بلومبرغ
الأحد 21 ديسمبر 2025 10:12
بعد سنوات على الهامش، دخلت
صناديق التحوط المتخصصة في
العملات المشفرة خلال 2025 وهي تأمل في تحقيق طفرة حقيقية.
كان من المفترض أن تسحب القواعد التنظيمية الجديدة، ودعم البيت الأبيض، ومليارات الدولارات من رؤوس الأموال المؤسسية، سوق
العملات المشفرة من نطاق سوق هامشية إلى سوق رئيسية. لكن العام الحالي كشف، بدلاً من ذلك، قسوة هذا السوق وعدم تسامحه، حتى مع محترفين صُمّمت استراتيجياتهم خصيصاً للاستفادة من التقلبات.
تدهور
العملات المشفرة
حتى نهاية نوفمبر الماضي، تراجعت
صناديق تراهن على اتجاه الأسعار، وهي مصممة لتحقيق أرباح من التحركات السعرية الكبيرة في بتكوين وغيرها من
العملات المشفرة الكبرى، بنحو 2.5%، في مسار يُعدّ
الأسوأ لها منذ شتاء القطاع في 2022، عندما تكبدت كثيرٌ منها خسائر تجاوزت 30%، وفقاً لبيانات "كريبتو إنسايتس غروب".
أما الاستراتيجيات الأساسية، واستراتيجيات الاستثمارات الضخمة في
العملات البديلة، إذ يتبنى مديرو الصناديق رؤى طويلة الأجل تعتمد على الأصول نفسها كأساس للاستثمار ثم حالة السوق والاقتصاد الكلي فيما يتعلق بشبكات بلوكتشين والرموز المشفرة، فتراجعت بنحو 23% بعد موجات هبوط كبيرة. في المقابل، لم تتمكن من تحقيق مكاسب ملموسة سوى الصناديق المحايدة للسوق، التي لا تتعقب اتجاهات السوق، وتحافظ على استثمارات تحوطية لها وتستهدف فروق تسعير صغيرة وثابتة، مسجلة ارتفاعاً بنحو 14.4%.
وفّرت موجة صعود بتكوين في مطلع 2025 حركة سعرية وفيرة، إلا أن جانباً كبيراً منها جاء على شكل اندفاعات كبيرة في فترات كانت السيولة فيها ضعيفة. هذه التحركات السريعة صعبت على العديد من الصناديق تعزيز مراكزها الاستثمارية أو الخروج منها بسلاسة.
في الوقت نفسه، أعادت التدفقات المؤسسية -عبر الصناديق المتداولة في البورصة والمنتجات المهيكلة- تشكيل ساحة التداول. دعمت شركات "وول ستريت" حضورها في أسواق
العملات المشفرة، ما أدى إلى تضييق فروق الأسعار وتقويض فرص المراجحة التي كانت مربحة في السابق. تقلص العائد من الصفقات الكلاسيكية بشكل كبير، مثل تجارة المراجحة للعقود الفورية والمستقبلية، وتُعرف بمسمى تجارة الأساس. فما كان يدرّ عوائد شهرية تفوق 10% بات سريع الزوال أو اختفى تماماً.
قال بول هوارد، مدير في الشركة صانعة السوق "وينسنت" (Wincent): "يستخدم المستثمرون منتجات مهيكلة توفر حماية من الهبوط، ما يقلل التقلبات ويزيد تآكل القدرة على تحقيق عوائد تفوق السوق، والمسماة بعوائد ألفا".
صناديق
التحوط ودورها في تداول
العملات الرقمية
ما تزال
صناديق التحوط في
العملات المشفرة قطاعاً متخصصاً ومتشظياً. بينما يدير عدد قليل من اللاعبين الكبار مبالغ كبيرة، يبقى معظمها صغير الحجم. تُقدّر الأصول الإجمالية عبر استراتيجيات نشطة تستجيب سريعاً لتغيرات السوق وسائلة تختار الأصول التي يمكن بيعها وشراؤها بسهولة بما يتراوح بين 12 و15 مليار دولار، وفقاً لشركة "كريبتو إنسايتس غروب" (Crypto Insights Group)، في حين لا يتجاوز حجم الصندوق النموذجي نحو 30 مليون دولار.
حتى قبل
انهيار أكتوبر الماضي، كانت العديد من الصناديق تعاني. إذ فشلت
العملات البديلة في تحقيق ارتداد خلال مضاربات الصيف الماضي، ولم تحظَ الإصدارات الجديدة من الرموز بزخم يُذكر، كما ظل الطلب من المستثمرين الأفراد ضعيفاً. وصل مؤشر يتتبع أداء
العملات البديلة إلى أدنى مستوى له منذ
انهيار إبان وباء كورونا في 2020.
ثم جاء يوم 10 أكتوبر الماضي، أحد أسرع أحداث تصفية الأصول في تاريخ
العملات المشفرة القصير. بعد أيام فقط من تسجيل بتكوين مستوى قياسياً جديداً، أدى تعهد حملة دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية 100% على البضائع الصينية إلى هبوط سعري 14%. وخلال ساعات، مُحيت مراكز استثمارية اعتمدت على الاستدانة تُقدّر بنحو 20 مليار دولار.
بالنسبة إلى توماس كلاديك، المدير الإداري في "فورتيوس" (Forteus)، الذراع لإدارة الأصول التابعة لـ"نوميوس" (Numeus)، اندلعت الفوضى وهو على متن الطائرة. قال: "كنت على وشك الصعود إلى طائرة من آسيا إلى أوروبا. كنت أتابع بعض الحسابات المُدارة، وفي منتصف الرحلة بدأ كل شيء ينهار".+
تقلبات دونالد ترمب
أوضح يوفال رايزمان، مؤسس "أتيتلان أسيت مانجمنت" (Atitlan Asset Management)، أن هذا العام اتسم بما وصفه بـ"تقلبات ترمب"، أضاف: "نرى اندفاعات متقلبة مرتبطة بالسياسة والتنظيم".
شهدت الصناديق التي تتعقب اتجاهات السعر، التي تتخذ مراكز شراء أو بيع بناء على توقعات الحركة السعرية باستخدام رؤى تقديرية أو نماذج كمية، تبخر معظم مكاسب العام الحالي في فترة تدول بعد ظهر يوم واحد فقط. أما النماذج الكمية التي تركز على
العملات البديلة -كانت تعاني أصلاً من ضعف السيولة- تعرضت لما وصفه عدة مديرين بـ"محوٍ شامل".
لم تقتصر الأضرار على الأسعار. ظهرت تصدعات في بنية السوق التحتية للعملات المشفرة. اختفت السيولة وتعطلت الضمانات أثناء التداول وتأخرت أنظمة إدارة المخاطر. قال خبراء محنكون عايشوا أزمتي "إف تي إكس" و"تيرا لونا" إن المشهد بدا مألوفاً، وأشد صدمة في سوق يُفترض أنها أكثر أماناً ونضجاً.
قال كلاديك: "قد تكون تغريدة ترمب قد أطلقت حالة عزوف عن المخاطر، لكنها ليست مسؤولة عن
انهيار بنسبة 80% في بعض العملات. المشكلة كانت سوء إدارة الضمانات، ما أدى إلى موجات تصفية متسلسلة في سوق تعاني من شح السيولة بعد انسحاب صناع السوق المؤثرين".
كانت استراتيجيات العودة إلى المتوسط السعري للعملات البديلة الأكثر تضرراً، وهو رهان على انحسار الانحرافات السعرية قصيرة الأجل. خلال
انهيار أكتوبر الماضي، هوت عشرات الرموز بأكثر من 40% خلال ساعات، ما فاق قدرة هذه النماذج على التحمل.
استثمار محدود
أوضح كاتسبر شافرن، مؤسس "إم سكويرد" (M-Squared)، وهو صندوق متعدد المديرين مقره مالطا تحت مظلة "مونتيرا" (Monterra): "كان انكشافنا على هذه الاستراتيجيات محدود نسبياً، وقد خرجنا منذ ذلك الحين بالكامل من تلك التي تعتمد بشكل مفرط على عمق دفاتر أوامر
العملات البديلة".
تراجع صندوق "إم سكويرد" 3.5% في أكتوبر الماضي -أسوأ شهر له منذ نوفمبر 2022، والأسوأ على الإطلاق منذ فتحه أمام رؤوس الأموال الخارجية في وقت سابق من العام- لكنه تعافى ليسجل مكسباً 1.6% الشهر الماضي.
صمدت الصناديق المحايدة التي لا تتعقب حركة الأسعار في السوق بشكل أفضل، منهية شهر أكتوبر الماضي على ارتفاع بنحو 2%. غير أن لهذه الاستراتيجيات حدوداً إذ تتطلب ضوابط دقيقة وبنية تحتية متطورة وإشرافاً مستمراً، وهي عناصر مكلفة لا يمكن توسيعها بسهولة.
قال بوهوميل فوساليك، الرئيس التنفيذي لشركة "319 كابيتال" (319 Capital) المسجلة في جزر فيرجن البريطانية: "أولئك الذين كانوا مستعدين -مع تخصيص محكم للضمانات عبر المنصات وأنظمة جاهزة- تمكنوا من تحقيق عوائد إجمالية تتراوح بين 1% و3% في أقل من ساعة". سجل صندوقه مكسباً 1.5% في أكتوبر الماضي و0.4% في نوفمبر الماضي، لترتفع العوائد الصافية منذ بداية العام إلى نحو 12.2%.
البنية التحتية للعملات المشفرة
أظهر الانهيار بوضوح وجود بطء في نضوج البنية التحتية للعملات المشفرة. تعطلت وصلات التداول وتراجع صناع السوق وفشلت أنظمة توجيه الأوامر. مع غياب أدوات وقف التداول أو المقاصة المركزية، تفاقمت الخسائر.
قال بيتر كوسا، رئيس النمو في "سيغيل فاند" (Sigil Fund): "بشكل عام، نرى بالتأكيد سيولة أقل وتقلبات أعلى بعد 10 أكتوبر". يُظهر صندوق "سيغيل كور" (Sigil Core)، الذي يركز على
العملات البديلة، تراجعاً بنسبة 6.73%، وهو أسوأ أداء له منذ الهبوط 61% في 2022. في المقابل، ارتفع صندوقه المحايد الذي لا يتتبع اتجاه الأسعار في السوق "ستايبل" 11.26%. بحلول نهاية العام، خفضت العديد من الصناديق تعرضها للعملات البديلة واتجهت نحو التمويل اللامركزي، حيث ما تزال حالة التشظي والعوائد توفر فرصاً للاستثمار.
حققت
صناديق التمويل اللامركزي والصناديق التي تركز على العائدات مكاسب بنحو 12%، ما يُعد نتيجة جيدة في عام صعب، لكنها تظل مقيدة بتحديات تقنية وسعة محدودة.
واختتم شافرن قائلاً: "قد لا يعود بعض المشاركين في السوق بالقوة نفسها في أي وقت قريب. وهذا سيؤدي حتماً إلى إعادة ترتيب قواعد اللعب".