداد أو الجدات
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنه لا قطع على كل من يسرق مالاً لأحد من رحمه المحرم
وقد استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بما يأتي:
1ـ ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال
ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا
2ـ ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله , فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)
3ـ ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(ادرؤوا الحدود بالشبهات
ووجه استدلال الجمهور بهذه الأحاديث أنها تفيد وجوب درء الحدود بالشبهات, ولما كان القطع في السرقة حدا فلا يجب مع وجودها , عملاً بما أشارت إليه هذه الأحاديث .
وقد استدل جمهور الفقهاء على عدم قطع الوالدين بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه
وفي لفظ ( فكلوا من كسب أولادكم )
.كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
وقوله صلى الله عليه وسلم (أنت ومالك لأبيك )
فقالوا: إنه لا يجوز قطع الإنسان بأخذ ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذه , ولا أخذ ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم مالاً مضافاً إليه, ولأن الحدود تدرأ بالشبهات, وأعظم الشبهات أخذ الرجل من مال جعله الشارع له, و أمره بأخذه وأكله
واستدل من قال بعدم قطع الفروع بسرقة مال الأصول: أن بينهما قرابة واتحادا تمنع قبول شهادة أحدهما لصاحبه, فلم يقطع بسرقة ماله كالأب, ولأن النفقة تجب في مال الأب لابنه حفظا له فلا يجوز إتلافه حفظا للمال, وكذلك فإن مال كل منهما موصد لحاجة الآخر)
واستدل مالك على قطع الفروع بسرقة مال الأصول بعموم قوله تعالى(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
وكذا استدل بضعف الشبهة في هذه الحالة لأن الابن يحد إذا وطئ جارية أبيه أو أمه . بخلاف الأب إذا وطئ جارية ابنه فإنه لا يحد لقوة الشبهة, فيقطع الابن لسرقة مال أبيه كالأجنبي
وأجاب الجمهور على ذلك بأن عموم الآية خصصته أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .وأما الزنا بجارية أبيه فيجب به الحد, لأنه لا شبهة له فيها, بخلاف المال فإن له فيه شبهة, وهو أنه إذا افتقر أو صار ذا حاجة فإن نفقته تجب على والده .
واستدل الأحناف على عدم قطع ذي الرحم المحرم . بأن الرحم المحرم قرابة تمنع النكاح, وتبيح النظر وتوجب النفقة, فهي أشبه بقرابة الولادة
وأجاب الجمهور عليهم بأنها قرابة تمنع الشهادة, فلا تمنع القطع كقرابة غيره, وفارق قرابة الولادة بهذا
القول الثاني: يرى عدم اشتراط هذا الشرط , فهم لا يشترطون انتفاء الشبهة لوجوب القطع, فيقطع السارق عندهم مطلقا سواء كانت له شبهة في المال المسروق منه أم لم تكن . وهذا ما ذهب إليه أهل الظاهر وبعض الفقهاء كأبي ثور وابن المنذر
و قد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ بعموم قوله تعالى(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
فقالوا: إن الله تعالى أوجب القطع على السارق بشكل عام , من غير تفريق بين من لا شبهة في مال المسروق منه , ومن لا شبهة له فيه .
وقد أجاب الجمهور على هذا الاستدلال: بان العموم قد خص بالأحاديث الصحيحة سالفة الذكر والتي سبق الاستدلال بها .
2ـ إن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله( أنت ومالك لأبيك)
قد نسخ بآية المواريث إذ فرقت بين مال الأصل ومال الفرع .
وأجاب الجمهور على ذلك: بأن القول بأن هذا الحديث قد نسخ غير صحيح,لأنه لا تعارض بينهما, فالآية تحدد الأنصباء في تركة الميت بالنسبة للورثة الأحياء بينما الحديث يتحدث عن الأحياء .
الترجيح :
وإني أرجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من عدم القطع عند وجود الشبهة, خلافا للظاهرية ومن معهم لقوة أدلتهم, ولأنه أولى بالقبول, ولأن الإطلاق في الآية الكريمة قد قيد بالسنة النبوية التي أثبت وجود الشبهة. وأمرت بدرء الحدود بالشبهات, ولأن القطع عقوبة شديدة فيجب الاتقاء حتى يكون السبب تاماً .
ومع وجود شبهة للسارق في مال المسروق منه لا يتحقق الاعتداء فيكون القطع غير مناسب للجريمة ويكون وجوبه ظلم, وحاشا أن يكون في أحكام الشريعة ظلم .


 


قديم 14-07-2017, 08:54 AM   #2
mustathmer
مشرف عـام المنتدى
  (ابو سعد)


الصورة الرمزية mustathmer
mustathmer غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 754
 تاريخ التسجيل :  November 2012
 أخر زيارة : 29-09-2024 (05:10 PM)
 المشاركات : 144,560 [ + ]
 التقييم :  38
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: شروط إقامة حد القطع



الشروط المتعلقة بالمسروق منه .

بتتبع آراء الفقهاء بشأن السرقة, نجد أنهم لم يشترطوا شروطا معينة تتعلق بالمسروق منه لإقامة الحد, إلا بالنسبة لشرط واحد ثار بينهم خلاف بشأنه, وهو:
هل مطالبة مالك المال شرط لإقامة الحد أم لا :
اختلف الفقهاء على قولين :
القول الأول:ـ ذهب مالك وابن أبي ليلى إلى عدم اشتراط ذلك, فالحد يقام إذا ثبتت السرقة سواء طالب المسروق منه بماله أم لا
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
) و وجه الاستدلال من الآية أنها أطلقت الحكم بالقطع على السارق من غير قيود, وهذا دليل على أن مطالبة المالك ليست بشرط لإقامة الحد .
2ـ قياس حد السرقة على حد الزنا، فكما أن إقامة حد الزنا لا يحتاج في إقامته لمطالبة أحد, وإنما يقام بمجرد ثبوت الزنا, فكذلك القطع يقام بمجرد السرقة .
3ـ إقامة حد السرقة حق لله تعالى, فإقامته حسبة يثاب عليها أي مسلم يقيمه ولا حاجة إلى مطالبة المالك
القول الثاني :ـ ذهب الأحناف)
إلى اشتراط ذلك فقالوا: إن مالك المال المسروق منه إذا لم يطالب به, فإن الحد يسقط ولا قطع على السارق .
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ إن حد السرقة إنما شرع صيانة لحق مالك المال في ماله, فيكون للمالك تعلق بإقامة الحد على السارق, ولا يقع من غير أن يطالب به
2ـ من المتفق عليه أن المال يباح بالبذل والإباحة, وأن المالك إذا لم يطالب بإقامة الحد فيكون هناك شبهة في أنه أباحه لأخذه أو وقفه على طائفة الآخذ أو أذن له في الدخول حيث المال أو وقفه على المسلمين عامة .
وما دامت الحدود تدرأ بالشبهات, فلا حد إذا لم يطالب المالك بإقامته. وقد أجاب الحنفية ومن معهم على ما استدل به المالكية: بأن الزنا لا يباح بالإباحة بخلاف المال, فإنه يباح بالإباحة, ولأن القطع أوسع في الإسقاط كما أنه شرع لصيانة مال الآدميين فله بذلك تعلق, فلم يستوف من غير حضور مطالب به, والزنا حق لله تعالى محض فلم يفتقر إلى طلب
الترجيح:
وإني أرجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من ضرورة مطالبة المالك بماله لإقامة الحد على السارق, وذلك لأن كون المسروق مملوكا لغير السارق شرط لإقامة الحد وهذا الشرط لا يتحقق إلا بمطالبة غير السارق بماله لاحتمال أن المسروق منه قد أخرجه من ملكه أو أباحه لغيره أو وقفه على طائفة معينة .فتحقق كون الفعل سرقة شرعاً لا يظهر إلا بهذه المطالبة, فعدم المطالبة يورث شبهة تدرأ القطع, والحدود تدرأ بالشبهات .

الشروط المتعلقة بالمال المسروق.
اشترط الفقهاء في المال المسروق عدة شروط . بعضها أجمعوا عليه والبعض الآخر اختلفوا فيه, وسنبين مذاهبهم في ذلك على النحو التالي:
1ـ الشرط الأول:
أن يكون المسروق مالاً:
هذا الشرط قال به جميع الفقهاء: فقد أجمعوا على أن السرقة لا تكون إلا في المال, لأنها لا تتصور إلا فيه, فالإنسان لا يصح أن يكون محلا للسرقة .
مسألة:ـ أختلف الفقهاء إذا كان المسروق طفلا غير مميز أو مجنون:
اختلفوا بشأن المجنون الحر, والطفل غير المميز, هل يتم
إلحاقهما بحكم المال فتجري عليهما السرقة أم لا ؛ على قولين :
القول الأول: يرى أن الطفل غير المميز أو المجنون, لا يصح أن يكون محلاً للسرقة, لأنهما ليسا بمال من أي وجه. وعلى ذلك لا يقطع سارقهما لكونهما يشبهان الكبير النائم, إذ لا قطع في أخذه ؛ وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة
وقد استدل أصحاب هذا القول : بأن القطع شرع ليزجر السارق عن التعدي على الأموال لتعلق النفوس بها. لأنها من ضروريات الحياة, وغير المال وهو الحر والصغير غير المميز لا تعلق للنفس به, فلا ضرورة لشرع القطع فيه .
القول الثاني: يرى أن الطفل غير المميز والجنون يكونا محلاً للسرقة, ويقطع سراقهما لأنهما في حكم المال . وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : (أتي برجل يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى, فأمر به فقطعت يده)
ووجه استدلالهم من الحديث: أن لفظ الصبيان يشمل الأحرار والأرقاء, وليس هناك ما يخصصه بالأرقاء, فسارق الصبيان يقطع سواء كان ما سرقه منهم أحراراً أو عبيداً .
و أجاب الجمهور عن هذا بأن الحديث ضعيف لا يصلح الاحتجاج به, وعلى فرض أنه صحيح فمحمول على الأرقاء .
2ـ إن الحر غير المميز كالمال بجامع تعلق النفوس بكل منهما, فكلما أنه يقطع سارق المال كذلك يقطع سارق الحر غير المميز . وأجيب عن ذلك بأن هذا قياس مع الفارق, فإن المال تتعلق به نفوس أصحابه ونفوس سارقيه بالانتفاع به, بخلاف الحر غير المميز فإن نفوس السارق لا تتعلق به غالبا .
الترجيح : والراجح ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة لقوة دليلهم, ولأن القطع إنما شرع للزجر عما يكثر وقوعه, وسرقة غير المميز الحر قليلة الوقوع فلا ضرورة لشرع القطع فيها, ويمكن للإمام أن يعزز بما شاء في مثل هذه الجرائم النادرة الوقوع, ولما في ذلك من سمو بالإنسان وتكريم له, لأن في عدم تشبيهه بالمال حفظ له من الامتهان .
ويلاحظ أن هذا الخلاف إنما هو بشأن المجنون والصبي غير المميز, أما إذا كان صبيا مميزا أو غير مجنون فقد أجمع الفقهاء على أنه لاقطع على آخذه
2ـ الشرط الثاني:
أن يكون المال منقولاً:
وهذا الشرط قال به جميع الفقهاء
فلابد أن يكون المسروق منقولاً , وذلك لأن السرقة يترتب عليها نقل الشيء المسروق وإخراجه من حرزه ,ونقله من حيازة المجني عليه إلى حيازة الجاني ,وكل ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بالنسبة للمنقولات ,لأنها هي التي يمكن نقلها من مكان إلى مكان آخر ,بخلاف الحال في العقارات
الثابتة فهذه لا يمكن نقلها بصفتها كعقار. ولا يشترط أن يكون المسروق منقولاً بطبيعته ,بل يكفي أن يصير منقولاً بفعل المجني عليه ,أو بفعل غير الجاني .
3ـ الشرط الثالث :
أن يكون المال محترماً فلابد في قطع السارق من أن يكون المسروق محترماً , ويقصد بالمال المحترم ماله قيمة بصفة مطلقة لا نسبية ,وذلك مثل الدنانير والدراهم ,فإنها مقومة عنـــد جميع الناس ,بخلاف الخمر والخنزير فإنه ليست مالاً ولا قيمة لها بالنسبة للمسلم ,وكذا آلات اللهو وكل مانهى الشارع من الإنتفاع به شرعاً ,لأن غـــير المحترم ليس معصوماً شرعاً , وغير المعصوم لاتتحقق الجناية المحضة بالاعتداء عليه ,فلا تناسبه العقوبة المحضة . وبهذا قال الأئمة الأربعة
مسألة : أختلف الفقهاء في السرقة ما سلط الشارع على كسره ,كآلات اللهو إذا بلغ كسرها اً.
على قولين :
القول الأول : فذهب الأحناف والحنابلة والشافعي في أحد قوليه إلى أن آلة اللهو كالطنبور والمزمار لاقطع فيها ,وإن بلغت قيمتها بعد تــكسيرها اً ,لأن هذه الأشياء وأمثالها من وسائل المعصية بالإجماع ,وهي في ذلك كسرقة الخمر فلا قطع في سرقتها ,ولأن له حقاً في أخذها لكسرها ,تطبيقاً لأمر الشارع
القول الثاني : ذهب مالك والشافعي في قول آخر له إلى أن آلة اللهو إذا بلغت قيمتها بعد كسرها اً يقطع آخذها ,لأنه سرق ماقيمته اً لاشبهة له فيه ,من حرز مثله ,وهو من أهل القطع فوجب قطعه .
الترجيح : وأرجح ما ذهب إليه الأحناف والحنابلة من أن آلة اللهو وأشباهها مما سلط الشارع على كسرها إذا بلغت قيمتها بعد كسرها اً لايقطع سارقها وذلك لأن الفقهاء اتفقوا على أنها من أدوات المعــصيـــة ,ولا قيمة لها وهي صحيحة منتفع بها فيما أعدت له ,فبالأولى لا تكون لها قيمة بعد إتلافها ,لأنها به تكون قد فقدت كل منافعها فيما أعدت له وفي غيره .
4ـ الشرط الرابع :
أن يكون المال متمولاً: يقصد بالمال المتمول: أن يكون عند الناس عزيزاً وخطراً بحيث يضنون به ويعدونه مالاً ,وهذا الشرط اختلف الفقهاء فيه على قولين :
القول الأول :يرى عدم اشتراط هذا الشرط ,وهو ما ذهب إليه المالكية والشافعية والحنابلة , كماأنه رأي أبي يوسف من الأحناف
فالقاعدة العامة عند هؤلاء أن كل مايمكن تملكه ويجوز بيعه وأخذ العوض عنه ,يجب القطع في سرقته ولو كان المسروق مما جنسه مباح في دار الإسلام ,فالتفاهة لا تمنع عندهم من القطع . وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ بعموم قوله تعالى(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)
فقالوا:إن الله قد رتب وجوب القطع على السرقة من غيـــر تفريق بين سرقة ما جنسه مباحاً في دار الإسلام ,وما جنسه ليس مباحاً في دار الإسلام,ولم يوجــد مخصص لهذا العموم .
2ـ بقياس ما جنسه مباحاً في دار الإسلام على مالا يوجــد جنسه كذلك , بجامع أن كلاً منهما متقوم سرق من حرز مثله لا شبهــة للسارق فيه, فكما أنه يجب قطع السارق فيما لا يوجد جنسه مباحاً في دار الإسلام ,فكذلك يجب قطعه فيما يوجد مباحاً فيها .
3ـ أن الشيء مادامت له قيمة متمولة عند الناس ,فهو مال يجب القطع في سوقته حفظاً له ,وهو بماليته لا فرق بينه وبين مال غيرتافه .
القول الثاني: يرى اشتراط هذا الشرط . فيذهب أصحابه إلى أن المال التافه غير المتمول ,لا قطع في أخذه ,فيشترط أن يكون المال متمولاً , وهو رأي أبي حنيفة
واستدل أبو حنيفة ومن معه بما يأتي:1ـ بما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت(كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه)
ووجه الدلالة: أن التافه هو ال, وما يوجد جنسه مباحا في الأصول بصورة غير مرغوب فيه, تقل الرغبات, ولا تتطلع إليه النفوس , ولا تضنّ به الطباع, فقلما يوجد آخذه , فلا حاجة إلى شرع الزجر فيه .
وأجاب جمهور الفقهاء على هذا الحديث:
أولا: بضعفه, فلا يصح الاستدلال به .
ثانيا: أنه وعلى فرض صحة هذا الحديث, فإن المراد بالتافه ليس هو ال . إنما المراد به هو ما دون ال, ولو سلم أن التافه هو ال فيمنع أن كل ما يوجد جنسه مباح في دار الإسلام , بل منه مل له قيمة .
2ـ الحرز فيما جنسه مباح في دار الإسلام ناقص . فإن الحطب مثلاً يلقى بالأبواب , والطيور في أقفاصها معرضة للانفلات والضياع, فالحرز فيها غير تام, فلا يناسب شرع الزجر .
ويجاب عن ذلك: بأن الحرز غير ناقص, بل هو كامل في كل شيء بحسبه
.فالحطب بالأبواب محرز عرفاً, وكذلك الطير في الأقفاص, فيقطع سارقه .
3ـ التفاهة شبهة في المال, و ما دامت الحدود تدرأ بالشبهات, فلا تقطع في الشيء التافه
وقد أجاب الجمهور على هذا الاستدلال أيضا بأن التفاهة لا تعتبر شبهة تدرأ الحد .
الترجيح: هذا ولا يسع إلا أن يرجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول القائل:
بأن القطع يجب سواء كان المال تافها أو عزيزا ما دام محترما, وذلك لقوة أدلتهم وردهم أدلة الفريق الثاني , ولأن الأموال التي توجد مباحة في أرض الإسلام إذا أحرزت بعد وضع اليد عليها اختص بها من وضع يده عليها, فلا بد من حمايتها من التعدي عليها حتى ينتفع بها من أحرزها ووضع يده عليها, لأن ملكيتها قد آلت إليه بالحيازة .
5ـ الشرط الخامس :
أن يبلغ المسروق اً:
اختلف الفقهاء باشتراط ال لوجوب القطع, فمنهم من يرى اشتراطه ومنهم من لا يعتبره لإقامة الحد, والقائلون باشتراطه اختلفوا فيما بينهم في مقدار ال, كما اختلفوا في القوت الذي تعتبر فيه قيمته . وسوف أوضح آراء الفقهاء في كلٍ مع بيان الراجح ، في المسائل التالية :
المسألة الأولى :اختلاف الفقهاء في اشتراط ال:
اختلف الفقهاء في اشتراط ال لوجوب القطع على قولين:
القول الأول: يرى أن ال شرط لإقامة الحد, وهو مذهب الأئمة الأربعة
فالقطع لا يجب عندهم إلا إذا بلغ المسروق اً . وقد استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بالسنة والإجماع :
فأما السنة فقالوا :إن الرسول صلى الله عليه وسلم روي عنه أقوال وأفعال منها :
1ـ. ما رواها بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم(أنه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم)
أو (قيمته ثلاثة دراهم)
2ـ ما روته عائشة رضي عنه عنها أنها قال )كان رسول صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً)
وفي رواية أخرى :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن يد المجن ،قليل لعائشة: ما ثمن المجن ؟ قالت :ربع دينار )
3ـ روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي عنه عنها أنها قالت(لم تكن تقطع يد السارق في أدنى من حجفة أو ترس،كل واحد منهما ذو ثمن)
ووجه استدلال الجمهور من هذه الأحاديث :أنها دلت بوضوح على اعتبار ال شرطاً في وجوب القطع ، وأنه لم يتم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان المسروق بلغ قدراً معيناً ، وذلك ما نقول به .
و أما الإجماع ، فقالوا : إن الصحابة رضي الله عنهم قد اتفقوا على اعتبار ال شرطاً لوجوب القطع ، والخلاف بينهم إنما في مقداره ، وإجماع على اعتبار ال شرطاً لوجوب القطع .
القول الثاني: يرى عدم اشتراط ال لإقامة الحد, وعلى ذلك فقطع اليد عنده يجب إذا ثبتت السرقة في إي مقدار من المال قليلاً أو كثيراً , وهو مذهب الحسن البصري والظاهرية
وقد استدل أصحاب هذا القول القائل بعدم اشتراط ال بالكتاب والسنة بما يلي:
فأما الكتاب :
فقال تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديمها جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم)
ووجه استدلالهم من الآية أن الله تعالى قد رتب وجوب القطع على السرقة فكانت هي العلة, وذلك يقضي بوجوب القطع متى تحققت علته من غير فرق بين سرقة القليل والكثير, لأن اسم السرقة يطلق على أخذ كل منهما, والنص مطلق لم يحدد مقداراً لما يسرق لإقامة الحد, وهذا يدل على عدم اشتراط ال لوجوب القطع.
وأجاب الجمهور على ذلك: بأن عموم الآية قد خصص بالأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار ال شرطاً لوجوب القطع, وإن قيل بأن الآية لا يصح أن تقيد بهذه الأحاديث, لأن الأحاديث أحاديث آحاد لا تفيد إلا الظن, بينما الآية قطعية والظني لا يقيد القطعي .
فإن ذلك غير صحيح لأن الآية عامة, والعام مختلف في دلالته هل هي ظنية أم قطعية, ومع هذا الخلاف تكون دلالة الآية ظنية, وحينئذ تقيد الأحاديث الآية لأن كليهما ظني .
وأما السنة: فقد استدلوا يما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده )
ووجه استدلالهم بهذا الحديث أنه عام فيوجب القطع مطلقا, لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب القطع على سرقة البيضة كما رتبه على سرقة الحبل , ومعلوم أن من الحبال مالا يساوي دانفا , ومن البيض مالا يساوي فلسا, وتلك أشياء عديمة القيمة, وذلك يفيد القطع في القليل والكثير بدون تحديد مقدار . وقد أجاب الجمهور على هذا الحديث بأنه مردود بثلاثة وجوه :ـ
الأول: إن المارد بالبيضة بيضة الحديد التي تجعل على الرأس في ميدان الحرب, ولا شك أن لها قيمة, وبالحبل ما قيمته ثلاثة دراهم أو أكثر كحبال السفينة, ويدل على ذلك ما قاله الأعشى راوي الحديث: ( كانوا يرون أنه بيض الحديد, والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثلاثة دراهم ) وكلاهما يبلغ اً .
الثاني: إن ما جاء في الحديث أن القطع بسرقة البيضة والحبل خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير, كما جاء في معرض الترغيب بالقليل في الكثير كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قول صلى الله عليه وسلم (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة)
الثالث: أن الحديث يقصد به ت شأن السارق والتنفير من السرقة وخسارة ما ربحه .
الترجيح : والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من اشتراط ال لوجوب القطع, لقوة ما استدلوا به ولردهم أدلة الفريق الثاني , ولأن هذا هو الذي يتفق وفلسفة العقوبة في الشريعة الإسلامية . إذ بمقدار الجريمة تكون العقوبة, والسرقة عقوبتها أغلظ في كل الشرائع قديمها وحديثها من غيرها من وسائل الاعتداء على المال كالغصب والاحتيال, ومن ثم لا ينبغي تنفيذ عقوبة القطع واللجوء إليها إلا إذا بلغ المسروق قدراً معيناً ليكون ذا قيمة تضن به النفوس, ولأن القليل ليس له قيمة فلا يضير النفوس فقده .


 


قديم 14-07-2017, 08:54 AM   #3
mustathmer
مشرف عـام المنتدى
  (ابو سعد)


الصورة الرمزية mustathmer
mustathmer غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 754
 تاريخ التسجيل :  November 2012
 أخر زيارة : 29-09-2024 (05:10 PM)
 المشاركات : 144,560 [ + ]
 التقييم :  38
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: شروط إقامة حد القطع



المسألة الثانية :اختلاف الفقهاء في مقدار ال:
المبدأ العام الذي يتفق عليه جمهور الفقهاء كما سبق أن بينا هو اشتراط ال لكي يجب القطع بالنسبة للسارق. غير أنهم اختلفوا فيما بينهم في مقدار ال الذي يوجب أخذه القطع وهذا ما سنبينه فيما يأتي:
القول الأول: ذهب الإمام مالك وأصحابه
إلى أن ال الواجب هو ثلاثة دراهم من الفضة أو ربع دينار من الذهب. فإذا كان المسروق غير ذهب ولا فضة فإنه يقوم بالدراهم وليس بالذهب .
وهذا إذا كانت قيمة الثلاثة دراهم تختلف عن قيمة الربع دينار لاختلاف الصرف, كأن يكون الربع دينار مثلا يساوي في وقت من الأوقات درهمين ونصف . فإذا ساوى المسروق عند المالكية في ربع دينار وإن لم تكن قيمته ثلاثة دراهم, ويقطع في ثلاثة دراهم وإن لم تكن قيمته ربع دينار وهذا هو المشهور .
واستدل المالكية بما يأتي:
1ـ ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (قطع يد رجل سرق ترساً من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم )
2ـ ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا تقطع يدالسارق إلا في ربع دينار فصاعداً)
، ووجه الدلالة مما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع فيما قيمته ثلاثة دراهم, ولم يستفسر عن كون هذه الثلاثة تساوي ربع دينار أو تقل عنه, وذلك يقضي باعتبار القطع في ثلاثة دراهم وإن لم تساوي ربع دينار, كما أن الحديث الثاني دل على أن القطع يكون في ربع دينار وإن لم تكن قيمته ثلاثة دراهم, لأن الحديث محصور بالنفي والاستثناء .
القول الثاني:مذهب الشافعي يتفق مع مذهب الإمام مالك في قيمة ال السابق ذكره,ولكنه يفترق عنه فيما إذا كان المسروق غير ذهب أو فضة,فالشافعي يرى أن التقويم يكون بالربع دينار أي بالذهب,وليس بالدراهم من الفضة . فالأصل في التقويم عند مالك هو الدراهم . أما عند الشافعي فالأصل في التقويم هو الدنانير, وهذا هو وجه الخلاف بينهما
واستدل الشافعي وأصحابه بما يأتي:
1ـ ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً)
2ـ ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن . قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار
ووجه الدلالة من الحديثين:
أن الأول دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت القطع في ربع دينار ونفاه عما دون ذلك. فدل ذلك على أنه لا قطع في أقل من ربع دينار
بينما دل الثاني على أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى فيما ثمنه القطع دون ربع دينار, وأثبته فيما ثمنه ربع دينار بنفيه القطع فيما دون ثمن المجن, وقد بينت عائشة ثمن المجن بأنه ربع دينار, وأن هذا صريح في أن العروض إنما تقوم بالذهب من غير نظر إلى الفضة أصلاً لأن البيان من عائشة في حكم المرفوع, فهو تحديد من الشارع بالنص لا يجوز العدول عنه .
القول الثالث:الإمام أحمد: مذهبه ففي رأيان:
الأول: أن ال هو ثلاثة دراهم أو ربع دينار, كما هو المشهور من مذهب مالك.
الثاني: مثل الأول تماماً, ولكن إذا كان المسروق غير ذهب أو فضة قوم بهما معا, وإذا اختلفت قيمتها فإنه يقوم بأقلهما في القيمة
واستدل الإمام أحمد بما سبق بيانه من أحاديث. وبما رواه انس رضي الله عنه أن سارقا سرق مجنا قيمته ثلاثة دراهم فقطعه أبو بكر, وأتى عثمان برجل سرق أترجه فبلغت قيمتها ربع دينار فقطعه
ووجه الدلالة لهذه الأحاديث والآثار: أنها تدل على القطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته تساوي أحدهما, فيقطع السارق في ربع دينار وإن لم يساوي ثلاثة دراهم, كما يقطع في ثلاثة دراهم, كما يقطع في ثلاثة دراهم وإن لم تساوي ربع دينار, ويقطع في سرقة غير النقدين بما قيمته ثلاثة دراهم أو ربع دينار, وتقوم العروض بأيهما شاء .
القول الرابع: يرى الإمام أبو حنيفة
أن ال الذي يوجب القطع هو عشرة دراهم فضة خالصة أو ما يساوي قيمتها, فلا قطع عنده في أقل من عشرة دراهم, ولو كانت قيمته ربع دينار, كما لا قطع في غير الفضة من الذهب أو عروض التجارة بما قيمته أقل من عشرة دراهم, ولو كانت قيمته تساوي ربع دينار .
واستدل الإمام أبو حنيفة على ما ذهب إليه بالأحاديث التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها:
1ـ ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال
لاقطع فيما دون عشرة دراهم )
2ـ ما رواه عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(تقطع اليد في ثمن المجن )
3ـ ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن قيمة المجن كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم)
4ـ ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا قطع فيما دون عشرة دراهم )
ووجه الدلالة مما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى القطع في أقل من عشرة دراهم أو فيما دون ثمن المجن, وهذا صريح في تحديد ال بوجوب القطع في السرقة بعشرة دراهم أو ما قيمته ذلك .
وأجاب الأئمة الثلاثة عما استدل به الحنفية:
بأن الرواة تكلموا في الحديثين الأخيرين وقالوا: إنهما لا يصلحان للاستدلال بهما لأن في إسناد الثاني محمد بن اسحق وقد عنعن ولا يحتاج بمثله إذا جاء الحديث معنعناً, وفي إسناد الحديث الأخير الحجاج بن أرطأة وهو مدلس, ولم يسمع هذا الحديث عن عمرو بن شعيب .
وأجاب الحنفية عن أدلة الأئمة ثلاث المتقدمة بما يأتي:
1ـ إن تقدير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للمجن بربع دينار اجتهاد منها, والاجتهاد من الصحابي لا يكون حجة على اجتهاد صحابي آخر ولم ينعقد إجماع بينهم على تقديره بربع دينار .
2ـ إنه قد روي تقدير ثمن المجن بأكثر من ربع دينار . فقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال(لاقطع في أقل من أربعة دراهم )
ولهذا الاختلاف في تقدير ثمن المجن كان الاحتياط للقطع أن يقدر ثمن المجن بأكبر تقدير روي عن الصحابة , وللاحتياط فإنه يجب التقدير بعشرة , وفوق ذلك فقد ثبت اتفاق الصحابة في القطع لعشرة دراهم, واختلفوا في القطع فيما دونها , وهو أمر لا يثبت إلا بالتوقف, فكان الاحتياط أن يؤخذ بما اتفقوا عليه ويترك ما اختلفوا فيه
الترجيح:
وإني أرجح رأي الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل, وذلك لأمور:ـ
جمعا بين الأحاديث والروايات التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولأننا لو جعلنا ال ثلاثة دراهم أو ربع دينار, إنما نعمل في الوقت نفسه بمذهب الإمام أبي حنيفة ومن معه, لأن ال عنده عشرة دراهم , فإذا بلغت قيمة المسروق عشرة دراهم تقطع يد السارق .
غاية ما هنالك أنه في حالة عدم بلوغ المسروق عشرة دراهم أو ما قيمتها يكون رائدناً في تقدير ال هو رأي الأئمة الثلاثة, وخاصة الإمام الشافعي الذي ذهب إلى أن التقدير يكون بربع دينار , وذلك لأن الفضة تختلف باختلاف الأزمان والدول , بخلاف الذهب فإن له قيمة ثابتة لا تختلف غالبا باختلافهما , والتقدير بما هو ثابت يجعل سبب الحكم متحدا في الأزمان والدول المختلفة . وهذا أقرب إلى العدل والمساواة
المسألة الثالثة:وقت اعتبار ال:
اتفق الفقهاء على أن الوقت المعتبر لتحقق قدر ال هو إخراج الشيء المسروق من حرزه, ولو حدث بعد ذلك نقص في قيمته بسبب تغير في ذات المسروق أو تلف فيها, فتعتبر القيمة في هذه الحالة وقت الإخراج من الحرز لا غيره . أما إذا كان النقص بسبب تغير السعر.
فقد اختلفوا فيما بينهم في الوقت المعتبر لتحقق قدر ال على قولين :ـ
القول الأول : فذهب المالكية ومحمد وزفر من الأحناف
.إلى أن القيمة المعتبرة هي وقت إخراج المسروق من الحرز .واستدلوا بقياس نقص القيمة بتغير السعر بعد إخراجه من الحرز كاملا,على نقص القيمة بتغير الذات بعيب أو تلف فيها بعد إخراجه, كذلك بجامع نقص القيمة في كلاً, فكما أن نقص القيمة بتغير الذات لا يمنع القطع, فكذلك نقص القيمة بتغير السعر لا يكون مانعاً منه . فالمعتبر وقت الإخراج من الحرز لا غير
القول الثاني :ذهب الإمام أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف إلى أن القيمة المعتبرة هي قيمة المسروق وقت القطع, ما دام تغير القيمة كان بسبب نقص السعر . فإذا كانت قيمة المسروق اً وقت الإخراج من الحرز ثم نقصت بتغيير السعر عند الحكم بالقطع فلا يقطع سارقه .واستدل هؤلاء على ما ذهبوا إليه, بأن نقص القيمة عن ال عند القطع بسبب تغير السعر يورث شبهة أن قيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز لم تكن اً, لأن العين لم تتغير في شيء, ومن المعلوم أن الحدود تدرأ بالشبهات .وأجيب عن هذا الاستدلال: بأن شبهة نقصان قيمة المسروق وقت الإخراج من الحرز لنقصان قيمته وقت الحكم بالقطع لا تعتبر مانعة منه, لأن الفرض أن المسروق كان اً وقت الإخراج, فنقصانه بعد ذلك لا يصلح مانعاً من سببية السرقة لوجوب القطع . ويلاحظ أن هذا الاختلاف قائم بين الفقهاء سواء أكان التغير في السعر بسبب انتقال المسروق من بلد إلى بلد, أم بتغير السعر في المكان الواحد .
الترجيح : وإني أرجح ما ذهب إليه المالكية ومن وافقهم من أن القيمة المعتبرة للمسروق هي قيمته وقت السرقة, لأن ذلك يصون للأموال حرمتها, ولا يفتح بابا للمحتالين بأن يركنوا إلى شبهة تغير الأسعار لقيمة المسروق, فيفلتوا من العقاب, كما أن تغير السعر بعد تمام السرقة لا يورث شبهة غالبا حيث يعلم التجار قيمة الأشياء يوما بيوم وساعة بساعة, كما وأن ذلك يمنع الإفلات من العقاب
6ـ الشرط السادس :
أن يكون المسروق مملوكاً للغير :
لا بد لتمام جريمة السرقة أن المال المسروق مملوكاً لغير سارقه ، فإذا كان السارق قد سرق مالاً مملوكاً له ، فلا قطع عليه في هذه الحالة لأنه لا يعتبر سارقاً حتى ولو أخذه خفية . والوقت الذي تعتبر فيه الملكية هنا وقت ارتكاب جريمة السرقة فقط . لا قبل ذلك ولا بعده . فإذا كان السارق مالكاً للمال المسروق ثم خرج المال المسروق من ملكه قبل حصول جريمة السرقة فهو مسؤول عن هذا الفعل ، ويعتبر سارقاً يقام عليه الحد .فإذا لم يكن هذا المال في ملكه ثم دخل ملكه وقت ارتكاب جريمة السرقة، فلا قطع عليه ولا مسؤولية ، كما لو دخل في ملكه عن طريق الميراث أو الهبة أو البيع قبل الخروج من الحرز. وما تقدم بيانه متفق عليه بين الفقهاء
مسألة :حكم ادعاء السارق ملكيته للمال المسروق:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال :ـ
القول الأول : ذهب الإمام مالك إلى أن ادعاء ملكية المال المسروق في ذاته ليس له قيمة ولا يسقط الحد عن السارق إلا إذا أثبت صحة ما يدعيه . فإن أقام دليلا على صحة ادعائه قبل قوله, وإلا حلف المجني عليه أن المال المسروق ملكه . فإن امتنع عن الحلف حلف السارق وأخذ المال ولا قطع عليه
القول الثاني : يرى الإمام أبو حنيفة بأن الحد يسقط عن السارق لمجرد ادعائه ملكية المال المسروق, دون إلزامه بإقامة دليل على صحة هذا الادعاء .وتكون العقوبة هي التعزير لأن المال المسروق منه قد صار خصما للسارق في ملكية الشيء المسروق والخصومة شبهة تدرأ الحد
القول الثالث: للإمام الشافعي قولان:
الأول: يتفق فيه مع أبي حنيفة في القول بسقوط القطع عن السارق بمجرد ادعائه لملكية المسروق, حتى ولو ثبتت السرقة بالبينة لاحتمال صدقه, فصار شبهة دارئة للحد لأنه صار خصما. ويروي عن الشافعي أنه سماه السارق الظريف ( أي الفقيه ) .
وفي قول آخر للشافعي: أنه يجب القطع لئلا يتخذ الناس ذلك ذريعة لدفع الحد عنهم
القول الرابع: أما الإمام أحمد بن حنبل ففي مذهبه ثلاثة أقوال:
القول الأول: كرأي مالك الذي يقول بأنه لا عبرة بالادعاء المجرد عن دليل .
القول الثاني: كرأي الشافعي الذي يقول بأن الحد يسقط بمجرد الادعاء دون حاجة إلى ما يثبت صحة هذا الادعاء. وهو الرأي الراجح في مذهب الإمام أحمد .
القول الثالث: إن كان معروفا بالسرقة لا يلتفت إلى ادعائه ولا يسقط عنه القطع بمجرد ذلك الادعاء . وأما إذا لم يكن معروفا بالسرقة فادعاؤه هذا معتبر ويسقط به عن القطع
الترجيح :هو ما ذهب إليه الإمام مالك ومن واقفه من أن مجرد الادعاء من قبل السارق لا يسقط عنه الحد المقرر شرعاً وأنه لابد لسقوط الحد من أن يثبت المدعي بالدليل القاطع ملكيته لهذا المال المسروق الذي هو محل الادعاء . لأننا لو قلنا بسقوط الحد لمجرد الادعاء عن دليل مثبت له, لكان ذلك ذريعة لكل سارق, وحيلة سهلة ميسورة يجدها أمامه لينقذ نفسه من إقامة الحد, وتكون النتيجة هي أن تتعطل حدود الله تعالى التي شرعها صيانة لأرواح الناس وأموالهم . وقول بعض الفقهاء بأنه يحتمل أن يكون صادقا في دعواه , واحتمال الصدق شبهة تسقط الحد. فنقول أن الحد لا يسقط بمطلق الاحتمال, ولو أسقطنا الحد بمطلق الاحتمال لتعطلت الحدود
7ـ الشرط السابع :
أن لا يكون المسروق مما يتسارع إليه الفساد :
اختلف الفقهاء في هذا الشرط :
القول الأول : قال بهذا الشرط الحنفية عدا أبي يوسف, فعندهم لا قطع على السارق إذا كان المسروق مما يتسارع إليه الفساد من الطعام والبقول والرطبة والفواكه واللبن واللحم ونحوها واستدلوا بما يأتي:
1ـ ما رواه رافع بن خديج رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال(لا قطع في ثمر ولا كثر)
فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى القطع عن سارق الثمر و الكثر, وهما مما يتسارع إليهما الفساد . و لا فرق بين الثمر وغيره من كل ما يتسارع إليه الفساد . ذلك أن الحديث روي مطلقا من غير زيادة .
2ـ قياس ما يتسارع إليه الفساد على التافه, بجامع عدم المالية في كل لأن مالا يحتمل الادخار من سنة إلى أخرى لا يعد مالا فيكون تافها . ولما كان التافه لا قطع فيه بما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت(كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه)
وأما أبو يوسف: فقد أوجب القطع في كل شيء إلا الطين والتراب , وقد روي عنه إلا في الماء والتراب والطين والجص. وحجته في ذلك: أن سوى ما تقدم من الأموال متقومة محرزة, فهي كغيرها من حيث وجوب قطع يد السارق
القول الثاني :ـ ذهب مالك
إلى عدم اشتراط ذلك, فيقطع السارق عندهم ولو كان المسروق مما يتسارع إليه الفساد, وذلك بشرط بلوغ ال . واستدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ بعموم قوله تعالى(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
فقالوا إن الآية أوجبت قطع يد السارق مطلقا دون اشتراط ما إذا كان هذا المسروق مما يتسارع إليه الفساد أم لا, ولم يرد مخصص لهذا العموم بشأن هذه الخاصية, فمن ثم يبقى النص على عمومه .
2ـ ما تقدم من الآثار الواردة بوجوب القطع بمجرد بلوغ ال إذ أن عمومتها دل على ترتب القطع بمجرد بلوغه,دون شرط ما إذا كان المسروق يتسارع إليه الفساد أم لا
3ـ بقياس ما يتسارع إليه الفساد على مالا يتسارع إليه الفساد: بجامع أن كلاً منهما مال متمول عادة, وتبذل فيه نفائس الأموال. فكما أنه يجب قطع سارق ما لا يتسارع إليه الفساد, كذلك يجب قطع سارق مما يتسارع إليه الفساد .
وأجاب الجمهور على ما استدل به أبو حنيفة ومن معه:
بأن الحديث لم ينف القطع عن سارق الثمر لكونه مما يتسارع إليه الفساد, بل إن نفي القطع كان لعدم الحرز يدل لذلك حديث رافع بن خديج قوله صلى الله عليه وسلم (لا قطع في ثمر ولا كثر ) كان جواباً لمن سأله عن الثمر المعلق هل يقطع سارقه أو لا؟ فقال عليه الصلاة والسلام (لا قطع في ثمر ولا كثر .ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع )
كما أجابوا عن قياس ما يتسارع إليه الفساد على التافه: بأننا لا نسلم لأن التافه لا قطع فيه على إطلاقه, وإنما ذلك إذا كان دون ال, وهذا مالا نختلف فيه, أما إذا بلغ ا ففيه القطع لعموم الآثار والآيات الواردة في القطع, كما وأن المراد بالتافه في حديث عائشة ليس هو ال وإنما هو ما لم تبلغ قيمته اً .
ويلاحظ أن الخلاف المتقدم بين الفقهاء,إنما هو في حالة ما إذا كانت الأموال المسروقة أموال محرزة مملوكة
الترجيح:
وإني أرجح ما ذهب إليه الجمهور القائلون بوجوب القطع بتوافر شرط ال لقوة أدلتهم وردهم أدلة المخالفين, فما دام أن المسروق مال قد بلغ القطع فإن القطع يتعين, ولا يمكن أن يعتبر المال الذي بلغ القطع تافهًا . ذلك أن ال هو القدر اللازم لإقامة الحد, فمع توافره لا يكون المال في حكم السرقة تافها, فضلا عن أن من الأموال التي عددها أبو حنيفة ومحمد باعتبارها تافهة أو مما يتسارع إليه الفساد, ما يعتبر عظيم القيمة تضن به الطباع, فلا يكون هناك مع ذلك وجه لدرء الحد في سرقة مثل هذه الأموال .

الشروط المتعلقة بفعل السرقة .
1 ـ الشرط الأول: أن يكون الأخذ خفية:وهذا الشرط قال به جميع الفقهاء
.لأن الأخذ خفية هو الذي يميز السرقة عن غيرها من جرائم الاعتداء على المال.
بيد أن الفقهاء اختلفوا فيما بينهم في اشتراط تمام الأخذ أو أنه يكفي مجرد الشروع فيه على قولين:القول الأول: يرى أنه يجب أن يكون الأخذ تاماً . وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية
. فعندهم لتمام جريمة السرقة لابد أن يخرج السارق الشيء المسروق من الحرز الذي أعد له , ومن حيازة المجني عليه, وأن يدخله في حيازته. فإذا له تتوافر هذه العناصر الثلاثة, فالأخذ لا يعتبر تاماً بل ناقصاً . وهو ما يعبر عنه بالشروع في السرقة لا يستوجب القطع, واستدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ استدلوا بحديث جابر رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم (ليس على المختلس و المنتهب والخائن قطع )
فقالوا: إن هناك فرقا في المعنى بينهم وبين السارق . ذلك أن السارق يأخذ المال خفية ولا يأتي منعه, فشرع القطع زجراً له, أما المختلس وغيره ممن وردوا بالحديث فلا قطع عليهم, مع أن الاختلاس نوع من الخطف يكون سراً في بدايته, وهذا يعني اشتراط الأخذ في خفية تامة في جريمة السرقة
2ـ الأخذ التام هو الذي يتحقق به معنى هتك الحرز, فإذا لم يتحقق هذا الانتهاك تحقيقاً كاملاً لا يثبت القطع, لأن القطع عقوبة كاملة فلا يوقع إلا إذا كانت الجريمة قد ثبتت متكاملة بتحقيق الأخذ والنقل من الحرز وانتهاك الحرمات .
القول الثاني: يرى أن السرقة تحصل بمجرد وضع السارق يده على الشيء المسروق ولو لم يخرجه من حرزه ويضمه إلى حيازته. وهو مذهب أهل الظاهر , وحكي عن عائشة والحسن البصري والنخعي. فهم يرون أن السرقة جريمة تامة لا شروع فيها, تحدث بمجرد وضع اليد على المسروق ولو لم ينقل من مكانه
.واستدل أصحاب هذا القول بعموم قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
الترجيح: وإني أرجح ما ذهب إليه الجمهور أصحاب القول الأول وذلك تمييزاً للسرقة عن غيرها, لأن وضع اليد عام يتحقق في كل جرائم الاعتداء على المال كالاختلاس والغصب والحرابة وغيرها.
2ـ الشرط الثاني:أن يكون الأخذ من حرز:الشروط المتعلقة بفعل الأخذ أن يكون الأخذ من حرز. و لم يرد نص في الشرع ولا في اللغة يعرفه.
وجرى اصطلاح الفقهاء على تعريف الحرز: بأنه الموضع الذي تحفظ فيه الأموال عادة بحيث لا يعد صاحبه مضيعا له بوضعه فيه كالدور والحوانيت وغيرها
وجاء في مختار الصحاح: أن الحرز هو الموضع الحصين . يقال: هذا حرز حريز , ويسمى التعويذ: حرزا. ويقال: احترز من كذا . واحترز منه أي توقاه
. وعلى ذلك فالحرز يرجع فيه إلى العرف, وهو يختلف باختلاف الأموال والأحوال, ويتفاوت بتفاوت الأزمان والبلدان . وحكى ابن المنذر إجماع العلماء على اشتراط الحرز
وقد اختلف الفقهاء في اشتراط الحرز على قولين:
القول الأول: يرى أنه لابد من أن تكون السرقة من حرز, وهذا قول أكثر أهل العلم, وهو رأي عطاء والشعبي وعمر بن عبد العزيز وأبي الأسود الدؤلي وغيرهم من التابعين, وهو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء من السلف والخلف
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا قطع في ثمر ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين, فلا قطع إلا فيما بلغ ثمن المجن )
ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت في هذا الحديث القطع في الثمر إذا سرق من جرينه وفي الحريسة إذا سرقت من مراحها , ونفاه من سرقتها قبل ذلك. فدل هذا على المراح حرز للحريسة ,والجرين حرز للثمر, واعتبار الأخذ من الحرز شرطاً لوجوب القطع, ولا فرق في ذلك بين مال ومال.
2ـ ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رجلا من مزينه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة التي تؤخذ من مراتعها ؟ قال(فيها ثمنها مرتين وضروب نكال, وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن )
ووجه الاستدلال من هذا الحديث:أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت القطع في الحريسة إذا أخذت من العطن, والعطن حرزها . ونفي القطع في أخذها من غير حرزها وهذا يدل على أن الحرز شرط في القطع .
3ـ أنه إذا لم يتحقق الإخراج من الحرز , فلا يقال إن السرقة قد تحققت, لأن النقل من الحرز لم يتحقق وكأن الشيء باق في مكانه .
4ـ من المتفق عليه أنه لابد أن يكون الأخذ خفية, والإخراج من غير حرز لا يتوافر فيه ركن الخفية اللازم لتطبيق حد السرقة, وذلك لأن الإخراج من خفية من غير حرز يتحقق به معنى هتك حمى الحرز الذي به يثبت القطع,كما أبانت السنة
القول الثاني: يرى عدم اشتراط أن يكون الأخذ من حرز, فالسرقة عندهم تتحقق ولو كان الأخذ من غير حرز . وهذا ما ذهب إليه الظاهرية وبعض أهل الحديث
وقد استدل الظاهرية ومن وافقهم بالآتي:
1ـ بعموم قوله تعالى(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
ووجه استدلالهم بالآية: أن الله تعالى قد رتب القطع على السرقة, فكانت هي العلة. فمتى تحققت السرقة وجب القطع بنص كلام الله تعالى جزاء لكسبه سواء أخذه من الحرز أم لا .
وقد أجاب الجمهور على هذا الاستدلال: بأن هذه الآية مخصصة بالأحاديث
التي اعتبرت الحرز شرطاً في وجوب القطع, والتي سبق بيانها عند الاستدلال على مذهبهم . كما أنها خصصت بفعله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق سرق ترساً من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم )
2ـ إن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى بقطع السارق جملة, ولم يخص عليه الصلاة و السلام حرزاً من حرز . و لو أراد الله تعالى ألا يقطع السارق حتى يسرق من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك ولا أهمله .
الترجيح :
وإني أرجح ما ذهب إليه الجمهور أصحاب القول الأول لقوة أدلتهم, وردهم أدلة الفريق الثاني, ولأن هذا هو الذي يتفق وكون الأخذ خفية شرطاً لوجوب القطع, لأن الخفية والاستتار لا يكون إلا بالمحافظة على المال بوضعه في حرز إخراجه منه .هذا كما أن المنطق يقتضي أن يكون هناك فارق بين المال الذي يعتني به صاحبه ويضن به وذلك بتحريزه , وبين المال غير المحرز . وإذ أن القطع في الأول واجب لحماية صاحبه له وحفظه عن الكافة, بينما في الثاني ينتفي القطع لأن المحرز ضائع بتقصير مالكه .


 


موضوع مغلق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML

الساعة الآن 02:11 AM


 

رقم تسجيل الموقع بوزارة الثقافة والإعلام م ش/ 88 / 1434

الآراء التي تطرح في المنتدى تعبر عن رأي صاحبها والمنتدى غير مسؤول عنها
 بناء على نظام السوق المالية بالمرسوم الملكي م/30 وتاريخ 2/6/1424هـ ولوائحه التنفيذية الصادرة من مجلس هيئة السوق المالية: تعلن الهيئة للعموم بانه لايجوز جمع الاموال بهدف استثمارها في اي من اعمال الاوراق المالية بما في ذلك ادارة محافظ الاستثمار او الترويج لاوراق مالية كالاسهم او الاستتشارات المالية او اصدار التوصيات المتعلقة بسوق المال أو بالاوراق المالية إلا بعد الحصول على ترخيص من هيئة السوق المالية