إجراءات
الاستدلال والتحقيق الاستثنائي :
إن من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الأمن، وتنظيم حياة الناس، ومنع الجريمة قبل وقوعها وإذا وقعت تعقب الجناة والقبض عليه
والتحقيق معهم وتقديمهم لمحاكمة عادلة وتنفيذ العقوبة المقررة بالمقتضى الشرعي أو النظامي، وفق ضوابط تحمي حقوق الإنسان وكرامته.
وهذه الإجراءات الجزائية عرفتها الشريعة الإسلامية سواء بنصوص واضحة الدلالة من القران أو السنة أو استنتاج القواعد العامة للإجراءات الجزائية من بعض نصوص القران والسنة أو من بعض القواعد الأصولية ، أو ما جرى العمل به من قبل الصحابة الكرام والتابعين لهم .
والإجراءات الجزائية في الشريعة الإسلامية تدور حول محور أساسي هو تحقيق التوازن الدقيق بين مصلحة المجتمع في الأمن ، ومنع الجريمة وتعقب الجناة والقبض عليهم وتقديمهم للتحقيق والمحاكمة من جهة وبين الضمانات الجوهرية للمتهم من حفظ إنسانيته وكرامته وتحقيق حق المتهم في الدفاع عن نفسه مباشرة أو بواسطة محامي، وصيانة حرمة الحياة الخاصة ، وحرمة المسكن والمحافظة على الحرية الشخصية ، وعدم اتخاذ أي
إجراءات جنائية بحق الأنثى إلا بطريق يمنع الخلوة غير الشرعية كمن جهة أخرى.
وقد عملت المملكة منذ تأسيسها على إتباع الإجراءات الجزائية وفق نصوص الشريعة الإسلامية دون تقنين هذه الإجراءات وفق نظام مستقل حتى عام 1423هـ ، حيث صدر نظام الإجراءات الجزائية بالمرسوم الملكي رقم م /39 في 28 /7/1423هـ، حيث أحدث صدوره تنظيم الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية سواء في مرحلة الاستدلالات أو التحقيق أو المحاكمة وفق نظام شامل في225 مادة متضمنة لمراحل الإجراءات قبل المحاكمة وبعدها وتنفيذ الإحكام متوافقة مع أحاكم الشريعة الإسلامية وفقا لما قرره المشرع السعودي لا تتعارض مع أحـكام الكتاب والسنة كما هو مقرر أصلاً في المادة الأولى منه .
ولقد حرصت الشريعة الإسلامية على تنظيم حياة الناس ، ومنعت أي ضرر يمس بكرامة الإنسان وحرماته وحياته ، سواء كان الجاني أو المجني عليه ، فكان هذا أصلا أرسته الشريعة الإسلامية ، قال الله تعالى :" ولقد كرمنا بني آدم " .
ولكن في المقابل أجازت عند الضرورة القيام بإجراءات تمس بحريات الأشخاص عند انتهاك الجاني للقوانين تطبيقا لأحكام شرع الله سبحانه وتعالى،كالقبض على المجرم المتلبس
والتحقيق معه ومحاكمته وتنفيذ العقوبة عليه وصولا للعدالة الجزائية .
وحيث إن المملكة العربية السعودية دولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية كما نصت عليه أنظمتها، فقد سلكت هذا المسلك تطبيقا والتزاما بأحكام الشريعة الإسلامية، كما نصت عليه المادة الأولى من النظام ذاته.
والمتتبع لنظام الإجراءات الجزائية يرى مدى حرص المشرع على حريات وحرمات الأفراد ، وانه لا يجوز المساس بها مطلقا إلا في الحدود المسموح بها نظاما ، وفي المقابل بينت الإجراءات المتبعة للقبض على الجاني
والتحقيق معه ومحاكمته وتنفيذ العقوبة المقررة عليه .
ولأن هذا النظام حديث في المملكة العربية السعودية ، وهو تقنين لبعض الإجراءات الجزائية المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية ، وكذلك
إجراءات لم تذكرها الشريعة الإسلامية ؛ لكنها واردة في القواعد العامة لها .
وسوف نتطرق إن شاء الله إلى مفهوم رجال الضبط الجنائي ومن تثبت لهم هذه الصفة وأداة ثبوتها واختصاصاتهم ومن يقوم بأعمال الضبط الجنائي ومنهم رؤساء مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودورهم ودور معاونيهم من رجال السلطة سواء كانوا من منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو أفراد الأمن العام .
أهمية الدراسة
إن دراسة وشرح وتأصيل نصوص مواد نظام الإجراءات الجزائية السعودي المتعلقة بمرحلة
الاستدلال المتعلقة برجال الضبط الجنائي وخاصة مايتعلق بالاختصاص النوعي لرؤساء مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساعد المختصين من رجال الضبط الجنائي وعلى وجه الخصوص منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في فهم
إجراءات الاستدلال بشكل دقيق ومعرفة الإجراءات المتبعة أمام الواقعة المنظورة من قبلهم .
أهداف الدراسة
1)معرفة الفرق بين الضبط الإداري والضبط الجنائي فيما يتعلق بعمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
2) معرفة من يقوم بأعمال الضبط الجنائي في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3)معرفة الاختصاص المكاني والنوعي لمن يقوم بأعمال الضبط الجنائي في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4)معرفة اختصاصات رؤساء مراكز هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كرجال للضبط الجنائي .
5)معروفة الدور الذي يقوم به معاونوا رجال الضبط الجنائي من منسوبي هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وأفراد الامن العام المرافقين لهم .
6)معرفة
إجراءات الاستدلال التي يتعين القيام بها من رؤساء مراكز هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كرجال ضبط جنائي .
7)معرفة
إجراءات التحقيق التي يتعين القيام بها استثناء من رؤساء مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كرجال ضبط جنائي .
فروع النظام :
نظام الإجراءات الجزائية هو أحد أقسام النظام الجنائي الذي هو فرع من فروع النظام العام وقبل أن نتحدث عن نظام الإجراءات الجزائية لا بد أن نتعرض لفروع النظام لنأخذ فكرة مختصرة أو بانوراما كما يقولون ونعلق بعد ذلك على نظام الإجراءات الجزائية بشئ من التفصيل .
فالنظام ينقسم إلى نظام عام ونظام خاص .
والنظام العام : هو نظام السلطة العامة الذي ينظم تكوين السلطات العامة في الدولة والعلاقات فيما بينها وينظم العلاقات بين السلطات وبين الإفراد ، وتضم مجموعة من القواعد التي تحكم العلاقات التي يكون احد أطرافها على الأقل شخص يملك السيادة ويتصرف بوصه هذا . (مثل الدولة أو المحافظة أو وزارة التربية والتعليم أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها ) .
أما النظام الخاص: فيحكم العلاقات بين الأفراد العاديين أو بين الأفراد والدولة في الحالات التي تظهر فيها الدولة كشخص عادي تقف على قدم المساواة بين الفرد بحيث لا تستخدم مزاياها كسلطة عامة.(مثل أن تشتري وزارة التربية والتعليم أو جهة حكومية أخرى عقارا أو أرضاً لمنفعتها الخاصة بحيث تكون العـلاقة الـناشئة عن هذه التصرفات علاقات خاصة تحكمها قواعد النظام الخاص ).
وتبدو أهمية التفرقة بين النظام العام والنظام الخاص في أن قواعد النظام العام تعطي الدولة سلطات استثنائية في علاقاتها بغيرها وتعتبر ذات طبيعة آمره أي تحدد من حريات الأفراد ومن ثم فان قواعد النظام العام تتميز بأنها تعطي للدولة وفروعها سلطات في مواجهة الأفراد يقابلها خضوع من جانبهم ، مثل علاقة الموظف العام بالدولة .
أما علاقات النظام الخاص فهي تقوم في غالبيتها على أساس الحرية والمساواة.
وينقسم كل من النظام العام والنظام الخاص إلى عدة فروع نتناولها باختصار شديد :
أولاً : فروع النظام العام :
1-النظام الدولي العام : وهو ينظم علاقات الدول فيما بينها سواء في حال الحرب أو السلم ( مثل إبرام المعاهدات والتمثيل الدبلوماسي وطرق فض المنازعات ومعاملات الأسرى ونظام الحرب ويشمل أيضا مركز المنظمات الدولية والعلاقات فيما بينها وعلاقاتها بالدول سواء في ذلك المنظمات العالمية كالأمم المتحدة أو الإقليمية كجامعة الدول العربية وقس على ذلك ).
2- النظام الدستوري: وهو مجموعة القواعد التي تحدد النظام السياسي في الجماعة وتبين أسس الدولة وشكلها وسلطاتها والعلاقات فيما بينها وحقوق الأفراد الأساسية وضمان حرياتهم.( مثل النظام الأساسي للحكم، ويسمى بالنظام الأسمى الذي يجب ألا يخالفه نظام آخر وهو يبين شكل الدولة (كالملكية عندنا ) ويبين توزيع السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية واختصاصاتها والعلاقات فيما بينها وعلاقات الأفراد.
3-النظام الإداري : وهو النظام الذي يحكم نشاط الدولة الإداري أي السلطة التنفيذية في قيامها بوظيفتها الإدارية ، وتتمثل تلك الوظيفة في حفظ الأمن والنظام وفي إدارة وتسيير أوجه النشاط المختلفة من خلال القيام على أمر المرافق العامة .وعلى هذا تشمل موضوعات النظام الإداري الأجهزة المختلفة للإدارة وطريقة تشكيلها وعلاقتها بالموظفين ومركز النظامي من حيث التعين والترقيات والتأديب ، ويشمل كذلك علاقة الحكومة بالإدارات المختلفة والأموال العامة وكيفية الحفاظ عليها وحمايتها ، ومن أهم الموضوعات في النظام الإداري القواعد التي تحدد طرق الفصل في المنازعات بين الإدارة والأفراد . (وسوف نتحدث عنه إن شاء الله بإيجاز بعد قليل ثم ندخل في صلب الموضوع وهو فرع منه أصول التحقيق الإداري ).
4-النظام المالي: وينظم مالية الدولة من حيث بيان مواردها المالية من رسوم وإيرادات وقروض وبيان أوجه الإنفاق وأنواعها فالنظام المالي يدور حول ميزانية الدولة بما تتضمنه من إيرادات ومصروفات.
5-النظام الجنائي : وهو النظام الذي يتضمن القواعد المنظمة لحق الدولة في العقاب وذلك ببيان الأفعال التي تعتبر جرائم والعقوبات المقررة لكل منها والإجراءات التي تتبع في القبض على مرتكبي الجرائم ومحاكمتهم وتنفيذ العقوبات فيهم . والنظام الجنائي يتضمن قسمين : القسم الأول نظام العقوبات (حدود – قصاص – تعازير :نظام عقوبات التعازير ولكنه غير مكتوب – نظام الأسلحة – نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية – نظام غسل الأموال – نظام العلامات التجارية – نظام البيانات التجارية – نظام مكافحة التستر – نظام مكافحة التزوير – نظام مكافحة الرشوة – وغيرها من الأنظمة الجنائية ). والقسم الثاني : نظام
إجراءات ( وهو نظام مكتوب يسمى نظام الإجراءات الجزائية ) .
ثانياً : فروع النظام الخاص :
1- النظام المدني : يعتبر النظام المدني الفرع الأساسي للنظام الخاص فهو ينظم كافة علاقات التعامل بين الأفراد إلا أن بعض هذه العلاقات قد انفصلت لتنظمها فروع مستقلة من القانون مثل القانون التجاري وقانون العمل والنظام الزراعي ولذلك فان القانون المدني يعتبر الشريعة العامة أو القانون الأصلي الذي ينبغي الرجوع إليه وتطبيق أحكامه في حالة عدم وجود نص استثنائي أو خاص بالعلاقة محل النزاع أمام القضاء ، وتنظم قواعد القانون المدني مسائل الأحوال الشخصية أي حالة الأشخاص وأهليتهم ومسائل الأسرة من انعقاد الزواج وآثاره وانحلاله ومسائل البنوة والنسب والنفقة والولاية والوصاية والمواريث ومسائل الأحوال العينية أي الروابط المالية كالحقوق المالية وطرق اكتسابها ومضمونها وانتقالها وانقضائها .
2-القانون التجاري : يضم مجموعة القواعد التي تحكم العلاقات التجارية أي علاقات التجار والأعمال التجارية ، بحيث يبين الصفات الواجب توفرها في الشخص حتى يكون تاجرا والشركات التجارية بأنواعها وتكوينها وانقضائها ويحدد واجبات التجار كالقيد في السجل التجاري ومسك الدفاتر وإفلاس التجار وحقوق الدائنين وإمكان الصلح بينهم وبين التاجر ، وينظم القانون التجاري الإعمال التجارية كأعمال السمسرة والعقود التجارية وغيرها .
3-القانون البحري والقانون والجوي: ويعتبر كلاً منهما جزاءً من القانون التجاري إلا أنهما يزدادان استقلالا مع تقدم الأنشطة الملاحية البحرية والجوية.
4-نظام العمل : يضم مجموعة من القواعد التي تحكم العلاقات النظامية بين العامل وصاحب العمل وهي علاقة تتميز بتبعية الأول للثاني ، ونشأ نظام العمل بهدف حماية العمال من استغلال صاحب العمل وحماية لحقوق صاحب العمل ويتميز نظام العمل بالصفة الآمرة لأنه يضع قيودا على إرادة صاحب العمل لمصلحة العامل كتحديد الأجور وساعات العمل وكفالة الصحة والسلامة وسلطة توقيـع الجزاءات لصالح صاحب العمل كالفصل وغيرها ضد العامل .