دانية أركوبي
الخميس 25 ديسمبر 2025 12:42


كان الذهب وتابعوه من الملاذات الآمنة على مر العصور مصدر ثقة وأداة تحوط ضد التقلبات غير المتوقعة. ولكن لم يتحول إلى أداة للمضاربة مثلما شهدناه في 2025. تحولت الأصول المستقرة إلى هوس يسيطر على فكر وبحث الأفراد والمؤسسات وحتى الحكومات على مدار الساعة. صحيح أن العالم يعج بصدمات تغذي الاتجاه الصعودي لتلك المعادن، إلا أن معدلات الطلب ومستويات الأسعار تعطي جرس إنذار عن ظاهرة جديدة لم نعتد عليها في أشد الأزمات وأحلك الظروف على مدار العقود السابقة.

منذ بداية 2025 صعد الذهب بأكثر من 65%، فيما تضاعفت أسعار الفضة بأكثر من 130%. إضافة إلى تدفق الأموال على العملات المشفرة لتتجاوز أسعارها مستويات قياسية. معدلات الارتفاع المبالغ فيها أن كانت تدل على شيء، فهو فقدان الأفراد والمؤسسات الثقة في أنظمة مالية واستثمارية شاركت في تأسيسها على مدار عقود، وانقلاب الأصول التقليدية الآمنة إلى أخرى عالية المخاطر.

هذا التحول غذته بيئة عالمية غير مستقرة، من حروب التجارة والسياسة، إلى التضخم وتآكل قيمة المدخرات، وصولاً إلى خفض أسعار الفائدة وانهيار المعنويات الاقتصادية، وأخيراً البنوك المركزية التي أشعلت الطلب على الذهب، بهدف تنويع احتياطاتها، وبدأ بعضها في بناء احتياطي من العملات المشفرة.

بالتالي في نظر كثير من المستثمرين لم تعد الملاذات المعتادة استثمار خامل يحافظ على قيمة المال الحقيقية فقط، وإنما أصل يمكنه تحقيق أكبر قدر من الأرباح والعوائد في فترة قصيرة. ومن هنا تحول مسار هذه الملاذات من الأمان إلى المخاطرة، ومن التحوط إلى المضاربة.

تحمل الأسعار الجديدة أخبار سيئة للاقتصاد الحقيقي، فمدخرات الأسر واستثمارات الصناديق، واحتياطيات البنوك المركزية بدلاً من أن تغذي النشاط الاقتصادي عبر الاستثمار المباشر في المشاريع والأسهم والسندات. تتحول اليوم إلى استثمار خامل وتسرب اقتصادي، وكلما استمر الارتفاع ستزادد الأزمة تعقيداً. ما قد يدخل الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود نتيجة ضعف الاستثمار، وتآكل الاستهلاك، وتسريح العاملين.

مع بداية 2026، ومع احتمالية خفض التوترات الجيوسياسية، والوصول لتفاهمات تجارية بين القوى الكبرى تجنبهم الصدام وتحافظ على حرية التجارة. بجانب استقرار التضخم، وإدراك المؤسسات المالية والنقدية أن تغذية هذا الاتجاه ستكون له عواقب وخيمة، فإن أسعار الأصول التقليدية ستشهد موجه تصحيحية، حيث ستستقر الأسعار ومن ثم تبدأ في الانخفاض حتى تصل إلى نقطة التوازن.

ولكن السؤال الأصعب، هل تتحول هذه المضاربة إلى فقاعة محتملة في المدى القصير؟ على مدى العقود الأخيرة، حتى في أصعب الصدمات الاقتصادية من ركود الثلاثينيات إلى أزمة 2008 لم يشهد الذهب فقاعة. هذا الأمر أكثر ارتباط بعوامل نفسية وتاريخية. فالذهب على مدار العصور وإن كانت استخداماته الفعلية منخفضة إلا أنه يظل معيار للثروة، من يمتلك الذهب يمتلك القوة والاستقرار والتجارة. ومن هنا تأتي نظرة الأفراد للذهب، وحدوث فقاعة بالنسبة له هو أمر مستبعد في وقتنا الحالي.

بالنسبة للفضة فالاحتمالية أقل مقارنة بالذهب ولكنها تظل مطروحة وبخاصة مع الصعود غير المبرر خلال 2025. العملات المشفرة والذي يمكن وصفها بالفخ، فالذهب والفضة هي أصول ملموسة تعطي أريحية لحاملها. ولكن هذا القطاع الذي يتدفق إليه مئات المليارات من الدولارات سنوياً، وأسباب صعودها وهبوطها غير واضحة حتى الآن، ولا تحظى بقبول كثير من المؤسسات الرسمية حتى الآن. وتبقى إمكانية دخولها في فقاعة حاضرة على المدى القصير.

في الختام قد ينظر إلى 2025 مستقبلاً على أنه العام الذي توقفت فيه الملاذات الآمنة عن التصرف بأمان. فقد أعيد تقديم الأصول التي طالما قدرت بالاستقرار وضبط النفس باعتبارها أدوات لتحقيق مكاسب سريعة. ولا تقتصر أهمية هذا التحول على الرسوم البيانية للأسعار فحسب، فعندما تتحول مخازن القيمة إلى موضع هوس، تضعف الثقة في الاقتصاد الحقيقي، ويتراجع رأس المال عن الإنتاج، وتتراكم المخاطر بهدوء في ملاذات صممت بالأساس لامتصاصها.

مستشارة اقتصادية