لتبليغ الإدارة عن موضوع أو رد مخالف يرجى الضغط على هذه الأيقونة الموجودة على يمين المشاركة لتطبيق قوانين المنتدى
|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
07-07-2013, 12:58 PM | #1 | |
عضو ماسي
|
(( اللّهُ ))
(( اللّهُ ))
قال الله تعالى: ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) سورة البقرة (( اللّهُ )) بدأت هذه الآية العظيمة بهذا الاسم العظيم الذي تفرد الله به.. (( اللّهُ )) فلا يمكن لأحد أن يتسمّى بهذا الاسم إلا الله تعالى (هل تعلم له سميا).. هذا الاسم العظيم الذي تطمئن إليه القلوب، وترتاح إليه النفوس، وتسكن الآلام والهموم.. لما يقول العبد المسلم: اللّهُ!!.. إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، إذا أتتك المصائب والهموم والغموم، ماأن تقول: الله إلا وتطمئن النفس ويرتاح البال وتهدأ الأعصاب.. فبدأ الله عز وجل هذه الآية العظيمة باسمه العظيم فكان كالتاج لهذه الآية المباركة.. ((اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) الحي القيوم: هذان الاسمان العظيمان لله تعالى، الذي إذا سُأل الله تعالى بهما أجاب، ما سرُّ هذين الاسمين؟! السر فيهما هو تجلي معاني الكمال الذاتي والكمال السلطاني لله تعالى... الحيُّ: فالله تعالى الحي الذي لا يموت أبداً، (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال ولاإكرام) ( وتوكل على الحي الذي لايموت) القيومُ: القائم بنفسه، الذي لا يحتاج إلى غيره جل وعلا، بل الخلق أجمعون كلهم محتاجون إليه، الناس كلهم فقراء إلى الغني العظيم.. إذن كمال ذاتيٌ وكمال سلطانيٌ في هذين الاسمين. أتأمل حالك -أيها الأخ الكريم- كيف وأنت تردد هذه الآية بخشوع وتمثلٍ لهذه المعاني العظيمة.. ((اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) سوف تستشعر أنك بحاجة إلى الله، وأنك لا غنى لك عن الله عز وجل. أما هو فهو غنيٌ عن العالمين ، هو لا يأكل ولا يشرب ، هو يُطعِم ولا يُطعَم، هو يجير ولا يُجار عليه.. جل جلال الله، الله أكبر!!. ردد أيها العبد (( الحي القيوم)) واستشعر تلك العظمة!.. فإذا كنت تعلم أنك ضعيفٌ و محتاجٌ إلى الله في كل لحظةٍ وفي كل خطوةٍ ومع كل نفسٍ، محتاج إلى توفيقه وإلى ستره وإلى رزقه، فكيف يجرأ العبد الفقير على سيده فيعصيه؟! ثم يعصيه ثم يعصيه ويقع فيما حرَّم ولا يرجع إليه مستغفرا منيباً.. عجباً لهذا المخلوق! عجباً لهذا الإنسان المتكبر المتجبر! يعلم ضعفه وفقره، ثم يصيبه التكبر و التجبر!! ((لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ)) أي لا يعتريه أي نوع من أنواع الغفلة ولا التقصير ولا النقص، والنوم صفة نقص، والنوم أقوى من النعاس جاء في الحديث ((إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام)) سبحانه وتعالى، فهو رقيب على خلقه، بيده هذا الكون لا يغفل عنه لحظة جل جلاله! ((لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) كل ما في هذا الكون لله، الخلق ..كل شيء، ما في السموات وما في الأرض، فكل شيء له لله الواحد الأحد، استشعر ضعفك يا عبد الله، فعند المصيبة تقول إنا لله وإنا إليه راجعون، هل تستشعر حقاً أنك لله وأنك إليه راجع؟!، ومن كان لله وأنه إليه راجع وواقف: كيف سيكون حاله مع سيده وهو يردد آية الكرسي ؟!. ((مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)) أي من عظمته -جل وعلا- لا يجرأ أحدٌ -مهما كان- أن يشفع عند الله إلا بإذن الله!! رسول الله على جلالة قدره لا يشفع عند الله إلا بإذن الله. يوم القيامة يسجد النبي الكريم تحت العرش ولا يرفع رأسه حتى يقول الله له: (( يا محمد قلْ واسمع ،وسلْ تعط، واشفع تشفع)) أين الشفعاء؟ ..أين أصحاب الملك؟.. أين المتكبرون والجبارون؟!! ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )) يعلم ما أمامهم مستقبلاً وما وراءهم، والمقصود إحاطة علمه بأمورهم الماضية والمستقبلية. ((وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء)) أي لا يحيطون بعلمه إلا بمشيئته وبالذي يشاؤه أي بالعلم الذي يريد وبالمقدار الذي يريد. المقدار الذي يشاؤه نوعاً وقدراً. ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)) أي كرسيٍّ هذا الذي يسع السموات السبع والأراضين السبع!! ما هو الكرسي؟ كثيرٌ من الناس يظن الكرسي هو العرش وهذا ظنٌ خاطئ، فكما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما الكرسي ((هو موضع قدمي الرحمن!!! )) فلا إله إلا الله! سبحان الله! السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي -موضع قدمي الرحمن!!- كحلقة أُلقيت في فلاة، درهم أُلقي في صحراء.. فكيف تكون إذن عظمة العرش!! وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة! فكيف هي إذن عظمة الله تعالى العظيم جل جلاله!! هنا يمتلئ القلب تعظيما لله تعالى، هنا يستشعر المسلم عظمة هذه الآية، فتهزه وترجه لما يقرأها صباح مساء..ولا يملك إلا أن تسيل دمعته على خديه تعظيماً وحباً ورهبةً لله العظيم... ((وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا)) لا يعجزه حفظهما ولا يتعبه أمرهما... ((وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)) وهو العلي بذاته جل وعلا، هو العلي علو ذاتٍ .. علو قهرٍ.. علو قدر.. هذه هي اللذة الرائعة لهذه الآية التي هي أعظم آيات الله جل وعلا وتبارك وتعالى جده!! نقلا عن محاضرة تلفزيونية للشيخ الدكتور إبراهيم الدويش على قناة المجد بتصرف |
|
|
07-07-2013, 12:59 PM | #2 | |
عضو ماسي
|
رد: (( اللّهُ ))
محبة الله
جاء في الكتاب والسنة أنّ الله تعالى يحب أفعالاً معينة ، كما يحب كلاماً معيناً ، ويحبّ بعض خلقه الذين اتصفوا بصفات خاصة بيّنها .وما أخبرنا بذلك إلا لكي نبادر إلى الاتصاف بما يحبّه من الأخلاق ، والقيام بالأعمال التي يحبها ، والإكثار من ذكر الكلام الذي يحبه ، وبذلك يحبنا سبحانه وتعالى . والله تعالى يحبّ المتقين : ( إنّ الله يحبُّ المتَّقين ) [ التوبة : 4 ] ، ويحب المحسنين : ( والله يحبُّ المحسنين) [ آل عمران : 146 ] ، ويحبّ التوابين والمتطهرين : ( إنَّ الله يحبُّ التَّوَّابين ويحبُّ المتطهّرين ) [ البقرة : 222 ] ، ويحب الصابرين : ( والله يحبُّ الصَّابرين ) [ آل عمران : 146 ] ، ويحب العادلين ( إنَّ الله يحبُّ المقسطين ) [ المائدة : 42 ] ، ويحب المتوكلين ( إنَّ الله يحبُّ المتوكلين ) [ آل عمران : 159 ] ، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً : ( إنَّ الله يحبُّ الَّذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنَّهم بنيانٌ مَّرصوصٌ ) [الصف : 4] . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) . (1) وعن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَحبُّ الكلام إلى الله أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا يضُرّك بأيهن بدأت ) . (2)وقال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : ( إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله : الحلمُ ، والأناةُ ) . (3) وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) . (4) وجمع الأعمال والأخلاق والأقوال التي يحبها الله هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما اتصف به عليه السلام ، ولذا فقد بيّن الله في آية جامعة أن السبيل إلى محبته هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كنتم تحبُّون الله فاتَّبعوني يحببكم الله) [ آل عمران : 31 ] ---------------- (1) رواه البخاري : 11/206 ، ورقمه : 1406 ، ورواه مسلم : 4/2072 . ورقمه : 2694 . (2) رواه مسلم : 3/1685 . ورقمه : 2137 . (3) رواه مسلم في صحيحه : 1/48 . ورقمه : 17 . (4) رواه مسلم : 4/2065 ، ورقمه : 2684 . |
|
|
07-07-2013, 12:59 PM | #3 | |
عضو ماسي
|
رد: (( اللّهُ ))
هذا هو الله ... «العليُّ العظيم»
قال تعالى: " وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " [البقرة: 255]. مستوى فوق عرشه: قال تعالى:" الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ " [طه: 5]. بأنه في السماء بذاته: قال تعالى: " أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ " [الملك: 16]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءًا»([1]). وقد جاء معاوية السَّلمي رضي الله عنه إلى النبي( صلى الله عليه وسلم) بجارية يريد أن يعتقها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : «أين الله؟» قالت في السماء. قال: «من أنا؟» قالت أنت رسول الله. قال: «اعتقها فإنها مؤمنة»([2]). مع خلقه بعلمه وقدرته: قال تعالى: " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "[المجادلة: 7]. ----------------------- ([1]) رواه البخاري. ([2]) رواه أحمد (5/448)، ومسلم (1/573). |
|
|
07-07-2013, 01:00 PM | #4 | |
عضو ماسي
|
رد: (( اللّهُ ))
مكانة لا إله إلا الله في الحياة وفضلها
إنها كلمة يعلنها المسلمون في أذانهم وإقامتهم وفي خطبهم ومحادثاتهم وهي كلمة قامت بها الأرض والسموات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله رسله ونزل كتبه وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وعنها يسأل الأولون والآخرون.فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين: "ماذا كنتم تعبدون؟! وماذا أجبتم المرسلين؟"، وجواب الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقراراً وعملاً. وجواب الثانية بتحقيق أن محمداً رسول الله معرفة وانقياداً وطاعة([1]). هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التقوى والعروة الوثقى وهي التي جعلها إبراهيم "كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"([2]). وهي التي شهد الله بها لنفسه وشهدت بها ملائكته وأولو العلم من خلقه، قال تعالى: "شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"([3]). وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق، ودعوة الحق، وبراءة من الشرك، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"([4]). ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، كما قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ"([5]). وقال تعالى: " يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَّشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ" ([6]). قال ابن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، وأن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا([7])، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله"([8]) وهي أول ما يطلب من الكفار عندما يدعون إلى الإسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" الحديث أخرجاه في الصحيحين([9]). وبهذا تعلم مكانتها في الدين وأهميتها في الحياة وأنها أول واجب على العباد لأنها الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال. فضل لا إله إلا الله: فلها فضائل عظيمة ولها من الله مكانة، من قالها صادقاً أدخله الله الجنة. ومن قالها كاذباً حقنت دمه وأحرزت ماله في الدنيا وحسابه على الله عز وجل، وهي كلمة وجيزة اللفظ قليلة الحروف خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان. فقد روى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - عن رسول الله - قال: "قال موسى يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال يا موسى قل لا إله إلا الله - قال كل عبادك يقولون هذا، قال يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله"([10]). فالحديث يدل على أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر، وفي حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" رواه أحمد والترمذي([11])، ومما يدل على ثقلها في الميزان أيضاً ما رواه الترمذي وحسنه، والنسائي والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، عن عبد الله بن عمرو: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر ثم يقال أتنكر من هذا شيئاً، فيقول لا يا رب، فيقال: ألك عذر أو حسنة فيهاب الرجل فيقول: لا - فيقال بلى إن لك عندنا حسنات، وإنه لا ظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة"([12]) ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة ذكر جملة منها الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة "كلمة الإخلاص" واستدل لكل فضيلة ومنها: أنها ثمن الجنة، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة. وهي نجاة من النار، وهي توجب المغفرة، وهي أحسن الحسنات، وهي تمحو الذنوب والخطايا وهي تجدد ما درس من الإيمان في القلب وترجح بصحائف الذنوب، وهي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها وهي أفضل ما قاله النبيون، وهي أفضل الذكر، وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفاً وتعدل عتق الرقاب وتكون حرزاً من الشيطان، وهي أمان من وحشة القبر وهول الحشر، وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم. ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لابد أن يخرجوا منها، هذه عناوين الفضائل التي ذكرها ابن رجب في رسالته واستدل لكل واحد منها([13]) ([14]). -------------------------------------------------------------------------------- ([1]) زاد المعاد لابن القيم (1/2). ([2]) من الآية (28) من سورة الزخرف. ([3]) سورة آل عمران الآية (18) وانظر مجموعة التوحيد (105 ، 167). ([4]) من الآية (56) من سورة الذاريات. ([5]) من الآية (25) من سورة الأنبياء. ([6]) من الآية (2) من سورة النحل. ([7]) كلمة الإخلاص لابن رجب ص52 – 53. ([8]) رواه مسلم في الإيمان برقم (23). ([9]) رواه البخاري (3/255) ومسلم في الإيمان برقم (19). ([10]) رواه الحاكم (1/528) وابن حبان برقم (2324) موارد الظمآن. ([11]) الترمذي في الدعوات رقم (3579). ([12]) رواه الترمذي رقم (2641) في الإيمان والحاكم (1/5 – 6) وغيرهما. ([13]) كلمة الإخلاص لابن رجب 54 – 66. ([14]) معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وآثارها في الفرد والمجتمع للدكتور صالح الفوزان ص 10 – 15. |
|
|
07-07-2013, 01:00 PM | #5 | |
عضو ماسي
|
رد: (( اللّهُ ))
الفطرة السليمة تشهد بوجود الله من غير دليل :
لم يطل القرآن في الاستدلال على وجود الله تعالى ، لأنّ القرآن يقرّر أنّ الفطر السليمة ، والنفوس التي لم تتقذر بأقذار الشرك ، تُقرّ بوجوده من غير دليل ، وليس كذلك فقط ، بل إنّ توحيده – سبحانه – أمر فطري بدهي ( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) [ الروم : 30 ] . هذه الفطرة هي التي تفسر الظاهرة التي لاحظها الباحثون في تاريخ الأديان ، وهي أنّ الأمم جميعاً – التي درسوا تاريخها – اتخذت معبودات تتجه إليها وتقدَّسها . (1) وقد يقال هنا : لو كان التوجه إلى الله أمراً فطرياً لما عبد النّاس في مختلف العصور آلهة شتى . والجواب : أنّ الفطرة تدعو المرء إلى الاتجاه إلى الخالق ، لكنّ الإنسان تحيط به مؤثرات كثيرة تجعله ينحرف حينما يتجه إلى المعبود الحق . فيما يغرسه الآباء في نفوس الأبناء ، وما يلقيه الكتّاب والمعلمون والباحثون في أفكار الناشئة يبدّل هذه الفطرة ويقذرها ، ويلقي عليها غشاوة ، فلا تتجه إلى الحقيقة . وقد نصّ الرسول صلى الله عليه وسلم على صدق هذا الذي قررناه ، ففي الصحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ) (2) . ولم يقل يُسلمانِه ، لأنّ الإسلام مُوافقٌ للفطرة . وقد يقال : إذا تركنا الطفل من غير أن نُؤثّر في فطرته هل يخرج موحداً عارفاً بربّه ، فنقول : إذا ترك شياطين الإنس البشر ، ولم يدّنسوا فطرهم ، فإنّ شياطين الجنّ لن يتركوهم ، فقد أخذ الشيطان على نفسه العهد بإضلال بني آدم : ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين – إلا عبادك المخلصين ) [ ص : 82-83 ] . وأعطي الشيطان القدرة على أن يصل إلى قلب الإنسان ، كما في الحديث الصحيح ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً ) أو قال : ( شيئا ً ) . (3) والقرآن وصف الشيطان المطلوب الاستعاذة منه بأنّه ( يوسوس في صدور الناس ) [ الناس : 5 ] ، وقد صح أيضاً أنّ لكل إنسان قريناً من الجنّ يأمره بالشرّ ، ويحثه عليه ، وفي القرآن ( قال قرينه ربَّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيدٍ ) [ ق : 27 ] . ولا يتخلص المرء من هذا إلا بالالتجاء إلى الله ( قل أعوذ برب الناس – ملك الناس – إلاه الناس – من شر الوسواس الخناس – الذي يوسوس في صدور الناس – من الجنة والناس ) [ الناس : 1-6 ] . وشياطين الجنّ يقومون بدور كبير في إفساد الفطرة وتدنيسها ، وقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم ، فكان مما جاء في خطبته : ( ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا : كلّ مال نحلته (4) عبادي حَلالٌ ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ) . (5) المصائب تصفي جوهر الفطرة : وكثيراً ما تنكشف الحجب عن الفطرة ، فتزول عنها الغشاوة التي رانت عليها عندما تصاب بمصاب أليم ، أو تقع في مأزق لا تجد فيه من البشر عوناً ، وتفقد أسباب النجاة ، فكم من ملحد عرف ربّه وآب إليه عندما أحيط به ، وكم من مشرك أخلص دينه لله لضرّ نزل به ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصفٌ وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئنِ أنجيتنا من هذه لنكوننَّ من الشاكرين ) [ يونس : 22 ] . وقد سمعنا كيف آب ركاب طائرة ما إلى ربّهم عندما أصاب طائرتهم خلل ، فأخذت تهتز وتميل ، وتتأرجح في الفضاء ، والطيار لا يملك من أمره شيئاً فضلاً عن الركاب ، هناك اختفى الإلحاد ، وضجّت الألسنة بالدّعاء ، ورغبت القلوب إلى ربها بصدق وإخلاص ، ولم يبق للشرك والإلحاد وجود في مثل هذا الموقف الرهيب . المشركون الذين بُعث إليهم الرسول كانوا يقرّون بوجود الخالق : العرب الذين جابههم الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا مقرّين بوجود الله ، وأنّه الخالق وحده للكون ، كما يقرّون بأنّه وحده الرزاق النافع الضّار ، ... ولكنهم كانوا يبعدون غيره معه ، ولا يخلصون دينهم لله وحده . وفي معرض إلزام المشركين بالعبودية لله وحده ، وإخلاص الدّين له كان يسألهم عن الخالق المالك للسماء والأرض ، فكانوا يعترفون ، ولا ينكرون ، ( ولئِن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولنَّ الله ) [ لقمان : 25 ] . وفي سورة المؤمنون ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون – سيقولون لله قل أفلا تذكرون – قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم – سيقولون لله قل أفلا تتقون – قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون – سيقولون لله قل فأنَّى تسحرون ) [ المؤمنون : 84-89] . ومن المعروف أنّ العرب كانوا يُعظمون الكعبة ، ويحجون ، ولهم بقية من عبادات يتنسّكون بها . كفر النّاس – اليوم أعظم : إلا أن الانحراف اليوم وصل الدّرك الأسفل ، فأصبحنا نرى أقواماً يزعمون أن لا خالق ، ويجعلون هذه المقولة مذهباً يقيمون عليه حياتهم ، وقامت دول على هذا المذهب تعدّ بمئات الملايين من البشر . وانتشرت هذه المقولة في كل مكان ، وألفت فيها كتب ، وأصبح لها فلسفة تدرس ، وحاول أصحابها أن يسموها بالمنهج العلمي ، ويدللوا عليها . من أجل ذلك كان لا بّد أن نتوسع شيئاً ما في الاستدلال على هذه القضية . المحاضردكتور عمر سليمان الأشقر |
|
|
07-07-2013, 01:01 PM | #6 | |
عضو ماسي
|
رد: (( اللّهُ ))
أسماء الله الحسنى (1)
لله تعالى أسماء كلها حسنى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) [ الأعراف : 180 ] منها ما ذكره الله في سورة الحشر ( هو الله الَّذي لا إله إلاَّ هو عالم الغيب والشَّهادة هو الرَّحمن الرَّحيم – هو الله الَّذي لا إله إلا هو الملك القدُّوس السَّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبَّار المتكبر سُبحان الله عمَّا يشركون – هو الله الخالق البارئُ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السَّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) [ الحشر : 22-24 ] . 1- عدد أسمائه ورد في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تسعة وتسعين اسماً ، مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة ، وإن الله وِتْرٌ يُحبّ الوتْر ) . (2) هذا الحديث يدل على أنّ لله – سبحانه – عدداً محدداً من الأسماء وقد نصّ على أنّها تسعة وتسعون . ولكن يشكل على هذا ما رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما أصاب أحداً قط همّ ولا حزنٌ فقال : اللهم إني عبدُك ، ابن عبِدك ، ابن أمتِك ؛ ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك ، عدلٌ فيّ قضاؤك ، أسألك بكلّ اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو علمتْهُ أحداً من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أنْ تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونُورَ صدري ، وجلاء حُزني وذهاب همي ، إلا أذهب الله همه وحزنه ، وأبدله مكانه فرحاً ) . (3) وجاء في ثناء الرسول على ربه سبحانه ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) (4) . والإشكال في هذا الحديث أنّه يدلّ على أنّ من أسماء الله تعالى أسماء لم ينزلها في كتابه ، بل اختص بها بعض عباده ، أو اختص بها نفسه ، فلم يعرّفها أحداً من خلقه ، بينما حديث أبي هريرة يدلّ على أن أسماء الله التسعة والتسعين كلها منزلة معروفة بدلالة قوله ( من أحصاها ) ، فالإحصاء لها لا يمكن ما لم تكن منزلة معروفة معلومة ، ومن هذا ينتج أنّ ما استأثر الله بعلمه أو اختص به بعض خلقه غير التسعة والتسعين . والحق الذي ينبغي أن يصار إليه أنّ عدد الأسماء التي عرّفنا الله إياها في كتابه ، أو ذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم ، تسعة وتسعون لا تزيد ، لنصّ الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا العدد ، ولقوله : ( مَنْ أحصاها ) ، وأنّ ما زاد على هذه التسعة والتسعين فهو مما لا نعرفه ، لأنّه من مكنون علم الله أو مما اختص الله به بعض خلقه ، وإلا فما فائدة تحديد عدد أسماء الله بتسعة وتسعين ؟! ---------------------- (1) ألف أ . د . عمر الأشقر في أسماء الله وصفاته مؤلفاً مستقلاً عنون له بـ ( أسماء الله وصفاته في معتقد أهل السنة والجماعة ) فإن شئت التوسع في الموضوع فارجع إليه . (2) رواه البخاري في صحيحه : 11/214 . ورقمه 6410 ، ورواه مسلم في صحيحه : 4/2062 ، ورقمه : 2677 ، واللفظ لمسلم . (3) رواه أحمد في مسنده : 1/391 ، وعزاه ابن حجر في فتح الباري إلى أحمد وابن حبان ، فتح الباري : 11/220 . (4) صحيح مسلم : 1/353 ، ورقمه : 486 . |
|
|
07-07-2013, 01:02 PM | #7 | |
عضو ماسي
|
رد: (( اللّهُ ))
مكانة لا إله إلا الله في الحياة وفضلها
إنها كلمة يعلنها المسلمون في أذانهم وإقامتهم وفي خطبهم ومحادثاتهم وهي كلمة قامت بها الأرض والسموات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله رسله ونزل كتبه وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وعنها يسأل الأولون والآخرون.فلا تزول قدما العبد بين يدي الله حتى يسأل عن مسألتين: "ماذا كنتم تعبدون؟! وماذا أجبتم المرسلين؟"، وجواب الأولى بتحقيق لا إله إلا الله معرفة وإقراراً وعملاً. وجواب الثانية بتحقيق أن محمداً رسول الله معرفة وانقياداً وطاعة([1]). هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التقوى والعروة الوثقى وهي التي جعلها إبراهيم "كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"([2]). وهي التي شهد الله بها لنفسه وشهدت بها ملائكته وأولو العلم من خلقه، قال تعالى: "شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"([3]). وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق، ودعوة الحق، وبراءة من الشرك، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"([4]). ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، كما قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ"([5]). وقال تعالى: " يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَّشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ" ([6]). قال ابن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، وأن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا([7])، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله"([8]) وهي أول ما يطلب من الكفار عندما يدعون إلى الإسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله" الحديث أخرجاه في الصحيحين([9]). وبهذا تعلم مكانتها في الدين وأهميتها في الحياة وأنها أول واجب على العباد لأنها الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال. فضل لا إله إلا الله: فلها فضائل عظيمة ولها من الله مكانة، من قالها صادقاً أدخله الله الجنة. ومن قالها كاذباً حقنت دمه وأحرزت ماله في الدنيا وحسابه على الله عز وجل، وهي كلمة وجيزة اللفظ قليلة الحروف خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان. فقد روى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه - عن رسول الله - قال: "قال موسى يا رب علمني شيئاً أذكرك وأدعوك به، قال يا موسى قل لا إله إلا الله - قال كل عبادك يقولون هذا، قال يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله"([10]). فالحديث يدل على أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر، وفي حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" رواه أحمد والترمذي([11])، ومما يدل على ثقلها في الميزان أيضاً ما رواه الترمذي وحسنه، والنسائي والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم، عن عبد الله بن عمرو: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل منها مد البصر ثم يقال أتنكر من هذا شيئاً، فيقول لا يا رب، فيقال: ألك عذر أو حسنة فيهاب الرجل فيقول: لا - فيقال بلى إن لك عندنا حسنات، وإنه لا ظلم عليك فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة"([12]) ولهذه الكلمة العظيمة فضائل كثيرة ذكر جملة منها الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة "كلمة الإخلاص" واستدل لكل فضيلة ومنها: أنها ثمن الجنة، ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة. وهي نجاة من النار، وهي توجب المغفرة، وهي أحسن الحسنات، وهي تمحو الذنوب والخطايا وهي تجدد ما درس من الإيمان في القلب وترجح بصحائف الذنوب، وهي تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها وهي أفضل ما قاله النبيون، وهي أفضل الذكر، وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفاً وتعدل عتق الرقاب وتكون حرزاً من الشيطان، وهي أمان من وحشة القبر وهول الحشر، وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم. ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لابد أن يخرجوا منها، هذه عناوين الفضائل التي ذكرها ابن رجب في رسالته واستدل لكل واحد منها([13]) ([14]). -------------------------------------------------------------------------------- ([1]) زاد المعاد لابن القيم (1/2). ([2]) من الآية (28) من سورة الزخرف. ([3]) سورة آل عمران الآية (18) وانظر مجموعة التوحيد (105 ، 167). ([4]) من الآية (56) من سورة الذاريات. ([5]) من الآية (25) من سورة الأنبياء. ([6]) من الآية (2) من سورة النحل. ([7]) كلمة الإخلاص لابن رجب ص52 – 53. ([8]) رواه مسلم في الإيمان برقم (23). ([9]) رواه البخاري (3/255) ومسلم في الإيمان برقم (19). ([10]) رواه الحاكم (1/528) وابن حبان برقم (2324) موارد الظمآن. ([11]) الترمذي في الدعوات رقم (3579). ([12]) رواه الترمذي رقم (2641) في الإيمان والحاكم (1/5 – 6) وغيرهما. ([13]) كلمة الإخلاص لابن رجب 54 – 66. ([14]) معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وآثارها في الفرد والمجتمع للدكتور صالح الفوزان ص 10 – 15. |
|
|
07-07-2013, 01:02 PM | #8 | |
عضو ماسي
|
رد: (( اللّهُ ))
>بعض الكلمات التي لا تطلق إلا في مدح الله عز وجل دون غيره
إن فقهنا لهذه المسألة يعطينا منزلة عالية عند ربنا إن عملنا بذلك الفقه، والمسلم كيس فطن يعرف أدب الخطاب، فهناك أدب لا يليق إلا مع الله جل وعلا، فمثلاً كلمة: سبحان! لا يمكن أن تطلق إلا على الله جل وعلا، فلا يقال لأحد من الخلق كائناً من كان: سبحانك، ولهذا نقل عن بعض الصالحين أنهم كانوا يقولون: فسبحان من لا يقال لغيره سبحانك وكلمة (تبارك) كذلك، هذا الفعل جامد لا يتصرف -أي: لا يأتي منه مضارع أو أمر- فهذه الكلمة لا تطلق على غير الرب تبارك وتعالى. قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا [الفرقان:61] إلى غير ذلك من الآيات، فلا يقال لغير الله: (تبارك) أبداً، فهذا المقام ينصرف إلى الله جل وعلا وحده. وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم له المنزلة العالية، والخطوة الرفيعة عند ربه، وثمة خطاب لا يليق إلا به صلوات الله وسلامه عليه لرفيع مقامه، وجلال مكانته، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا شامة في جبين الأيام، وتاجاً في مفرق الأعوام، فهؤلاء رضي الله عنهم وأرضاهم ثمة خطاب يليق بهم، فنترضى عليهم، ونذكر محاسنهم، ولا تخوض فيما جرى بينهم كل ذلك تأدباً معهم، وعلماء الأمة الذين قدموا للأمة البيان الحقيقي لشرع الله، وأفنوا أيامهم وأعمارهم في سبيل إيضاح المنهج الحق، فهؤلاء لهم خطاب يليق بهم، وكذلك ولي الأمر له خطاب يليق به لمكانته، قال صلى الله عليه وسلم: (من أهان السلطان أهانه الله). كذلك الوالدان في المقام الأول: وهم مقدمون على كل أحد بعد حق الله ورسوله، فثمة خطاب لا يليق إلا بهما، فحقهما معروف، والوصية بهما ثابتة في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، والمؤمن الحق يعرف بأي خطاب يخاطب والديه، قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24]. كل هذا -أيها الأخ المبارك- يبين لنا أن الخطاب المتأدب مهم جداً في تعاملنا مع الغير، دون أن يكون في ذلك انتقاص لأنفسنا أو لغيرنا. وفقنا الله جل وعلا وإياكم لما يحب ويرضى، وألبسنا الله وإياكم لباسي العافية والتقوى، ورزقنا الله وإياكم الأدب معه ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع المؤمنين جميعاً. وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين. |
|
|
07-07-2013, 01:02 PM | #9 | |
عضو ماسي
|
رد: (( اللّهُ ))
الاسم الأعظم
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث أنّ لله اسماً أعظم له مميزات عن بقية أسمائه سبحانه وتعالى ، فمن هذه الأحاديث : 1- عن زبيدة الأسلمي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول : " اللهمّ إني أسألك بأنك أنت الله ، لا إله إلا أنت ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد " ، فقال : ( دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دُعِي به أجاب ) . رواه الترمذي وأبو داود . (1) 2- وعن أنس قال : كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ورجل يصلي ، فقال : " اللهمّ إني أسألك بأنّ لك الحمد ، لا إله إلا أنت الحنان المنان ، بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حيّ يا قيوم ، أسألك " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعا الله باسمِه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب ، وإذا سُئلَ به أعطى ) . رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة والدارمي . (2) 3- وفي سنن ابن ماجة عن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اسمُ الله الأعظم في سُور من القرآن الثلاث : في ( البقرة ) ، وَ ( آل عمران ) ، وَ (طه) . أخرجه ابن ماجة ، والطحاوي في مشكل الآثار ، وابن معين في التاريخ والعلل ، وغيرهم . (3) (1/138) 4- وقد ورد تحديد آيتي البقرة وآل عمران اللتين ورد فيهما اسم الله الأعظم ، فقد روى الترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والدارمي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : ( وإلهكم إلهٌ واحدٌ لا إله إلاَّ هو الرَّحمن الرَّحيم ) [ البقرة : 163 ] وفاتحة ( آل عمران ) : ( الم – الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [ آل عمران : 1-2 ] . (4) والذي يظهر من المقارنة بين النصوص التي ورد فيها اسم الله الأعظم أنّه : ( الله ) ، فهذا الاسم هو الاسم الوحيد الذي يوجد في جميع النصوص التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنّ اسم الله الأعظم ورد فيها . ومما يُرجِّح أن ( الله ) هو الاسم الأعظم أنه تكرر في القرآن الكريم (2697) سبعاً وتسعين وستمائة وألفين ( حسب إحصاء المعجم المفهرس ) وورد بلفظ ( اللهم ) خمس مرات في حين أنّ اسماً آخر مما يختص بالله تعالى وهو (الرحمن) لم يرد ذكره إلا سبعاً وخمسين مرة ، ويرجحه أيضاً ما تضمنه هذا الاسم من المعاني العظيمة الكثيرة . ----------------------- (1) مشكاة المصابيح : 1/703 ، ورقمه : 2289 ، وحكم محقق المشكاة على إسناده بالصحة . (2) مشكاة المصابيح : 1/704 ، ورقمه : 2290 ، وحكم محقق المشكاة على إسناده بالصحة . (3) انظر تخريجه في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، للشيخ ناصر الدين الألباني 2/382 ، ورقمه : 746 . (4) مشكاة المصابيح : 1/704 ، ورقمه : 2291 . |
|
|
07-07-2013, 01:03 PM | #10 | |
عضو ماسي
|
رد: (( اللّهُ ))
كيف ندرك وجود الله ؟
1- كيف ندرك وجود الله ؟ إن النباتات والات والبحار والجبال والإنسان، وكل ما نشاهده في هذا العالم الصغير – سواء كان حيا أم غير حي – والذي لا نستطيع أن نراه، يمثل دلائل واضحة على حكمة خارقة جعلت هذه الأشياء ت بالحياة . وكذلك فإنّ التوازن والنظام والخلق العظيم الموجود في العالم أجمع هو دليل أيضا على وجود خالق أحاط علمه بكل شيء وأحسن صنع كلّ شيء. و صاحب هذه الحكمة و هذه المعرفة هو الله سبحانه وتعالى. إننا ندرك وجود الله عز وجل من خلال الأنظمة الكاملة التي خلقها والصفات الرائعة التي أودعها الكائنات الحية وغير الحية . وقد ذكر هذا في القرآن الكريم : (الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِع البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِع البَصَرَ كَرَّتَينِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهوَ حَسِيرٌ ) سورة الملك، الآية 3-4 . 2- كيف نعرف الله ؟ إنّ كل ما نراه ونشاهده في الكون هو آية من آيات الله العظيمة التي لا تحصى والتي تشهد على قدرته وعظمته. وقد جاء القرآن الكريم زاخرا بصفات الله عز وجلّ ، والقرآن هو الكتاب الذي أرسل للناس ليرشدهم إلى طريق الهدى. وقد نقل لنا القرآن جميع صفات الله العظيمة، مثل حكمته ومعرفته وعطفه ورحمته وعدله وسمعه واطلاعه على كل شيء، وبكونه المالك والإله الوحيد للسماوات والأرض وما بينهما ( هُوَ الله الذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحمنُ الرَّحِيمُ، هُوَ الله الذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبحَانَ الله عَمَّا يًشرِكُونَ، هُوَ الله الخَالِقُ البَارِئ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَهوَ العَزيِزُ الحَكِيمُ)- سورة الحشر ( الآية 22-24 ) 3- ما الغاية من خلقنا ؟ يخبرنا الله عز وجل عن الغاية من خلقنا كما يلي : (وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ ) – سورة الذاريات ( الآية 56) كما هو مذكور في الآية، فالهدف من وجود الإنسان على وجه الأرض هو عبادة الله عز وجل وطلب مرضاته. وهو في اختبار مستمر مادام على هذه الأرض. 4- لماذا نمتحن في الحياة ؟ يختبر الله الناس في الحياة ليميز المؤمنين عن غيرهم ويميز الخبيث من الطيب، وليعرف أي من المؤمنين الأفضل في عبادته. ولهذا فإنه لا يكفي أن يقول المرء "أنا أؤمن بالله "، فحياة الإنسان يجب أن تكون لله عز وجل، وإيمانه وتضحيته ومواظبته على التمسك بدينه ، تتعرض إلى امتحانات واختبارات، وإخلاصه في كونه عبدا لله لابد أن يمر بمحك الحياة ومحنها. وقد ذكر الله عز وجل هذه الحقيقة في الآية التالية : (الذِي خَلَقَ المَوتَ وَالحَيَاةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلاً وَهوَ العَزِيزُ الغَفُورُ ) سورة الملك ( الآية 2 ). 5- كيف نكون عبيدا لله ؟ أن يكون الإنسان عبدا لله يعني أن يكرس حياته كاملة لمرضاة الله ، وهذا يعني القيام بقدر المستطاع بالأعمال الصالحة لنيل مرضاة الله تعالى والبعد عن سخطه. ويعني كذلك أن تكون خشية الله ملازمة للعبد فتكون جميع أفكاره وكلماته وأعماله لهذا الهدف. وقد نبهنا الله إلى هذا في القرآن الكريم فالإنسان عبد لله وهذه العبودية تشمل جميع مناحي حياته: ( قُل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ العَالَمِينَ ) سورة الإنعام ( الآية 162 ) . 6- لماذا يعتبر الدين مهما ؟ إنّ ما ينبغي على الإنسان الذي يؤمن بالله أن يفعله أولا هو أن يكون له علم بخالقه وبالأمور التي ترضيه، فهو الذي منح الرّوح للإنسان عندما لم يكن شيئا مذكورا، وهو الذي جعله يحيا ويأكل ويشرب، وأسبغ عليه نعمة الصحة. ومن ثم فإنّه يجب على الإنسان أن يقضي حياته كلها ملتزما بأوامر الله طالبا لمرضاته، فالدين هو الذي يكشف لنا الطريق في الحركات والسكنات والأخلاق وطريقة الحياة التي ترضي الله عزّ وجل. وقد أكد الله في كتابه الكريم أنّ الذين يلتزمون بالدين الحق هم أهل الهدى والرشاد ، أما الآخرون الذين يتبعون هواهم فهم في طريق الضلال . ( أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدرَهُ لِلإِسلاَمِ فَهوَ عَلَى نُورٍ مِن رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِن ذِكرِ الله أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبينٍ)- سورة الزمر ( الآية 22 ) 7- كيف يحيى الإنسان بتعاليم دينه ؟ إنّ الذين يؤمنون بالله ويطيعونه يجعلون حياتهم تسير وفقا لما يريده سبحانه وتعالى منهم، وقد ورد ذلك كله في القرآن الكريم. فالشخص الذي يكيف حياته على ضوء تعاليم دينه يسعى لكي يفعل ما يرضي الله ويبتعد عما يثير سخطه وغضبه، وهو بذلك يتجنب السيئات التي تأمره بها نفسه أو كل صوت سلبيّ داخله . وقد قال الله عز وجل أنه قد أعد البشر فطريّا ليهتدوا إلى الدين الحق. (فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطرَةَ الله التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لاَ تَبدِيلَ لِخَلقِ الله ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ ) سورة الروم -الآية 30. 8- كيف يمكن أن توجد أخلاق من غير الدين؟ في المجتمعات غير الملتزمة بالدين، يمكن أن يقدم الناس على ارتكاب جميع أنواع الأعمال غير الأخلاقية، فعلى سبيل المثال، لا يمكن للإنسان المتدين أن يقبل التعامل بالرشوة أو القمار أو أن يحسد أحدا، أو أن يكذب لأنه يعلم أن عليه مراقبة أعماله وتذكر الحساب بعد الموت. ومن جهة أخرى، فإن ّالشخص غير المتدين لا يمنعه شيء عن ارتكاب هذه الأ عمال. إنه ليس كافيا أن يقول الشخص غير المتدين: "أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا آخذ رشوة " أو أن يقول :"أنا لا أؤمن بالله ولكنني لا أقامر". والسبب، أنّ الإنسان الملحد الذي لا يخشى الله ولا يستشعر رقابته، ولا يخاف الحساب بعد الموت قد يرتكب أيا من هذه الأفعال عند تغير المواقف أو الأوضاع من حوله . وإذا قال شخص ما : " أنا ملحد ولكنّني لا أزني" فالشخص نفسه قد يرتكب الزنا في مكان يعتبر فيه أمرا عاديا. وممكن للشخص الذي لا يأخذ رشوة أن يقول : "إنّ ابني مريض، وعلى وشك الموت، علي أن أقبل الرشوة " هذا إذا لم يكن في قلبه خوف من الله تعالى. وفي حالة غياب الدين، فإن السرقة نفسها يمكن أن تصبح أمرا مشروعا تحت ظروف معينة. وعلى سبيل المثال، فالناس الذين لا دين لهم يمكن أن لا يعتبروا-حسب رأيهم- أن أخذ المناشف وأدوات الزينة من الفنادق سرقة. ومن ناحية أخرى فإن الشخص المتدين لا يظهر مثل هذا العمل لأنه يخشى الله ولا ينسى أن الله يعلم سره وعلانيته، فالمؤمن يعمل بإخلاص ويتجنب المعاصي، ويمكن لشخص بعيد عن الدين أن يقول : " أنا ملحد ولكنّني أتسامح مع الناس، فأنا لا أشعر برغبة في الانتقام ولا أكره أحدا "، ولكن في يوم ما يمكن أن يحدث شيء ما يجعله يظهر تصرفا غير متوقع منه، كأن يحاول قتل شخص ما أو إيذائه لأنّ الأخلاق التي لديه تتغير بحسب البيئة والظروف التي يوجد فيها. أما الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر فلا يحيد أبدا عن الأخلاق الفاضلة مهما كانت المؤثرات، فأخلاقه غير متقلبة. وقد أشار الله تعالى إلى الأخلاق الرفيعة للمؤمنين في قوله تعالى: ( الذِينَ يُوفُونَ بِعَهدِ الله وَلاَ يَنقُضُونَ المِيثَاقَ، وَالذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخشَوْن رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب، وَالذِينَ صَبَرُوا ابتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُم سِرًَّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدرَؤُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئةَ أُولَئِكَ لَهُم عُقْبَى الدَّار ) سورة الرعد -الآية 20-22. 9- ماذا كان سيحصل للنظام الاجتماعي من غير الدين؟ إنّ أول مفهوم يتم التخلص منه في بيئة لا دين فيها هو مفهوم العائلة، حيث إنّ القيم مثل الولاء والإخلاص والانتماء والحب والاحترام التي تجمع العائلة مع بعضها البعض يتم التخلي عنها بشكل كامل، و يجب التذكير هنا أن العائلة هي التي تؤسس المجتمع، فإذا انهارت العائلة فإنّ المجتمع ينهار كذلك، ثم إنّ ذلك يقود إلى إلغاء مفهوم الدولة والأمة. وبالإضافة إلى ذلك، تضعف الحاجة إلى الشعور بالاحترام والمحبة والعطف تجاه الآخرين في مجتمع لا دين فيه، وهذا يقود بالتالي إلى فوضى اجتماعية حيث يكره الأغنياء الفقراء ويكره الفقراء الأغنياء، وينتشر الحقد بينهما، ويزداد غضب أولئك العاجزين والمحتاجين، ويشيع العنف بين الأمم والشعوب، ويصبح العمال عدوانيين إزاء رؤسائهم في العمل والرؤساء تجاه عمالهم، وتجف مشاعر الآباء إزاء أبنائهم ومشاعر الأبناء إزاء آبائهم. إنّ سبب استمرار الحروب والعنف في العالم يرجع إلى غياب الدين من حياة كثير من الناس، فنحن نشاهد كل يوم في كثير من بقاع العالم أعمال عنف رهيبة وعمليات قتل لا تليق بالإنسان. ومن جانب آخر، وفي مقابل هذا فإن الإنسان الذي يؤمن بالآخرة لا يجرأ على أن يصوب سلاحا باتجاه أخيه الإنسان ليقتله لأنه يعلم أن الله قد حرم القتل، ولأن خشيته لله تدفعه إلى تجنب عقابه وسخطه. قال تعالى: (وّلاّ تُفسِدُوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ ) سورة الأعراف -الآية 56. إنّ انتشار الانتحار دليل على البعد عن الدين، وهو أمر غير مقبول بأي حال، فالذي ينتحر يرتكب جريمة قتل في الحقيقة. وعلى سبيل المثال هناك من ينتحر لأن صديقته هجرته، فهو يدفع حياته ثمنا لها، ولكن هذا الشخص يجب أن يسأل نفسه هذه الأسئلة : هل كان سيفكر في الانتحار من أجل هذه الفتاة لو أصبحت معاقة أو تقدمت في العمر، أو حدث أن توشه وجهها بسبب حريق أو غير ذلك ؟ بالطبع إنه لن يفكر في ذلك، إنّه يقوم بتضخيم هذه الفكرة في عقله عندما يراها جميلة تنعم بالصحة والجاذبية . وقد ينسى الله بسببها فلا يفكر إلا فيها، قد تملك عليه أحاسيسة فلا يبقى مكان في قلبه حتى يذكرالله تعالى ويفكر فيه، إنها قد تنسيه الموت والآخرة، ولذلك فهو يمكن أن يواجه الموت من أجلها . ولكن الإنسان الذي يسير وفق التعاليم القرآنية يستحيل أن يفعل شيئا مثل هذا، ولا يمكن أن يفكر مجرد تفكير في الإقدام على فعل هذا الأمر لأن المؤمن يعيش لله فقط، ويصبر ويصمد أمام الصعوبات والمشاكل التي يبتلى بها في هذه الدنيا، ولا ينسى المؤمن أنه سوف يجازى بالخير على صبره هذا في الدنيا وفي الآخرة. والسرقة أيضا أمر شائع في المجتمعات التي لا دين فيها إذ أن السارق لا يفكر في مقدار الأذى الذي يلحقه بالآخرين، فهو يسرق ولكنه لا يتألم بسبب فقدان الضمير الذي يؤنبه ويردعه. وهذا يعني أن السارق بقساوته يمكن أن يرتكب مزيدا من الجرائم. وفي المجتمعات غير المتدينة فإن الفضائل والقيم مثل الضيافة والتضحية من أجل الآخرين والتكافل والكرم تفقد بشكل كامل. فهؤلاء الناس في هذه المجتمعات لا يقيمون بعضهم البعض على أساس أنهم بشر، إذ أن البعض منهم يعتقد بأنه كائن تطور عن القرد، فلا أحد يمكن أن يكون مدفوعا لإكرام غيره أو العطف عليه أو تقديم مساعدات له بسبب هذا الاعتقاد الخاطئ. فالأشخاص الذين يحملون هذه الأفكار لا يعرفون قيمة بعضهم البعض، فأغلبهم لا يفكرون في راحة غيرهم أو حفظ كرامتهم. فمثلا إذا أصيب أحدهم بحادث أو غير ذلك لا يهبون لإغاثته رجاء لثواب ما. ويحدث أن الذي يكون ميؤوسا من حالته بسبب المرض يُترك ملقًى لا يهتم به أحد حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة. وهناك شيئ آخر مهم، فالشخص الذي لا إيمان في قلبه لا يهمه أن يهتم بالنظافة، وقد يؤذي الآخرين بسبب قذارته وخاصة إذا كان يعمل في مطعم مثلا، فهو لا يبالي بالاهتمام بالنظافة إلا على اعتبار أنها وسيلة لجلب مزيد من الزبائن وليست مبدأ راسخا عنده، فهمه فقط في ما يجمعه من مال لا غير. وهذه فقط بعض الأمثلة التي نشاهدها في حياتنا اليومية. فالمعاملات تصبح أكثر تحضرا كلما كانت المصالح أوسع وأوثق. الأمر الآخر أن القيم القرآنية تحث الناس على الإحسان لبعضهم البعض دون انتظار أي مقابل، إنهم جميعا عبيد لله تعالى، فهم يعملون جهدهم للحصول على مرضاة الله تعالى من خلال الأعمال الصالحة، وهم يتنافسون في ما بينهم لكسب مزيد من الأجر والثواب. 10- ما هي الفوائد المادية و الروحية للمجتمع عند التقيد بتعاليم القرآن ؟ علينا أن نتذكر هنا أن الدين الذي نتحدث عنه هنا هو منهج أخلاقي في الحياة ، وهو دين يرضي الله تعالى وهو الدين الذي شرعه سبحانه وتعالى لأنه الأعلم بأمورهم وشؤونهم. إنّه منهج حياة خالية من جميع الخرافات والأساطير، وهو دين يستمد تعاليمه مباشرة من القرآن الكريم. إن الدين يؤسس عمقاً روحياً وسلمياً وأمنياً للجو الأخلاقي الاجتماعي. إنّ الفوضى العارمة التي تسبب الضرر للدولة وللأمة تنتهي بشكل أكيد بفضل مخافة الله وخشيته، فالناس بذلك يلتزمون تطبيق القوانين وعدم التسبب في الفوضى والأذى لغيرهم، فالإنسان الذي يكون حاملا للقيم الأخلاقية يسهر على حفظ أمته وبلاده بل ويسعى للتضحية في سبيل ذلك. إنّ المجتمع الذي تسود فيه التعاليم القرآنية، ينتشر فيه الاحترام وتتوطد فيه الأواصر الاجتماعية ويسعى كل فرد فيه إلى حفظ أخيه في عرضه وماله ودمه، فكل شخص في المجتمع المؤمن يضع نصب عينيه راحة الآخرين ومصلحتهم، وفيما يلي مثال على أخلاق المؤمنين: (وَالذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفِسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُم المُفْلِحُونَ ). سورة -الحشر - الآية 9. ففي المجتمع الذي تكون قلوب أهله عامرة بخشية الله تعالى، يعمل كل فرد لمصلحة ذلك المجتمع ويكون أبعد شيء عن الطيش والتهور، وتغيب الأنانية ويحضر الإيثار. وثمرة ذلك أن يتمتع ذلك المجتمع بالأمن ورغد العيش، وهما نعمتان عظيمتان منّ الله بهما على عباده المؤمنين، وذكرهما في القرآن الكريم. وتبعا لكل هذا تنحسر الفوضى وتتضاءل التوترات والأزمات، فكل فرد يعيش في مجتمعه بتوازن واحترام كبير ، وتُحلّ جميع المشاكل ويعيش الناس في أمن وسلام. 11- ما هي الفوائد المادية و الروحية للعائلة عند التقيد بتعاليم القرآن؟ إن أخلاق القرآن تتطلب منا احترام الأم والأب وتبجيلهما, ويقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْه أُمُّه وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن أَن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك إِلَيَّ المَصِيرُ) لقمان- الأية 14. إن البيت المحكوم بالقرآن وتعاليمه تختفي فيه المشاجرات والنزاعات والمشاكل، فاحترام الأم أمر مقدس, والأمر نفسه بالنسبة إلى الأب، وجميع أفراد الأسرة يكونون في غاية السعادة إذا وجد هذا الشعور من الاحترام والمودة. 12- ما هي الفوائد المادية والروحية لنظام الدولة عند التقيد بتعاليم القرآن؟ يبين الله عز وجل في القرآن الكريم أنّ للطاعة أثر إيجابي، والشخص الملتزم بتعاليم القرآن عليه أن يطيع ولي أمره وأن يحترم دولته بشكل تام. ففي المجتمع الإسلامي يسعى الجميع من أجل رفاهية الأمة ولا يتمرد الفرد ضد الدولة أبدا بل على العكس من ذلك يمدها بدعم مادي وروحي. إنّ كثيرا من القضايا يمكن ألا تحال على المحاكم ويتم حلها بطريقة أسهل في المجتمعات التي يكون فيها العامل الديني حاضرا ومؤثرا، وكذلك تقل حالات ارتكاب الجرائم التي تنتشر اليوم داخل كثير من المجتمعات، وبذلك تتجه طاقات الدولة وإمكانياتها إلى إحداث مزيد من التطور والنمو على المستويين الداخلي والخارجي، وبذلك تصبح الدولة مهابة قوية. 13- ما هي الفوائد المادية والروحية للبيئة عند التقيد بتعاليم القرآن؟ إن الذين يلتزمون بأخلاق القرآن يقدرون بعضهم البعض تقديرا متميزا ويعملون على توفير أقصى ما يمكن من الراحة لبعضهم البعض في بيئة من الرضى والجمال في كل أمر، وبسبب الرغبة في نيل الجنة فإن جميع الخيرات الموجودة على وجه الأرض تستخدم لخلق بيئة تتمتع بالجمال والنظافة والروعة، وبذلك تكون بمثابة محاكاة للعين والأذن وجميع الحواس في اتساقها وجمالها، وتبعا لذلك يتطور الإنتاج في جميع المجالات. إضافة إلى ذلك, فإن الإنسان المؤمن يتمتع بضمير سليم, فلهذا لا توجد لديه أي ضغوط أو توترات, ويمكنه أن ينتج أعمالا جميلة ومميزة وأصيلة، وكذلك الأشخاص الذين يرغبون في إبداع أشياء جميلة للآخرين, فهم يعملون بإخلاص وصبر من أجل هذه الغاية. 14- ما هي الفوائد المادية والروحية للنظام المدرسي عند التقييد بتعاليم القرآن؟ إنّ العيش في إطار الأخلاق القرآنية يكسب الناشئة ذكاء وإبداعا كبيرين، فالصغار الذين يلتزمون بهذه التعاليم تختفي لديهم التصرفات غير الأخلاقية أو التي تتميز باللامبالاة، وبفضل ذلك تولد أجيال ذات طبيعة نقية وطيبة, فالشاب يكون مطيعا ومفتح العقل مضحّيا بنفسه في سبيل غيره, و فاعلا في مجتمعهن فحماس الشباب وحيويتهم ونشاطهم تكون باتجاه الأعمال الخيرة. ففي بيئة مثل هذه يعطي الطلاب أهمية كبيرة لدراستهم وليس ذلك بغاية الشهرة أو اجتياز الامتحانات وإنما لأن طلب العلم يعد واجبا دينيا يدعوه إليه دينه. ولن نسمع بعد ذلك عن حالات عدم الانضباط في المدارس، وبالتالي تنشأ بيئة تعليمية مسالمة وبناءة ومنتجة، وبفضل هذا الفهم يتطور التعاون بين المعلمين والطلاب على أساس من الطاعة والاحترام والتسامح ويصبح الطلاب مطيعين لأوامر معلميهم، وسوف لن تزدحم الطرقات بالمحتجين والغاضبين لأنه لن تكون هناك حاجة إلى مثل هذه الأمور. 15- ما هي الفوائد المادية والروحية لنظام العمل عند التقيد بتعاليم القرآن؟ في المجتمعات التي تلتزم بأخلاق القرآن, تشيع روح التفاهم والتعاون والعدالة في بيئة العمل، فصاحب العمل يهتم بصحة موظفيه, ويسعى للسهر قدر الإمكان على صحتهم وأمنهم. فأصحاب العمل يمكن أن يشيدوا مباني غاية في القوة والمتانة والجمال، ولكنهم في الوقت نفسه لا يغفلون عن رعاية عمالهم وإعطائهم حقوقهم كاملة لقاء ما قاموا به من عمل، فهم لا يسيئون معاملتهم، بل ويكونون على علم بأحوال أسرهم الإجتماعية. فإن ثمة ضمير حي يحرّكهم، فالعامل لا ينظر عليه على أساس أنه أداة للإنتاج فقط بل هو كيان إنساني ينبغي أن يحترم ويكرم. وهذا السمو في التعامل يثمر بالتأكيد ثمار طيبةإوبالتالي تغيب مظاهر سلبية كثيرة مثل الحسد والحقد والكراهية وغيرها. إنّ العلاقة بين الموظف وصاحب العمل لا تبنى على أساس المصلحة الذاتية والأنانية, بل تبنى على أساس التعاون والثقة، فالموظف يكون عينا ساهرة على مصلحة الشركة أو المؤسسة التي يعمل فيها، ولن تساوره الأفكار السيئة, كأن يقول مثلا: "بما أن أجري مدفوع فما شأني والعمل". فالموظف يبذل ما بوسعه مهما كانت الأحوال. 16- ما هو "الإشراك" بالله أو الوثنية؟ الإشراك يعني اعتبار شخص ما أو أي كائن حي, أو فكرة ما شبيها لله تعالى أو أعلى منزلة منه من حيث التقدير والقدرة والقوة, والعيش وفق هذا المعتقد المٌنحرف. ويصف الله تعالى هذا الامر بأنه يعني "إشراك إله آخر مع الله سبحانه. وقد أكد الله تعالى في القرآن الكريم بأنّه لن يغفر للمشرك على الإطلاق: (إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِالله فَقَد افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)- سورة النساء، الآية -48. 17- ماذا يعني أن "تؤله" شيئا؟ تعني كلمة "التأليه" في الكلام العادي عبادة أشياء أو كائنات معينة، وبالرغم من هذا فإن لهذه الفكرة معنى أوسع وهي ليست مقتصرة على العصور الماضية فقط، ففي كل حقبة من الأحقاب كان الناس يتخذون شركاء لله, فعبدوا الأوثان وأعمدة (الطوطم) المقدسة. وليس بالضروري أن يصرح الشخص المشرك ويقول "إن هذا إلهي الذي أعبده", أو أن يسجد له. إنّ "التأليه" في الحقيقة هو تفضيل شخصي لشيء أوشخص ما على الله. وعلى سبيل المثال, تفضيل رضى شخص ما على رضى الله, أو الخوف من أحد كما يخاف من الله, أو حب أحد ما كحب الله , فهذه الأمور يمكن أن تخدم كأمثلة هنا. ويؤكد القرآن الكريم أن هذه الأشياء التي تعبد من دون الله لن تجدي نفعا ولن تغني عنهم من الله شيئا: (إِنَّمَا تَعْبُدٌونَ مِنْ دُونِ الله أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله لاَ يَملِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ الله الرِّزْقَ وَاعْبدُوهُ وَاشْكُرُوا لُه إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) – سورة العنكبوت (17) 18- كيف ينجو الإنسان من الوثنية ؟ إن على الإنسان أن يقرّ من أعماق قلبه أن الله واحد أحد, وأن القوة والعظمة له وحده سبحانه وتعالى, وأنه لا ضار و لا نافع في هذا العالم سوى الله. إنّ الذي يقر بهذه الحقيقة هو وحده الذي يتخلص من الشرك والوثنية. وقد أمر الله عز وجل الناس أن يطيعوه طاعة كاملة حتى ينقذوا أنفسهم من الشرك: (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) سورة الأنعام الآية- 41. إنّ الشخص الذي يتخلص من الشرك يحس أثر ذلك بشكل مباشر في أعماق كيانه، وتتحول نظرته للحياة وفهمه للعالم من حوله، فتصبح حياته كلها لوجه الله وعمله كله لمرضاته, تنتقل حياته إلى مرحلة جديدة بعد أن كانت تسبح في بحر من الجهل والشك والفوضى. 19- ماذا يعني طلب مرضاة الله كما ينبغي؟ ماذا الذي كنت ستفعله لو أن المكان الذي تسكن فيه تعرض لفيضان مدمر؟ هل تفر إلى الطابق العلوي من المبنى وتنتظر من ينقذك, أم هل تواصل الصعود كلما ارتفع منسوب المياه؟ وهل تستعمل السلم أم المصعد في صعودك ؟ إن المهم في هذه الحالة أن يختار الإنسان أي طريق من هذه الطرق كي ينقذ نفسه. وأي طريق غير هذا سوف يكون صعبا ومحفوفا بالمخاطر. وفي هذه الحالة سوف يفعل الإنسان ما بوسعه حتى يصل إلى الطابق العلوي لأنه الأكثر أمانا. إن ذلك هو الاختيار الأفضل". إنّ الإنسان المؤمن يسلك جميع الطرق المادية والروحية في كل لحظة حتى يكون في المستوى الذي يجعله ينال مرضاة الله تعالى، فإذا وجد المرء نفسه أمام مجموعة من الطرق والاختيارات فإنه يحكم عقله ويستمع إلى ضميره، وفي النهاية يختار ما يحقق رضا الله تعالى. وهذا يعني أنه يتصرف وفق الإرادة الإلهية واللأمر الربّاني. 20- ماذا يعني أن يكون لديك إيمان مطلق؟ إنّ أي فرد يعلم جيدا أن يده سوف تحترق إذا أصر على وضعها في النار، فليس ثمة ضرورة إلى أن يفكر فيما إذا كانت ستحترق فعلا أم لا، فالأمر محسوم ومعروف، فكل شخص يعلم أن النار تحرق وينبغي ألا يفكر في هذا الأمر. وفي القرآن الكريم ذكر الله تعالى معتى "الإيمان المطلق الكامل" فقال تعالى: (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) – سورة الجاثية-الآية 20. "أن يكون لديك إيمان مطلق" يعني الإيمان بوجود الله والإقرار بصفاته, والإيمان باليوم الآخر والجنة والنار إيمانا لا ريب فيه, ولا يخلطه أي شك أو تردد. إنه تماما مثل التصديق بوجود الكائنات من حولك، هذه الكائنات التي نشاهدها ونعيش معها. وهو تصديق يصل إلى درجة البداهة مثل إيماننا المطلق بأن النار تحرق. والأيمان القائم على اليقين الكامل يجعل من المرء شخصا حي الضمير والوجدان بحيث يكون همه العمل الصالح وإرضاء الله تعالى. 21- كيف لي أن أعرف أي عمل من أعمالي سيلقى مرضاة الله؟ إنّ الله تعالى يلهم الإنسان المؤمن دائما حب العمل الصالح ويرشده إلى الطريق السّديد، ويقول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُم فُرْقَانًا وَ يُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُم وَالله ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ) سورة الأنفال – 29. ويجب أن نتذكر دائما أن أول صوت يسمعه الفرد في داخله هو صوت ضميره الذي يساعده في تبين الخطأ من الصواب، وهو الصوت نفسه الذي يرشد الإنسان إلى ما يوصله إلى مرضاة الله تعالى. إنّ الذين يخشون الله يصلون إلى الحقيقة من خلال إنصاتهم لأصوات ضمائرهم. 22- هل هناك صوت آخر في قلب الأنسان يختلف عن صوت ضميره؟ إن الصوت الآخر الموجود إلى جانب صوت الضمير هو صوت النفس، وهو يحاول أن يعطل ويكتم صوت الضمير داخل كيان الفرد، فالنفس لا تدخر جهدا في إزاحة الإنسان عن الخير وتوجيهه نحو اقتراف الشر واقتفاء طريق الشيطان في كل ما هو سيء. والنفس قد لا تفعل ذلك دائما بشكل علني، فهي تبحث عن مبررات وأسباب تبدو مقنعة إلى حد ما. ولهذا فالفرد يمكن أن يرتكب الأخطاء ويزعم أن ذلك لن يؤثر على إيمانه، ولكن القرآن الكريم يذكرنا أن الذي يطهر هذه النفس هو وحده الذي يكون مفلحا، قال تعالى:(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) سورة الشمس-الآية 7-9. وكما ورد في الآية, فإنّ الإنسان مهدد بالمعاصي ولكن واجبه هو أن يحمي نفسه إزاء ارتكابها، فالإنسان يوجد في اختبار كبير, وهو اختبار يكون الاختيار فيه بين بين الخير والشر. |
|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|