تلخيص كتاب
الادعاء
العام وأحكامه
في
الفقه والنظام
للدكتور / طلحة بن محمد غوث
إعداد
عبد الله بن محمد المزروع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي يعده . أما بعد :
فهذا تلخيص واختصار لكتاب (
الادعاء العام وأحكامه في
الفقه والنظام ) للدكتور : طلحة بن عبد الرحمن غوث – وفقه الله – حيث تعرض لتأصيل كثيرٍ من المسائل المتعلقة بالادعاء
العام من الجهة الشرعية ، وكذلك النظامية ، ولما في الكتاب من فوائد قد لا يطلع عليها المدعي
العام لطول الكتاب ، أحببت اختصاره بذكر آراء المؤلف التي رأى رُجْحَانَهَا ، ومن أراد الاستزادة فعليه بالمرجع الأساس .
المبحث الأول : تعريفات .
أولاً : ماهية
الادعاء الفقه الإسلامي :
لم أطلع على كلامٍ للفقهاء في التفريق بين
الادعاء والدعوى ، ويظهر أنَّ ذلك مبنيٌّ على الأصل اللغوي للفظين ، وهو أن
الادعاء مصدر ، والدعوى اسم مصدر ، فمدلولهما واحد .
غير أنَّ الفقهاء استعملوا في تعريفاتهم لفظ ( الدعوى ) دون (
الادعاء ) ، ولعل السبب في ذلك راجعٌ إلى أنَّ الدعوى اسم ، والأسماء تدل على الثبوت ، بخلاف
الادعاء فهو مصدر ، والمصادر تدل على الحدث المجرد .
ومن هنا يتبين أنَّ ما ذكره الفقهاء من تعريف للدعوى هو نفسه تعريف للادعاء ، لعدم الفرق بينهما .
التعريف المختار للدعوى :
مطالبةٌ مقبولةٌ بحقٍّ لشخصٍ أو حمايته في مجلس القضاء .
تعريف
الادعاء في النظام :
الأنظمة لا تتطرق إلى ذكر التعريفات في الغالب ، ومن هذا الباب النظام السعودي ، والمملكة تطبق الشريعة الإسلامية ، ولهذا فتعريفه في
الفقه الإسلامي هو نفسه تعريفه في النظام السعودي .
ثانياً : ماهية
العام في
الفقه الإسلامي :
(
العام ) من اصطلاحات علم أصول
الفقه ، وقد تعددت تعاريف الأصوليين له ، وأرجح التعاريف : كلام مستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد دفعة بلا حصر .
تعريف
العام في النظام :
لم يذكر له في النظام تعريف محرر ، والذي يظهر أنَّ (
العام ) استعمل في النظام مقابل ( الخاص ) حيث ورد في النظام (
الادعاء الخاص ) وقصد به : الدعوى في حقوق العباد ، واستعمل مقابله (
الادعاء العام ) وقصد به : الدعوى في حقوق الله .
وبناءً عليه : ما يشمل الناس من حيث المطالبة والنفع ، وذلك أنَّ حقوق الله – تعالى – يجوز أن يطالب بها أي فرد من المسلمين ، كما أنَّ منفعتها تعود على عموم الناس .
والمراد بالعام في البحث :
يتبين أنَّ المراد بالعام في البحث ليس هو المفهوم الأصولي ، وإنما المراد : مفهوم النظام .
تعريف
الادعاء العام باعتباره عَلَمَاً في
الفقه الإسلامي :
إطلاق اصطلاح (
الادعاء العام ) على طلب معاقبة مرتكب الجريمة في حقوق الله = إطلاق حديث ، ولذلك لم يرد ذكره في كتب
الفقه ، وإنما استعمل الفقهاء اصطلاحات أخرى قريبة منه ، وهي : دعوى الحسبة ، ودعوى التهمة ، ودعوى الجناية ، وشهادة الحسبة .
ومن خلال النظر في تعاريف الفقهاء لهذه المصطلحات يمكننا تعريف (
الادعاء العام ) باعتباره عَلَمَاً في
الفقه بأنه : مطالبةٌ مقبولةٌ بحقٍّ لله ، أو إخبارٌ به في مجلس القضاء .
تعريف
الادعاء العام باعتباره عَلَمَاً في النظام :
لم ينص النظام على تعريف محددٍ له باعتباره عَلَمَاً ، ولكن باستقراء ما ورد في الأنظمة والتعليمات الصادرة في هذا الشأن يمكن القول بأنَّ
الادعاء العام يقصد به في النظام السعودي : مطالبةُ مُعَيَّنٍ معاقبةً ، أو إثباتَ إدانةٍ من القضاء ، للحق العام.
المبحث الثاني : مشروعية
الادعاء العام .
أولاً : مشروعية
الادعاء العام في
الفقه الإسلامي ، وفيه ثلاثة فروع :
الفرع الأول : أقوال الفقهاء في مشروعية
الادعاء العام :
تبين مما سبق أنَّ
الادعاء العام يتضمن : شهادة الحسبة ، ودعوى الحسبة في
الفقه ، وهو قائم على حمايةِ حقوق الله ، وتنفيذ شريعته ؛ فلذا تناول الفقهاء هذا في مسألتين :
المسألة الأولى : جواز سماع شهادة الحسبة :
لا خلاف بين الفقهاء في جواز سماع شهادة الحسبة في حقوق الله .
المسألة الثانية : جواز سماع دعوى الحسبة :
اختلف الفقهاء في ذلك ، والراجح في ذلك : جواز سماع دعوى الحسبة مطلقاً ، وهو مفهوم مذهب الحنفية ، وظاهر كلام المالكية ، والمعتمد لدى الشافعية إلا في الحدود ، وقولٌ عند الحنابلة .
الفرع الثاني : أدلة مشروعية
الادعاء العام :
1 – أنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
2 – أنه مما مضت به السنة النبوية .
الفرع الثالث : صفة مشروعية
الادعاء العام :
والمقصود هل هو واجب أو مستحب أو مباح .
والراجح في ذلك :
1 – في حقِّ غير المُوَلَّى من قبل الإمام : فيندب له عدم الرفع في الحدود إلا من كان معروفاً بالشر والفساد والمجاهرة بالمعصية والاستهتار بها ، ويستحب في غير الحدود الرفع إلا إذا كَثُرَ المنكر بحيث لا سبيل إلى تغييره إلا بالرفع فيلزم – حينئذٍ – الرفع إلى الإمام .
2 – أمَّا مَنْ كانً مُوَلَّى مِنْ قِبَلِ الإمام : فيتعين في حقِّه الرفع إلى الإمام في الحدود والتعازير .
ثانياً : مشروعية
الادعاء العام في النظام :
ينشأ عن ارتكاب الجريمة ضررٌ خاصٌّ ، وهو : ما يلحق المجني عليه من الأذى .
وضررٌ عامٌّ ، وهو : ما يلحق المجتمع من اختلال الأمن ، وفقدان الطمأنينة ، وانتشار الفساد المادي والمعنوي .
فالحق الخاص يختص بالمطالبة به : المجني عليه ، أو مَنْ يُمَثِّلُهُ .
والحق
العام يختص بالمطالبة به : وليُّ الأمر ، أو من يُنِيْبُهُ بصفته ممثلاً للمجتمع وراعياً له .
والادعاء
العام : ينحصر في المطالبة بمعاقبة فاعل الجريمة للحق
العام .
وبما أنَّ المملكة تقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية ؛ فلذا قرر المنظم السعودي مشروعية
الادعاء العام ، وقد مَرَّ هذا على مراحل ، وكان آخرها أنَّ أصدر ولي الأمر مرسوماً ملكياً بإنشاء : ( هيئة التحقيق والادعاء
العام ) تختص بالتحقيق في الجرائم والادعاء بها أمام الجهات القضائية في الحقوق العامة .
ثالثاً : الغايةُ من
الادعاء العام :
يمكن تحديد معالم الغاية من
الادعاء العام في الأمور التالية :
أولاً : المحافظة على حقوق الله – تعالى – .
ثانياً : جلب المصالح ودرء المفاسد .
ثالثاً : حماية المجتمع من انتشار الرذيلة .
رابعاً : تحقيق الأمن والاستقرار للمجتمع .
خامساً : إصلاح مرتكب الجريمة وتطهيره من أثر ال .
رابعاً : الفرق بين
الادعاء العام والادعاء الخاص :
أولاً : الفرق بينهما في
الفقه الإسلامي :
من حيث الموضوع :
فموضوع
الادعاء العام هو : حقوق الله – عز وجل – بطلب معاقبة المعتدي عليها .
وموضع
الادعاء الخاص هو : حقوق العباد بطلب استرداد الحق المأخوذ ، أو معاقبة المعتدي عليها .
من حيث الغاية :
فالغاية من
الادعاء العام هي : المصلحة العامة ، والحفاظ على حقوق الله ، وإصلاح المعتدي ، وتطهيره من ال .
والغاية من
الادعاء الخاص هي : المصلحة الخاصة ، واسترداد المأخوذ ، والتشفي بمعاقبة المعتدي .
من حيث الحكم :
فالادعاء
العام حكمه : الوجوب في حقِّ المعين من قبل ولي الأمر ، وفي حقِّ غير المعين : الاستحباب في غير الحدود على التفصيل السابق .
أما
الادعاء الخاص فحكمه : الإباحة .
من حيث الحكم على الغائب :
فلا يجوز في
الادعاء العام صدور حكم على المدعى عليه في حال غيابه ، لأن مبناه على المساهلة والإسقاط .
أما
الادعاء الخاص : فيجوز الحكم على المدعى عليه في حال غيابه عند جمهور الفقهاء .
من حيث الإقرار :
ففي
الادعاء العام : يقبل رجوع المدعى عليه عن إقراره فيما كان حداً من حدود الله قبل تنفيذ الحكم أو عنده ، كما يجوز للقاضي تلقين المدعى عليه الرجوع عن الإقرار ؛ بخلاف التعازير فلا يقبل فيها الرجوع عن الإقرار .
أما
الادعاء الخاص : فلا يقبل فيه رجوع المدعى عليه عن إقراره .
من حيث الشهادة :
1 – يجوز في
الادعاء العام أداء الشهادة قبل الدعوى ، ولا يجوز ذلك في
الادعاء الخاص باستثناء حق الآدمي غير المعين ؛ كالوقف .
2 – لا تقبل في
الادعاء العام شهادة النساء ، ولا الشهادة على الشهادة ، ويقبل ذلك في
الادعاء الخاص على تفصيل في ذلك .
3 – يجوز في
الادعاء العام أن يُلَقِّنَ القاضي الشهود بالرجوع عن شهادتهم في الحدود خاصة ، ولا يجوز في
الادعاء الخاص أن يلقن القاضي الشهود بالرجوع عن شهادتهم في شيء .
من حيث اليمين :
ففي
الادعاء العام : لا يوجه اليمين على المدعى عليه إذا أنكر ،
وفي
الادعاء الخاص : يحلف المدعى عليه .
من حيث الإثبات :
فالادعاء
العام يثبت بالإقرار والشهادة إذا كان بحدٍّ من حدود الله ، وإذا كان بتعزير فيثبت بما سبق وبالقرائن .
والادعاء الخاص يثبت بالإقرار ، والشهادة ، واليمين ، والنكول عنها ، وغير ذلك من الأدلة والقرائن المختلفة .
كما أنَّ
الادعاء العام يختلف عن
الادعاء الخاص من حيث إنَّ المدعي
العام إذا لم تثبت دعواه فإنه يُحَدُّ وذلك في الزنا خاصة ، أو يعزر .
أما في
الادعاء الخاص فلا شيء على المدعي إذا لم تثبت دعواه .
من حيث الإجراءات :
ففي
الادعاء العام : يجوز اتخاذ إجراءات معينة في حقِّ المدعى عليه ، كحبسه وضربه إذا كان ممن تلحقه التهمة المنسوبة إليه أو كان مجهول الحال .
أما في
الادعاء الخاص : لا يتخذ هذا النحو من الإجراءات في حقِّ المدعى عليه .
من حيث أسباب انقضاء الدعوى :
1 – لا ينقضي
الادعاء العام بالعفو بعد بلوغ الإمام في الحدود ، وتنقضي بالعفو قبل بلوغه ؛ وفي التعازير يجوز أن تنقضي بالعفو على تفصيلٍ في ذلك .
أما
الادعاء الخاص : فتنقضي بعفو صاحبها مطلقاً .
2 – لا تجوز في
الادعاء العام الشفاعة في الحدود خاص ، بخلاف التعازير فتجوز فيها الشفاعة .
أما
الادعاء الخاص : فتجوز فيه الشفاعة مطلقاً .
3 – لا يجوز الصلح في
الادعاء العام ، ويجوز في
الادعاء الخاص .
4 – ينقضي
الادعاء العام بموت المدعى عليه ؛ بخلاف
الادعاء الخاص فإنه يتوارث .
من حيث الشبهة :
ففي
الادعاء العام : تسقط الشبهة الحدود ، بخلاف التعازير .
أما
الادعاء الخاص : فلا تأثير للشبهة في إسقاطه .
من حيث التداخل :
فالادعاء
العام : إذا تعددت العقوبات فيه وكان من ضمنها القتل ، فما دون القتل يدخل ضمنه .
أما
الادعاء الخاص : إذا تعددت العقوبات فإنها لا تتداخل ؛ بل تستوفى جميعاً .
من حيث المدعي :
ففي
الادعاء العام : لا بُد أن يكون المدعي مسلماً – سواءً كان شاهداً أم مجرد مُدَّعٍ – لأن
الادعاء العام هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... .
أما
الادعاء الخاص : فلا يلزم أن يكون المدعي مسلماً .
وبهذه الفروق يتضح أنَّ القواعد التي يخضع لها
الادعاء العام تختلف عن القواعد التي يخضع لها
الادعاء الخاص .