مشرف عـام المنتدى (ابو سعد)
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 754
|
تاريخ التسجيل : November 2012
|
أخر زيارة : 30-06-2025 (06:23 PM)
|
المشاركات :
145,039 [
+
] |
التقييم : 38
|
MMS ~
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
رد: شروط إقامة حد القطع
الشروط المتعلقة بالمسروق منه .
بتتبع آراء الفقهاء بشأن السرقة, نجد أنهم لم يشترطوا شروطا معينة تتعلق بالمسروق منه لإقامة الحد, إلا بالنسبة لشرط واحد ثار بينهم خلاف بشأنه, وهو:
هل مطالبة مالك المال شرط لإقامة الحد أم لا :
اختلف الفقهاء على قولين :
القول الأول:ـ ذهب مالك وابن أبي ليلى إلى عدم اشتراط ذلك, فالحد يقام إذا ثبتت السرقة سواء طالب المسروق منه بماله أم لا
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )
) و وجه الاستدلال من الآية أنها أطلقت الحكم بالقطع على السارق من غير قيود, وهذا دليل على أن مطالبة المالك ليست بشرط لإقامة الحد .
2ـ قياس حد السرقة على حد الزنا، فكما أن إقامة حد الزنا لا يحتاج في إقامته لمطالبة أحد, وإنما يقام بمجرد ثبوت الزنا, فكذلك القطع يقام بمجرد السرقة .
3ـ إقامة حد السرقة حق لله تعالى, فإقامته حسبة يثاب عليها أي مسلم يقيمه ولا حاجة إلى مطالبة المالك
القول الثاني :ـ ذهب الأحناف)
إلى اشتراط ذلك فقالوا: إن مالك المال المسروق منه إذا لم يطالب به, فإن الحد يسقط ولا قطع على السارق .
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ إن حد السرقة إنما شرع صيانة لحق مالك المال في ماله, فيكون للمالك تعلق بإقامة الحد على السارق, ولا يقع من غير أن يطالب به
2ـ من المتفق عليه أن المال يباح بالبذل والإباحة, وأن المالك إذا لم يطالب بإقامة الحد فيكون هناك شبهة في أنه أباحه لأخذه أو وقفه على طائفة الآخذ أو أذن له في الدخول حيث المال أو وقفه على المسلمين عامة .
وما دامت الحدود تدرأ بالشبهات, فلا حد إذا لم يطالب المالك بإقامته. وقد أجاب الحنفية ومن معهم على ما استدل به المالكية: بأن الزنا لا يباح بالإباحة بخلاف المال, فإنه يباح بالإباحة, ولأن القطع أوسع في الإسقاط كما أنه شرع لصيانة مال الآدميين فله بذلك تعلق, فلم يستوف من غير حضور مطالب به, والزنا حق لله تعالى محض فلم يفتقر إلى طلب
الترجيح:
وإني أرجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من ضرورة مطالبة المالك بماله لإقامة الحد على السارق, وذلك لأن كون المسروق مملوكا لغير السارق شرط لإقامة الحد وهذا الشرط لا يتحقق إلا بمطالبة غير السارق بماله لاحتمال أن المسروق منه قد أخرجه من ملكه أو أباحه لغيره أو وقفه على طائفة معينة .فتحقق كون الفعل سرقة شرعاً لا يظهر إلا بهذه المطالبة, فعدم المطالبة يورث شبهة تدرأ القطع, والحدود تدرأ بالشبهات .
الشروط المتعلقة بالمال المسروق.
اشترط الفقهاء في المال المسروق عدة شروط . بعضها أجمعوا عليه والبعض الآخر اختلفوا فيه, وسنبين مذاهبهم في ذلك على النحو التالي:
1ـ الشرط الأول:
أن يكون المسروق مالاً:
هذا الشرط قال به جميع الفقهاء: فقد أجمعوا على أن السرقة لا تكون إلا في المال, لأنها لا تتصور إلا فيه, فالإنسان لا يصح أن يكون محلا للسرقة .
مسألة:ـ أختلف الفقهاء إذا كان المسروق طفلا غير مميز أو مجنون:
اختلفوا بشأن المجنون الحر, والطفل غير المميز, هل يتم
إلحاقهما بحكم المال فتجري عليهما السرقة أم لا ؛ على قولين :
القول الأول: يرى أن الطفل غير المميز أو المجنون, لا يصح أن يكون محلاً للسرقة, لأنهما ليسا بمال من أي وجه. وعلى ذلك لا يقطع سارقهما لكونهما يشبهان الكبير النائم, إذ لا قطع في أخذه ؛ وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة
وقد استدل أصحاب هذا القول : بأن القطع شرع ليزجر السارق عن التعدي على الأموال لتعلق النفوس بها. لأنها من ضروريات الحياة, وغير المال وهو الحر والصغير غير المميز لا تعلق للنفس به, فلا ضرورة لشرع القطع فيه .
القول الثاني: يرى أن الطفل غير المميز والجنون يكونا محلاً للسرقة, ويقطع سراقهما لأنهما في حكم المال . وهذا ما ذهب إليه الإمام مالك
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ ما روى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : (أتي برجل يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى, فأمر به فقطعت يده)
ووجه استدلالهم من الحديث: أن لفظ الصبيان يشمل الأحرار والأرقاء, وليس هناك ما يخصصه بالأرقاء, فسارق الصبيان يقطع سواء كان ما سرقه منهم أحراراً أو عبيداً .
و أجاب الجمهور عن هذا بأن الحديث ضعيف لا يصلح الاحتجاج به, وعلى فرض أنه صحيح فمحمول على الأرقاء .
2ـ إن الحر غير المميز كالمال بجامع تعلق النفوس بكل منهما, فكلما أنه يقطع سارق المال كذلك يقطع سارق الحر غير المميز . وأجيب عن ذلك بأن هذا قياس مع الفارق, فإن المال تتعلق به نفوس أصحابه ونفوس سارقيه بالانتفاع به, بخلاف الحر غير المميز فإن نفوس السارق لا تتعلق به غالبا .
الترجيح : والراجح ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة لقوة دليلهم, ولأن القطع إنما شرع للزجر عما يكثر وقوعه, وسرقة غير المميز الحر قليلة الوقوع فلا ضرورة لشرع القطع فيها, ويمكن للإمام أن يعزز بما شاء في مثل هذه الجرائم النادرة الوقوع, ولما في ذلك من سمو بالإنسان وتكريم له, لأن في عدم تشبيهه بالمال حفظ له من الامتهان .
ويلاحظ أن هذا الخلاف إنما هو بشأن المجنون والصبي غير المميز, أما إذا كان صبيا مميزا أو غير مجنون فقد أجمع الفقهاء على أنه لاقطع على آخذه
2ـ الشرط الثاني:
أن يكون المال منقولاً:
وهذا الشرط قال به جميع الفقهاء
فلابد أن يكون المسروق منقولاً , وذلك لأن السرقة يترتب عليها نقل الشيء المسروق وإخراجه من حرزه ,ونقله من حيازة المجني عليه إلى حيازة الجاني ,وكل ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بالنسبة للمنقولات ,لأنها هي التي يمكن نقلها من مكان إلى مكان آخر ,بخلاف الحال في العقارات
الثابتة فهذه لا يمكن نقلها بصفتها كعقار. ولا يشترط أن يكون المسروق منقولاً بطبيعته ,بل يكفي أن يصير منقولاً بفعل المجني عليه ,أو بفعل غير الجاني .
3ـ الشرط الثالث :
أن يكون المال محترماً فلابد في قطع السارق من أن يكون المسروق محترماً , ويقصد بالمال المحترم ماله قيمة بصفة مطلقة لا نسبية ,وذلك مثل الدنانير والدراهم ,فإنها مقومة عنـــد جميع الناس ,بخلاف الخمر والخنزير فإنه ليست مالاً ولا قيمة لها بالنسبة للمسلم ,وكذا آلات اللهو وكل مانهى الشارع من الإنتفاع به شرعاً ,لأن غـــير المحترم ليس معصوماً شرعاً , وغير المعصوم لاتتحقق الجناية المحضة بالاعتداء عليه ,فلا تناسبه العقوبة المحضة . وبهذا قال الأئمة الأربعة
مسألة : أختلف الفقهاء في السرقة ما سلط الشارع على كسره ,كآلات اللهو إذا بلغ كسرها اً.
على قولين :
القول الأول : فذهب الأحناف والحنابلة والشافعي في أحد قوليه إلى أن آلة اللهو كالطنبور والمزمار لاقطع فيها ,وإن بلغت قيمتها بعد تــكسيرها اً ,لأن هذه الأشياء وأمثالها من وسائل المعصية بالإجماع ,وهي في ذلك كسرقة الخمر فلا قطع في سرقتها ,ولأن له حقاً في أخذها لكسرها ,تطبيقاً لأمر الشارع
القول الثاني : ذهب مالك والشافعي في قول آخر له إلى أن آلة اللهو إذا بلغت قيمتها بعد كسرها اً يقطع آخذها ,لأنه سرق ماقيمته اً لاشبهة له فيه ,من حرز مثله ,وهو من أهل القطع فوجب قطعه .
الترجيح : وأرجح ما ذهب إليه الأحناف والحنابلة من أن آلة اللهو وأشباهها مما سلط الشارع على كسرها إذا بلغت قيمتها بعد كسرها اً لايقطع سارقها وذلك لأن الفقهاء اتفقوا على أنها من أدوات المعــصيـــة ,ولا قيمة لها وهي صحيحة منتفع بها فيما أعدت له ,فبالأولى لا تكون لها قيمة بعد إتلافها ,لأنها به تكون قد فقدت كل منافعها فيما أعدت له وفي غيره .
4ـ الشرط الرابع :
أن يكون المال متمولاً: يقصد بالمال المتمول: أن يكون عند الناس عزيزاً وخطراً بحيث يضنون به ويعدونه مالاً ,وهذا الشرط اختلف الفقهاء فيه على قولين :
القول الأول :يرى عدم اشتراط هذا الشرط ,وهو ما ذهب إليه المالكية والشافعية والحنابلة , كماأنه رأي أبي يوسف من الأحناف
فالقاعدة العامة عند هؤلاء أن كل مايمكن تملكه ويجوز بيعه وأخذ العوض عنه ,يجب القطع في سرقته ولو كان المسروق مما جنسه مباح في دار الإسلام ,فالتفاهة لا تمنع عندهم من القطع . وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1ـ بعموم قوله تعالى(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)
فقالوا:إن الله قد رتب وجوب القطع على السرقة من غيـــر تفريق بين سرقة ما جنسه مباحاً في دار الإسلام ,وما جنسه ليس مباحاً في دار الإسلام,ولم يوجــد مخصص لهذا العموم .
2ـ بقياس ما جنسه مباحاً في دار الإسلام على مالا يوجــد جنسه كذلك , بجامع أن كلاً منهما متقوم سرق من حرز مثله لا شبهــة للسارق فيه, فكما أنه يجب قطع السارق فيما لا يوجد جنسه مباحاً في دار الإسلام ,فكذلك يجب قطعه فيما يوجد مباحاً فيها .
3ـ أن الشيء مادامت له قيمة متمولة عند الناس ,فهو مال يجب القطع في سوقته حفظاً له ,وهو بماليته لا فرق بينه وبين مال غيرتافه .
القول الثاني: يرى اشتراط هذا الشرط . فيذهب أصحابه إلى أن المال التافه غير المتمول ,لا قطع في أخذه ,فيشترط أن يكون المال متمولاً , وهو رأي أبي حنيفة
واستدل أبو حنيفة ومن معه بما يأتي:1ـ بما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت(كانت اليد لا تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه)
ووجه الدلالة: أن التافه هو ال, وما يوجد جنسه مباحا في الأصول بصورة غير مرغوب فيه, تقل الرغبات, ولا تتطلع إليه النفوس , ولا تضنّ به الطباع, فقلما يوجد آخذه , فلا حاجة إلى شرع الزجر فيه .
وأجاب جمهور الفقهاء على هذا الحديث:
أولا: بضعفه, فلا يصح الاستدلال به .
ثانيا: أنه وعلى فرض صحة هذا الحديث, فإن المراد بالتافه ليس هو ال . إنما المراد به هو ما دون ال, ولو سلم أن التافه هو ال فيمنع أن كل ما يوجد جنسه مباح في دار الإسلام , بل منه مل له قيمة .
2ـ الحرز فيما جنسه مباح في دار الإسلام ناقص . فإن الحطب مثلاً يلقى بالأبواب , والطيور في أقفاصها معرضة للانفلات والضياع, فالحرز فيها غير تام, فلا يناسب شرع الزجر .
ويجاب عن ذلك: بأن الحرز غير ناقص, بل هو كامل في كل شيء بحسبه
.فالحطب بالأبواب محرز عرفاً, وكذلك الطير في الأقفاص, فيقطع سارقه .
3ـ التفاهة شبهة في المال, و ما دامت الحدود تدرأ بالشبهات, فلا تقطع في الشيء التافه
وقد أجاب الجمهور على هذا الاستدلال أيضا بأن التفاهة لا تعتبر شبهة تدرأ الحد .
الترجيح: هذا ولا يسع إلا أن يرجح ما ذهب إليه أصحاب القول الأول القائل:
بأن القطع يجب سواء كان المال تافها أو عزيزا ما دام محترما, وذلك لقوة أدلتهم وردهم أدلة الفريق الثاني , ولأن الأموال التي توجد مباحة في أرض الإسلام إذا أحرزت بعد وضع اليد عليها اختص بها من وضع يده عليها, فلا بد من حمايتها من التعدي عليها حتى ينتفع بها من أحرزها ووضع يده عليها, لأن ملكيتها قد آلت إليه بالحيازة .
5ـ الشرط الخامس :
أن يبلغ المسروق اً:
اختلف الفقهاء باشتراط ال لوجوب القطع, فمنهم من يرى اشتراطه ومنهم من لا يعتبره لإقامة الحد, والقائلون باشتراطه اختلفوا فيما بينهم في مقدار ال, كما اختلفوا في القوت الذي تعتبر فيه قيمته . وسوف أوضح آراء الفقهاء في كلٍ مع بيان الراجح ، في المسائل التالية :
المسألة الأولى :اختلاف الفقهاء في اشتراط ال:
اختلف الفقهاء في اشتراط ال لوجوب القطع على قولين:
القول الأول: يرى أن ال شرط لإقامة الحد, وهو مذهب الأئمة الأربعة
فالقطع لا يجب عندهم إلا إذا بلغ المسروق اً . وقد استدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بالسنة والإجماع :
فأما السنة فقالوا :إن الرسول صلى الله عليه وسلم روي عنه أقوال وأفعال منها :
1ـ. ما رواها بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم(أنه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم)
أو (قيمته ثلاثة دراهم)
2ـ ما روته عائشة رضي عنه عنها أنها قال )كان رسول صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً)
وفي رواية أخرى :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن يد المجن ،قليل لعائشة: ما ثمن المجن ؟ قالت :ربع دينار )
3ـ روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي عنه عنها أنها قالت(لم تكن تقطع يد السارق في أدنى من حجفة أو ترس،كل واحد منهما ذو ثمن)
ووجه استدلال الجمهور من هذه الأحاديث :أنها دلت بوضوح على اعتبار ال شرطاً في وجوب القطع ، وأنه لم يتم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان المسروق بلغ قدراً معيناً ، وذلك ما نقول به .
و أما الإجماع ، فقالوا : إن الصحابة رضي الله عنهم قد اتفقوا على اعتبار ال شرطاً لوجوب القطع ، والخلاف بينهم إنما في مقداره ، وإجماع على اعتبار ال شرطاً لوجوب القطع .
القول الثاني: يرى عدم اشتراط ال لإقامة الحد, وعلى ذلك فقطع اليد عنده يجب إذا ثبتت السرقة في إي مقدار من المال قليلاً أو كثيراً , وهو مذهب الحسن البصري والظاهرية
وقد استدل أصحاب هذا القول القائل بعدم اشتراط ال بالكتاب والسنة بما يلي:
فأما الكتاب :
فقال تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديمها جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم)
ووجه استدلالهم من الآية أن الله تعالى قد رتب وجوب القطع على السرقة فكانت هي العلة, وذلك يقضي بوجوب القطع متى تحققت علته من غير فرق بين سرقة القليل والكثير, لأن اسم السرقة يطلق على أخذ كل منهما, والنص مطلق لم يحدد مقداراً لما يسرق لإقامة الحد, وهذا يدل على عدم اشتراط ال لوجوب القطع.
وأجاب الجمهور على ذلك: بأن عموم الآية قد خصص بالأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتبار ال شرطاً لوجوب القطع, وإن قيل بأن الآية لا يصح أن تقيد بهذه الأحاديث, لأن الأحاديث أحاديث آحاد لا تفيد إلا الظن, بينما الآية قطعية والظني لا يقيد القطعي .
فإن ذلك غير صحيح لأن الآية عامة, والعام مختلف في دلالته هل هي ظنية أم قطعية, ومع هذا الخلاف تكون دلالة الآية ظنية, وحينئذ تقيد الأحاديث الآية لأن كليهما ظني .
وأما السنة: فقد استدلوا يما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده )
ووجه استدلالهم بهذا الحديث أنه عام فيوجب القطع مطلقا, لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب القطع على سرقة البيضة كما رتبه على سرقة الحبل , ومعلوم أن من الحبال مالا يساوي دانفا , ومن البيض مالا يساوي فلسا, وتلك أشياء عديمة القيمة, وذلك يفيد القطع في القليل والكثير بدون تحديد مقدار . وقد أجاب الجمهور على هذا الحديث بأنه مردود بثلاثة وجوه :ـ
الأول: إن المارد بالبيضة بيضة الحديد التي تجعل على الرأس في ميدان الحرب, ولا شك أن لها قيمة, وبالحبل ما قيمته ثلاثة دراهم أو أكثر كحبال السفينة, ويدل على ذلك ما قاله الأعشى راوي الحديث: ( كانوا يرون أنه بيض الحديد, والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثلاثة دراهم ) وكلاهما يبلغ اً .
الثاني: إن ما جاء في الحديث أن القطع بسرقة البيضة والحبل خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير, كما جاء في معرض الترغيب بالقليل في الكثير كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قول صلى الله عليه وسلم (من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة)
الثالث: أن الحديث يقصد به ت شأن السارق والتنفير من السرقة وخسارة ما ربحه .
الترجيح : والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من اشتراط ال لوجوب القطع, لقوة ما استدلوا به ولردهم أدلة الفريق الثاني , ولأن هذا هو الذي يتفق وفلسفة العقوبة في الشريعة الإسلامية . إذ بمقدار الجريمة تكون العقوبة, والسرقة عقوبتها أغلظ في كل الشرائع قديمها وحديثها من غيرها من وسائل الاعتداء على المال كالغصب والاحتيال, ومن ثم لا ينبغي تنفيذ عقوبة القطع واللجوء إليها إلا إذا بلغ المسروق قدراً معيناً ليكون ذا قيمة تضن به النفوس, ولأن القليل ليس له قيمة فلا يضير النفوس فقده .
|