الطلب على النفط يرتفع
إلى 90 مليون برميل يوميا ..
التخفيضات الطوعية تسرع تعافي السوق
.
.
جريدة الاقتصادية
الخميس 25 يونيو 2020
.

.
تطورات السوق النفطية ليست قاتمة حيث
توجد توقعات باستمرار الاتجاه التصاعدي للأسعار
.
أسامة سليمان من فيينا
استقرت أسعار النفط الخام أمس، بعد تصريحات أمريكية متضادة حول مصير الاتفاق التجاري مع الصين، في وقت يقارب فيه الطلب حاليا 90 مليون برميل يوميا بزيادة خمسة ملايين برميل يوميا عن توقعات سابقة.
وتتلقى الأسعار دعما من تخفيضات تحالف "أوبك +" بنحو 9.7 مليون برميل يوميا التي تم مد العمل بها على مدار الشهر المقبل، إضافة إلى تراجعات واسعة في إمدادات دول خارج التحالف مثل الولايات المتحدة وكندا، إلى جانب التخفيضات السعودية الطوعية على مدى الشهر الجاري.
ويقاوم ارتفاع الأسعار عودة انتشار فيروس كورونا في عديد من دول العالم وما يثيره من ركود اقتصادي وتهاو واسع في الطلب العالمي على النفط الخام وعلى الوقود في ظل احتمالات عودة بعض الاقتصادات الدولية إلى الإغلاق للسيطرة على موجة ثانية من الجائحة.
وقال لـ"الاقتصادية" مختصون ومحللون نفطيون إن السوق تواجه بالفعل كثيرا من المخاطر ولكن من أبرز العوامل الداعمة هو انضباط الإنتاج الجيد من جانب "أوبك +" إلى جانب الانخفاض الكبير غير الطوعي في الإنتاج في الولايات المتحدة، إضافة إلى التعافي السريع للطلب وهو ما نبه إليه "كومرتس بنك" الدولي خلال بيان له أكد فيه تآكل فائض العرض بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعا.
وأوضح المختصون أنه لا تزال هناك مخاوف قوية في جانب الطلب بسبب تجدد ارتفاع العدوى، مشيرين إلى توقع شركة "ريستاد إنرجي" أن يكون للأزمة الراهنة تداعيات واسعة ومتلاحقة على الأسواق الرئيسة حول العالم لفترة طويلة.
وأكد سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، أن الصورة ليست قاتمة فيما يتعلق بتطورات السوق النفطية حيث توجد توقعات باستمرار الاتجاه التصاعدي لأسعار النفط الخام، مدللا على ذلك بتوقعات صادرة عن بنك أوف أمريكا ترجح أن الطلب على النفط لأغراض النقل يمكن أن يتعافى بمعدل أسرع من المتوقع سابقا كما أن تحالف "أوبك +" من المرجح أيضا أن يمدد فرض قيود أوسع على المعروض النفطي في الشهور المقبلة.
وتوقع بقاء مستوى الأسعار ضعيفا وتحت 50 دولارا للبرميل في عام 2020، مشيرا إلى أنه من الممكن أن يعود خام برنت إلى أكثر من 50 دولارا للبرميل في عام 2021 – بحسب توقعات بنوك دولية.
وذكر أن النفط الصخري الأمريكي سيكافح للعودة إلى الانتعاش مرة أخرى خاصة بعدما سجلت منصات النفط أدنى مستوى لها وتهاوت بنحو ثلاثة أرباع منذ آذار (مارس) الماضي.
من جانبه، قال روبين نوبل مدير شركة أوكسيرا الدولية للاستشارات، إن الانتعاش الجيد في الطلب على النفط في الصين يعد المكون الرئيس للاتجاه الصعودي للأسعار على الرغم من استمرار أزمة ضعف الطلب على وقود الطائرات، مشيرا إلى تطلع السوق إلى أجواء أفضل ومعنويات إيجابية في ظل التزام "أوبك +" بتخفيضاتها بالتوازي مع استمرار الطلب في التعافي.
وأشار إلى أن أبرز المخاطر والتحديات التي تهدد مسيرة تعافي الأسعار يتمثل في الموجة الثانية من عدوى فيروس كورونا في بعض الدول خاصة في الولايات المتحدة والبرازيل، إضافة إلى الصين وكوريا الجنوبية وألمانيا، مبينا أن مخاطر العودة إلى الإغلاق ما زالت قائمة في عدد من الدول كما أنه كلما زاد انتشار الفيروس أدى ذلك إلى الاحتياج إلى وقت أطول لأجل انتعاش الطلب العالمي على النفط.
من ناحيته، أكد ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أن التقلبات تهيمن على السوق بشدة وهناك حالة من عدم اليقين تسيطر على الاقتصاد العالمي، مبينا أنه على الرغم من المخاوف من موجة ثانية من جائحة كورونا انتعشت أسواق النفط في الأسبوع الماضي وأظهرت علامات على تحسن الأساسيات مع استمرار تقلص الإمدادات العالمية.
وذكر أن أحدث التقييمات الدولية للسوق يتوقع أن يعود 500 ألف برميل يوميا من النفط الصخري الأمريكي معظمه من حقل برميان الرئيس إلى السوق بحلول نهاية حزيران (يونيو) الجاري نتيجة لانتعاش الأسعار، لافتا إلى أن إحصائيات تقول إن الطلب على النفط يقارب حاليا 90 مليون برميل يوميا بزيادة خمسة ملايين برميل يوميا عن توقعات سابقة، كما ارتفعت مخزونات النفط الأمريكية بمقدار 1.7 مليون برميل بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
بدورها، ذكرت نينا أنيجبوجو المحللة الروسية ومختص شؤون التحكيم الاقتصادي، أن معنويات السوق تسير بخطى جيدة نحو التطور الإيجابي وقد ساعدها على ذلك بعض التقارير الدولية المتفائلة خاصة تقرير وكالة الطاقة الدولية الذي رفع توقعات الطلب لهذا العام بمقدار 0.5 مليون برميل يوميا مع الثقة بانتعاش الطلب في العامين الجاري والمقبل.
وأوضحت أن جهود "أوبك +" في تقييد الإمدادات وتحقيق امتثال واسع باتفاق خفض الإنتاج تؤدي إلى نتائج إيجابية وتقود إلى تعافي السوق تدريجيا وذلك بالتوازي مع تقديرات أخرى تشير إلى انخفاض المعروض الأمريكي بمقدار 0.9 مليون برميل يوميا في 2020 و0.3 مليون برميل يوميا في 2021 ما لم تؤد الأسعار المرتفعة إلى ضخ استثمارات جديدة في قطاع النفط الصخري.
وتتوقع تقارير دولية لمنظمة أوبك وبنوك استثمارية أن يصل انقطاع الإنتاج في أمريكا الشمالية إلى 2.8 مليون برميل يوميا في النصف الثاني من العام الجاري 2020 خاصة في إنتاج الولايات المتحدة وكندا.
ومن المتوقع أيضا حدوث انخفاض آخر في الإنتاج بمقدار 1.7 مليون برميل يوميا من الدول العشر غير الأعضاء في "أوبك" المشاركة في اتفاقية "أوبك +" بينما تشير مصادر ثانوية إلى أن إنتاج المنظمة بلغ 24.195 مليون برميل يوميا في أيار (مايو) الماضي بانخفاض 6.3 مليون برميل يوميا بمعدل امتثال 85.13 في المائة لاتفاق خفض الإنتاج.
وفيما يخص الأسعار، استقر النفط أمس، بعد جلسة متقلبة نتيجة حالة من الارتباك إزاء مصير الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين.
وبحسب "رويترز"، انتابت الأسواق حالة من الفزع بسبب تعليقات مفاجئة أدلى بها بيتر نافارو المستشار التجاري للبيت الأبيض قال فيها إن الاتفاق الذي كان قد جرى التوصل إليه بشق الأنفس "انتهى" لكن تأكيدات من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في وقت لاحق بأن الاتفاق لا يزال قائما هدأت الأعصاب المتوترة.
وبحلول الساعة 05:45 بتوقيت جرينتش، تراجع خام القياس العالمي برنت 26 سنتا أو ما يعادل 0.6 في المائة إلى 42.82 دولار للبرميل، بعد أن نزل في وقت سابق إلى أدنى مستوى في الجلسة عند 42.21 دولار للبرميل. وتراجع الخام الأمريكي 38 سنتا أو ما يعادل 0.9 في المائة إلى 40.35 دولار للبرميل بعد أن هبط إلى المستوى المتدني البالغ 39.76 دولار.
وبلغت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أدنى مستوياتها في أعوام منذ أن أصابت جائحة فيروس كورونا التي بدأت في الصين الولايات المتحدة بشدة. وكرر الرئيس ترمب وإدارته اتهامات لبكين بعدم الشفافية بشأن التفشي.
وانخفضت الأسعار فجأة بعد أن أبلغ نافارو "فوكس نيوز" في مقابلة أن الاتفاق التجاري مع الصين "انتهى"، وربط الانهيار بشكل جزئي بعدم دق بكين ناقوس الخطر في وقت سابق بشأن تفشي فيروس كورونا.
لكنه أصدر لاحقا بيانا قال فيه إنه كان "يتحدث عن الافتقار إلى الثقة" في الإدارة الصينية، وإن التصريحات "انتزعت بشكل حاد من سياقها" وإن الاتفاق التجاري ما زال قائما.
وارتفعت الأسعار في وقت سابق من الجلسة، ومع إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية في بعض الولايات الأمريكية والدول في أنحاء العالم بعد إجراءات العزل العام المرتبطة بفيروس كورونا تعزز الاتجاه الصعودي بفضل عودة الطلب على الوقود. وفي نيويورك، اكتظت الشوارع بالسيارات مع خروج أكثر مدن الولايات المتحدة تضررا من إجراءات عزل عام استمرت لأكثر من 100 يوم. كما قدم التوتر في الشرق الأوسط بعض الدعم لأسعار النفط.
وعلى جانب الإمدادات، خفضت شركات الطاقة في الولايات المتحدة وكندا عدد منصات الحفر النفطية العاملة إلى مستوى قياسي منخفض.
ورفع بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرش توقعه لأسعار النفط للعام الجاري، متوقعا أن يبلغ متوسط سعر برنت 43.70 دولار للبرميل في 2020 ارتفاعا من تقدير سابق عند 37 دولارا.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 38.96 دولار للبرميل أمس الأول مقابل 39.45 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول تراجع عقب عدة ارتفاعات متتالية، كما أن السلة كسبت نحو ثلاثة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 35.09 دولار للبرميل.