فواز الفواز
الثلاثاء 10 ديسمبر 2024
إذا أردت أن تبدأ حيث انتهى الآخرون لابد من جودة الطاقم البشري عامة، وخاصة المستقدم لأنه من المفترض أن ينقل لنا المعرفة الفنية والتنظيمية من ناحية ويسد الطلب الآني من ناحية أخرى. قبل القفز بالمطالبة بجودة الأيدي العاملة أول تحدي في تحديد طبيعة الاقتصاد، لأنه يحدد طبيعة الطلب الإضافي وتعظيم الاستفادة منه. تشير أرقام هيئة الإحصاءات العامة إلى تواضع أرقام النمو الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية.
محاولة الاقتصاد ونجاحه في تنمية الاقتصاد غير النفطي يجعل الطلب على الأيدي العاملة مختلف وأكثر قابلية للتغير لأن الخدمات أقصر مدة في التوظيف وأحيانا أعلى مهارة ومختلفة في الأعداد وحتى ساعات العمل، لذلك التحدي أمام صانع السياسية البشرية وأصحاب العمل في القطاع الخاص أعلى. يعرف متابعو هذا العمود مدى تحفظي على دور هذا المعيار على ما يحدث للاقتصاد الوطني، السبب يعود إلى تغير في مكونات الدخل القومي الإجمالي.
الأهم هنا أن طبيعة الاقتصاد في مكوناته الرئيسية وتوجهات الرؤية المباركة تضغط على المهتم بكفاءة الأيدي العاملة، بالتالي جودة النمو من حيث الإنتاجية وتوطين المعرفة ورشاقة الاقتصاد ومرونته، بالتالي قدراته التنافسية. لذلك أرى أن هذا من أهم المواد الاقتصادية للاهتمام.
اختارت السعودية التوسع الاقتصادي الذي يختلف عن النمو، لكنه يتطابق معه في أغلب الأحيان لذلك لا يلام من يخطئ التفريق منهجيا بالتالي المطالبة بأيدي عاملة بالعدد والسرعة التي تجعل المطالبة بالكفاءة عمليا عاملا ثانويا في أغلب الظروف.
الإشكالية أنه في الاقتصاد ليس هناك غداء مجاني، لا تستطيع أن تكون في مساحتين في الوقت نفسه، فما تختار التوسع أو النمو العضوي. أعرف النمو العضوي بالذي يعتمد على الإنتاجية، بينما التوسع يعتمد أكثر على استقدام العمالة بإعداد كبيرة، طبعا هناك نواح أخرى لكن لن نتطرق لها بسبب مساحة العمود. العامل الآخر هو ما يبدو أن السعودية ترى أن لها دور مهم في مساعدة عدة دول عربية اقتصاديا من حيث فائض الأيدي العاملة، بالتالي إذا صح هذا الطرح فهناك قبول ضمني لتوزيع لا يتماشى مع الكفاءة الاقتصادية في أغلب الأحيان.
لا أعرف إذا هذا جزء من سياسة عامة ولكنه يذكر كثيرا. ربما الأهم ليس جنسيات الأيدي العاملة ولكن مرحلة الاقتصاد الوطني وطبيعة الطلب والقدرة على الفحص والتمحيص بمعايير الكفاءة الأكاديمية والفنية يعين على دور هؤلاء بالمقارنة مع تأهيل المواطن من ناحية والاستحقاق التطويري من ناحية أخرى.
الاهتمام بجودة الأيدي العاملة نتيجة لنوع الخيارات الاقتصادية. فخيار التوسع سيتقبل كل أنواع العمالة دون تمحيص لأننا في عجلة من الأمر على سلم الزمن من ناحية ولأن التوسع أفقي لذلك نحتاج كل نوع من كل بلد لأن طبيعة التوسع الأفقي تقتضي توافر الكل، فبدلا من صيدلية أو 2 في كل حي تجد 5 أو 6 صيدليات. تصبح الصيدلية أقل ربحية بالتالي تدفع أجر غير مناسب للطامح السعودي. لذلك يجد خريجي كليات الصيدلة السعوديين منافسة غير واقعية، و كذلك في طب الأسنان بالرغم من كل البرامج الطموحة لحل إشكالية توظيفهم بأجر معقول وربما الأهم حمايتهم من منافسة غير نزيهة.
هناك مسعى طيب وحثيث لرفع الجودة من حيث الاختبارات المهنية والبعثات لكن في الأخير تحتاج سياسة حمائية من ناحية والمحافظة على حد أدنى من المنافسة الشريفة من خلال إدارة حصيفة للعرض والطلب يعين على رفع الجودة والأجر التنافسي.