mustathmer
10-07-2017, 02:46 AM
مفهوم الردء في جريمة الحرابة .
أولا : تعريف الردء لغة واصطلاحا
أ- التعريف اللغوي
( ردأ ) رَدأَ الشيءَ بالشيءِ جعَله له رِدْءاً وأَرْدَأَهُ أَعانَه وتَرادأَ القومُ تعاونوا وأَرْدَأْتُه بنفسي إِذا كنت له رِدْءاً وهو العَوْنُ قال اللّه تعالى" فأَرْسِلْه مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُني" (القصص 34). والرِّدْءُ المُعِينُ وفي وصية عُمر رضي اللّه عنه عند مَوتِه "وأُوصِيه بأَهل الأَمصار خيراً فإِنهم رِدْءُ الإِسلامِ وجُباةُ المالِ " أي عون الإسلام . (لسان العرب ).
ب- المعنى الاصطلاحي :
أما معناه اصطلاحا فلم أقف فيما بين يدي على تعريف شامل له مستقلا إلا انه بالمفهوم العام نجد انه لايختلف كثيرا عن مفهومه في اللغة. قال صاحب شرح المنتهى (وَرِدْءُ ) مُحَارِبٍ : مُبْتَدَأٌ ، أَيْ : مُسَاعِدُهُ وَمُغِيثُهُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ( وَطَلِيعٍ ) يَكْشِفُ لِلْمُحَارِبِ حَالَ الْقَافِلَةِ لِيَأْتُوا إلَيْهَا
ولذلك يمكن أن نقوم بتعريفه من خلال فعله أو دوره في الجريمة فنقول " هو المشترك مع المحارب في تنفيذ الجريمة بفعل أو أفعال دون أفعال المحارب "
فمن خلال هذا التعريف نخرجه عن مباشرة الفعل إذ أن الشخص إذا كان مباشرا للجريمة مع المحاربين فلا يسمي ردءا ومعينا لهم بل يسمى (محاربا مباشرا) . وقولنا بفعل أو أفعال دون فعل المحارب يخرج الأفعال التي يقوم بهاالردء عن الفعل الأصلي وهو مباشرة الجريمة .
نستنتج من التعريف السابق أن الردء في الجريمة لكي يكون ردءا بالمفهوم الذي ذكرنا يختلف عن المباشر للجريمة في أمرين هما :
الأول : عدم مباشرة تنفيذ الجريمة الموجبة لحد الحرابة كالقتل أو السلب أو انتهاك العرض بالقوة .
الثاني : الأفعال التي يقوم بها أثناء الجريمة . أو الدور المناط به في تنفيذها .
ومن أمثلة الأفعال التي يقوم بها الردء 1- استطلاع القافلة 2- حراسة المباشرين للجريمة 3- التخطيط للجريمة . 4- إصدار الأوامر كـ(رؤساء العصابات وما شابه ) 5-وفي قضايا خطف واستدراج الغلمان كمن يقوم بالاستدراج للآخرين 6- تكثير المحاربين (ذكره بعض الفقهاء ) . وهذه أمثلة فقط ولايمكن حصر أفعال الردء في جريمة الحرابة .
ثانيا : حكم الردء في جريمة الحرابة .اختلف العلماء في حكمه على قولين :
القول الأول انه يأخذ حكم المباشر أي يجب عليه حد الحرابة وهو رأي الجمهور من الحنابلة والمالكية والحنفية ويرون أن الحد الواجب على الردء هو الحد المحكوم به على المباشر ( سواءا أكان الحد المحكوم به على المباشر القتل , أو القتل والصلب , أو القطع من خلاف أو النفي من الأرض ......الخ ) .
ولذلك يقول صاحب شرح المنتهى : (وَرِدْءُ ) مُحَارِبٍ : مُبْتَدَأٌ ، أَيْ : مُسَاعِدُهُ وَمُغِيثُهُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ( وَطَلِيعٍ ) يَكْشِفُ لِلْمُحَارِبِ حَالَ الْقَافِلَةِ لِيَأْتُوا إلَيْهَا ( كَمُبَاشِرٍ )أهـ .أي حكمه حكم المباشر في وجوب الحد .
ثم فصل القول بعد ذلك بذكر الأمثلة فقال : ( وَلَوْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْمُحَارِبِينَ الْمُكَلَّفِينَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا ( ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتُوبُوا قَتَلَ مَنْ قَتَلَ وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّدْءِ ( وَإِنْ قَتَلَ بَعْضٌ ) لِأَخْذِ الْمَالِ ( وَأَخَذَ الْمَالَ بَعْضٌ ) آخَرَ ( تَحَتَّمَ قَتْلُ الْجَمِيعِ وَصَلْبُهُمْ ) كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْهُمْ. أهـ.
وقال صاحب الإنصاف : ( وَحُكْمُ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ ) .هَذَا الْمَذْهَبُ .وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَكَذَلِكَ الطَّلِيعُ . وقال أيضا "وَالْغَالِبُ مِنْ السُّعَاةِ : قَطْعُ الطَّرِيقِ ، وَالتَّلَصُّصُ بِاللَّيْلِ وَالْمُشَارَكَةُ بِأَعْوَانٍ ، بَعْضُهُمْ يُقَاتِلُ أَوْ يَحْمِلُ ، أَوْ يُكَثَّرُ ، أَوْ يَنْقُلُ .فَقَتَلْنَا الْكُلَّ أَوْ قَطَعْنَاهُمْ حَسْمًا لِلْفَسَادِ ." أهـ .
وقال ابن قدامة في المغني وَحُكْمُ الرِّدْءِ مِنْ الْقُطَّاعِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ .
وقال صاحب كشاف القناع وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ ) أَيْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْهُمْ ( فَيَجِبُ قَتْلُ الْكُلِّ ) لِأَنَّ حُكْمَ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ. أهـ
القول الثاني انه لا يجب عليه الحد وإنما يجب عليه التعزير
وممن قال به الشافعي رحمه الله وهو المعتمد لدى الشافعية .
قال صاحب كتاب المجموع):ولا يجب ما ذكرناه من الحد إلا على من باشر القتل أو أخذ المال فأما من حضر ردءا لهم أو عينا فلا يلزمه الحد .) أهـ.
وفي كتاب روضة الطالبين :
وفيما يعاقب به الردء وجهان أصحهما يعزره الإمام باجتهاده بالحبس أو التغريب أو سائر وجوه التأديب كسائر المعاصي والثاني يغربه بنفيه إلى حيث يرى وليختر جهة يحف بها أهل النجدة من أصحاب الإمام وإذا عين صوباً منعه العدول إلى غيره وعلى هذا هل يعزر في البلد المنفي إليه بضرب وحبس وغيرهما أم يكفي النفي وجهان.قلت الأصح أنه إلى رأي الإمام وما اقتضته المصلحة والله أعلم.(أهـ ).
وقال ابن قدامة :وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ عَلَى الرِّدْءِ إلَّا التَّعْزِيرُ (أهـ ).
ثالثا :
ادلة القائلين بالحد:
1-يستدل القائلون بوجوب الحد بعموم قول الله تعالى :{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33
قال ابن قدامة رحمه الله (وَلَنَا أَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَارَبَةِ ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ ، كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَنَعَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُبَاشِرُ مِنْ فِعْلِهِ إلَّا بِقُوَّةِ الرِّدْءِ ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ .
فَعَلَى هَذَا ، إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ ، فَيَجِبُ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ .
وَإِنْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ الْمَالَ ، جَازَ قَتْلُهُمْ وَصَلْبُهُمْ ، كَمَا لَوْ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (أهـ ).
2- ويمكن أن يستدل لهم بقاعدة سد الذرائع ولذلك قال في الانصاف (فَقَتَلْنَا الْكُلَّ أَوْ قَطَعْنَاهُمْ حَسْمًا لِلْفَسَادِ.) أهـ.
رابعا :
أدلة القائلين بالتعزير :
يستدل القائلون بالتعزير بما يلي :
1- عموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، أو قتل. ) والردء لم يكن مباشرا للجريمة فسقط عنه الحد ووجب في حقه التعزير .
2- ذكر ابن قدامة من أدلتهم العقلية (أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعِينِ ، كَسَائِرِ الْحُدُود أهـ ). ِفمن أعان على وقوع الزنا كالقواد مثلا , لا يجب عليه الحد وإنما يجب عليه التعزير فكذلك من أعان على وقوع جريمة الحرابة قياسا على المعين على سائر الحدود .
خامسا :
الردء من غير أهل الحدود
تحرير المسألة :
لا خلاف بين العلماء أن الردء إذا كان من غير أهل الحدود فانه لا يجب عليه الحد قولا واحد وذلك لان الجمهور القائلين (بوجوب الحد على الردء كالمباشر ) يعنون به أصحاب الحدود والشافعية لايوجبون الحد على الردء من أهل الحدود تبعا لرايهم الفقهي فمن باب الأولى فان الحكم في مذهب الشافعية عدم وجوب الحد على الردء من غير أهل الحدود .
إذا ثبت ذلك فان الخلاف وقع بينهم في مسالة سقوط الحد عن الجميع إذا كان الردء من غير أهل الحدود . بمعنى هل يسقط الحد عن المحارب إذا اشترك في الجريمة ردءا من غير أهل الحدود كصبي ومجنون .
أو بمعنى آخر هل اشتراك ردءٍ من غير أهل الحدود مع مباشرين من أهل الحدود من مسقطات حد الحرابة ؟
اختلف أهل العلم في المسألةعلى قولين
القول الأول :يرى جمهور العلماء أن الردء من غير أهل الحدود لا يسقط حد الحرابة عن المباشرين للجريمة بل يثبت الحد عليهم ويسقط الحد عن الردء في هذه الحالة وهو رأي الجمهور من الحنابلة والمالكية .
قال ابن قدامة رحمه الله ( وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ ، أَوْ مَجْنُونٌ ، أَوْ ذُو رَحِمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْ غَيْرِهِ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .َفعَلَى هَذَا ، لَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِنْ بَاشَرَا الْقَتْلَ وَأَخَذَا الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْحُدُودِ ، وَعَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَا أَخَذَا مِنْ الْمَالِ فِي أَمْوَالِهِمَا ، وَدِيَةُ قَتِيلِهِمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ،وَلَا شَيْءَ عَلَى الرِّدْءِ لَهُمَا. (أهـ).
الرأي الثاني:
أن اشتراك ردء من غير أهل الحدود مع مباشرين من أهل الحدود يسقط الحد عن الجميع . وإذا كان المباشرين في جريمتهم قد باشروا جريمة القتل فان القتل يصير للأولياء إن شاءوا قتلوا وان شاءوا عفوا (بمعنى أن الحد يسقط عن المباشرين ) .
ومن أدلتهم أن الشبهة تدرأ الحدود فالشبهة في فعل الردء شبهة في حق المباشر .
ويرد عليهم بان الشبهة التي يختص بها البعض دون البعض لا تسقط الحد عن الباقين.
سادسا:اشتراك الردء من غير أهل الحدود مع مباشر من غير أهل الحدود .
يرى العلماء انه لاحد على الجميع (المباشر والردء ) ولكن عليهم ضمان المال ويسقط القصاص في حقهم والدية على عاقلتهم.
قال ابن قدامة ( لَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِنْ بَاشَرَا الْقَتْلَ وَأَخَذَا الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْحُدُودِ ، وَعَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَا أَخَذَا مِنْ الْمَالِ فِي أَمْوَالِهِمَا ، وَدِيَةُ قَتِيلِهِمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ،وَلَا شَيْءَ عَلَى الرِّدْءِ لَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِلْمُبَاشِرِ ، لَمْ يَثْبُتْ لِمَنْ هُوَ تَبَعٌ لَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَإِنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ غَيْرَهُمَا ، لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِمَا حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الرِّدْءِ ثَبَتَ بِالْمُحَارَبَةِ .
و قال في شرح المنتهى :
( فَرِدْءٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَهُوَ ) أَيْ : الْمُبَاشِرِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَيَضْمَنُ الرِّدْءُ الْمُكَلَّفُ مَا بَاشَرَ أَخْذَهُ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَلَا حَدَّ لِأَنَّ الرِّدْءَ تَبَعٌ لِلْمُبَاشِرِ وَدِيَةُ قَتِيلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
ومعنى ذلك أن الردء غير المكلف حكمه كالمباشر الغير مكلف ولا حد عليهما
أولا : تعريف الردء لغة واصطلاحا
أ- التعريف اللغوي
( ردأ ) رَدأَ الشيءَ بالشيءِ جعَله له رِدْءاً وأَرْدَأَهُ أَعانَه وتَرادأَ القومُ تعاونوا وأَرْدَأْتُه بنفسي إِذا كنت له رِدْءاً وهو العَوْنُ قال اللّه تعالى" فأَرْسِلْه مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُني" (القصص 34). والرِّدْءُ المُعِينُ وفي وصية عُمر رضي اللّه عنه عند مَوتِه "وأُوصِيه بأَهل الأَمصار خيراً فإِنهم رِدْءُ الإِسلامِ وجُباةُ المالِ " أي عون الإسلام . (لسان العرب ).
ب- المعنى الاصطلاحي :
أما معناه اصطلاحا فلم أقف فيما بين يدي على تعريف شامل له مستقلا إلا انه بالمفهوم العام نجد انه لايختلف كثيرا عن مفهومه في اللغة. قال صاحب شرح المنتهى (وَرِدْءُ ) مُحَارِبٍ : مُبْتَدَأٌ ، أَيْ : مُسَاعِدُهُ وَمُغِيثُهُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ( وَطَلِيعٍ ) يَكْشِفُ لِلْمُحَارِبِ حَالَ الْقَافِلَةِ لِيَأْتُوا إلَيْهَا
ولذلك يمكن أن نقوم بتعريفه من خلال فعله أو دوره في الجريمة فنقول " هو المشترك مع المحارب في تنفيذ الجريمة بفعل أو أفعال دون أفعال المحارب "
فمن خلال هذا التعريف نخرجه عن مباشرة الفعل إذ أن الشخص إذا كان مباشرا للجريمة مع المحاربين فلا يسمي ردءا ومعينا لهم بل يسمى (محاربا مباشرا) . وقولنا بفعل أو أفعال دون فعل المحارب يخرج الأفعال التي يقوم بهاالردء عن الفعل الأصلي وهو مباشرة الجريمة .
نستنتج من التعريف السابق أن الردء في الجريمة لكي يكون ردءا بالمفهوم الذي ذكرنا يختلف عن المباشر للجريمة في أمرين هما :
الأول : عدم مباشرة تنفيذ الجريمة الموجبة لحد الحرابة كالقتل أو السلب أو انتهاك العرض بالقوة .
الثاني : الأفعال التي يقوم بها أثناء الجريمة . أو الدور المناط به في تنفيذها .
ومن أمثلة الأفعال التي يقوم بها الردء 1- استطلاع القافلة 2- حراسة المباشرين للجريمة 3- التخطيط للجريمة . 4- إصدار الأوامر كـ(رؤساء العصابات وما شابه ) 5-وفي قضايا خطف واستدراج الغلمان كمن يقوم بالاستدراج للآخرين 6- تكثير المحاربين (ذكره بعض الفقهاء ) . وهذه أمثلة فقط ولايمكن حصر أفعال الردء في جريمة الحرابة .
ثانيا : حكم الردء في جريمة الحرابة .اختلف العلماء في حكمه على قولين :
القول الأول انه يأخذ حكم المباشر أي يجب عليه حد الحرابة وهو رأي الجمهور من الحنابلة والمالكية والحنفية ويرون أن الحد الواجب على الردء هو الحد المحكوم به على المباشر ( سواءا أكان الحد المحكوم به على المباشر القتل , أو القتل والصلب , أو القطع من خلاف أو النفي من الأرض ......الخ ) .
ولذلك يقول صاحب شرح المنتهى : (وَرِدْءُ ) مُحَارِبٍ : مُبْتَدَأٌ ، أَيْ : مُسَاعِدُهُ وَمُغِيثُهُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ( وَطَلِيعٍ ) يَكْشِفُ لِلْمُحَارِبِ حَالَ الْقَافِلَةِ لِيَأْتُوا إلَيْهَا ( كَمُبَاشِرٍ )أهـ .أي حكمه حكم المباشر في وجوب الحد .
ثم فصل القول بعد ذلك بذكر الأمثلة فقال : ( وَلَوْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْمُحَارِبِينَ الْمُكَلَّفِينَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا ( ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتُوبُوا قَتَلَ مَنْ قَتَلَ وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّدْءِ ( وَإِنْ قَتَلَ بَعْضٌ ) لِأَخْذِ الْمَالِ ( وَأَخَذَ الْمَالَ بَعْضٌ ) آخَرَ ( تَحَتَّمَ قَتْلُ الْجَمِيعِ وَصَلْبُهُمْ ) كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْهُمْ. أهـ.
وقال صاحب الإنصاف : ( وَحُكْمُ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ ) .هَذَا الْمَذْهَبُ .وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَكَذَلِكَ الطَّلِيعُ . وقال أيضا "وَالْغَالِبُ مِنْ السُّعَاةِ : قَطْعُ الطَّرِيقِ ، وَالتَّلَصُّصُ بِاللَّيْلِ وَالْمُشَارَكَةُ بِأَعْوَانٍ ، بَعْضُهُمْ يُقَاتِلُ أَوْ يَحْمِلُ ، أَوْ يُكَثَّرُ ، أَوْ يَنْقُلُ .فَقَتَلْنَا الْكُلَّ أَوْ قَطَعْنَاهُمْ حَسْمًا لِلْفَسَادِ ." أهـ .
وقال ابن قدامة في المغني وَحُكْمُ الرِّدْءِ مِنْ الْقُطَّاعِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ .
وقال صاحب كشاف القناع وَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ ) أَيْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْهُمْ ( فَيَجِبُ قَتْلُ الْكُلِّ ) لِأَنَّ حُكْمَ الرِّدْءِ حُكْمُ الْمُبَاشِرِ. أهـ
القول الثاني انه لا يجب عليه الحد وإنما يجب عليه التعزير
وممن قال به الشافعي رحمه الله وهو المعتمد لدى الشافعية .
قال صاحب كتاب المجموع):ولا يجب ما ذكرناه من الحد إلا على من باشر القتل أو أخذ المال فأما من حضر ردءا لهم أو عينا فلا يلزمه الحد .) أهـ.
وفي كتاب روضة الطالبين :
وفيما يعاقب به الردء وجهان أصحهما يعزره الإمام باجتهاده بالحبس أو التغريب أو سائر وجوه التأديب كسائر المعاصي والثاني يغربه بنفيه إلى حيث يرى وليختر جهة يحف بها أهل النجدة من أصحاب الإمام وإذا عين صوباً منعه العدول إلى غيره وعلى هذا هل يعزر في البلد المنفي إليه بضرب وحبس وغيرهما أم يكفي النفي وجهان.قلت الأصح أنه إلى رأي الإمام وما اقتضته المصلحة والله أعلم.(أهـ ).
وقال ابن قدامة :وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَيْسَ عَلَى الرِّدْءِ إلَّا التَّعْزِيرُ (أهـ ).
ثالثا :
ادلة القائلين بالحد:
1-يستدل القائلون بوجوب الحد بعموم قول الله تعالى :{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33
قال ابن قدامة رحمه الله (وَلَنَا أَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُحَارَبَةِ ، فَاسْتَوَى فِيهِ الرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ ، كَاسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حُصُولِ الْمَنَعَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الْمُبَاشِرُ مِنْ فِعْلِهِ إلَّا بِقُوَّةِ الرِّدْءِ ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ .
فَعَلَى هَذَا ، إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ ، فَيَجِبُ قَتْلُ جَمِيعِهِمْ .
وَإِنْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ الْمَالَ ، جَازَ قَتْلُهُمْ وَصَلْبُهُمْ ، كَمَا لَوْ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (أهـ ).
2- ويمكن أن يستدل لهم بقاعدة سد الذرائع ولذلك قال في الانصاف (فَقَتَلْنَا الْكُلَّ أَوْ قَطَعْنَاهُمْ حَسْمًا لِلْفَسَادِ.) أهـ.
رابعا :
أدلة القائلين بالتعزير :
يستدل القائلون بالتعزير بما يلي :
1- عموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، أو قتل. ) والردء لم يكن مباشرا للجريمة فسقط عنه الحد ووجب في حقه التعزير .
2- ذكر ابن قدامة من أدلتهم العقلية (أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعِينِ ، كَسَائِرِ الْحُدُود أهـ ). ِفمن أعان على وقوع الزنا كالقواد مثلا , لا يجب عليه الحد وإنما يجب عليه التعزير فكذلك من أعان على وقوع جريمة الحرابة قياسا على المعين على سائر الحدود .
خامسا :
الردء من غير أهل الحدود
تحرير المسألة :
لا خلاف بين العلماء أن الردء إذا كان من غير أهل الحدود فانه لا يجب عليه الحد قولا واحد وذلك لان الجمهور القائلين (بوجوب الحد على الردء كالمباشر ) يعنون به أصحاب الحدود والشافعية لايوجبون الحد على الردء من أهل الحدود تبعا لرايهم الفقهي فمن باب الأولى فان الحكم في مذهب الشافعية عدم وجوب الحد على الردء من غير أهل الحدود .
إذا ثبت ذلك فان الخلاف وقع بينهم في مسالة سقوط الحد عن الجميع إذا كان الردء من غير أهل الحدود . بمعنى هل يسقط الحد عن المحارب إذا اشترك في الجريمة ردءا من غير أهل الحدود كصبي ومجنون .
أو بمعنى آخر هل اشتراك ردءٍ من غير أهل الحدود مع مباشرين من أهل الحدود من مسقطات حد الحرابة ؟
اختلف أهل العلم في المسألةعلى قولين
القول الأول :يرى جمهور العلماء أن الردء من غير أهل الحدود لا يسقط حد الحرابة عن المباشرين للجريمة بل يثبت الحد عليهم ويسقط الحد عن الردء في هذه الحالة وهو رأي الجمهور من الحنابلة والمالكية .
قال ابن قدامة رحمه الله ( وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ ، أَوْ مَجْنُونٌ ، أَوْ ذُو رَحِمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ عَنْ غَيْرِهِ ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .َفعَلَى هَذَا ، لَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِنْ بَاشَرَا الْقَتْلَ وَأَخَذَا الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْحُدُودِ ، وَعَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَا أَخَذَا مِنْ الْمَالِ فِي أَمْوَالِهِمَا ، وَدِيَةُ قَتِيلِهِمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ،وَلَا شَيْءَ عَلَى الرِّدْءِ لَهُمَا. (أهـ).
الرأي الثاني:
أن اشتراك ردء من غير أهل الحدود مع مباشرين من أهل الحدود يسقط الحد عن الجميع . وإذا كان المباشرين في جريمتهم قد باشروا جريمة القتل فان القتل يصير للأولياء إن شاءوا قتلوا وان شاءوا عفوا (بمعنى أن الحد يسقط عن المباشرين ) .
ومن أدلتهم أن الشبهة تدرأ الحدود فالشبهة في فعل الردء شبهة في حق المباشر .
ويرد عليهم بان الشبهة التي يختص بها البعض دون البعض لا تسقط الحد عن الباقين.
سادسا:اشتراك الردء من غير أهل الحدود مع مباشر من غير أهل الحدود .
يرى العلماء انه لاحد على الجميع (المباشر والردء ) ولكن عليهم ضمان المال ويسقط القصاص في حقهم والدية على عاقلتهم.
قال ابن قدامة ( لَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِنْ بَاشَرَا الْقَتْلَ وَأَخَذَا الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْحُدُودِ ، وَعَلَيْهِمَا ضَمَانُ مَا أَخَذَا مِنْ الْمَالِ فِي أَمْوَالِهِمَا ، وَدِيَةُ قَتِيلِهِمَا عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ،وَلَا شَيْءَ عَلَى الرِّدْءِ لَهُمَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِلْمُبَاشِرِ ، لَمْ يَثْبُتْ لِمَنْ هُوَ تَبَعٌ لَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَإِنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ غَيْرَهُمَا ، لَمْ يَلْزَمْهُمَا شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِمَا حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ ، وَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الرِّدْءِ ثَبَتَ بِالْمُحَارَبَةِ .
و قال في شرح المنتهى :
( فَرِدْءٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَهُوَ ) أَيْ : الْمُبَاشِرِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَيَضْمَنُ الرِّدْءُ الْمُكَلَّفُ مَا بَاشَرَ أَخْذَهُ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَلَا حَدَّ لِأَنَّ الرِّدْءَ تَبَعٌ لِلْمُبَاشِرِ وَدِيَةُ قَتِيلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
ومعنى ذلك أن الردء غير المكلف حكمه كالمباشر الغير مكلف ولا حد عليهما