mustathmer
06-07-2017, 10:13 PM
· نمط قضاء البادية
· نمط قضاء الحاضرة
· جهود الملك عبدالعزيز- يرحمه الله- في تنظيم عمل القضاء
· هيمنة القضاء واستقلاله
· مصادر الاحكام
· تشكيل مؤسسات القضاء
· رئاسة القضاء
· تشكيل الدوائر القضائية التابعة لوزارة العدل
· وزارة العدل
· مهمة وزارة العدل
· مجلس القضاء الاعلى
تاريخ القضاء في الدولة السعودية
قامت الدولة السعودية المباركة منذ بواكيرها في قلب الجزيرة العربية ، تحمل رسالة الإسلام ، وتحكم بشريعته في سائر شؤون الحياة ونشاطاتها البشرية المختلفة ، فقد تأسست الدولة السعودية الأولى بعد لقاء الأمير محمد بن سعود - رحمه الله - أمير الدرعية بالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وتعاقدهما على القيام بنصرة دين الله ونشر عقيدة التوحيد الخالص لله رب العالمين ، والجهاد في سبيل ذلك في عام 1157هـ في بلدة الدرعية بعد ورود الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمة الله - إليها قادماً من بلدة العيينة ، فكان لقاءاً تاريخياً مباركاً عمت خيراته أرجاء الجزيرة العربية ، حيث كانت الجزيرة تعيش حالة متردية في كافة جوانب الحياة العقدية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، نجم عن ذلك انعدام الاستقرار وضعف الأمن وشيوع الفوضى ، وقد تزامن مع هذه الأحوال ضيق في المعيشة وانشغال الناس باستحصال أقواتهم وما به قوام عيشهم مما أبعدهم عن تطلُّب العلم والتوجه إليه فعم الجهل وذاعت ظواهر الإشراك والبدعة ، وانتشرت أسباب المنكرات ، واستحكم في واقع فئام من الناس نعرات الجاهلية وتقاليدها وأعرافها .
في مثل هذه الظروف والأحوال الصعبة نهض الإمامان الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - بالدعوة إلى التوحيد وتحكيم الشريعة ، ونبذ أعراف الجاهلية ، ومنابذة أهلها وحماتها حتى تحققت العزة والنصر والتمكين للحق وأهله ، وقد تتابعت الجهود وتوالت من نسل الإمامين وأبنائهما وأتباعهما حتى سادت الدعوة وعمت أرجاء الجزيرة العربية ، وانتشر نور التوحيد ، وأقام حكّام الدولة السعودية أحكام الشريعة وتآلف الناس تحت ظلال هذا الحكم الوارف ، ولكن الجزيرة العربية في أطرافها ومناطقها - إبان قيام الدولة السعودية قد خضعت في سالف الزمن لأنواع متباينة من الحكم حيث اختلفت تبعاً لذلك أنماط وصيغ القضاء من منطقة إلى أخرى حسبما غلب على كل منطقة ، وما جرت به عادات أهلها ومبلغهم من الوعي الثقافي والنشاط التنظيمي ومن خلال الاستقراء المجمل لواقع الجزيرة العربية نجد أن بعض أطرافها ونواحيها كالحجاز والأحساء قد ظهر فيها نوع من التنظيم الإجرائي والتسجيل القلمي لعمل القضاء ، بخلاف أنحاء أخرى من المملكة كان الغالب عليها نظام الحكم العشائري مما أثّر على نمط القضاء بصيغة النظام القبلي المراعي للأعراف والعادات والتقاليد دون اعتناء بالجوانب الشكلية والإجرائية ، وقد حرص حكّام الدولة السعودية منذ تأسسها على العناية بجمع أوجه الاختلاف في عموم المناطق وفق منهجية موحدة قدر الاستطاعة ، إلا أن الاهتمام بالموضوع وانطباقه وموافقته للشريعة كان أولى بتلك العناية من الشكل والتنظيم ، كما أن الظروف المختلفة التي أحاطت كل مراحل الدولة السعودية أثرت تأثيراً مباشراً على اطراد العملية التنظيمية فيها ومستوى ما وصلت إليه .
ويمكن تقسيم أنواع القضاء في الجزيرة العربية إبان قيام الدولة السعودية إلى قسمين :
نمط قضاء البادية .
نمط قضاء الحاضرة .
نمط قضاء البادية
يستقر في الجزيرة العربية العديد من القبائل والعشائر التي تعيش وفق نمط البادية ولها أعرافها وتقاليدها وعاداتها الموروثة فيما بينها ، وفي هذا اللون من الحياة المتأثر بمحدودية بيئته وما يستحكم فيها من موروث ثقافي واجتماعي يظهر للقضاء نمط مختلف عن غيرة ، فقاضي البدو ، وهو ما يسمى لدى بعضهم بالعارفة - أي القاضي العالم بأعراف البادية عامة وأعراف الجماعة التي تنتمي إليها القبيلة خاصة - ، والعارفة المتولي لأمر الحكم شخصية تفرض نفسها بقناعة المجتمع البدوي بها لما يتوفر فيها من معرفة عالية وأخلاق حميدة واستقامة وعدل وبعد في النظر ، وبقدر ما تتكامل شخصية العارف بقد ما يحظى بمزيد قناعة ورضى من المحتكمين إليه ، وقد كان لشيوخ القبائل في الجزيرة عناية فائقة بالعوارف وما يصدر عنهم من أحكام وأقضية حيث يحرص شيخ القبيلة وأميرها على حفظ العارفة وتطبيق أحكامه وإلْزام الناس بها ، وقد كان للعوارف في وقتهم نوع من الترتيب الطبقي حسب قيمة العارفة الاجتماعية بحيث يتم مراجعة العارفة الأعلى في النزاع حين لا تحصل القناعة بحكم من دونه .
وللقضية البدوية مصادر متعددة يرجع إليها في الحكم من ناحيته الموضوعية ، فمع وجود جملة من الأحكام التي أخذت أساساً من مصادر الشريعة الإسلامية ، إلا أن لعوارف البادية في قضائهم مصادر أخرى ذات فاعلية كبيرة في الأحكام واستقاء موضوعاتها كالعرف والسوابق القبلية ونحو ذلك .
وأما من الناحية الشكلية فأن لقضاء البادية في ذلك الوقت جملة من الطقوس والأعراف الضابطة لعملية التقاضي في صيغتها ونواحيها الشكلية بحيث يلزم مراعاتها والتقيد بها أمام العرافة حال المرافعة لديه ، وقد تختلف هذه الأعراف باختلاف موضوع النزاع أو من يعرض عليه إلى ما هنالك مما شاع وذاع في تلك البيئات ونطاق عاداتها وتقاليدها .
نمط قضاء الحاضرة
في المدن والبلدان المتحضرة في الجزيرة العربية عند قيام الدولة السعودية تتوفر أنشطة علمية وثقافية أثرت في اصطباغ القضاء بصيغة تأصيلية جيدة حيث يعي مجمل الناس وجوب الحكم بحكم الشريعة , وضرورة التحاكم إليه ، كما تلقى الدراسات الفقهية وبخاصة في المذهب الحنبلي رواجاً كبيراً في أوساط المتعلمين مما أوجد عدداً غير قليل من المتأهلين لتولي مهمة القضاء والحكم في عموم الخصومات ، ولتحلي غالب القضاة في تلك الفترة بالعدل وحب الخير والحرص على الاستقامة كان لهذه الفئة نوع من التميّز والاحترام والتقدير في نظر أفراد المجتمع ، كما أن شيوع الأوقاف الخيرية في بيئة الناس ومنها ما يصرف على القضاء والقضاة لذلك اثر في تخصص جملة من أهل العلم بوظيفة الحكم والقضاء وقيامهم بها ، وقد كان لفقهاء المذهب الحنبلي في بلاد الجزيرة قصب السبق في تولي هذه الوظيفة والقيام بها خاصة في بلدان نجد ، وقد وجد في جهات أخرى من الجزيرة تولي عمل القضاء من فقهاء المذاهب الأخرى إلا أن الغالب توليه من قبل فقهاء مذهب الحنابلة .
أما من الناحية الشكلية فلم يكن للقضاء في عموم أنحاء الجزيرة تنظيم أو ترتيب قلمي أو إجرائي سوى بعض الجوانب اليسيرة في قضاء الحجاز حيث عرف التسجيل للصكوك ونحو ذلك وهي إجراءات قلمية محدودة.
ولحصول الاختلاف في أنماط القضاء في واقع الناس حال قيام الدولة السعودية ، ولكون تحكيم الشريعة الإسلامية والتحاكم إليها أساس من أسس منهج الدولة الذي تقوم عليه وتسعى جاهدة في سبيل تحقيقه فقد اتجه اهتمام الدولة ذلك الوقت من قبل ولاتها وعلمائها وقضاتها إلى فرض أحكام الشريعة الإسلامية في قضاء الناس حاضرتهم وباديتهم ليصبح الحكم والسيادة للشريعة واحكامها في جميع مناحي الحياة ونشاطاتها المختلفة ، ومع عناية حكَام الدولة بجانب الإلزام بمثل هذا الواجب فقد كان ثمة حرص متواصل على نشر الوعي بين فئات المجتمع بوجوب الاحتكام للشرع الإسلامي وتحكيمه وعدم صحة الحكم بغيرة ، وقد ظهر لتأهيل الناس وتوعيتهم في هذا الخصوص أثر بالغ في تطلَبهم للحكم بما أنزل ربهم وعدم قبولهم لحكم غيره ، كما كان لذلك أثر ظاهر في قناعة المتخاصمين بحكم الشريعة وانصياعهم له اعتقاداً منهم وإيماناً بوجوب ذلك تحقيقاً لقول الله تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء 4/65 ونحو ذلك من النصوص .
ولذا فيمكننا القول بان أبرز جهد بُذل في العهود الأولى للدولة السعودية في جانب القضاء هو في تأصيل وتأسيس القناعة بحكم الشريعة وتوحيد قضاء الناس على ذلك ، وهذا العمل الجليل يُعد أهم ركيزة في القضاء والحكم قبل النظر للجوانب الشكلية والتنظيمات الإجرائية ، كما أن العناية بهذا التأسيس أوجب وألزم من غيره مما هو دونه .
وقد عرف في فترة الدولة السعودية إلى بدايات تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله رحمة واسعة - عدد كبير من القضاة الذين كانوا على جانب ضليع في العلم الشرعي ، وحالٍ زكية في الديانة ، والإستقامة ، والخلق ، والإنصاف ، والعدل مما جعلهم منارات يتأسى بهم من بعدهم .
وفيما يلي تراجم موجزة لبعض مشاهيرهم
الشيخ / حسين بن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - (1224هـ) ، ولد في مدينة الدرعية ، ونشأ فيها ، قرأ على والده وعدد من العلماء حتى برز في علوم كثيرة ، كان جهوري الصوت ، تولى إمامة جامع الدرعية ، وولى قضاءها في زمن الإمامين عبد العزيز بن محمد بن سعود وابنه سعود - رحمهم الله - ، وكان محمود السيرة في قضائه معروفاً بالعدل والإنصاف . توفي عام 1224هـ رحمه الله
الشيخ / حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر – رحمه الله – (1160 – 1225هـ) ، ولد في مدينة العيينة ، وتتلمذ على عدد من علماء الدرعية بعد انتقال والده إليها ، ومنهم الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - والشيخ حسين بن غنّام - رحمه الله - حتى بلغ في العلم شأواً كبيراً ، وقد عينّه الإمام سعود في قضاء الدرعية ، وفي عام 1221هـ عينّه رئيساَ لقضاة مكة المكرمة وصار مشرفاً على قضائها وما يتبعها ، له مناظرات كثيرة مع علماء مكة في التوحيد والعقائد ، توفي بمكة عام 1225هـ ودفن بها . رحمه الله
الشيخ / عبد الرحمن بن نامي - رحمه الله - ، ولد في بلدة العيينة ، وقرا على علمائها وتتلمذ على الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وابنه الشيخ عبد الله - رحمهما الله - ولاه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود - رحمه الله - قاضياً في بلدة العيينة ثم نقله إلى الأحساء عام 1223هـ ، وفي عام 1234هـ استولى الطاغية إبراهيم باشا على الأحساء بعد تخريبه للدرعية ، وكان ممن قتلهم من أعيان الأحساء المترجم له فرحمه الله
الشيخ العلامة / عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - (1193 - 1285هـ) ، ولد في الدرعية وحضر دروس جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وتتلمذ على علماء بلده حتى أصبح إماماً في العلم تولى التدريس والفتيا في سن مبكرة لنبوغه وتميّزه ، تولى قضاء الدرعية وقضاء مكة المكرمة ، ارتحل إلى مصر بعد الحملات التركية للقضاء على الدرعية ثم رجع إلى نجد عام 1241هـ بعد أن ناظر وناقش وباحث علماء مصر ، واستمر في التعليم والبذل بعد عودته إلى حين وفاته عام 1285هـ فرحمه الله
الشيخ / صالح بن قرناس بن عبد الرحمن بن قرناس - رحمه الله - (1253 - 1336هـ) ولد في مدينة الرس بالقصيم ، واشتغل بالعلم حتى نبغ فيه ، تولى قضاء الرس وعنيزة وبريدة ، ومكث في القضاء خمساً وخمسين عاماً إلى أن توفي في بلدة الرس عام 1336هـ رحمه الله
الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الحصيّن – رحمه الله – (1154 – 1237هـ) ، ولد في قرية الوقف من قرى القرائن من بلدان الوشم ، تتلمذ على الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب 0 رحمه الله وغيره من العلماء ، وكان نابهاً مبرزاً في عدد من العلوم ، تولى القضاء في منطقة الوشم ، وكان ورعاً عابداً ، حريصاً على نشر العلم ونفع الناس ، تولى مناطرة علماء مكة في التوحيد أيام الشريف غالب حتى هدى الله الشريف على يديه للتمسك بالسنة ، وكانت له مواقف مشهودة مع الطاغية إبراهيم باشا لصد عدوانه على شقراء وما حولها من البلدان . توفي في بلدة شقراء عام 1237هـ فرحمه الله
· نمط قضاء الحاضرة
· جهود الملك عبدالعزيز- يرحمه الله- في تنظيم عمل القضاء
· هيمنة القضاء واستقلاله
· مصادر الاحكام
· تشكيل مؤسسات القضاء
· رئاسة القضاء
· تشكيل الدوائر القضائية التابعة لوزارة العدل
· وزارة العدل
· مهمة وزارة العدل
· مجلس القضاء الاعلى
تاريخ القضاء في الدولة السعودية
قامت الدولة السعودية المباركة منذ بواكيرها في قلب الجزيرة العربية ، تحمل رسالة الإسلام ، وتحكم بشريعته في سائر شؤون الحياة ونشاطاتها البشرية المختلفة ، فقد تأسست الدولة السعودية الأولى بعد لقاء الأمير محمد بن سعود - رحمه الله - أمير الدرعية بالشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وتعاقدهما على القيام بنصرة دين الله ونشر عقيدة التوحيد الخالص لله رب العالمين ، والجهاد في سبيل ذلك في عام 1157هـ في بلدة الدرعية بعد ورود الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمة الله - إليها قادماً من بلدة العيينة ، فكان لقاءاً تاريخياً مباركاً عمت خيراته أرجاء الجزيرة العربية ، حيث كانت الجزيرة تعيش حالة متردية في كافة جوانب الحياة العقدية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، نجم عن ذلك انعدام الاستقرار وضعف الأمن وشيوع الفوضى ، وقد تزامن مع هذه الأحوال ضيق في المعيشة وانشغال الناس باستحصال أقواتهم وما به قوام عيشهم مما أبعدهم عن تطلُّب العلم والتوجه إليه فعم الجهل وذاعت ظواهر الإشراك والبدعة ، وانتشرت أسباب المنكرات ، واستحكم في واقع فئام من الناس نعرات الجاهلية وتقاليدها وأعرافها .
في مثل هذه الظروف والأحوال الصعبة نهض الإمامان الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - بالدعوة إلى التوحيد وتحكيم الشريعة ، ونبذ أعراف الجاهلية ، ومنابذة أهلها وحماتها حتى تحققت العزة والنصر والتمكين للحق وأهله ، وقد تتابعت الجهود وتوالت من نسل الإمامين وأبنائهما وأتباعهما حتى سادت الدعوة وعمت أرجاء الجزيرة العربية ، وانتشر نور التوحيد ، وأقام حكّام الدولة السعودية أحكام الشريعة وتآلف الناس تحت ظلال هذا الحكم الوارف ، ولكن الجزيرة العربية في أطرافها ومناطقها - إبان قيام الدولة السعودية قد خضعت في سالف الزمن لأنواع متباينة من الحكم حيث اختلفت تبعاً لذلك أنماط وصيغ القضاء من منطقة إلى أخرى حسبما غلب على كل منطقة ، وما جرت به عادات أهلها ومبلغهم من الوعي الثقافي والنشاط التنظيمي ومن خلال الاستقراء المجمل لواقع الجزيرة العربية نجد أن بعض أطرافها ونواحيها كالحجاز والأحساء قد ظهر فيها نوع من التنظيم الإجرائي والتسجيل القلمي لعمل القضاء ، بخلاف أنحاء أخرى من المملكة كان الغالب عليها نظام الحكم العشائري مما أثّر على نمط القضاء بصيغة النظام القبلي المراعي للأعراف والعادات والتقاليد دون اعتناء بالجوانب الشكلية والإجرائية ، وقد حرص حكّام الدولة السعودية منذ تأسسها على العناية بجمع أوجه الاختلاف في عموم المناطق وفق منهجية موحدة قدر الاستطاعة ، إلا أن الاهتمام بالموضوع وانطباقه وموافقته للشريعة كان أولى بتلك العناية من الشكل والتنظيم ، كما أن الظروف المختلفة التي أحاطت كل مراحل الدولة السعودية أثرت تأثيراً مباشراً على اطراد العملية التنظيمية فيها ومستوى ما وصلت إليه .
ويمكن تقسيم أنواع القضاء في الجزيرة العربية إبان قيام الدولة السعودية إلى قسمين :
نمط قضاء البادية .
نمط قضاء الحاضرة .
نمط قضاء البادية
يستقر في الجزيرة العربية العديد من القبائل والعشائر التي تعيش وفق نمط البادية ولها أعرافها وتقاليدها وعاداتها الموروثة فيما بينها ، وفي هذا اللون من الحياة المتأثر بمحدودية بيئته وما يستحكم فيها من موروث ثقافي واجتماعي يظهر للقضاء نمط مختلف عن غيرة ، فقاضي البدو ، وهو ما يسمى لدى بعضهم بالعارفة - أي القاضي العالم بأعراف البادية عامة وأعراف الجماعة التي تنتمي إليها القبيلة خاصة - ، والعارفة المتولي لأمر الحكم شخصية تفرض نفسها بقناعة المجتمع البدوي بها لما يتوفر فيها من معرفة عالية وأخلاق حميدة واستقامة وعدل وبعد في النظر ، وبقدر ما تتكامل شخصية العارف بقد ما يحظى بمزيد قناعة ورضى من المحتكمين إليه ، وقد كان لشيوخ القبائل في الجزيرة عناية فائقة بالعوارف وما يصدر عنهم من أحكام وأقضية حيث يحرص شيخ القبيلة وأميرها على حفظ العارفة وتطبيق أحكامه وإلْزام الناس بها ، وقد كان للعوارف في وقتهم نوع من الترتيب الطبقي حسب قيمة العارفة الاجتماعية بحيث يتم مراجعة العارفة الأعلى في النزاع حين لا تحصل القناعة بحكم من دونه .
وللقضية البدوية مصادر متعددة يرجع إليها في الحكم من ناحيته الموضوعية ، فمع وجود جملة من الأحكام التي أخذت أساساً من مصادر الشريعة الإسلامية ، إلا أن لعوارف البادية في قضائهم مصادر أخرى ذات فاعلية كبيرة في الأحكام واستقاء موضوعاتها كالعرف والسوابق القبلية ونحو ذلك .
وأما من الناحية الشكلية فأن لقضاء البادية في ذلك الوقت جملة من الطقوس والأعراف الضابطة لعملية التقاضي في صيغتها ونواحيها الشكلية بحيث يلزم مراعاتها والتقيد بها أمام العرافة حال المرافعة لديه ، وقد تختلف هذه الأعراف باختلاف موضوع النزاع أو من يعرض عليه إلى ما هنالك مما شاع وذاع في تلك البيئات ونطاق عاداتها وتقاليدها .
نمط قضاء الحاضرة
في المدن والبلدان المتحضرة في الجزيرة العربية عند قيام الدولة السعودية تتوفر أنشطة علمية وثقافية أثرت في اصطباغ القضاء بصيغة تأصيلية جيدة حيث يعي مجمل الناس وجوب الحكم بحكم الشريعة , وضرورة التحاكم إليه ، كما تلقى الدراسات الفقهية وبخاصة في المذهب الحنبلي رواجاً كبيراً في أوساط المتعلمين مما أوجد عدداً غير قليل من المتأهلين لتولي مهمة القضاء والحكم في عموم الخصومات ، ولتحلي غالب القضاة في تلك الفترة بالعدل وحب الخير والحرص على الاستقامة كان لهذه الفئة نوع من التميّز والاحترام والتقدير في نظر أفراد المجتمع ، كما أن شيوع الأوقاف الخيرية في بيئة الناس ومنها ما يصرف على القضاء والقضاة لذلك اثر في تخصص جملة من أهل العلم بوظيفة الحكم والقضاء وقيامهم بها ، وقد كان لفقهاء المذهب الحنبلي في بلاد الجزيرة قصب السبق في تولي هذه الوظيفة والقيام بها خاصة في بلدان نجد ، وقد وجد في جهات أخرى من الجزيرة تولي عمل القضاء من فقهاء المذاهب الأخرى إلا أن الغالب توليه من قبل فقهاء مذهب الحنابلة .
أما من الناحية الشكلية فلم يكن للقضاء في عموم أنحاء الجزيرة تنظيم أو ترتيب قلمي أو إجرائي سوى بعض الجوانب اليسيرة في قضاء الحجاز حيث عرف التسجيل للصكوك ونحو ذلك وهي إجراءات قلمية محدودة.
ولحصول الاختلاف في أنماط القضاء في واقع الناس حال قيام الدولة السعودية ، ولكون تحكيم الشريعة الإسلامية والتحاكم إليها أساس من أسس منهج الدولة الذي تقوم عليه وتسعى جاهدة في سبيل تحقيقه فقد اتجه اهتمام الدولة ذلك الوقت من قبل ولاتها وعلمائها وقضاتها إلى فرض أحكام الشريعة الإسلامية في قضاء الناس حاضرتهم وباديتهم ليصبح الحكم والسيادة للشريعة واحكامها في جميع مناحي الحياة ونشاطاتها المختلفة ، ومع عناية حكَام الدولة بجانب الإلزام بمثل هذا الواجب فقد كان ثمة حرص متواصل على نشر الوعي بين فئات المجتمع بوجوب الاحتكام للشرع الإسلامي وتحكيمه وعدم صحة الحكم بغيرة ، وقد ظهر لتأهيل الناس وتوعيتهم في هذا الخصوص أثر بالغ في تطلَبهم للحكم بما أنزل ربهم وعدم قبولهم لحكم غيره ، كما كان لذلك أثر ظاهر في قناعة المتخاصمين بحكم الشريعة وانصياعهم له اعتقاداً منهم وإيماناً بوجوب ذلك تحقيقاً لقول الله تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء 4/65 ونحو ذلك من النصوص .
ولذا فيمكننا القول بان أبرز جهد بُذل في العهود الأولى للدولة السعودية في جانب القضاء هو في تأصيل وتأسيس القناعة بحكم الشريعة وتوحيد قضاء الناس على ذلك ، وهذا العمل الجليل يُعد أهم ركيزة في القضاء والحكم قبل النظر للجوانب الشكلية والتنظيمات الإجرائية ، كما أن العناية بهذا التأسيس أوجب وألزم من غيره مما هو دونه .
وقد عرف في فترة الدولة السعودية إلى بدايات تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله رحمة واسعة - عدد كبير من القضاة الذين كانوا على جانب ضليع في العلم الشرعي ، وحالٍ زكية في الديانة ، والإستقامة ، والخلق ، والإنصاف ، والعدل مما جعلهم منارات يتأسى بهم من بعدهم .
وفيما يلي تراجم موجزة لبعض مشاهيرهم
الشيخ / حسين بن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - (1224هـ) ، ولد في مدينة الدرعية ، ونشأ فيها ، قرأ على والده وعدد من العلماء حتى برز في علوم كثيرة ، كان جهوري الصوت ، تولى إمامة جامع الدرعية ، وولى قضاءها في زمن الإمامين عبد العزيز بن محمد بن سعود وابنه سعود - رحمهم الله - ، وكان محمود السيرة في قضائه معروفاً بالعدل والإنصاف . توفي عام 1224هـ رحمه الله
الشيخ / حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر – رحمه الله – (1160 – 1225هـ) ، ولد في مدينة العيينة ، وتتلمذ على عدد من علماء الدرعية بعد انتقال والده إليها ، ومنهم الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - والشيخ حسين بن غنّام - رحمه الله - حتى بلغ في العلم شأواً كبيراً ، وقد عينّه الإمام سعود في قضاء الدرعية ، وفي عام 1221هـ عينّه رئيساَ لقضاة مكة المكرمة وصار مشرفاً على قضائها وما يتبعها ، له مناظرات كثيرة مع علماء مكة في التوحيد والعقائد ، توفي بمكة عام 1225هـ ودفن بها . رحمه الله
الشيخ / عبد الرحمن بن نامي - رحمه الله - ، ولد في بلدة العيينة ، وقرا على علمائها وتتلمذ على الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وابنه الشيخ عبد الله - رحمهما الله - ولاه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود - رحمه الله - قاضياً في بلدة العيينة ثم نقله إلى الأحساء عام 1223هـ ، وفي عام 1234هـ استولى الطاغية إبراهيم باشا على الأحساء بعد تخريبه للدرعية ، وكان ممن قتلهم من أعيان الأحساء المترجم له فرحمه الله
الشيخ العلامة / عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - (1193 - 1285هـ) ، ولد في الدرعية وحضر دروس جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وتتلمذ على علماء بلده حتى أصبح إماماً في العلم تولى التدريس والفتيا في سن مبكرة لنبوغه وتميّزه ، تولى قضاء الدرعية وقضاء مكة المكرمة ، ارتحل إلى مصر بعد الحملات التركية للقضاء على الدرعية ثم رجع إلى نجد عام 1241هـ بعد أن ناظر وناقش وباحث علماء مصر ، واستمر في التعليم والبذل بعد عودته إلى حين وفاته عام 1285هـ فرحمه الله
الشيخ / صالح بن قرناس بن عبد الرحمن بن قرناس - رحمه الله - (1253 - 1336هـ) ولد في مدينة الرس بالقصيم ، واشتغل بالعلم حتى نبغ فيه ، تولى قضاء الرس وعنيزة وبريدة ، ومكث في القضاء خمساً وخمسين عاماً إلى أن توفي في بلدة الرس عام 1336هـ رحمه الله
الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الحصيّن – رحمه الله – (1154 – 1237هـ) ، ولد في قرية الوقف من قرى القرائن من بلدان الوشم ، تتلمذ على الشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب 0 رحمه الله وغيره من العلماء ، وكان نابهاً مبرزاً في عدد من العلوم ، تولى القضاء في منطقة الوشم ، وكان ورعاً عابداً ، حريصاً على نشر العلم ونفع الناس ، تولى مناطرة علماء مكة في التوحيد أيام الشريف غالب حتى هدى الله الشريف على يديه للتمسك بالسنة ، وكانت له مواقف مشهودة مع الطاغية إبراهيم باشا لصد عدوانه على شقراء وما حولها من البلدان . توفي في بلدة شقراء عام 1237هـ فرحمه الله