عرض مشاركة واحدة
قديم 20-08-2014, 05:57 PM   #1
طلال خالد
عضو فضي


الصورة الرمزية طلال خالد
طلال خالد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 6422
 تاريخ التسجيل :  April 2014
 أخر زيارة : 12-06-2019 (08:56 AM)
 المشاركات : 214 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الأحتيال والتغرير



أكل أموال الناس عن طريق الاحتيال،أو التغريرأو بهما معاً


جاءت الشريعة الإسلامية بالمحافظة على الأموال، واهتمت بذلك اهتماماً بالغاً، بل جعلت ذلك من الضرورات الخمس، ومن مظاهر حماية الشريعة لأموال الناس، ما يأتي:-
1- حرمت أكل أموال الناس بالباطل، والنصوص الشرعية في ذلك كثيرة.
2- رتبت العقوبات الحدية والتعزيرية على من يعتدي على أموال الناس.
3-أباحت للشخص الدفاع عن ماله، ولو أدى ذلك إلى قتل الصائل على المال.
4-أوجبت التضمين على من أتلف مال غيره، سواء بالمباشرة أو التسبب.
5- نهت عن بيوع الغرر والجهالة.
6- حرمت الرشوة وحذرت منها .
7- نهت عن الغش والتدليس في المعاملات، التي هي ركن في جريمة الاحتيال، والتغرير.


ونظراً لقلة الوازع الديني عند بعض الناس في هذه الأزمنة المتأخرة، كثر الاعتداء على أموال الناس وأكلها بالباطل، وزين لهم الشيطان عملهم، ونسي هؤلاء أو تناسوا أن النبي –صلى الله عليه وسلم- امتنع عن الصلاة على من مات وعليه دين يسير، كما بين أن الشهيد يغفر له كل شيء عدا الدين، هذا فيما يتعلق بالدين فقط، فما بالك بمن أكل أموال الناس بطريق الاحتيال، أو التغرير بهم، وأثرى على حسابهم بسبب باطل.
وتفصيل أحكام الاحتيال، والتغرير لا يمكن أن يكون في مقال مختصر، وإنما يحتاج إلى أبحاث متخصصة، ولكني أحببت هنا بيان بعض الوقفات المتعلقة بالاحتيال والتغرير:-


1- يُعَرَّفُ الاحتيال باعتباره من الجرائم الواقعة على الأموال بأنه (الاستيلاء على مال مملوك للغير بخداعه، وحمله على تسليم ذلك المال).
2- يُعرَّف التغرير بأنه:- (هو أن يخدع أحد العاقدين الآخر بوسائل احتيالية، قولية أو فعلية تحمله على الرضا بما لم يكن يرضى به بغيرها).
3-الاحتيال يدخل ضمن النظام الجنائي، والتغرير يدخل ضمن النظام المدني، وكل منهما يعتبر التدليس ركناً فيه، والتدليس في كلا النظامين –الجنائي والمدني- لا يختلف من حيث الطبيعة، فهو يهدف إلى إيقاع المجني عليه في الغلط، ويؤدي إلى أن يقوم المجني عليه بعمل لا يمكن أن يقوم به لو عرف الحقيقة ،ومع ذلك يختلف التدليس في النظامين-الجنائي والمدني-إذ أن النظام المدني يكتفي بمجرد الكذب أو الكتمان لبطلان التصرف، وهذا وحده لا يكفي لترتيب المسؤولية الجنائية، لأن النظام الجنائي لا يتدخل في معاملات الناس إلا في الحالات الضرورية، وعندما تـُمثَـِّل أفعال الجاني نفسيةً خطرةً، ولذلك ينص القانون الجنائي على طرق التدليس على سبيل الحصر، وبناء عليه فإنه يترتب على ثبوت التدليس في الاحتيال ثبوت التغرير، ولا عكس، بمعنى أنه في حالات كثيرة يمكن عدم ثبوت الاحتيال لكن يثبت التغرير الموجب للضمان، إذ أنه يكفي في ثبوته مجرد الكذب، أو الكتمان.
4- يترتب على ثبوت الاحتيال، الحق العام، والحق الخاص، ويترتب على ثبوت التغرير الحق الخاص، وهو الضمان.
5-المسؤولية في الاحتيال تلحق كلاً من الأصيل والوسيط، ويترتب عليها مسؤولية جنائية، ومدنية.
6-أيضاً تلحق المسؤولية في التغرير كلاً من الأصيل والوسيط.
7- يحق للمتضرر بسبب الاحتيال أو التغرير أن يطالب كلاً من الأصيل والوسيط، بل إن مطالبة المتضرر للوسيط أولى من مطالبته للأصيل، لأن الوسيط هو الذي أخذ المال، فهو المتلف له، سواء أكان ذلك عن طريق المباشرة أم التسبب، وبإمكان الوسيط أن يرجع على الأصيل بعد ذلك، وهذا يدل عليه قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فإن يد الوسيط هي التي أخذت مال المتضرر فتتوجه المطالبة عليه، ومتى ثبت عليه الاحتيال أو التغرير ضمن، ولا ينفع الوسيط هنا أن يكون قد أخذ سنداً من المتضرر يفيد براءة ذمته، لأن ذلك داخل ضمن عملية الاحتيال، أو التغرير فهو داخلٌ ضمن أركانها.
8- على افتراض عدم ثبوت الاحتيال، وعدم ثبوت التغرير، وإنما لحق الأصيل أو الوسيط مسؤولية التقصير، فإنه يلزمه الضمان، وهذا مما تتفق عليه الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، وهو داخل في الشريعة الإسلامية ضمن الضمان، وداخل في القوانين الوضعية ضمن المسؤولية المدنية.
9- صور الاحتيال والتغرير كثيرة، لكن نذكر منها ما يأتي:-
أ-استعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام المجني عليه بوجود مشروع كاذب، أو حادث، أو أمر لاحقيقة له، أو إحداث الأمل عند المجني عليه بربح وهمي، أو بتسديد المبلغ الذي أُخذ بطريق الاحتيال، أو الإيهام بوجود سند دين غير صحيح، أو سند مخالصة مزور.
ب-التصرف في مال منقول أو غير منقول وهو يعلم أنه ليس له صفة للتصرف فيه.
جـ-الإيهام باستيراد سلع وبيعها مع عدم حصول شيء من ذلك.
د- تدوير أموال الناس، وإعطاء أرباح للسابقين من أموال اللاحقين.
هـ- أخذ عمولات على مجرد تدوير الأموال.
و- أخذ عمولات فاحشة على عمليات بيع صورية، والإثراء على حساب الآخرين بسبب باطل.
ز- من صور الاحتيال على الناس، أو التغرير بهم قيام الوسيط بعمليات بيع للأصيل مع معرفته عدم قدرة الأصيل على الأداء، وقيام الوسيط بتدوير الأموال على الأصيل، وأخذ عمولات على ذلك.
10- تستعمل جميع وسائل الإثبات المتاحة لإثبات الاحتيال أو التغرير، وينبغي الاهتمام بالوسائل الآتية:-
أ- الشهود، خاصة ممن يعملون مع الأصيل أو الوسيط.
ب- كشوفات الحسابات البنكية، فهي قرائن قوية على ثبوت الاحتيال أو التغرير.
جـ - النظر إلى الحالة المادية للمتهم، أو المدين قبل الاحتيال، أو التغرير، وبعده، فإن الثراء الفاحش في فترة قصيرة مخالف للعرف والعادة عند التجار وغيرهم، وهو يمثل إثراءً على حساب الغير بدون سبب مشروع، وذلك يعتبر قرينة قوية وظاهرة على الإدانة، وثبوت المسؤولية، وقد كان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– يعتمد على ذلك في محاسبته لعماله، ويقول لهم: من أين لك هذا؟! وهو بهذا قد قرر هذا المبدأ قبل القوانين الوضعية، والحسابات البنكية تفيد كثيراً في إثبات هذه الواقعة. ولو أهمل القضاء العمل بالقرائن لضاعت كثيرٌ من الحقوق، ولذا نجد قضاة السلف يهتمون بها، ويبنون عليها أقضيتهم.
هـ- قيام المتهم أو المدين بتهريب أمواله بأي صورة من الصور ومن ذلك نقل ملكيتها باسم غيره، فهذه قرينة قوية على الإدانة وثبوت المسؤولية.
وللعلم فإن قيام المتهم أو المدين بتهريب أمواله يعتبر في أنظمة الدول الأخرى جريمة مستقلة يعاقب عليها القانون، وذلك لخطورتها حيث تفضي إلى ضياع أموال الناس، وغيابها عن عين العدالة.
11- جرائم النصب والاحتيال، وكذا الخيانة والغش والتدليس من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، لأنها تدل على ضعف الوازع الديني، فإذا ثبتت على شخص وكان موظفاً عاماً لحقته المسؤولية التأديبية.





بحث فقهي لـــ // د. ناصر بن مبارك محمد الجوفان


 


رد مع اقتباس