mustathmer
08-07-2017, 12:01 AM
نشأة رئاسة الهيئات
نشأة رئاسة الهيئات
بدأت الهيئة أعمالها في الرياض وكان لها فروعاً في مدن نجد الكبرى ، وقد كُلف الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ بأعمال الاحتساب عام 1345هـ وصار رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة نجد بما فيها القصيم وحائل وسائر بلدان العارض، ثم ضُم إليه المنطقة الشرقية والحدود الشمالية ووادي الدواسر ، فاقتضت المصلحة العامة إقامة مقر دائم للهيئة في الرياض .
أما في الحجاز فقد أنشئت الهيئة فيها بموجب الأمر الصادر من رئيس ديوان النيابة العامة برقم (2295) في 16/2/1346هـ وقد كانت تخضع لها البلدان المجاورة كجدة والطائف وغيرها, أما المدينة المنورة فقد كانت هيئتها شبه مستقلة إلا أن نظام عام 1349هـ قد أشار إلى إنشاء هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل من مكة وجدة والمدينة المنورة والطائف وينبع.
وفي عهد الملك سعود رحمه الله صدر أمره عام 1373هـ بالتوسع في إنشاء الهيئات وإيجاد الوظائف والاعتمادات اللازمة لها في كل من: منطقة عسير، ومنطقة جازان، ومنطقة الباحة، ومنطقة تبوك، ومنطقة نجران، ومنطقة القنفذة، ومنطقة أملج ، وقد كانت كل هذه المناطق تابعة لرئاسة الهيئات بالحجاز .
ثم حصل دمج بين رئاستي الهيئة في المنطقة الوسطى والمنطقة الغربية تحت رئاسة واحدة وصدر النظام الموحد واللائحة التنفيذية ؛ واستتبع ذلك إنشاء هيكل كامل المسؤوليات والإدارات على نحو يكفل القيام بواجبات الرئاسة في جميع أنحاء المملكة ، ثم تتابع إنشاء الهيئات والمراكز الفرعية في جميع مدن وبلدان المملكة .
الحسبة في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله
عندما فتح الملك عبد العزيز رحمه الله مدينة الرياض سنة 1319هـ كان العلماء و الصلحاء يقومون بواجبهم في الاحتساب على مستوى فردي ، وكان من أبرزهم :
الشيخ : عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ - رحمه الله- الذي كان يقوم بالحسبة تطوعاً في مدينة الرياض ، واحتساباً لوجه الله، فكان إذا علم أن فرداً من الناس قد ارتكب هنة من الهنات ، بعث إليه أحد الحاضرين عنده ، وأمره أن يأتي به إليه فإذا أتى زجره عن تصرفه فيما بينهما ، وهدده بالعقاب ، وبعد هذه المقابلة كان الم لا يعود لفعلته غالباً، فإن عاد ، جمع الشيخ من عنده من الحاضرين ، وجلد ذلك الم حسب ه ، ثم أرسله ، وإن كان امرؤ قد اشتهر بترك صلاة الفجر ، وثقل قيامه لها ، أتى به إلى بئر من الآبار ، ثم يأخذ دلواً من الماء ويسكبه على ذلك المتكاسل المتهاون، وكان هناك عقوبة أخرى يعاقب المحتسبون بها الكسالى عن الصلاة ، والذين يقضون ركعات منها ، أو يقضونها كلها ، وهي أن ينادي بأسمائهم في المسجد ثم يؤنبهم حسب الحال .
وحين استقرت البلاد واتسع الحكم نسبياً كلّف الملك عبدالعزيز رحمه الله الشيخ عبدالعزيز بن عبد الطيف آل الشيخ -رحمه الله- بالقيام على ولاية الحسبة ، وأن يمارس أعمالها وينفذها دون تهاون ، ويباشر أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نطاق أوسع ، وقام الملك عبد العزيز -رحمه الله- بتزويد الشيخ بأعضاء يساعدونه على أعمال ولاية الحسبة، كفضيلة الشيخ عمر بن حسن بن آل الشيخ -رحمه الله- والشيخ عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ - رحمه الله- والشيخ عبد الطيف بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- واستمر هؤلاء يقومون بالاحتساب بمفردهم أحياناً ، و أحيانا أخرى ينضم إليهم بعض المتطوعين ، ثم ما فتئ الملك عبد العزيز يدعمهم بين الحين والآخر بمن يعاونهم ويساعدهم في الأعمال التنفيذية للاحتساب وهم رغم قلتهم إذ ذاك ، لكنهم كانوا يؤدون على ما أنيط بهم من المهمات على خير حال بعلمٍ وحكمةٍ؛ فيأمرون، وينهون، ويعزرون من يستحق التعزير، ويلاحظون الشبيبة التي تهرب عن الصلاة، أو الذين يتجمعون تجمعات مشبوهة خارج العمران ويقومون بنصحهم والإنكار عليهم.
وكلما توسعت البلاد واطرد نموها أمدَّ الملك عبد العزيز -رحمه الله- المحتسبين بالأعوان ، وكان المقر الرئيسي للمحتسبين مدينة الرياض، وكان هناك فروع في المدن الكبرى في نجد، ولما انضمت عسير إلى الدولة السعودية أنشئ لها فرع، وكذلك أنشئ فرع في كل من الأحساء وحائل ، حينما دخلتا تحت حكم الملك عبد العزيز -رحمه الله-.
وعقب وفاة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ -رحمه الله- كلَّف الملك عبدالعزيز رحمه الله أحد مساعديه وهو الشيخ : عمر بن حسن آل الشيخ رحمه الله بأعمال الاحتساب عام 1345ه ، فأصبح الشيخ عمر رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة نجد ، بما فيها القصيم وحائل وكافة بلدان العارض ، ثم بعد ذلك ضُم إليه المنطقة الشرقية والحدود الشمالية ، وعندئذ اقتضت المصلحة إيجاد مقر دائم للهيئة ، بحيث يجلس فيه الرئيس العام ويضم الموظفين ، والدعاة المرشدين ، والمنفذين ، وتكون مقراً لكافة المراجعين، وفي هذه المرحلة اختصت رئاسة الهيئة بتنظيم أعمال الاحتساب ، وتسيير الأعمال الإدارية وإنجاز المعاملات ، والتحقيق مع المتهمين ، وإجراء ما يلزم من التأديب .
وبالنسبة لمدينة الرياض : فقد أُنشئت عدة مراكز فرعية لها في الأحياء ، نظراً للتوسع العمراني ، وعُين لكل مركز رئيس يدير شؤونه ، وزود بعدد من الأعضاء والمعاونين وبعض الجند المنفذين .
أما خارج مدينة الرياض فقد أنشئت فروع للهيئة في كل مدينة وقرية ، وكل فرع ، له مقر دائم ، ورئيس ، وأعضاء ، وجنود ، وتقوم هذه الفروع بإحالة القضايا المهمة إلى الرئاسة في الرياض .
وكان الملك عبد العزيز - رحمه الله - لا يكاد يسمع أن قرية ليس فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا وجه إلى القائم فيها كتاباً يأمره بتعيين رجال من أهل الصلاح والتقوى لهذا الأمر .
وتبع هذه المرحلة من أعمال التطوير أن الهيئة كانت تقوم بتعيين مراقبين للتفتيش لمراقبة حسن سير العمل بالفروع ومتابعتها، وذلك عن طريق القيام بجولات تفتيشية مفاجئة، والقيام بأعمال الدوريات الليلية على الأسواق , والأماكن العامة ، والشوارع والمحلات ، فمن وجدوه في حالة شبهةٍ حققوا معه ، وعاملوه بما يستحق .
وكان أعضاء الهيئات يمشون في الأسواق ، فيمنعون الاختلاط ، والسفور ، ووقوف الرجال في طريق النساء لغير الحاجة ، ويمنعون تطفيف المكاييل والموازين وظلم الدواب ، كما يمنعون الحلاقين من التعرض للحى زبائنهم بقص أو حلق ويؤدبونهم على ذلك ، ويمنعون القزع ، ويمنعون التدخين ويؤدبون عليه ، ويصادرون التبغ من الدكاكين ويحرقونه، ويؤدبون بائعه ، ويقيمون الناس إلى الصلاة حين المناداة لها ، وإذا عثروا على من ارتكب حداً رفعوا أمره إلى رئاستهم ، فيتولى المحققون فيها التثبت مما فعله المتهم ، ثم يرفعون نتائج التحقيق إلى الرئيس العام ، فيصدر بدوره ما يلزم من جلد أو نفي أو حبس ، ويمنعون تصوير ذوات الأرواح ، ويكسرون صورها ، ويمنعون اللهو الحرام ، ويكسرون ما يجدون من آلاته ، ويمسون من يجدون هذه الأشياء في حوزته بشيء من العقاب الفوري جزاء على حيازته لهذه الممنوعات شرعاً ، كما أن هناك سجنا خاصا بالهيئات ، يودعون فيه من يجدونه من المين فيقضون فيه ما حكم عليهم به من حبس وخلافه .
ويلاحظ من هذه الأنشطة: أن مجالات الاحتساب اتسعت لتستوعب جميع الأنشطة العبادية ، والأخلاقية العامة ، والخاصة التي تتم في حياة الناس وذلك بفضل الله ثم نتيجة طبيعية لتنظيمها من ناحية التولية والتوجيه والسلطان .
وعقب أن ضم الملك عبدالعزيز -رحمه الله - الحجاز عام 1344ه إلى ملكه بدأ التفكير في أمر الاحتساب ، وتعيين رجال يتولونه ، ويتضح ذلك من الخطاب الذي وجهه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى علماء وأعيان مكة المكرمة ، عشية دخولها عام 1344ه، حيث جاء فيه : ( ... وبما أن الأمر واجب من قبل الله ، ونحن وأنتم ملزمون به ، ولا حجة لأحد يدعي الإسلام وهو تارك للصلاة .. فالرجاء أن تنظروا في الأمر وتعينوا رجالا من إخوانكم المنتسبين للخير ، يمشون في كل سوق ومجمع ، يأمرونهم بالصلاة كلما أذن المؤذن، حيث يعزل أهل الدكاكين ويصلون ، وإن كان في التعزيل عليهم مشقة ، فيرتب لكل سوق حرس يحافظون عليه وقت الصلاة حتى يرجع إليه أهله ، ويلزم أن لا تقوموا من مقامكم هذا إن شاء الله ، إلا وأنتم ناظرون في هذه المسألة ، لأن فيها قوام الدين والدنيا ، واتفاق الكلمة، ولاحجة بعد ذلك لأحد ..) .
كما تبين ذلك أيضاً مما جاء في نصيحته - رحمه الله – حيث قال: ( وبما أننا رأينا بعض الأمور التي توجب سخط الله وتمنع رضاه ، يجب القيام بالنهي عنها من جميع المسلمين وأمرائهم وعلمائهم ... ونحن نبين لكم الأمور التي حصل الاتفاق منا ، ومن علماء المسلمين عليها، فقد قررنا أن نعين هيئات في جميع بلدان المسلمين ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ومن أهم ذلك : إلزام الناس بالمحافظة على الصلوات الخمس في جماعة ، وحض الناس على تعلم دينهم، والقيام على أهل المنكرات ، والنظر في أمر الزكاة ، والنظر في معاملات الناس، وتفقدها للبعد عن الربا والغش والظلم ) .
إلى أن بعث الشيخ عبدالله بن سليمان بن بليهد الخالدي رئيس قضاة الحجاز آنذاك مكاتبة إلى الملك عبدالعزيز بتاريخ 20صفر سنة 1345ه جاء فيها : ( .. أنهي إلى جلالتكم أنه وقع الاختيار على حضرات الذوات المذكورة أسماؤهم برفقه ، ليقوموا بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورأينا أن يكون رئيس تلك الهيئة الشيخ : عبدالله الشيبي ونائبه السيد حسين نائب الحرم ، وكاتب الهيئة الشيخ عباس عبدالجبار ، وأن يكون مركزها بمدرسة السيد أحمد عيد بباب الصفا ، وأن تكون أعمالها :
1. تتبع أحوال الناس من جهة المعاملات والعادات، فما وافق الشرع منها تقره ، وما خالفه تزيله .
2. منع البذاءة اللسانية التي تعودها السوقة .
3. حث الناس على أداء الصلوات الخمس جماعة .
4. مراقبة المساجد من جهة أئمتها ومؤذنيها ومواظبتهم ، وحضور الناس بها ، وغير ذلك من دواعي الإصلاح .
5. أن يتخذ في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الوسائل الموصلة إلى ذلك بالحكمة، وإذا أعياها أمر من الأمور، رفعت فيه إلى أولي الأمر لإجرائه .
وقد شرح الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على تلك المكاتبة الآتي :
( ولدنا فيصل ، هذا كتاب من الشيخ : عبدالله بن بليهد ، تنظرون هذا التقرير وتقرونه عليه ) ثم الختم الملكي ، والتاريخ في 20صفر 1345ه .
وفي الورقة المرفقة بهذا الكتاب أسماء المرشحين على النحو التالي :
أولاً : من أهل مكة :
محمد عقيل - محمد شرواني - عبدالله شيبي- عبدالرحمن بشناق - عمر جان - عباس عبدالجبار - عمر فقيه - عبدالرحمن زواوي - حسين باسلامة - حسين نائب الحرم.
ثانياً : من أهل نجد :
محمد بن مضيان - على المنصور آل هديان - أحمد بن ركيان - عبدالله السليمان آل مهنا .
ومن هذه الوثيقة نستطيع أن نعرف بداية أعمال الاحتساب بشكله التنظيمي الإداري في المنطقة الغربية ، وبداية إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة ، كما أنها تعطينا المؤشر للمرجع الأعلى للاحتساب في المنطقة ، وهو نائب جلالة الملك ، الأمير فيصل بن عبدالعزيز - آنذاك - كما أنها تعطينا أيضا: صورة لأهم الأعمال التي سيتم الاحتساب فيها ، وأسلوب الاحتساب ومنهجه ، ولما كان الأعضاء المحتسبون ، والدعاة بحاجة إلى توضيح الأهداف والمقاصد من إنشاء الهيئة ، وتحديد ما هو المعروف ، وما هو المنكر ، وشروط إنكاره ، والاحتساب عليه فقد وضح الشيخ : محمد بهجت البيطار ، مدير المعهد السعودي - آنذاك- نبذة عن هذا الموضوع بناء على طلب الشيخ عبدالله بن بليهد منه ذلك ، فكتب رسالة في ثمان صفحات ، كي يهتدي بها الدعاة المرشدون ، وقد اعتمد في إعداده لتلك الرسالة على كتاب الحسبة لابن تيمية - رحمه الله- .
ويبدو أن الهيئة التي أنشئت في مكة المكرمة بموجب الأمر الصادر من رئيس ديوان النيابة العامة برقم 2295 في 16/2/1346ه ، وكانت تخضع لها البلدان المجاورة كجدة والطائف وغيرها ، أما المدينة المنورة ، فقد أنشئ فيها مكتب للهيئة - شبه مستقل في ذلك الوقت - لكنه يخضع في رئاسته العليا إلى نائب جلالة الملك في الحجاز ، سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز - آنذاك - وقد بعث جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - خطابه رقم 723 وتاريخ 9/4/1346ه إلى أمير المدينة ، يحمل توجيهات جلالته بأن تكون الأمور التي يتم الاحتساب فيها ، هي ما يحددها ويراها الشيخ عبدالله بن حسن بن حسين بن علي بن حسين بن محمد بن عبدالوهاب ، الذي عين رئيسا للقضاة في المنطقة الغربية أوائل عام 1346ه بدلا من الشيخ عبدالله بن بليهد الذي انتقل إلى حائل .
ثم آلت إلى الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ رئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحكمة الشرعية والحرم ودوائره ، وما يجري فيه ، الراجعة للدين وللشرع فالعمل على ما يرى الشيخ عبدالله بن حسن ، فيعمل به ، ثم وحدت المكاتب وصدر الأمر الملكي بتاريخ 18/1/1347ه بتعيين الشيخ : ( عبدالظاهر محمد أبو السمح ) رئيساً للهيئة في الحجاز ، ومقرها مكة المكرمة . وفي 20/3/1347ه صدر نظام للهيئة مكون من ثلاث عشرة فقرة ، وجاء فيه : اختيار أعضاء شرفيين للهيئة ، يجتمعون مع الرئيس كل يوم خميس من كل أسبوع للتباحث في الأمور الهامة ، إلاّ إذا اقتضى الأمر اجتماعهم أكثر من مرة في الأسبوع ، وقد حدد النظام بعض أمور الاحتساب ، وحدد بعض المناطق للاحتساب ، كما أوجب ضرورة إشراف الهيئة على تنفيذ التعزيرات التي يحكم بها القضاة .
وفي 26رجب من عام 1349ه صدر نظام الهيئات بالحجاز بمدير الشرطة العام . ثم في 15محرم من عام 1356ه صدر نظام آخر يقضي بأن يكون مرجع الهيئات رئاسة القضاة، وهو مكون من ثلاثين مادة.
ثم في10 صفر من عام 1372هـ صدر نظام يقضي بربط الهيئات بالحجاز بالنيابة العامة ثم بمجلس الوزراء وتم تعيين الشيخ عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ رئيساً لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحجاز ومرجعه المباشر النائب العام لجلالة الملك في الحجاز، وبعد إلغاء النيابة العامة هناك ، صار الرئيس يرجع إلى رئاسة مجلس الوزراء مباشرة ، وضم إليه النظر في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جنوب المملكة ، وتبعاً لهذا التطوير قامت الرئاسة بفتح فروع لها في المدن والقرى التابعة ، ووضعت المراكز ، وعين فيها من يلزم من الموظفين .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد الملك سعود - رحمه الله -
كانت الفترة التي حكم فيها الملك سعود - رحمه الله - بعد عام 1373ه عبارة عن امتداد وتأصيل لتثبيت الأوضاع ، وترسيخ الاستقرار في كافة مرافق الدولة بصفة عامة ، وفي أعمال الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجه الخصوص ، فقد أخذت الدولة بالأساليب الحديثة في التشكيلات والأعمال الإدارية ، وأنشئت لهذا الغرض أجهزة متخصصة في كافة المرافق تمشياً مع مقتضيات العصر ، ولوازمه العصرية ، وكانت السمة البارزة لتلك النظم الحديثة هي التخصص في الأعمال والأنشطة سواء أكانت للإنتاج أو الخدمات ، أو الرقابة ، أو المتابعة ، أو غير ذلك من أنشطة .
وقد جاء في إحدى الوثائق المهمة خطاب من الملك سعود - رحمه الله - يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا نصه :
( من سعود بن عبد العزيز آل سعود إلى كل من يراه ممن بيده سلطة تنفيذية في مملكتنا من آمر بالمعروف ، وناه عن المنكر ، ومن أمير أو مسؤول نوجه خطابنا هذا :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد : فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى بما منَّ الله به علينا وعلى المسلمين في أرجاء مملكتنا المترامية الأطراف من أمن شامل ، وانقياد تام من الرعية ، وسمع وطاعة منهم ، نحمده أن وفقنا لإقامة العدل ، وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية التي حفظت لكل فرد حقه كاملاً غير منقوص ، نحمد الله على هذه النعمة ونسأله المزيد منها ، وأن يوفقنا لشكر نعمائه بالقيام بالواجب الذي ألقاه على عاتقنا فيما ولانا إياه.
ولهذا رأينا أن نلفت نظر سائر المكلفين بتنفيذ الأحكام أن يراقبوا الله في تصرفاتهم بأن يأخذوا الرعية بالحسنى، وأن يلتزموا حدود الله في تصرفاتهم ولا يتعدوها قيد شعرة ، فالشعب - ولله الحمد كما قلنا سامع و مطيع ، ولا يحتاج الغافل أو الجاهل إلا إلى تنبيه أو زجر بالحسنى لينقاد ويسمع ، ويطيع لكل ما يؤمر به ، ولهذا ينبغي ألا تستعمل القسوة في معاملة الناس حيث ينفع لين الجانب ، كما أنه لا يتمادى في لين الجانب إذا لم ينفع في الأمر إلا كبح الجماح بالشدة . وقد بُلِّغت عن تصرفات بعض الموظفين في استعمال القسوة والشدة في الأمور التي لا تحتاج لقسوة أو تدبير شديد ، فعلى الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر أن يكونوا مثالاً حسنا للناس في الدعوة إلى الله : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ... أ.ه.
ولا شك أن خطاب الملك سعود - رحمه الله - هذا يعد توجيهاً رفيعاً في التعامل مع المحتسب عليه .
نشأة رئاسة الهيئات
بدأت الهيئة أعمالها في الرياض وكان لها فروعاً في مدن نجد الكبرى ، وقد كُلف الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ بأعمال الاحتساب عام 1345هـ وصار رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة نجد بما فيها القصيم وحائل وسائر بلدان العارض، ثم ضُم إليه المنطقة الشرقية والحدود الشمالية ووادي الدواسر ، فاقتضت المصلحة العامة إقامة مقر دائم للهيئة في الرياض .
أما في الحجاز فقد أنشئت الهيئة فيها بموجب الأمر الصادر من رئيس ديوان النيابة العامة برقم (2295) في 16/2/1346هـ وقد كانت تخضع لها البلدان المجاورة كجدة والطائف وغيرها, أما المدينة المنورة فقد كانت هيئتها شبه مستقلة إلا أن نظام عام 1349هـ قد أشار إلى إنشاء هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل من مكة وجدة والمدينة المنورة والطائف وينبع.
وفي عهد الملك سعود رحمه الله صدر أمره عام 1373هـ بالتوسع في إنشاء الهيئات وإيجاد الوظائف والاعتمادات اللازمة لها في كل من: منطقة عسير، ومنطقة جازان، ومنطقة الباحة، ومنطقة تبوك، ومنطقة نجران، ومنطقة القنفذة، ومنطقة أملج ، وقد كانت كل هذه المناطق تابعة لرئاسة الهيئات بالحجاز .
ثم حصل دمج بين رئاستي الهيئة في المنطقة الوسطى والمنطقة الغربية تحت رئاسة واحدة وصدر النظام الموحد واللائحة التنفيذية ؛ واستتبع ذلك إنشاء هيكل كامل المسؤوليات والإدارات على نحو يكفل القيام بواجبات الرئاسة في جميع أنحاء المملكة ، ثم تتابع إنشاء الهيئات والمراكز الفرعية في جميع مدن وبلدان المملكة .
الحسبة في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله
عندما فتح الملك عبد العزيز رحمه الله مدينة الرياض سنة 1319هـ كان العلماء و الصلحاء يقومون بواجبهم في الاحتساب على مستوى فردي ، وكان من أبرزهم :
الشيخ : عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ - رحمه الله- الذي كان يقوم بالحسبة تطوعاً في مدينة الرياض ، واحتساباً لوجه الله، فكان إذا علم أن فرداً من الناس قد ارتكب هنة من الهنات ، بعث إليه أحد الحاضرين عنده ، وأمره أن يأتي به إليه فإذا أتى زجره عن تصرفه فيما بينهما ، وهدده بالعقاب ، وبعد هذه المقابلة كان الم لا يعود لفعلته غالباً، فإن عاد ، جمع الشيخ من عنده من الحاضرين ، وجلد ذلك الم حسب ه ، ثم أرسله ، وإن كان امرؤ قد اشتهر بترك صلاة الفجر ، وثقل قيامه لها ، أتى به إلى بئر من الآبار ، ثم يأخذ دلواً من الماء ويسكبه على ذلك المتكاسل المتهاون، وكان هناك عقوبة أخرى يعاقب المحتسبون بها الكسالى عن الصلاة ، والذين يقضون ركعات منها ، أو يقضونها كلها ، وهي أن ينادي بأسمائهم في المسجد ثم يؤنبهم حسب الحال .
وحين استقرت البلاد واتسع الحكم نسبياً كلّف الملك عبدالعزيز رحمه الله الشيخ عبدالعزيز بن عبد الطيف آل الشيخ -رحمه الله- بالقيام على ولاية الحسبة ، وأن يمارس أعمالها وينفذها دون تهاون ، ويباشر أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نطاق أوسع ، وقام الملك عبد العزيز -رحمه الله- بتزويد الشيخ بأعضاء يساعدونه على أعمال ولاية الحسبة، كفضيلة الشيخ عمر بن حسن بن آل الشيخ -رحمه الله- والشيخ عبد الرحمن بن إسحاق آل الشيخ - رحمه الله- والشيخ عبد الطيف بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- واستمر هؤلاء يقومون بالاحتساب بمفردهم أحياناً ، و أحيانا أخرى ينضم إليهم بعض المتطوعين ، ثم ما فتئ الملك عبد العزيز يدعمهم بين الحين والآخر بمن يعاونهم ويساعدهم في الأعمال التنفيذية للاحتساب وهم رغم قلتهم إذ ذاك ، لكنهم كانوا يؤدون على ما أنيط بهم من المهمات على خير حال بعلمٍ وحكمةٍ؛ فيأمرون، وينهون، ويعزرون من يستحق التعزير، ويلاحظون الشبيبة التي تهرب عن الصلاة، أو الذين يتجمعون تجمعات مشبوهة خارج العمران ويقومون بنصحهم والإنكار عليهم.
وكلما توسعت البلاد واطرد نموها أمدَّ الملك عبد العزيز -رحمه الله- المحتسبين بالأعوان ، وكان المقر الرئيسي للمحتسبين مدينة الرياض، وكان هناك فروع في المدن الكبرى في نجد، ولما انضمت عسير إلى الدولة السعودية أنشئ لها فرع، وكذلك أنشئ فرع في كل من الأحساء وحائل ، حينما دخلتا تحت حكم الملك عبد العزيز -رحمه الله-.
وعقب وفاة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ -رحمه الله- كلَّف الملك عبدالعزيز رحمه الله أحد مساعديه وهو الشيخ : عمر بن حسن آل الشيخ رحمه الله بأعمال الاحتساب عام 1345ه ، فأصبح الشيخ عمر رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة نجد ، بما فيها القصيم وحائل وكافة بلدان العارض ، ثم بعد ذلك ضُم إليه المنطقة الشرقية والحدود الشمالية ، وعندئذ اقتضت المصلحة إيجاد مقر دائم للهيئة ، بحيث يجلس فيه الرئيس العام ويضم الموظفين ، والدعاة المرشدين ، والمنفذين ، وتكون مقراً لكافة المراجعين، وفي هذه المرحلة اختصت رئاسة الهيئة بتنظيم أعمال الاحتساب ، وتسيير الأعمال الإدارية وإنجاز المعاملات ، والتحقيق مع المتهمين ، وإجراء ما يلزم من التأديب .
وبالنسبة لمدينة الرياض : فقد أُنشئت عدة مراكز فرعية لها في الأحياء ، نظراً للتوسع العمراني ، وعُين لكل مركز رئيس يدير شؤونه ، وزود بعدد من الأعضاء والمعاونين وبعض الجند المنفذين .
أما خارج مدينة الرياض فقد أنشئت فروع للهيئة في كل مدينة وقرية ، وكل فرع ، له مقر دائم ، ورئيس ، وأعضاء ، وجنود ، وتقوم هذه الفروع بإحالة القضايا المهمة إلى الرئاسة في الرياض .
وكان الملك عبد العزيز - رحمه الله - لا يكاد يسمع أن قرية ليس فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا وجه إلى القائم فيها كتاباً يأمره بتعيين رجال من أهل الصلاح والتقوى لهذا الأمر .
وتبع هذه المرحلة من أعمال التطوير أن الهيئة كانت تقوم بتعيين مراقبين للتفتيش لمراقبة حسن سير العمل بالفروع ومتابعتها، وذلك عن طريق القيام بجولات تفتيشية مفاجئة، والقيام بأعمال الدوريات الليلية على الأسواق , والأماكن العامة ، والشوارع والمحلات ، فمن وجدوه في حالة شبهةٍ حققوا معه ، وعاملوه بما يستحق .
وكان أعضاء الهيئات يمشون في الأسواق ، فيمنعون الاختلاط ، والسفور ، ووقوف الرجال في طريق النساء لغير الحاجة ، ويمنعون تطفيف المكاييل والموازين وظلم الدواب ، كما يمنعون الحلاقين من التعرض للحى زبائنهم بقص أو حلق ويؤدبونهم على ذلك ، ويمنعون القزع ، ويمنعون التدخين ويؤدبون عليه ، ويصادرون التبغ من الدكاكين ويحرقونه، ويؤدبون بائعه ، ويقيمون الناس إلى الصلاة حين المناداة لها ، وإذا عثروا على من ارتكب حداً رفعوا أمره إلى رئاستهم ، فيتولى المحققون فيها التثبت مما فعله المتهم ، ثم يرفعون نتائج التحقيق إلى الرئيس العام ، فيصدر بدوره ما يلزم من جلد أو نفي أو حبس ، ويمنعون تصوير ذوات الأرواح ، ويكسرون صورها ، ويمنعون اللهو الحرام ، ويكسرون ما يجدون من آلاته ، ويمسون من يجدون هذه الأشياء في حوزته بشيء من العقاب الفوري جزاء على حيازته لهذه الممنوعات شرعاً ، كما أن هناك سجنا خاصا بالهيئات ، يودعون فيه من يجدونه من المين فيقضون فيه ما حكم عليهم به من حبس وخلافه .
ويلاحظ من هذه الأنشطة: أن مجالات الاحتساب اتسعت لتستوعب جميع الأنشطة العبادية ، والأخلاقية العامة ، والخاصة التي تتم في حياة الناس وذلك بفضل الله ثم نتيجة طبيعية لتنظيمها من ناحية التولية والتوجيه والسلطان .
وعقب أن ضم الملك عبدالعزيز -رحمه الله - الحجاز عام 1344ه إلى ملكه بدأ التفكير في أمر الاحتساب ، وتعيين رجال يتولونه ، ويتضح ذلك من الخطاب الذي وجهه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى علماء وأعيان مكة المكرمة ، عشية دخولها عام 1344ه، حيث جاء فيه : ( ... وبما أن الأمر واجب من قبل الله ، ونحن وأنتم ملزمون به ، ولا حجة لأحد يدعي الإسلام وهو تارك للصلاة .. فالرجاء أن تنظروا في الأمر وتعينوا رجالا من إخوانكم المنتسبين للخير ، يمشون في كل سوق ومجمع ، يأمرونهم بالصلاة كلما أذن المؤذن، حيث يعزل أهل الدكاكين ويصلون ، وإن كان في التعزيل عليهم مشقة ، فيرتب لكل سوق حرس يحافظون عليه وقت الصلاة حتى يرجع إليه أهله ، ويلزم أن لا تقوموا من مقامكم هذا إن شاء الله ، إلا وأنتم ناظرون في هذه المسألة ، لأن فيها قوام الدين والدنيا ، واتفاق الكلمة، ولاحجة بعد ذلك لأحد ..) .
كما تبين ذلك أيضاً مما جاء في نصيحته - رحمه الله – حيث قال: ( وبما أننا رأينا بعض الأمور التي توجب سخط الله وتمنع رضاه ، يجب القيام بالنهي عنها من جميع المسلمين وأمرائهم وعلمائهم ... ونحن نبين لكم الأمور التي حصل الاتفاق منا ، ومن علماء المسلمين عليها، فقد قررنا أن نعين هيئات في جميع بلدان المسلمين ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ومن أهم ذلك : إلزام الناس بالمحافظة على الصلوات الخمس في جماعة ، وحض الناس على تعلم دينهم، والقيام على أهل المنكرات ، والنظر في أمر الزكاة ، والنظر في معاملات الناس، وتفقدها للبعد عن الربا والغش والظلم ) .
إلى أن بعث الشيخ عبدالله بن سليمان بن بليهد الخالدي رئيس قضاة الحجاز آنذاك مكاتبة إلى الملك عبدالعزيز بتاريخ 20صفر سنة 1345ه جاء فيها : ( .. أنهي إلى جلالتكم أنه وقع الاختيار على حضرات الذوات المذكورة أسماؤهم برفقه ، ليقوموا بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورأينا أن يكون رئيس تلك الهيئة الشيخ : عبدالله الشيبي ونائبه السيد حسين نائب الحرم ، وكاتب الهيئة الشيخ عباس عبدالجبار ، وأن يكون مركزها بمدرسة السيد أحمد عيد بباب الصفا ، وأن تكون أعمالها :
1. تتبع أحوال الناس من جهة المعاملات والعادات، فما وافق الشرع منها تقره ، وما خالفه تزيله .
2. منع البذاءة اللسانية التي تعودها السوقة .
3. حث الناس على أداء الصلوات الخمس جماعة .
4. مراقبة المساجد من جهة أئمتها ومؤذنيها ومواظبتهم ، وحضور الناس بها ، وغير ذلك من دواعي الإصلاح .
5. أن يتخذ في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الوسائل الموصلة إلى ذلك بالحكمة، وإذا أعياها أمر من الأمور، رفعت فيه إلى أولي الأمر لإجرائه .
وقد شرح الملك عبدالعزيز - رحمه الله - على تلك المكاتبة الآتي :
( ولدنا فيصل ، هذا كتاب من الشيخ : عبدالله بن بليهد ، تنظرون هذا التقرير وتقرونه عليه ) ثم الختم الملكي ، والتاريخ في 20صفر 1345ه .
وفي الورقة المرفقة بهذا الكتاب أسماء المرشحين على النحو التالي :
أولاً : من أهل مكة :
محمد عقيل - محمد شرواني - عبدالله شيبي- عبدالرحمن بشناق - عمر جان - عباس عبدالجبار - عمر فقيه - عبدالرحمن زواوي - حسين باسلامة - حسين نائب الحرم.
ثانياً : من أهل نجد :
محمد بن مضيان - على المنصور آل هديان - أحمد بن ركيان - عبدالله السليمان آل مهنا .
ومن هذه الوثيقة نستطيع أن نعرف بداية أعمال الاحتساب بشكله التنظيمي الإداري في المنطقة الغربية ، وبداية إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة ، كما أنها تعطينا المؤشر للمرجع الأعلى للاحتساب في المنطقة ، وهو نائب جلالة الملك ، الأمير فيصل بن عبدالعزيز - آنذاك - كما أنها تعطينا أيضا: صورة لأهم الأعمال التي سيتم الاحتساب فيها ، وأسلوب الاحتساب ومنهجه ، ولما كان الأعضاء المحتسبون ، والدعاة بحاجة إلى توضيح الأهداف والمقاصد من إنشاء الهيئة ، وتحديد ما هو المعروف ، وما هو المنكر ، وشروط إنكاره ، والاحتساب عليه فقد وضح الشيخ : محمد بهجت البيطار ، مدير المعهد السعودي - آنذاك- نبذة عن هذا الموضوع بناء على طلب الشيخ عبدالله بن بليهد منه ذلك ، فكتب رسالة في ثمان صفحات ، كي يهتدي بها الدعاة المرشدون ، وقد اعتمد في إعداده لتلك الرسالة على كتاب الحسبة لابن تيمية - رحمه الله- .
ويبدو أن الهيئة التي أنشئت في مكة المكرمة بموجب الأمر الصادر من رئيس ديوان النيابة العامة برقم 2295 في 16/2/1346ه ، وكانت تخضع لها البلدان المجاورة كجدة والطائف وغيرها ، أما المدينة المنورة ، فقد أنشئ فيها مكتب للهيئة - شبه مستقل في ذلك الوقت - لكنه يخضع في رئاسته العليا إلى نائب جلالة الملك في الحجاز ، سمو الأمير فيصل بن عبدالعزيز - آنذاك - وقد بعث جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - خطابه رقم 723 وتاريخ 9/4/1346ه إلى أمير المدينة ، يحمل توجيهات جلالته بأن تكون الأمور التي يتم الاحتساب فيها ، هي ما يحددها ويراها الشيخ عبدالله بن حسن بن حسين بن علي بن حسين بن محمد بن عبدالوهاب ، الذي عين رئيسا للقضاة في المنطقة الغربية أوائل عام 1346ه بدلا من الشيخ عبدالله بن بليهد الذي انتقل إلى حائل .
ثم آلت إلى الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ رئاسة هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمحكمة الشرعية والحرم ودوائره ، وما يجري فيه ، الراجعة للدين وللشرع فالعمل على ما يرى الشيخ عبدالله بن حسن ، فيعمل به ، ثم وحدت المكاتب وصدر الأمر الملكي بتاريخ 18/1/1347ه بتعيين الشيخ : ( عبدالظاهر محمد أبو السمح ) رئيساً للهيئة في الحجاز ، ومقرها مكة المكرمة . وفي 20/3/1347ه صدر نظام للهيئة مكون من ثلاث عشرة فقرة ، وجاء فيه : اختيار أعضاء شرفيين للهيئة ، يجتمعون مع الرئيس كل يوم خميس من كل أسبوع للتباحث في الأمور الهامة ، إلاّ إذا اقتضى الأمر اجتماعهم أكثر من مرة في الأسبوع ، وقد حدد النظام بعض أمور الاحتساب ، وحدد بعض المناطق للاحتساب ، كما أوجب ضرورة إشراف الهيئة على تنفيذ التعزيرات التي يحكم بها القضاة .
وفي 26رجب من عام 1349ه صدر نظام الهيئات بالحجاز بمدير الشرطة العام . ثم في 15محرم من عام 1356ه صدر نظام آخر يقضي بأن يكون مرجع الهيئات رئاسة القضاة، وهو مكون من ثلاثين مادة.
ثم في10 صفر من عام 1372هـ صدر نظام يقضي بربط الهيئات بالحجاز بالنيابة العامة ثم بمجلس الوزراء وتم تعيين الشيخ عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ رئيساً لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحجاز ومرجعه المباشر النائب العام لجلالة الملك في الحجاز، وبعد إلغاء النيابة العامة هناك ، صار الرئيس يرجع إلى رئاسة مجلس الوزراء مباشرة ، وضم إليه النظر في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جنوب المملكة ، وتبعاً لهذا التطوير قامت الرئاسة بفتح فروع لها في المدن والقرى التابعة ، ووضعت المراكز ، وعين فيها من يلزم من الموظفين .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد الملك سعود - رحمه الله -
كانت الفترة التي حكم فيها الملك سعود - رحمه الله - بعد عام 1373ه عبارة عن امتداد وتأصيل لتثبيت الأوضاع ، وترسيخ الاستقرار في كافة مرافق الدولة بصفة عامة ، وفي أعمال الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجه الخصوص ، فقد أخذت الدولة بالأساليب الحديثة في التشكيلات والأعمال الإدارية ، وأنشئت لهذا الغرض أجهزة متخصصة في كافة المرافق تمشياً مع مقتضيات العصر ، ولوازمه العصرية ، وكانت السمة البارزة لتلك النظم الحديثة هي التخصص في الأعمال والأنشطة سواء أكانت للإنتاج أو الخدمات ، أو الرقابة ، أو المتابعة ، أو غير ذلك من أنشطة .
وقد جاء في إحدى الوثائق المهمة خطاب من الملك سعود - رحمه الله - يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا نصه :
( من سعود بن عبد العزيز آل سعود إلى كل من يراه ممن بيده سلطة تنفيذية في مملكتنا من آمر بالمعروف ، وناه عن المنكر ، ومن أمير أو مسؤول نوجه خطابنا هذا :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد : فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى بما منَّ الله به علينا وعلى المسلمين في أرجاء مملكتنا المترامية الأطراف من أمن شامل ، وانقياد تام من الرعية ، وسمع وطاعة منهم ، نحمده أن وفقنا لإقامة العدل ، وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية التي حفظت لكل فرد حقه كاملاً غير منقوص ، نحمد الله على هذه النعمة ونسأله المزيد منها ، وأن يوفقنا لشكر نعمائه بالقيام بالواجب الذي ألقاه على عاتقنا فيما ولانا إياه.
ولهذا رأينا أن نلفت نظر سائر المكلفين بتنفيذ الأحكام أن يراقبوا الله في تصرفاتهم بأن يأخذوا الرعية بالحسنى، وأن يلتزموا حدود الله في تصرفاتهم ولا يتعدوها قيد شعرة ، فالشعب - ولله الحمد كما قلنا سامع و مطيع ، ولا يحتاج الغافل أو الجاهل إلا إلى تنبيه أو زجر بالحسنى لينقاد ويسمع ، ويطيع لكل ما يؤمر به ، ولهذا ينبغي ألا تستعمل القسوة في معاملة الناس حيث ينفع لين الجانب ، كما أنه لا يتمادى في لين الجانب إذا لم ينفع في الأمر إلا كبح الجماح بالشدة . وقد بُلِّغت عن تصرفات بعض الموظفين في استعمال القسوة والشدة في الأمور التي لا تحتاج لقسوة أو تدبير شديد ، فعلى الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر أن يكونوا مثالاً حسنا للناس في الدعوة إلى الله : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) ... أ.ه.
ولا شك أن خطاب الملك سعود - رحمه الله - هذا يعد توجيهاً رفيعاً في التعامل مع المحتسب عليه .