الموضوع: أنواع الجرائم
عرض مشاركة واحدة
قديم 20-07-2017, 01:19 PM   #1
mustathmer
مشرف عـام المنتدى
  (ابو سعد)


الصورة الرمزية mustathmer
mustathmer غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 754
 تاريخ التسجيل :  November 2012
 أخر زيارة : 30-06-2025 (06:23 PM)
 المشاركات : 145,039 [ + ]
 التقييم :  38
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي أنواع الجرائم




بسم الله الرحمن الرحيم
أنواع الجريمة
تتفق الجرائم جميعاً فيأنها فعل محرم معاقب عليه، ولكنها تتنوع وتختلف إذا نظرنا إليها من غير هذه الوجهة. وعلى هذا يمكننا أن نقسم الجرائم أقساماً متنوعة تختلف باختلاف وجهة النظرإليها.
- فإذا نظرنا إلى الجرائم من حيث جسامة العقوبة قسمناها إلى حدود، وقصاص أو دية، وتعازير.
- وإذا نظرنا إليها من حيث قصد الجاني قسمناها إلى جرائم عمدية، وجرائم غير عمدية.
- وإذا نظرنا إليها باعتبار وقت كشفها قسمناها إلىجرائم متلبس بها، وجرائم لا تلبس فيها.
- وإذا نظرنا إليها من حيث طريقة ارتكابها قسمناها إلى جرائم إيجابية وجرائم سلبية، وإلى جرائم بسيطة وجرائم اعتياد،و جرائم مؤقتة وجرائم غير مؤقتة.
- وإذا نظرنا إلى طبيعتها الخاصة قسمناها إلى جرائم ضد الجماعة وجرائم ضد الأفراد، وإلى جرائم عادية وجرائم سياسية.
* * *

الفصل الأول
التقسيم المبني على جسامةالعقوبة

الحدود - القصاص والدية - التعازير
تنقسم الجرائم بحسب جسامة العقوبة المقررة عليها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: جرائم الحدود:

وهي جرائم المعاقب عليها بحد. والحد هو العقوبة المقدرة حقاً لله تعالى، ومعنى العقوبة المقدرة أنها محددة معينة فليس لها حد أدنى ولا حد أعلى، ومعنى أنها حق لله أنها لا تقبل الإسقاط لا منالأفراد ولا من الجماعة.
وتعتبر العقوبة حقاً لله في الشريعة كلما استوجبتها المصلحة العامة، وهي دفع الفساد عن الناس وتحقيق الصيانة والسلامة لهم، وكل جريمةيرجع فسادها إلى العامة، وتعود منفعة عقوبتها عليهم، تعتبر العقوبة المقررة عليها حقاً لله تعالى؛ تأكيداً لتحصيل المنفعة، وتحقيقاً لدفع الفساد والمضرة، إذ اعتبارالعقوبة حقاً لله تؤدي إلى عدم إسقاط العقوبة بإسقاط الأفراد أو الجماعة لها.
وجرائم الحدود معينة ومحدودة العدد، وهي سبع جرائم:
(1) الزنا (2) القذف (3) الشرب (4) السرقة (5) الحرابة (6) الردة (7) البغي.
ويسميها الفقهاء “الحدود” دون إضافة اللفظ جرائم إليها، وعقوباتها تسمى الحدود أيضاً ولكنها تميز با لجريمة التي فرضت عليها فيقال: حد السرقة، حد الشرب، ويقصد من ذلك عقوبة السرقة وعقوبة الشرب.

القسم الثاني: جرائم القصاص والدية:


وهي الجرائم التي تعاقب عليها بقصاص أو دية، وكل من القصاص والدية عقوبة مقدرة حقاً للأفراد، ومعنى أنها مقدرة أنها ذات حد واحد، فليس لها حد أعلى وحد أدنى تتراوح بينهما، ومعنى أنها حق للأفراد أن للمجني عليه أن يعفو عنها إذا شاء، فإذا عفا أسقط العفو العقوبة المعفو عنها.
وجرائم القصاص والدية خمس:
(1) القتل العمد (2) القتل شبه العمد (3) القتل الخطأ (4) الجناية على ما دون النفس عمداً (5) الجنايةعلى ما دون النفس خطأ.


ومعنى الجناية على ما دون النفس: الاعتداء الذي لا يؤدي للموت كالجرح والضرب.
ويتكلم الفقهاء عن هذا القسم عادة تحت عنوان الجنايات، متأثرين في ذلك بما تعارفوا عليه من إطلاق لفظ الجناية على هذه الأفعال ،ولكن بعض الفقهاء يتكلمون عن هذا القسم تحت عنوان الجراح ناظرين إلى أن الجراحة هي أكثر طرق الاعتداء، كما أن بعض الفقهاء يؤثرون لفظ الدماء عنواناً لهذا القسم.
القسم الثالث: جرائم التعازير:


هي الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من عقوبات التعزير، ومعنى التعزير التأديب، وقد جرت الشريعة على عدم تحديد عقوبة كل جريمة تعزيرية، واكتفت بتقرير مجموعة من العقوبات لهذه الجرائم تبدأ بأخف العقوبات وتنتهي بأشدها، وتركت للقاضي أن يختار العقوبة أو العقوبات في كل جريمة بما يلائم ظروف الجريمة وظروف المجرم، فالعقوبات في الجرائم التعزير غير مقدرة.
وجرائم التعزيرغير محدودة كما هو الحال في جرائم الحدود أو جرائم القصاص
والدية، وليس في الإمكان تحديدها. وقد نصت الشريعة على بعضها وهو ما يعتبر جريمة في كل وقت كالرباوخيانة الأمانة والسب والرشوة، وتركت لأولي الأمر النص على بعضها الآخر، وهو القسم الأكبر من الجرائم التعازير، ولكن الشريعة لم تترك لأولي الأمر الحرية في النص على هذه الجرائم بل أوجبت أن يكون التحريم بحسب ما تقتضيه حال الجماعة وتنظيمها والدفاع عن مصالحها ونظامها العام، وأن لا يكون مخالفاً لنصوص الشريعة ومبادئها العامة.
وقد قصدت الشريعة من إعطاء أولي الأمر حق التشريع في هذه الحدود تمكينهم من تنظيم الجماعة وتوجيهها الوجهات الصحيحة، وتمكينهم من المحافظة على مصالح الجماعة والدفاع عنها ومعالجة الظروف الطارئة.



والفرق بين الجريمة التي نصت عليها الشريعة والعمل الذي يحرمه أولو الأمر: أن ما نصت عليه الشريعة محرم دائماً فلا يصح أن يعتبر فعلاً مباحاً، أما ما يحرمه أولو الأمر اليوم فيجوز أن يباح غداً إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة.
أهميةهذا التقسيم:


تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى حدود، وقصاص أو دية، وتعازير، من عدةوجوه سنبينها فيما يلي:


أولاً: من حيث العفو:جرائم الحدود لا يجوز فيها العفو مطلقاً، سواء من المجني عليه أو ولي الأمر أي الرئيس الأعلى للدولة، فإذا عفا أحدهما كان عفوه لغواً لا أثر له على الجريمة ولا على العقوبة.
أما في جرائم القصاص فالعفو جائز من المجني عليه، فإذاعفا ترتب على العفو أثره، فللمجني عليه أن يعفو عن القصاص مقابل الدية، وله أن يعفوعن الدية أيضاً، فإذا عفا عن أحدهما أعفى منه الجاني. وليس لرئيس الدولة الأعلى أن يعفو عن العقوبة في جرائم القصاص بصفته هذه، لأن العفو عن هذا النوع من الجرائم مقرر للمجني عليه أو وليه، لكن إذا كان المجني عليه قاصراً ولم يكن له أولياء كان الرئيس الأعلى للدولة وليه، إذ القاعدة الشرعية أن السلطان ولي من لا ولي له، وفي هذه الحالة يجوز لرئيس الدولة العفو بصفته ولي المجني عليه، لا بأي صفة أخرى، وبشرط ألا يكون العفو مجاناً.
وفي جرائم التعازير لولي الأمر - أي رئيس الدولة الأعلى - حق العفو عن الجريمة، وحق العفو عن العقوبة، فإذا عفا كان لعفوه أثره بشرط أن لايمس عفوه حقوق المجني عليه الشخصية. وليس للمجني عليه أن يعفو في التعازير إلا عما يمس حقوقه الشخصية المحضة. ولما كانت الجرائم تمس الجماعة فإن عفو المجني عليه من العقوبة أو الجريمة لا يكون نافذاً وإن أدى في الواقع إلى تخفيف العقوبة على الجاني، لأن للقاضي سلطة واسعة في جرائم التعازير من حيث تقدير الظروف المخففة،وتخفيف العقوبة.
ولا شك أن عفو المجني عليه يعتبر ظرفاً مخففاً.

ثانياً: من حيث سلطة القاضي:في جرائم الحدود إذا ثبتت الجريمة وجب على القاضي أن يحكم بعقوبتها المقررة لا ينقص منها شيئاً ولا يزيد عليها شيئاً،وليس له أن يستبدل بالعقوبة المقررة عقوبة أخرى، ولا أن يوقف تنفيذ العقوبة، فسلطة القاضي في جرائم الحدود قاصرة على النطق بالعقوبة المقررة للجريمة.
وفي جرائم القصاص سلطة القاضي قاصرة على توقيع العقوبة المقررة إذا كانت الجريمة ثابتة قبل الجاني، فإذا كانت العقوبة القصاص وعفا المجني عليه عن القصاص أو تعذر الحكم به لسبب شرعي وجب على القاضي أن يحكم بالدية ما لم يعف المجني عليه عنها؛ فإذا عفا كان على القاضي أن يحكم بعقوبة تعزير.
وله في التعازير - كما سنبين - سلطة واسعة.
أما جرائم التعازير فللقاضي فيها سلطة واسعة في اختيار نوع العقوبة ومقدارها، فله أن يختار عقوبة شديدة أو خفيفة بحسب ظروف الجريمة والمجرم، وله أن ينزل بالعقوبة إلى أدنى درجاتها، وله أن يرتفع بها إلى حدها الأقصى، وله أن يأمربتنفيذ العقوبة أو إيقاف تنفيذها.


ثالثاً: من حيث قبول الظروف المخففة:ليس للظروف المخففة أي أثر على جرائم الحدود والقصاص والدية، فالعقوبة المقررة لازمة مهما كانت ظروف الجاني. أما في جرائم التعازيرفا لظروف المخففة أثرها على نوع العقوبة ومقدارها، فا للقاضي أن يختار عقوبة خفيفة،وأن ينزل بها إلى أدنى حدودها، وله أن يوقف تنفيذها.


رابعاً:من حيث إثبات الجريمة: تشترط الشريعة لإثبات جرائم الحدود والقصاص عدداً معيناً من الشهود، إذا لم يكن دليل إلا الشهادة، فجريمة الزنا لا تثبت إلا بشهادة أربعة شهود يشهدون الجريمة وقت وقوعها، وبقية جرائم الحدود والقصاص لا تثبت إلا بشهادة شاهدين على الأقل.
أما جرائم التعازير فتثبت بشهادة شاهد واحد.
ولا تعرف القوانين الوضعية هذا التقسيم، وإنما هي تقسم الجرائم غالباً إلى جنايات وجنح ومخالفات.
* * *



تقسيم الجرائم بحسب قصد الجاني
الجرائم المقصودة - الجرائم غير المقصودة

تنقسم الجرائم بحسب قصد الجاني إلى جرائم مقصودة وجرائم غيرمقصودة:
(أ) الجرائم المقصودة:هي التي يتعمد الجاني فيها إتيان الفعل المحرم وهو عالم بأنه محرم، وهذا هو المعنى العام للعمد في الجرائم المقصودة أو الجرائم العمدية.
وللعمد معنى خاص في القتل، وهو تعمد الفعل المحرم وتعمد نتيجته، فإن تعمد الجاني الفعل دون نتيجة كان الفعل قتلاً شبه عمد،وهو ما يسمى في القوانين الوضعية بـ “الضرب المفضي إلى الموت”.
(ب) الجرائم غير المقصودة:هي التي لا ينتوي فيها الجاني إتيان الفعل المحرم ولكن يقع الفعل المحرم نتيجة خطأ منه، والخطأ على نوعين
النوع الأول:


هو ما يقصد فيه الجاني الفعل الذي أدى للجريمة ولا يقصد الجريمة ولكنه مع ذلك يخطئ:إما في نفس الفعل كمن يرمي حجراً ليتخلص منه فيصيب أحد المارة، أو يرمي صيداً فيخطئه ويصيب آدمياً. وإما أن يكون الخطأ في ظنه كمن يرمي ما يظنه اً فإذا هو إنسان، أو يرمي من يظنه جندياً من جنود الأعداء فإذا هو أحد الوطنيين. ففي هذه الحالات يقصد الجاني الفعل ولا يقصد الجريمة، ولكن خطأه في فعله أو ظنه يؤدي إلى وقوع الجريمة.
النوع الثاني:


هو ما لا يقصد فيه الجاني الفعل ولا الجريمة،ولكن يقع الفعل نتيجة لإهماله أو عدم احتياطه، كمن ينقلب وهو نائم على آخر بجواره فيقتله، وكمن يحفر بئراً في طريق ولا يتخذ احتياطاته لمنع سقوط المارة فيه.


أهمية هذا التقسيم: تظهر أهمية تقسيم الجرائم إلى مقصودة وغير مقصودة من وجهين:


أولهما: أن الجريمة المقصودة تدل على روح إجرامية لدى الجاني، أماغير المقصودة فليس فيها ما يدل على ميل الفاعل للإجرام، ومن ثم كانت عقوبة الجريمة المقصودة شديدة وعقوبة الجريمة غير المقصودة خفيفة.
ثانيهما: يمتنع العقاب على الجريمة المقصودة إذا لم يتوفر ركن العمد، أما الجريمة غير المقصودة فيعاقب عليها لمجرد الإهمال أو عدم التثبت.
وتعرف القوانين الوضعية هذا التقسيم، وهي تتفق مع الشريعة في موضوعه ونتائجه.
* * *

تقسيم الجرائم بحسب وقت كشفها
جرائم متلبس بها - وجرائم لا تلبس فيها
تنقسم الجرائم بحسب وقت كشفها إلى جرائم متلبس بها وجرائم لا تلبس فيها.
الجريمة المتلبس بها:هي الجريمة التي تكشف وقت ارتكابها، أوعقب ذلك ببرهة يسيرة. وقد عرف قانون “تحقيق الجنايات المصري” التلبس في المادةالثامنة بأن مشاهدة الجاني متلبساً بالجناية هي رؤيته حال ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة، ويعتبر أيضاً أن الجاني شوهد متلبساً بالجناية إذا تبعه من وقعت عليه الجناية عقب وقوعها منه بزمن قريب، أو تبعته العامة مع ال، أو وجد في ذلك الزمن حاملاً لآلات أو أسلحة أو أمتعة أو أوراقاً أو أشياء أخرى يستدل منها على أنه مرتكب الجناية أو مشارك في فعلها.
والجريمة التي لا تلبس فيها: هي التي لاتكشف وقت ارتكابها، أو التي يمضي بين ارتكابها وكشفها زمن غير يسير.
والمعروف لدى فقهاء الشريعة أن التلبس هو كشف الجريمة وقت ارتكابها، ولكن ليس في الشريعة مايمنع من اعتبار حالة التلبس طبقاً لوجهة "القانون المصري"، خصوصاً وأن المقصود من اعتبار هذه الحالة قائمة هو تسهيل الإجراءات لكشف الحقيقة.


أهمية هذا التقسيم: تظهر أهمية هذا التقسيم في الشريعة من وجهين:

معنى لفظ “الجناية” هنا يتفق مع معنى الجناية في الشريعة الإسلامية وهو الجريمة.

أولهما:


من حيث الإثبات:

إذا كانت الجريمة من جرائم الحدود وكان الدليل عليها هو شهادة الشهود؛ فيجب أن يكون الشهود قد شهدوا بأنفسهم الحادث وقت وقوعه، ورأوا الجاني وهويرتكب الجريمة، ويجيز الإمام مالك أن يكون الشهود سماعيين ينقلون عمن شهدواالحادث، ولا يجيز هذا باقي الأئمة

ثانيهما:
من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:إذ شوهد الجاني وهو يرتكب الجناية كان لأيشخص أن يمنعه بالقوة عن ارتكاب الجريمة، وأن يستعمل القوة اللازمة لمنعه، سواء كانت الجريمة اعتداء على حقوق الأفراد كالسرقة، أو اعتداء على حقوق الجماعة كشرب الخمروالزنا، وهذا ما يسمى بـ “حق الدفاع الشرعي العام”.







[تقسيم الجرائم بحسب طريقة ارتكابها]
جرائم إيجابية - وجرائم سلبية
تنقسم الجرائم إلى إيجابية وسلبية: بحسب ما إذا كان الفعل قد ارتكب بطريق الإيجاب أو السلب، أو بحسب ما إذا كان الفعل مأموراً به أو منهياً عنه.
والجريمة الإيجابية: تتكون من إتيان فعل منهي عنه كالسرقة والزنا والضرب.
والجريمة السلبية: تتكون من الامتناع عن إتيان فعل مأمور به، كامتناع الشاهد عن أداء الشهادة والامتناع عن إخراج الزكاة. وأكثر الجرائم إيجابية وأقلها الجرائم السلبية..

الجريمة الإيجابية تقع بطريق السلب: ومن المتفق عليه بين الفقهاء أن الجريمة الإيجابية قد تقع بطريق السلب، فإذا وقعت على هذا الوجه استحق فاعلها العقوبة، فمن حبس إنساناً ومنعه الطعام أو الشراب أو الدفء في الليالي الباردة حتى مات جوعاً أو عطشاً أو برداً فهو قاتل عمداً إن قصد بالمنع قتله، وذلك ما يراه مالك والشافعي وأحمد، أما أبو حنيفة فلا يرى الفعل قتلاً، لأن الهلاك حصل بالجوع والعطش والبرد ولم يحصل بالحبس، ولا صنع لأحد في الجوع والعطش والبرد، ولكن أبا يوسف ومحمداً يريان الفعل قتلاً عمداً، لأنه لا بقاء لآدمي إلا بالأكل والشرب والدفء. فالمنع عند استيلاء الجوع والعطش والبرد على الممنوع يكون إهلاكاً له.
والأم التي تمنع ولدها الرضاع قاصدة قتله تعتبر قاتلة عمداً، ولو أنها لم تأت بعمل إيجابي.
ومن منع فضل مائه مسافراً، عالماً بأنه لا يحل له منعه، وأنه يموت إن لم يسقه، اعتبر قاتلاً له عمداً وإن لم يَلِ قتله بيده، وهو رأي في مذهب مالك
ويرى بعض فقهاء مذهب أحمد أنه قتل شبه عمد
وإذا حضر نساء ولادة فقطعت إحداهن الحبل السُّري ولم تربطه بعد قطعه متعمدة الامتناع عن ربطه فمات الوليد بسبب ذلك فهي قاتلة له، ومن الممكن اعتبار بقية الحاضرات قاتلات إذا لم يرون أيضاً ربط الحبل السري، لأن القطع غير مهلك في ذاته، وإنما المهلك ترك الربط، ولما كن جميعاً قد تعمدن ترك الربط فالهلاك ينسب إليهن جميعاً



متى يعتبر الممتنع مسئولاً؟:
والظاهر من تتبع أمثلة الفقهاء أن الممتنع لا يعتبر مسئولاً عن كل جريمة ترتبت على امتناعه، وإنما يسأل فقط حيث يجب عليه شرعاً أو عرفاً أن لا يمتنع. وإذا كان هذا هو القاعدة فهناك اختلاف على ما يوجبه الشرع والعرف، ومن الطبيعي أن يكون هذا الخلاف ما دامت وجهات النظر مختلفة، فمثلاً: يرى بعض الحنابلة أن من أمكنه إنجاء آدمي من هلكة كماء ونار أو سبع فلم يفعل حتى هلك فلا مسئولية عليه، ويرى بعض الحنابلة أنه مسئول، وأساس هذا الخلاف هو: هل الإنجاء واجب أم غير واجب؟ ومن هذا القبيل المثل الذي ضربناه عن منع الماء.
الشريعة والقوانين الوضعية:
واتجاه فقهاء الشريعة في القتل بالترك هو نفس الاتجاه الذي سار عليه أغلب شراح القوانين الوضعية ابتداء من القرن التاسع عشر، أما قبل ذلك فقد كانت غالبية الشراح ترى أنه لا يمكن إحداث الجريمة بالترك، لأن الترك عدم ولا ينشأ عن العدم وجود، وكانت أقلية الشراح ترى أن الترك يصلح سبباً للجريمة كالفعل تماماً، لأن كليهما يرجع إلى إرادة الإنسان، وقد انتهت الغالبية إلى التسليم بأن الترك يصلح سبباً للجريمة، ولكنهم لم يأخذوا بهذا المبدأ على إطلاقه، وقيدوه بأن يكون الشخص مكلفاً في الأصل بالعمل، وأن يكون الامتناع أو الترك مخالفة لهذا التكليف، ويستوي عندهم أن يكون مصدر التكليف بالعمل القانون أو الاتفاق. ومن الأمثلة التي يضربها شراح القوانين على القتل بالترك: حبس شخص دون حق ومنع الطعام عنه بقصد قتله، وامتناع الأم عمداً عن إرضاع ولدها بقصد قتله. ويضربون مثلاً على الحالة التي لا مسئولية فيها: الامتناع عن إنقاذ مشرف على الغرق، أو إنسان أحاطت به النار، أو أقدم على افتراسه سبع. والأمثلة في الحالين تكاد تكون نفس الأمثلة التي يضربها فقهاء الشريعة الإسلامية.


الفرق بين الشريعة والقانون:
ويلاحظ أن اشتراط شراح القوانين أن يكون العمل واجباً بمقتضى القانون أو الاتفاق يساوي تماماً ما يشترطه فقهاء الشريعة من أن يكون العمل واجباً بمقتضى الشريعة، لأن الشريعة توجب الوفاء بالعقود والاتفاقات طبقاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، فمن كان عليه واجب طبقاً لاتفاق فهو واجب أيضاً طبقاً للشريعة ما دام لا يخرج على نصوصها أو روحها فالشريعة والقانون يتفقان تماماً في هذه النقطة.
ولكن الشريعة تخالف القوانين الوضعية في أنها تجعل الجاني مسئولاً عن الترك والامتناع إذا كان العرف يوجب على الشخص أن يعمل ولا يمتنع، ولا شك أن الشريعة منطقية في هذا التوسع، لأن الشرائع والقوانين جميعاً بل واتفاقات الأفراد تفترض أن ما يفرضه العرف يجب اتباعه، ولا معنى لأن ينص في الاتفاقات على واجبات مقررة بمقتضى العرف ومتعارف عليها من الجميع، فإذا سئل الشخص عن واجب يفرضه اتفاق دولي فأولى به أن يسأل عن واجب يفرضه العرف ويعترف به الناس دون حاجة لاتفاق أو إثبات.
وتمتاز الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بأنها عرفت هذه النظرية من القرن السابع، بينما لم تبدأ القوانين الوضعية بمعرفتها إلا في القرن التاسع عشر، فكأن القوانين لم تجئ إلا بما سبقتها إليه الشريعة.