مشرف عـام المنتدى (ابو سعد)
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 754
|
تاريخ التسجيل : November 2012
|
أخر زيارة : 30-06-2025 (06:23 PM)
|
المشاركات :
145,039 [
+
] |
التقييم : 38
|
MMS ~
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
رد: شروط إقامة حد القطع
المسألة الثانية :اختلاف الفقهاء في مقدار ال:
المبدأ العام الذي يتفق عليه جمهور الفقهاء كما سبق أن بينا هو اشتراط ال لكي يجب القطع بالنسبة للسارق. غير أنهم اختلفوا فيما بينهم في مقدار ال الذي يوجب أخذه القطع وهذا ما سنبينه فيما يأتي:
القول الأول: ذهب الإمام مالك وأصحابه
إلى أن ال الواجب هو ثلاثة دراهم من الفضة أو ربع دينار من الذهب. فإذا كان المسروق غير ذهب ولا فضة فإنه يقوم بالدراهم وليس بالذهب .
وهذا إذا كانت قيمة الثلاثة دراهم تختلف عن قيمة الربع دينار لاختلاف الصرف, كأن يكون الربع دينار مثلا يساوي في وقت من الأوقات درهمين ونصف . فإذا ساوى المسروق عند المالكية في ربع دينار وإن لم تكن قيمته ثلاثة دراهم, ويقطع في ثلاثة دراهم وإن لم تكن قيمته ربع دينار وهذا هو المشهور .
واستدل المالكية بما يأتي:
1ـ ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (قطع يد رجل سرق ترساً من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم )
2ـ ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا تقطع يدالسارق إلا في ربع دينار فصاعداً)
، ووجه الدلالة مما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع فيما قيمته ثلاثة دراهم, ولم يستفسر عن كون هذه الثلاثة تساوي ربع دينار أو تقل عنه, وذلك يقضي باعتبار القطع في ثلاثة دراهم وإن لم تساوي ربع دينار, كما أن الحديث الثاني دل على أن القطع يكون في ربع دينار وإن لم تكن قيمته ثلاثة دراهم, لأن الحديث محصور بالنفي والاستثناء .
القول الثاني:مذهب الشافعي يتفق مع مذهب الإمام مالك في قيمة ال السابق ذكره,ولكنه يفترق عنه فيما إذا كان المسروق غير ذهب أو فضة,فالشافعي يرى أن التقويم يكون بالربع دينار أي بالذهب,وليس بالدراهم من الفضة . فالأصل في التقويم عند مالك هو الدراهم . أما عند الشافعي فالأصل في التقويم هو الدنانير, وهذا هو وجه الخلاف بينهما
واستدل الشافعي وأصحابه بما يأتي:
1ـ ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً)
2ـ ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن . قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار
ووجه الدلالة من الحديثين:
أن الأول دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت القطع في ربع دينار ونفاه عما دون ذلك. فدل ذلك على أنه لا قطع في أقل من ربع دينار
بينما دل الثاني على أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى فيما ثمنه القطع دون ربع دينار, وأثبته فيما ثمنه ربع دينار بنفيه القطع فيما دون ثمن المجن, وقد بينت عائشة ثمن المجن بأنه ربع دينار, وأن هذا صريح في أن العروض إنما تقوم بالذهب من غير نظر إلى الفضة أصلاً لأن البيان من عائشة في حكم المرفوع, فهو تحديد من الشارع بالنص لا يجوز العدول عنه .
القول الثالث:الإمام أحمد: مذهبه ففي رأيان:
الأول: أن ال هو ثلاثة دراهم أو ربع دينار, كما هو المشهور من مذهب مالك.
الثاني: مثل الأول تماماً, ولكن إذا كان المسروق غير ذهب أو فضة قوم بهما معا, وإذا اختلفت قيمتها فإنه يقوم بأقلهما في القيمة
واستدل الإمام أحمد بما سبق بيانه من أحاديث. وبما رواه انس رضي الله عنه أن سارقا سرق مجنا قيمته ثلاثة دراهم فقطعه أبو بكر, وأتى عثمان برجل سرق أترجه فبلغت قيمتها ربع دينار فقطعه
ووجه الدلالة لهذه الأحاديث والآثار: أنها تدل على القطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته تساوي أحدهما, فيقطع السارق في ربع دينار وإن لم يساوي ثلاثة دراهم, كما يقطع في ثلاثة دراهم, كما يقطع في ثلاثة دراهم وإن لم تساوي ربع دينار, ويقطع في سرقة غير النقدين بما قيمته ثلاثة دراهم أو ربع دينار, وتقوم العروض بأيهما شاء .
القول الرابع: يرى الإمام أبو حنيفة
أن ال الذي يوجب القطع هو عشرة دراهم فضة خالصة أو ما يساوي قيمتها, فلا قطع عنده في أقل من عشرة دراهم, ولو كانت قيمته ربع دينار, كما لا قطع في غير الفضة من الذهب أو عروض التجارة بما قيمته أقل من عشرة دراهم, ولو كانت قيمته تساوي ربع دينار .
واستدل الإمام أبو حنيفة على ما ذهب إليه بالأحاديث التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها:
1ـ ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال
لاقطع فيما دون عشرة دراهم )
2ـ ما رواه عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(تقطع اليد في ثمن المجن )
3ـ ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن قيمة المجن كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم)
4ـ ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا قطع فيما دون عشرة دراهم )
ووجه الدلالة مما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى القطع في أقل من عشرة دراهم أو فيما دون ثمن المجن, وهذا صريح في تحديد ال بوجوب القطع في السرقة بعشرة دراهم أو ما قيمته ذلك .
وأجاب الأئمة الثلاثة عما استدل به الحنفية:
بأن الرواة تكلموا في الحديثين الأخيرين وقالوا: إنهما لا يصلحان للاستدلال بهما لأن في إسناد الثاني محمد بن اسحق وقد عنعن ولا يحتاج بمثله إذا جاء الحديث معنعناً, وفي إسناد الحديث الأخير الحجاج بن أرطأة وهو مدلس, ولم يسمع هذا الحديث عن عمرو بن شعيب .
وأجاب الحنفية عن أدلة الأئمة ثلاث المتقدمة بما يأتي:
1ـ إن تقدير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها للمجن بربع دينار اجتهاد منها, والاجتهاد من الصحابي لا يكون حجة على اجتهاد صحابي آخر ولم ينعقد إجماع بينهم على تقديره بربع دينار .
2ـ إنه قد روي تقدير ثمن المجن بأكثر من ربع دينار . فقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال(لاقطع في أقل من أربعة دراهم )
ولهذا الاختلاف في تقدير ثمن المجن كان الاحتياط للقطع أن يقدر ثمن المجن بأكبر تقدير روي عن الصحابة , وللاحتياط فإنه يجب التقدير بعشرة , وفوق ذلك فقد ثبت اتفاق الصحابة في القطع لعشرة دراهم, واختلفوا في القطع فيما دونها , وهو أمر لا يثبت إلا بالتوقف, فكان الاحتياط أن يؤخذ بما اتفقوا عليه ويترك ما اختلفوا فيه
الترجيح:
وإني أرجح رأي الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل, وذلك لأمور:ـ
جمعا بين الأحاديث والروايات التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولأننا لو جعلنا ال ثلاثة دراهم أو ربع دينار, إنما نعمل في الوقت نفسه بمذهب الإمام أبي حنيفة ومن معه, لأن ال عنده عشرة دراهم , فإذا بلغت قيمة المسروق عشرة دراهم تقطع يد السارق .
غاية ما هنالك أنه في حالة عدم بلوغ المسروق عشرة دراهم أو ما قيمتها يكون رائدناً في تقدير ال هو رأي الأئمة الثلاثة, وخاصة الإمام الشافعي الذي ذهب إلى أن التقدير يكون بربع دينار , وذلك لأن الفضة تختلف باختلاف الأزمان والدول , بخلاف الذهب فإن له قيمة ثابتة لا تختلف غالبا باختلافهما , والتقدير بما هو ثابت يجعل سبب الحكم متحدا في الأزمان والدول المختلفة . وهذا أقرب إلى العدل والمساواة
المسألة الثالثة:وقت اعتبار ال:
اتفق الفقهاء على أن الوقت المعتبر لتحقق قدر ال هو إخراج الشيء المسروق من حرزه, ولو حدث بعد ذلك نقص في قيمته بسبب تغير في ذات المسروق أو تلف فيها, فتعتبر القيمة في هذه الحالة وقت الإخراج من الحرز لا غيره . أما إذا كان النقص بسبب تغير السعر.
فقد اختلفوا فيما بينهم في الوقت المعتبر لتحقق قدر ال على قولين :ـ
القول الأول : فذهب المالكية ومحمد وزفر من الأحناف
.إلى أن القيمة المعتبرة هي وقت إخراج المسروق من الحرز .واستدلوا بقياس نقص القيمة بتغير السعر بعد إخراجه من الحرز كاملا,على نقص القيمة بتغير الذات بعيب أو تلف فيها بعد إخراجه, كذلك بجامع نقص القيمة في كلاً, فكما أن نقص القيمة بتغير الذات لا يمنع القطع, فكذلك نقص القيمة بتغير السعر لا يكون مانعاً منه . فالمعتبر وقت الإخراج من الحرز لا غير
القول الثاني :ذهب الإمام أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف إلى أن القيمة المعتبرة هي قيمة المسروق وقت القطع, ما دام تغير القيمة كان بسبب نقص السعر . فإذا كانت قيمة المسروق اً وقت الإخراج من الحرز ثم نقصت بتغيير السعر عند الحكم بالقطع فلا يقطع سارقه .واستدل هؤلاء على ما ذهبوا إليه, بأن نقص القيمة عن ال عند القطع بسبب تغير السعر يورث شبهة أن قيمة المسروق وقت إخراجه من الحرز لم تكن اً, لأن العين لم تتغير في شيء, ومن المعلوم أن الحدود تدرأ بالشبهات .وأجيب عن هذا الاستدلال: بأن شبهة نقصان قيمة المسروق وقت الإخراج من الحرز لنقصان قيمته وقت الحكم بالقطع لا تعتبر مانعة منه, لأن الفرض أن المسروق كان اً وقت الإخراج, فنقصانه بعد ذلك لا يصلح مانعاً من سببية السرقة لوجوب القطع . ويلاحظ أن هذا الاختلاف قائم بين الفقهاء سواء أكان التغير في السعر بسبب انتقال المسروق من بلد إلى بلد, أم بتغير السعر في المكان الواحد .
الترجيح : وإني أرجح ما ذهب إليه المالكية ومن وافقهم من أن القيمة المعتبرة للمسروق هي قيمته وقت السرقة, لأن ذلك يصون للأموال حرمتها, ولا يفتح بابا للمحتالين بأن يركنوا إلى شبهة تغير الأسعار لقيمة المسروق, فيفلتوا من العقاب, كما أن تغير السعر بعد تمام السرقة لا يورث شبهة غالبا حيث يعلم التجار قيمة الأشياء يوما بيوم وساعة بساعة, كما وأن ذلك يمنع الإفلات من العقاب
6ـ الشرط السادس :
أن يكون المسروق مملوكاً للغير :
لا بد لتمام جريمة السرقة أن المال المسروق مملوكاً لغير سارقه ، فإذا كان السارق قد سرق مالاً مملوكاً له ، فلا قطع عليه في هذه الحالة لأنه لا يعتبر سارقاً حتى ولو أخذه خفية . والوقت الذي تعتبر فيه الملكية هنا وقت ارتكاب جريمة السرقة فقط . لا قبل ذلك ولا بعده . فإذا كان السارق مالكاً للمال المسروق ثم خرج المال المسروق من ملكه قبل حصول جريمة السرقة فهو مسؤول عن هذا الفعل ، ويعتبر سارقاً يقام عليه الحد .فإذا لم يكن هذا المال في ملكه ثم دخل ملكه وقت ارتكاب جريمة السرقة، فلا قطع عليه ولا مسؤولية ، كما لو دخل في ملكه عن طريق الميراث أو الهبة أو البيع قبل الخروج من الحرز. وما تقدم بيانه متفق عليه بين الفقهاء
مسألة :حكم ادعاء السارق ملكيته للمال المسروق:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال :ـ
القول الأول : ذهب الإمام مالك إلى أن ادعاء ملكية المال المسروق في ذاته ليس له قيمة ولا يسقط الحد عن السارق إلا إذا أثبت صحة ما يدعيه . فإن أقام دليلا على صحة ادعائه قبل قوله, وإلا حلف المجني عليه أن المال المسروق ملكه . فإن امتنع عن الحلف حلف السارق وأخذ المال ولا قطع عليه
القول الثاني : يرى الإمام أبو حنيفة بأن الحد يسقط عن السارق لمجرد ادعائه ملكية المال المسروق, دون إلزامه بإقامة دليل على صحة هذا الادعاء .وتكون العقوبة هي التعزير لأن المال المسروق منه قد صار خصما للسارق في ملكية الشيء المسروق والخصومة شبهة تدرأ الحد
القول الثالث: للإمام الشافعي قولان:
الأول: يتفق فيه مع أبي حنيفة في القول بسقوط القطع عن السارق بمجرد ادعائه لملكية المسروق, حتى ولو ثبتت السرقة بالبينة لاحتمال صدقه, فصار شبهة دارئة للحد لأنه صار خصما. ويروي عن الشافعي أنه سماه السارق الظريف ( أي الفقيه ) .
وفي قول آخر للشافعي: أنه يجب القطع لئلا يتخذ الناس ذلك ذريعة لدفع الحد عنهم
القول الرابع: أما الإمام أحمد بن حنبل ففي مذهبه ثلاثة أقوال:
القول الأول: كرأي مالك الذي يقول بأنه لا عبرة بالادعاء المجرد عن دليل .
القول الثاني: كرأي الشافعي الذي يقول بأن الحد يسقط بمجرد الادعاء دون حاجة إلى ما يثبت صحة هذا الادعاء. وهو الرأي الراجح في مذهب الإمام أحمد .
القول الثالث: إن كان معروفا بالسرقة لا يلتفت إلى ادعائه ولا يسقط عنه القطع بمجرد ذلك الادعاء . وأما إذا لم يكن معروفا بالسرقة فادعاؤه هذا معتبر ويسقط به عن القطع
الترجيح :هو ما ذهب إليه الإمام مالك ومن واقفه من أن مجرد الادعاء من قبل السارق لا يسقط عنه الحد المقرر شرعاً وأنه لابد لسقوط الحد من أن يثبت المدعي بالدليل القاطع ملكيته لهذا المال المسروق الذي هو محل الادعاء . لأننا لو قلنا بسقوط الحد لمجرد الادعاء عن دليل مثبت له, لكان ذلك ذريعة لكل سارق, وحيلة سهلة ميسورة يجدها أمامه لينقذ نفسه من إقامة الحد, وتكون النتيجة هي أن تتعطل حدود الله تعالى التي شرعها صيانة لأرواح الناس وأموالهم . وقول بعض الفقهاء بأنه يحتمل أن يكون صادقا في دعواه , واحتمال الصدق شبهة تسقط الحد. فنقول أن الحد لا يسقط بمطلق الاحتمال, ولو أسقطنا الحد بمطلق الاحتمال لتعطلت الحدود
7ـ الشرط السابع :
أن لا يكون المسروق مما يتسارع إليه الفساد :
اختلف الفقهاء في هذا الشرط :
القول الأول : قال بهذا الشرط الحنفية عدا أبي يوسف, فعندهم لا قطع على السارق إذا كان المسروق مما يتسارع إليه الفساد من الطعام والبقول والرطبة والفواكه واللبن واللحم ونحوها واستدلوا بما يأتي:
1ـ ما رواه رافع بن خديج رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال(لا قطع في ثمر ولا كثر)
فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم نفى القطع عن سارق الثمر و الكثر, وهما مما يتسارع إليهما الفساد . و لا فرق بين الثمر وغيره من كل ما يتسارع إليه الفساد . ذلك أن الحديث روي مطلقا من غير زيادة .
2ـ قياس ما يتسارع إليه الفساد على التافه, بجامع عدم المالية في كل لأن مالا يحتمل الادخار من سنة إلى أخرى لا يعد مالا فيكون تافها . ولما كان التافه لا قطع فيه بما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت(كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه)
وأما أبو يوسف: فقد أوجب القطع في كل شيء إلا الطين والتراب , وقد روي عنه إلا في الماء والتراب والطين والجص. وحجته في ذلك: أن سوى ما تقدم من الأموال متقومة محرزة, فهي كغيرها من حيث وجوب قطع يد السارق
القول الثاني :ـ ذهب مالك
إلى عدم اشتراط ذلك, فيقطع السارق عندهم ولو كان المسروق مما يتسارع إليه الفساد, وذلك بشرط بلوغ ال . واستدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ بعموم قوله تعالى(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
فقالوا إن الآية أوجبت قطع يد السارق مطلقا دون اشتراط ما إذا كان هذا المسروق مما يتسارع إليه الفساد أم لا, ولم يرد مخصص لهذا العموم بشأن هذه الخاصية, فمن ثم يبقى النص على عمومه .
2ـ ما تقدم من الآثار الواردة بوجوب القطع بمجرد بلوغ ال إذ أن عمومتها دل على ترتب القطع بمجرد بلوغه,دون شرط ما إذا كان المسروق يتسارع إليه الفساد أم لا
3ـ بقياس ما يتسارع إليه الفساد على مالا يتسارع إليه الفساد: بجامع أن كلاً منهما مال متمول عادة, وتبذل فيه نفائس الأموال. فكما أنه يجب قطع سارق ما لا يتسارع إليه الفساد, كذلك يجب قطع سارق مما يتسارع إليه الفساد .
وأجاب الجمهور على ما استدل به أبو حنيفة ومن معه:
بأن الحديث لم ينف القطع عن سارق الثمر لكونه مما يتسارع إليه الفساد, بل إن نفي القطع كان لعدم الحرز يدل لذلك حديث رافع بن خديج قوله صلى الله عليه وسلم (لا قطع في ثمر ولا كثر ) كان جواباً لمن سأله عن الثمر المعلق هل يقطع سارقه أو لا؟ فقال عليه الصلاة والسلام (لا قطع في ثمر ولا كثر .ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع )
كما أجابوا عن قياس ما يتسارع إليه الفساد على التافه: بأننا لا نسلم لأن التافه لا قطع فيه على إطلاقه, وإنما ذلك إذا كان دون ال, وهذا مالا نختلف فيه, أما إذا بلغ ا ففيه القطع لعموم الآثار والآيات الواردة في القطع, كما وأن المراد بالتافه في حديث عائشة ليس هو ال وإنما هو ما لم تبلغ قيمته اً .
ويلاحظ أن الخلاف المتقدم بين الفقهاء,إنما هو في حالة ما إذا كانت الأموال المسروقة أموال محرزة مملوكة
الترجيح:
وإني أرجح ما ذهب إليه الجمهور القائلون بوجوب القطع بتوافر شرط ال لقوة أدلتهم وردهم أدلة المخالفين, فما دام أن المسروق مال قد بلغ القطع فإن القطع يتعين, ولا يمكن أن يعتبر المال الذي بلغ القطع تافهًا . ذلك أن ال هو القدر اللازم لإقامة الحد, فمع توافره لا يكون المال في حكم السرقة تافها, فضلا عن أن من الأموال التي عددها أبو حنيفة ومحمد باعتبارها تافهة أو مما يتسارع إليه الفساد, ما يعتبر عظيم القيمة تضن به الطباع, فلا يكون هناك مع ذلك وجه لدرء الحد في سرقة مثل هذه الأموال .
الشروط المتعلقة بفعل السرقة .
1 ـ الشرط الأول: أن يكون الأخذ خفية:وهذا الشرط قال به جميع الفقهاء
.لأن الأخذ خفية هو الذي يميز السرقة عن غيرها من جرائم الاعتداء على المال.
بيد أن الفقهاء اختلفوا فيما بينهم في اشتراط تمام الأخذ أو أنه يكفي مجرد الشروع فيه على قولين:القول الأول: يرى أنه يجب أن يكون الأخذ تاماً . وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية
. فعندهم لتمام جريمة السرقة لابد أن يخرج السارق الشيء المسروق من الحرز الذي أعد له , ومن حيازة المجني عليه, وأن يدخله في حيازته. فإذا له تتوافر هذه العناصر الثلاثة, فالأخذ لا يعتبر تاماً بل ناقصاً . وهو ما يعبر عنه بالشروع في السرقة لا يستوجب القطع, واستدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ استدلوا بحديث جابر رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم (ليس على المختلس و المنتهب والخائن قطع )
فقالوا: إن هناك فرقا في المعنى بينهم وبين السارق . ذلك أن السارق يأخذ المال خفية ولا يأتي منعه, فشرع القطع زجراً له, أما المختلس وغيره ممن وردوا بالحديث فلا قطع عليهم, مع أن الاختلاس نوع من الخطف يكون سراً في بدايته, وهذا يعني اشتراط الأخذ في خفية تامة في جريمة السرقة
2ـ الأخذ التام هو الذي يتحقق به معنى هتك الحرز, فإذا لم يتحقق هذا الانتهاك تحقيقاً كاملاً لا يثبت القطع, لأن القطع عقوبة كاملة فلا يوقع إلا إذا كانت الجريمة قد ثبتت متكاملة بتحقيق الأخذ والنقل من الحرز وانتهاك الحرمات .
القول الثاني: يرى أن السرقة تحصل بمجرد وضع السارق يده على الشيء المسروق ولو لم يخرجه من حرزه ويضمه إلى حيازته. وهو مذهب أهل الظاهر , وحكي عن عائشة والحسن البصري والنخعي. فهم يرون أن السرقة جريمة تامة لا شروع فيها, تحدث بمجرد وضع اليد على المسروق ولو لم ينقل من مكانه
.واستدل أصحاب هذا القول بعموم قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
الترجيح: وإني أرجح ما ذهب إليه الجمهور أصحاب القول الأول وذلك تمييزاً للسرقة عن غيرها, لأن وضع اليد عام يتحقق في كل جرائم الاعتداء على المال كالاختلاس والغصب والحرابة وغيرها.
2ـ الشرط الثاني:أن يكون الأخذ من حرز:الشروط المتعلقة بفعل الأخذ أن يكون الأخذ من حرز. و لم يرد نص في الشرع ولا في اللغة يعرفه.
وجرى اصطلاح الفقهاء على تعريف الحرز: بأنه الموضع الذي تحفظ فيه الأموال عادة بحيث لا يعد صاحبه مضيعا له بوضعه فيه كالدور والحوانيت وغيرها
وجاء في مختار الصحاح: أن الحرز هو الموضع الحصين . يقال: هذا حرز حريز , ويسمى التعويذ: حرزا. ويقال: احترز من كذا . واحترز منه أي توقاه
. وعلى ذلك فالحرز يرجع فيه إلى العرف, وهو يختلف باختلاف الأموال والأحوال, ويتفاوت بتفاوت الأزمان والبلدان . وحكى ابن المنذر إجماع العلماء على اشتراط الحرز
وقد اختلف الفقهاء في اشتراط الحرز على قولين:
القول الأول: يرى أنه لابد من أن تكون السرقة من حرز, وهذا قول أكثر أهل العلم, وهو رأي عطاء والشعبي وعمر بن عبد العزيز وأبي الأسود الدؤلي وغيرهم من التابعين, وهو مذهب الأئمة الأربعة وجمهور الفقهاء من السلف والخلف
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا قطع في ثمر ولا في حريسة جبل فإذا آواه المراح أو الجرين, فلا قطع إلا فيما بلغ ثمن المجن )
ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت في هذا الحديث القطع في الثمر إذا سرق من جرينه وفي الحريسة إذا سرقت من مراحها , ونفاه من سرقتها قبل ذلك. فدل هذا على المراح حرز للحريسة ,والجرين حرز للثمر, واعتبار الأخذ من الحرز شرطاً لوجوب القطع, ولا فرق في ذلك بين مال ومال.
2ـ ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رجلا من مزينه يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة التي تؤخذ من مراتعها ؟ قال(فيها ثمنها مرتين وضروب نكال, وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن )
ووجه الاستدلال من هذا الحديث:أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت القطع في الحريسة إذا أخذت من العطن, والعطن حرزها . ونفي القطع في أخذها من غير حرزها وهذا يدل على أن الحرز شرط في القطع .
3ـ أنه إذا لم يتحقق الإخراج من الحرز , فلا يقال إن السرقة قد تحققت, لأن النقل من الحرز لم يتحقق وكأن الشيء باق في مكانه .
4ـ من المتفق عليه أنه لابد أن يكون الأخذ خفية, والإخراج من غير حرز لا يتوافر فيه ركن الخفية اللازم لتطبيق حد السرقة, وذلك لأن الإخراج من خفية من غير حرز يتحقق به معنى هتك حمى الحرز الذي به يثبت القطع,كما أبانت السنة
القول الثاني: يرى عدم اشتراط أن يكون الأخذ من حرز, فالسرقة عندهم تتحقق ولو كان الأخذ من غير حرز . وهذا ما ذهب إليه الظاهرية وبعض أهل الحديث
وقد استدل الظاهرية ومن وافقهم بالآتي:
1ـ بعموم قوله تعالى(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
ووجه استدلالهم بالآية: أن الله تعالى قد رتب القطع على السرقة, فكانت هي العلة. فمتى تحققت السرقة وجب القطع بنص كلام الله تعالى جزاء لكسبه سواء أخذه من الحرز أم لا .
وقد أجاب الجمهور على هذا الاستدلال: بأن هذه الآية مخصصة بالأحاديث
التي اعتبرت الحرز شرطاً في وجوب القطع, والتي سبق بيانها عند الاستدلال على مذهبهم . كما أنها خصصت بفعله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق سرق ترساً من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم )
2ـ إن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى بقطع السارق جملة, ولم يخص عليه الصلاة و السلام حرزاً من حرز . و لو أراد الله تعالى ألا يقطع السارق حتى يسرق من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك ولا أهمله .
الترجيح :
وإني أرجح ما ذهب إليه الجمهور أصحاب القول الأول لقوة أدلتهم, وردهم أدلة الفريق الثاني, ولأن هذا هو الذي يتفق وكون الأخذ خفية شرطاً لوجوب القطع, لأن الخفية والاستتار لا يكون إلا بالمحافظة على المال بوضعه في حرز إخراجه منه .هذا كما أن المنطق يقتضي أن يكون هناك فارق بين المال الذي يعتني به صاحبه ويضن به وذلك بتحريزه , وبين المال غير المحرز . وإذ أن القطع في الأول واجب لحماية صاحبه له وحفظه عن الكافة, بينما في الثاني ينتفي القطع لأن المحرز ضائع بتقصير مالكه .
|